تناقضات
الفوزان
بسم
الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛؛؛ أما بعد:
قال
ابن تيمية: "من المعلوم أن مجرد نفور النافرين أو محبة الموافقين؛ لا يدل على
صحة قوله ولا فساده إلا إذا كان ذلك بهدى من الله؛ بل الاستدلال بذلك هو استدلال
باتباع الهوى بغير هدى من الله؛ فإن اتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل
الذي يحبه، ورد القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله؛ قال تعالى: {وَإِنَّ
كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وقال: {فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}، وقال تعالى لداود: {وَلَا
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {فَإِنْ
شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ
يَعْدِلُونَ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي
دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ
قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}، وقال تعالى:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَى
اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}؛ فمن اتبع
أهواء الناس بعد العلم الذي بعث الله به رسوله، وبعد هدى الله الذي بينه لعباده؛
فهو بهذه المثابة. ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع والتفرق المخالفين للكتاب
والسنة؛ أهل الأهواء؛ حيث قبلوا ما أحبوه، وردوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من
الله"اهـ (مجموع الفتاوى 4/189-190)
فتلخص من كلامه:
1-
أنه لا يُستدل على صحة القول أو فساده؛ بمحبة الموافقين؛ أو نفور النافرين؛
فإن محبة الموافقين لا تدل على صحة القول؛ كما أن نفور النافرين لا يدل على فساده؛
فعلى المسلم أن يلزم طريق الحق ولا يستوحش لقلة السالكين، ويحذر طريق الباطل ولا
يغتر بكثرة الناعقين.
2-
أن من أخذ
القول والفعل الذي يحبه ولو كان مخالفاً للكتاب والسنة، ورد القول والفعل الذي
يبغضه ولو كان موافقاً للكتاب والسنة؛ فهو ضال مبتدع متبع لهواه.
3-
أن من اتبع
أهواء الناس بعد العلم الذي بعث الله به رسوله، وبعد هدى الله الذي بينه لعباده؛ فهو
متبع لهواه؛ قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}، وقال جل شأنه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، وقال
سبحانه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا
لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ}.
4-
أن الإنسان يؤتى
من جهله، أو من هواه؛ فمن فرط في حق، أو تعدى إلى باطل؛ فلا بد أن يقع في البدعة.
وهذا ما أوقع الفوزان
في البدعة؛ فقد أعرض عن الحق، وتقلد الباطل، واتبع هواه، وساير الناس، وأنكر ما
كان يعرف، والأدهى من ذلك: أنه نصب نفسه حاكماً على منهج السلف؛ يقبل ما يحبه،
ويرد ما يبغضه، ويدخل من يشاء في السلفية، ويخرج من يشاء منها؛ فأبو حنيفة والنووي
وابن حجر وابن جبرين؛ سلفيون - وإن رغمت أنوف أهل السنة - والمتكلمون فيهم مبتدعة
ضلال، وحسدة جهال.
فالرجل لم يؤت
من جهله، وإلا لهان الخطب؛ بل أوتي من هواه، وأقواله تدل على ذلك:
1-
قال: "ليس
لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو سنة؛ حتى يعرضه على كتاب الله، وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم؛ فإن فعل عن جهل وظن أنه حق، ولم يُبيَن له؛ فهذا معذور بالجهل؛
لكن في واقع أمره يكون مبتدعاً، ونعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة".
2-
وسئل: هل يعذر
صاحب البدعة بجهله إذا وقع في البدعة؛ أم لا يعذر؟ فأجاب: "كيف يعذر؟ ينهى عن
المعصية وعن البدعة ويبين له. وأما أن يعذر بالجهل؛ هذا إلى الله سبحانه وتعالى،
ولكن نحن ما نتركه على البدعة، ولا ننكر عليه، ولا نبين له السنة، ونقول: هذا جاهل
ومعذور؛ لا؛ هذا حرام علينا أننا نسكت، ونتركه على البدعة؛ يجب علينا أن نبين له،
وأن ننصحه، وأن ننهاه عن البدعة".
3-
وسئل: هل من
وقع في بدعة عقدية؛ على الرغم من أنه قد عرف بالتزامه منهج أهل السنة في كل شيء،
ولكن وقع فقط في هذه البدعة؛ فهل يعتبر مبتدعاً؛ أم ينظر إلى منهجه كله؟
فقال:
"نعم؛ يعتبر مبتدعاً؛ إذا لم يتب
ويترك البدعة؛ فهو مبتدع، ولو كانت بدعة واحدة".
4-
وقال:
"وكل عالم لم يجرب عليه خطأ، ولم يجرب عليه
انحراف في السيرة، أو الفكر؛ فإنه يؤخذ عنه".
فهو هنا يقرر:
1-
أن من وقع في
بدعة، ولو عن جهل وظن أنه حق؛ يكون مبتدعاً، ويعامل معاملة المبتدع.
2-
وأن من وقع في
بدعة واحدة مع التزامه بمنهج السلف في كل شيء؛ فهو مبتدع أيضاً.
