منهج السلف 11-12 يعقوب بن شيبة، وإسحاق بن أبي إسرائيل

منهج السلف الصالح في التعامل مع أخطاء العلماء 11-12
يعقوب بن شيبة، وإسحاق بن أبي إسرائيل
(11) يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو يوسف السدوسي.
روى عن: علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وعفان بن مسلم، ويعلى بن عبيد، ومعلى بن منصو، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وأسود بن عامر، وأبي نعيم، وقبيصة بن عتبة، ويحيى بن أبي بكير، وحسين المروزي، ومسلم بن إبراهيم، وأبي الوليد الطيالسي، ومحمد بن كثير، وأبي سلمة التبوذكي، وأبي أحمد الزبيري، وأحوص بن جواب، وأزهر بن سعد السمان، وبشر بن عمر الزهراني، وجعفر بن عون، وشجاع بن الوليد، وعبدالله بن بكر السهمي، ومحاضر بن المورع، وعبدالوهاب بن عطاء، ووهب بن جرير، وحجاج بن منهال، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، والحسن بن علي الحلواني، وهارون الحمال، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبي بكر الأعين، وخلق.
روى عنه: ابن ابنه محمد بن أحمد بن يعقوب، ويوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول، وطائفة.
ولد في حدود الثمانين، ومائة، توفي سنة اثنتين وستين ومائتين.
من أقوال أهل العلم فيه:
1-            قال يوسف بن إسحاق بن البهلول الأزرق: "حدثني يعقوب بن شيبة؛ قال: أظل عيد من الأعياد رجلاً - يومي إلى أنه من أهل عصره - وعنده مائة دينار لا يملك سواها؛ فكتب إليه رجل من إخوانه يقول له: قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ويستدعي منه ما ينفقه؛ فجعل المائة دينار في صرة وختمها وأنفذها إليه؛ فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيراً حتى وردت عليه رقعة أخ من إخوانه، وذكر إضاقته في العيد، ويستدعي منه مثل ما استدعاه؛ فوجه بالصرة إليه بختمها، وبقي الأول لا شيء عنده؛ فكتب إلى صديق له، وهو الثالث الذي صارت إليه الدنانير؛ يذكر حاله ويستدعي منه ما ينفقه في العيد؛ فأنفذ إليه الصرة بخاتمها؛ فلما عادت إليه صرته التي أنفذها بحالها ركب إليه ومعه الصرة، وقال له: ما شأن هذا الصرة التي أنفذتها إلي؟ فقال له: إنه أظلنا العيد، ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان؛ فكتبت إلى فلان أخينا أستدعي منه ما ننفقه؛ فأنفذ إلي هذه الصرة؛ فلما وردت رقعتك علي أنفذتها إليك؛ فقال له: قم بنا إليه؛ فركبا جميعاً إلى الثاني ومعهما الصرة، فتفاوضوا الحديث ثم فتحوها فاقتسموها أثلاثاً. قال يوسف: والثلاثة يعقوب بن شيبة، وأبو حسان الزيادي القاضي، وأنسيت الثالث".
2-            وقال الدارقطني: "لو كان كتاب يعقوب بن شيبة مسطوراً على حمام؛ لوجب أن يكتب".
3-            وقال الخطيب: "كان ثقة؛ سكن بغداد، وحدث بها، وصنف مسنداً معللاً إلا أنه لم يتممه".
4-            وقال: "كان يعقوب من فقهاء البغداديين على قول مالك؛ من كبار أصحاب أحمد بن المعدل، والحارث بن مسكين، وأخذ عن عدة من أصحاب مالك، وكان من ذوي السرو؛ كثير الرواية، والتصنيف، وكان يقف في القرآن، ولم يغير شيبه".
5-            وقال: حدثني الأزهري؛ قال: بلغني أنه كان في منزل يعقوب بن شيبة أربعون لحافاً؛ أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين الذين يبيضون المسند، ولزمه على ما خرَّج منه؛ عشرة آلاف دينار. وقيل لي: إن نسخة بمسند أبي هريرة شوهدت بمصر؛ فكانت مائتي جزء. والذي ظهر له من المسند: مسند العشرة، وابن مسعود، وعمار، وعتبة بن غزوان، والعباس، وبعض الموالي.
