إجماعات احتج بها شيخ الضلالة
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فمن عجيب أمر هذا المدخلي! أنه في الوقت الذي يرد فيه - بكل جرأة وتبجح - إجماعاً
ثابتاً لا مطعن فيه ولا مغمز؛ بحجج بالية واعتذرات واهية؛ كقوله:
"هل عبدالله
بن شقيق ذهب إلى الصحابة صحابياً صحابياً، وكلهم قال له هذا؟! هذه احتمالات بارك
الله فيكم؛ لو كان هذا الإجماع ينقل جيلاً عن جيل؛ مثل نقل الإجماع على وجوب
الصلاة والزكاة والصوم والحج؛ لا تجد أحداً يخالفه إن شاء الله من هؤلاء"اهـ
(فتاوى فقهية متنوعة ص 4)
أقول: في الوقت
الذي يفعل فيه هذا؛ نجده يقبل إجماعات لا ترقى أبداً لإجماع عبدالله بن شقيق؛ بل
على قانونه هو؛ لا تثبت، ولا يُحتج بها، ويجوز مخالفتها؛ لأنها إجماعات ظنية.
من
ذلك:
قوله: "ادَّعى (ابن القيم) الإجماع في كتابه
جلاء الأفهام؛ على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد. ولا خلاف بين
الصحابة في ذلك"اهـ (بتصرف من مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وحقوقه ص 33)
قلت:
1-
هل ذهب ابن القيم
إلى الصحابة؛ صحابياً صحابياً، وإلى التابعين؛ تابعياً تابعياً، وإلى من جاء بعدهم
من أتباع التابعين، وأتباعهم، وهلم جرا؟! هذا إن كان عاصر أحداً منهم؛ فكيف وبينه
وبينهم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي.
2-
كيف يطلب منا
المدخلي أنه نصدقه في دعواه؛ عدم وجود الخلاف بين الصحابة، وهو الذي بينه وبينهم
أكثر من ألف وأربع مئة سنة؛ في الوقت الذي يرد فيه كلام عبدالله بن شقيق الذي عاصر
كثيراً منهم، وروى عن كبارهم؟!
3-
فإذا كان المدخلي
قد ارتضى هاتين الدعويين: دعوى الإجماع الذي ذكره ابن القيم، ودعواه هو في عدم
وجود خلاف بين الصحابة؛ فلم لم يقبل دعوى مثلها - هذا على أقل تقدير - في عدم وجود
خلاف بين الصحابة في كفر تارك الصلاة.
علماً بأنها دعوى مسندة؛ بخلاف دعوى المدخلي التي لا زمام لها، ولا خطام.
4-
على قول المدخلي:
لا يكون الإجماع صحيحاً مقبولاً؛ إلا إذا كان منقولاً جيلاً عن جيل؛ مثل نقل
الإجماع على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج؛ وعلى هذا؛ فلا إجماع في الدنيا يصح؛
إلا إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة.
5-
على قول المدخلي؛
تُهدر إجماعات كثيرة تلقاها أهل العلم بالقبول؛ بحجة أنها لم تنقل لنا جيلاً عن
جيل، أو أن من نقل الإجماع لم يلق جميع من نقل عنهم.
وقوله: "إنما نقلت الإجماع عن ابن تيمية وغيره؛
على وجوب نقد أهل البدع والتحذير منهم نصحاً للإسلام والمسلمين"اهـ (بيان
فساد المعيار حوار مع حزبي متستر ص 128)
قلت:
أين سند هذا
الإجماع الذي ادعاه ابن تيمية، وغيره؟
وهل لقي - هو أو
غيره - هؤلاء الذين نقل عنهم هذا الإجماع؟
ماذا لو رد أحد
هذا الإجماع بمثل حجتك؛ فقال: "لو كان هذا الإجماع ينقل جيلاً عن جيل؛ مثل
نقل الإجماع على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج؛ لا تجد أحداً يخالفه إن شاء
الله من هؤلاء".