3-
وأن صاحب
البدعة لا يعذر بجهله.
4-
وأن السكوت عن
أهل البدع حرام لا يجوز.
5-
وأن أخذ العلم
لا يكون إلا على من لم يُجرب عليه خطأ، أو انحراف في السيرة.
ومع هذا يناقض
نفسه بنفسه؛ فيتكلم في أبي حنيفة، والنووي، وابن حجر، وابن جبرين، ومرجئة الفقهاء،
وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين؛ بما يخالف - جملة وتفصيلاً - ما يعرفه صغار طلبة
العلم من منهج السلف.
فأين منهج
السلف، وأين آثار السلف؟
وأين التطبيق
العملي لكلامه؟
قال الله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ
مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
فنعوذ بالله
من الحور بعد الكور، ونسأله سبحانه الإخلاص في السر والعلن، والثبات على الإسلام
والسنة.
قال الحسن رحمه الله: "اعتبروا الناس بأعمالهم،
ودعوا أقوالهم؛ فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل؛ يصدقه أو يكذبه؛
فإذا سمعت قولاً حسناً؛ فرويداً بصاحبه؛ فإن وافق قوله فعله؛ فنعم ونعمة عين".
ومن انتفخت
أوداجه، وغضب من الكلام في (بقية السلف) - ولا أدري ما الذي أغضبه؛ ألسنا نتحاكم
جميعاً إلى منهج السلف - نقول له:
أين غضبك
لمنهج السلف؟
أين غيرتك على
أئمة السلف؟!
تغار على
(بقية السلف)، ولا تغار على أئمة السلف!
أم تراك تقول:
منهج السلف أعلم، ومنهج (بقية السلف) أسلم، وأحكم!
أو: كلام
السلف ألغاز وأحاجي لا يفهمه إلا (بقية السلف) وإخوانه البقايا.
أو: منهج
السلف لا يصلح تطبيقه اليوم؛ لاختلاف الزمان، وغربة السنة، وقلة الأعوان.
هذه بضاعتك
أنت وجماعتك التي أفسدت البلاد والعباد.
ويالله العجب!
لو أن رجلاً أثنى ثناء عابراً على ابن قطب؛ لم يصفه بالإمامة، ولم يبدع من يبدعه؛
بل هو ثناء مجرد؛ لنودي عليه من أقطارها.
مع أن ابن قطب
لم يبدعه إلا المدخلي - وهو مبتدع مثله -؛ أما أبو حنيفة فأجمع أئمة السلف على
تبديعه.
فيا فرخ
المدخلي:
بيننا وبينك
منهج السلف؛ فرد بعلم وعدل؛ فإن لم تفعل - ولن تفعل - فكف عنا صراخك وعويلك،
وتشغيبك وتهويلك؛ أعاذنا الله من شرك.
وإياك أن
تتكلم بباطل، أو تدافع عن باطل؛ إرضاء لشخص، أو طائفة.
واعلم أن
الدفاع - الزائف - عن أشياخك؛ لا يكون إلا بالطعن في منهج السلف، وأئمته.
وهب أن (بقية
السلف) لا يستطيع الجهر بالحق، والقيام بواجب الوقت؛ فهلاّ سكت عن الكلام الباطل
حتى يسلم.
ثم اعلم أيضاً
أن أحداً من الناس لن يغني عنك من الله شيئاً؛ إنما هو معتقدك الحق، وعملك الصالح.
أما المنصفون
الذين لا يتعصبون إلا للدليل، ولا يعرفون القال والقليل، ولا يرتبطون بأشخاص قد
يبدلون ويتبدلون؛ لأنهم يعرفون أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
ولا يقلدون
دينهم الرجال؛ بل يرتبطون بمنهج ثابت لا يتغير ولا يتبدل؛ الناس جميعاً أمامه سواسية؛
لا فرق فيه بين كبير، وصغير.
وقد قال
الإمام الكبير سليمان بن حرب: "من زال عن السنة قيد شعرة فلا تعتدن به".
فلله دره من إمام.
وهل لا يعرف
أدعياء السلفية هذه الآثار؟!
لا شك أنهم
يعرفونها، ولعلهم يحفظونها؛ لكنهم لغرض ما؛ يريدونها يهودية؛ إذا سرق فيهم الشريف -
هذا إن كان شريفاً - تركوه، وإن فعلها غيره قطعوه.
فأقول لهم:
عزاؤكم في هذه
الآثار:
قال أبو العالية
رحمه الله: "عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه؛ قبل أن يفعلوا الذي فعلوا".
وقال ابن عباس
رضي الله عنهما: "عليك بالاستقامة، واتبع الأمر الأول، ولا تبتدع".
وقال الأوزاعي رحمه الله: "أما إنه لا يذهب
الإسلام؛ ولكن يذهب أهل السنة، حتى لا يبقى منهم في البلد الواحد إلا الرجل والرجلان،
وربما لا يبقى منهم أحد".
وقال نعيم بن حماد رحمه الله: "إذا فسدت الجماعة؛ فعليك بما كانت عليه
الجماعة قبل أن تفسد".