وقوله: "الإجماع على تحريم المكوس وهي الضرائب، وأما
الإجماع: فقال ابن حزم رحمه الله: (واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم على الطرق
وعند أبواب المدن وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة
والتجار؛ ظلم عظيم، وحرام، وفسق"اهـ (العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم
ص 22)
قلت:
1-
إن كان ابن حزم
يعني بقوله: "اتفقوا". الصحابة والتابعين، وأتباعهم؛ فهو لم يعاصرهم
أصلاً.
2-
وإن كان يعني: الأمة؛
فهل قابل كل فرد من أفراد الأمة؛ حتى يقول هذا؟!
3-
ثم ما يدريه؛
لعلهم اختلفوا.
وقوله: "ولا يدري أن المسألة - دية المرأة على
النصف من دية الرجل - من المسائل التي أجمعت عليها الأمة؛ ذكر الإجماع عليها: الإمام
الشافعي، وابن المنذر، وابن عبدالبر، وابن حزم، وابن قدامة، وابن تيمية"اهـ
(كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها ص 35)
قلت:
الشافعي لم يدرك
عصر الصحابة ولا التابعين؛ فكيف يحكي إجماعهم؟!
فإذ ذلك كذلك؛ فكيف
تحتج بابن المنذر وابن عبدالبر وابن حزم وابن قدامة وابن تيمية؟!
وقوله: "ومن علماء المشرق: إمام الحرمين، وقد حكى
الإجماع على صحة ما في الصحيحين، ومنهم: أبو إسحاق الإسفرائيني؛ قال رحمه الله: (أهل
الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع"اهـ
(التنكيل بما في توضيح المليباري من أباطيل ص 57)
قلت:
1-
بغض النظر عن
تعظيم المدخلي لصاحب بدعة كالجويني، فإن المدخلي مطالب بإظهار سند الجويني -
الصحيح - إلى الصحابة؛ فإن لم يكن فإلى التابعين؛ فإن لم يكن؛ فإلى أتباع
التابعين؛ فإن يكن فإلى أتباع أتباع التابعين؛ وإلا فكلامه مجرد دعوى يستجيزها كل
أحد.
2-
العجب من
المدخلي؛ كيف يقبل إجماع الجويني وغيره؛ ممن لم يعاصروا أحداً من السلف ولا رأوه،
ولا نقلوا شيئاً عنه، وفي المقابل يطعن في نقل رجل أدرك عصر الصحابة، ولقي كثيراً
منهم، وروى عن عمر، وأبي ذر، والكبار.
وقوله: "وقد هوشت بشدة على الشوكاني الذي ادعى
الإجماع على أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، وهوشت على العلماء: البقاعي، وغيره؛
الذين صرحوا ونقلوا عن العلماء؛ أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم. ومن مستنداتهم
الأصل العظيم القائم على الأدلة والبراهين؛ ألا وهو الأخذ بالظاهر المأخوذ من
أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطبيقاته ومن قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب
رضي الله عنه، وتقرير الصحابة له على هذا الأصل"اهـ (التنكيل ص 52)
قلت:
1-
قد هوشت - يا
ربيع - بشدة على عبدالله بن شقيق الذي نقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، وهوشت
على الأئمة والعلماء الذين نقلوا هذا الإجماع، وصرحوا بكفر تارك الصلاة. ومن
مستنداتهم الأصل العظيم القائم على الأدلة والبراهين؛ ألا وهو الأخذ بالظاهر
المأخوذ من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ (العهد الذي بيننا وبينهم ترك
الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر)؛ (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، ومن
قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا حظ في الإسلام لمن ترك
الصلاة)، وإقرار الصحابة له.
2-
إذا كنت قد هوشتَ
على السلف أجمعين؛ أفلا يحق للمأربي أن يهوش على الشوكاني؟!
3-
ثم من الشوكاني
أصلاً؛ حتى لا يهوش عليه المأربي؟!
قوله: "نقل البغوي رحمه الله في مقدمة شرح السنة
ص (227) اتفاق الصحابة فمن بعدهم على معاداة أهل البدع وهجرهم، وكذلك الإمام
الصابوني وغيرهما؛ نقلوا الإجماع على هذا، وإن كان الذي قلته قد قاله بعض الأئمة
الذين نحبهم ونجلهم، ولكن كل يؤخذ من قوله ويرد؛ لا سيما إذا خالف من ذكرهم البغوي،
وغيره"اهـ (انتقاد عقدي ومنهجي على كتاب السراج الوهاج ص 9)
قلت:
نقل ابن شقيق
العقيلي اتفاق الصحابة على كفر تارك الصلاة، وكذلك الحسن، وأيوب، وابن راهويه،
وغيرهم؛ نقلوا الإجماع على هذا، وتلقاه أهل العلم بالقبول، ولم يطعن فيه أحد منهم.
وإن كان الزهري وهو إمام نحبه ونجله؛ قد خالف؛ فكل يؤخذ من قوله ويرد؛ لا سيما إذا
خالف من ذكرهم: العقيلي، وغيره.
وقوله - عن نفسه - مخاطباً المأربي: "سلكتُ مسلك شيخ الإسلام، وقد عرفت حكاية الإجماع، وكأنك تعرض بشيخ
الإسلام؛ فإني حذوت حذوه؛ بل تعرض بإجماع علماء المسلمين"اهـ (التنكيل ص 108)
قلت:
ونحن سلكنا مسلك ابن
تيمية الذي نقل الإجماع على كفر تارك الصلاة في شرحه على العمدة؛ فكأنك تعرض بابن
تيمية؛ فنحن حذونا حذوه؛ بل تعرض بإجماع الصحابة.
ونقل: عن ابن الصلاح - مقراً له - قوله: "الإجماع
المبني على الاجتهاد؛ حجة مقطوعاً بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك"اهـ (حجج
وبراهين أهل السنة على أن أخبار الآحاد تفيد العلم ص 18)
قلت:
فاجعل الإجماع
على كفر تارك الصلاة؛ منها!
ونقل: عن ابن القيم قول الرازي: "وإن كان قد
خالف فيها قوم؛ فإنها عندنا شذوذ، ولا يعتد
بهم في الإجماع .. لأن ما كان هذا سبيله من الأخبار؛ فإنه يوجب العلم بصحة
مخبره؛ فإن السلف قد اتفقوا على قبول خبر هذا وصفه؛ من غير تثبت فيه، ولا معارضة
بالأصول؛ أو بخبر مثله؛ مع علمنا بمذاهبهم في قبول الأخبار، والنظر فيها"اهـ
(بتصرف من براءة أهل السنة فيما نسبه إليهم ذوو الفتنة ص 31)
قلت:
إن كان قد خالف
قوم في الإجماع الذي حكاه ابن شقيق وغيره؛ على كفر تارك الصلاة؛ فإنها عندنا شذوذ،
ولا يعتد بهم في الإجماع .. لأن ما كان هذا سبيله من الأخبار؛ فإنه يوجب العلم
بصحة مخبره؛ فإن السلف قد اتفقوا على قبول خبر هذا وصفه؛ من غير تثبت فيه، ولا
معارضة بالأصول؛ أو بخبر مثله؛ مع علمنا بمذاهبهم في قبول الأخبار، والنظر فيها.
وأخيراً؛ فقد قال المدخلي:
"وأزيد فأقول:
(قال شيخ الإسلام نفسه رحمه الله: والإجماع المدعى في الغالب؛ إنما هو عدم العلم
بالمخالف. وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء؛ متمسكهم فيها
عدم العلم بالمخالف؛ مع أن ظاهر الأدلة عندهم يقتضي خلاف ذلك؛ لكن لا يمكن للعالم؛
أن يبتدئ قولاً لم يعلم له قائلاً؛ مع علمه بأن الناس قد قالوا خلافه)"اهـ
(براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء ص 31)
قلت:
فإذا ذلك كذلك:
فلماذا ابتدأت
قولاً لم تسبق إليه؛ فطعنت في إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة؟! مع أنك تعلم أن
الإجماع المدعى في الغالب؛ إنما هو عدم العلم بالمخالف. وقد وجدنا من أعيان
العلماء من صاروا إلى القول بأشياء؛ متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف - مع أن ظاهر
الأدلة عندهم يقتضي خلاف ذلك - فكيف ولا دليل في مسألتنا هذه يخالف هذا الإجماع؟!
بل الأدلة تؤيده، وتعضده.