6-            وقال الذهبي: "الحافظ العلامة أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد صاحب المسند الكبير المعلل ما صنف مسند أحسن منه، ولكنه ما أتمه؛ كان من كبار علماء الحديث".
7-            وقال: "الحافظ الكبير العلامة الثقة صاحب المسند الكبير العديم النظير؛ المعلل الذي تم من مسانيده نحو من ثلاثين مجلداً، ولو كمل لجاء في مائة مجلد؛ يخرج العالي والنازل، ويذكر أولاً سيرة الصحابي مستوفاة؛ ثم يذكر ما رواه، ويوضح علل الأحاديث، ويتكلم على الرجال، ويجرح ويعدل بكلام مفيد عذب شاف؛ بحيث إن الناظر في مسنده لا يمل منه، ولكن قل من روى عنه".
8-            وقال: "وبلغني أن مسند علي رضي الله عنه له؛ في خمسة مجلدات".
(12) إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر.
روى عن: شريك، وعبدالرزاق، وحماد بن زيد، وعبدالرحمن بن أبي الزناد، وعبدالواحد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وعبدالقدوس بن حبيب، وعمرو بن عاصم، وروح بن المسيب، ويحيى بن سليم، والنضر بن علقمة، وعبدالعزيز بن خالد بن رستم الصنعاني، وحماد بن يوسف العامري، وعمران بن عبدالله البصري، وخلق.
روى عنه: أبو داود، ومحمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الأدب، وأبو العباس السراج، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وموسى بن هارون، وعبدالله بن ناجية، وأبو يعلى الموصلي، وأبو العباس الثقفي، وأبو حامد الحضرمي، وأبو القاسم البغوي، وأحمد بن القاسم الفرائضي، وغيرهم.
ولد سنة خمسين ومائة، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين.
من أقوال أهل العلم فيه:
1-            قال عبدوس بن عبدالله النيسابوري: "كان حافظاً جداً، ولم يكن مثله في الحفظ والورع".
2-            وقال يحيى بن معين: "ابن أبي إسرائيل أثبت من القواريري، وأكيس، وأضبط منه، ومن أبيه، ومن أهل قريته أجمعين؛ ثقة مأمون ضابط".
3-            وقال: "الثقة الصادق المأمون؛ ما زال معروفاً بالدين، والخير، والفضل".
4-            وقال: "من ثقات المسلمين؛ ما كتب حديثاً قط عن أحد من الناس إلا ما ضبطه هو في ألواحه، أو كتابه".
5-            وقال أبو القاسم البغوي: "كان ثقة مأموناً".
6-            وقال الدارقطني: "إسحاق بن أبي إسرائيل؛ ثقة".
ما أخذه أهل العلم على هذين الحافظين:
لما ضعفت شوكة القائلين بخلق القرآن، ولم يعد بإمكانهم الجهر بمذهبهم صراحة؛ أظهروا الكف عن الخوض في المسألة، وافترعوا قولاً جديداً؛ ظاهره الورع والخوف من الله، وباطنه القول بخلق القرآن، أو الشك فيه، وهو القول بالوقف؛ فقالوا: القرآن كلام الله، ولا نقول: مخلوق، ولا غير مخلوق.
ففطن أئمة السلف لحيلتهم، وعرفوا أنهم أرادوا بهذا القول؛ إخفاء حقيقة مذهبهم، واتقاء أهل السنة، وأنهم في واقع الأمر؛ شر من الجهمية.
قال الإمام أحمد لما سئل عن الواقفة؟ قال: "هم شر من الجهمية؛ استتروا بالوقف".
وقال: "الجهمية على ثلاث ضروب: فرقة قالوا: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله، وتقف، وفرقة قالوا: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؛ فهم عندي في المقالة واحد".
وقال: "افترقت الجهمية على ثلاث فرق: الذين قالوا مخلوق، والذين شكوا، والذين قالوا: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة".
وقال: "إن هؤلاء الواقفة شر من الجهمية؛ هم أشد على الناس تزييناً من الجهمية؛ هم يشككون الناس، وذلك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء إذا قالوا: إنا لا نتكلم؛ استمالوا العامة؛ إنما هذا يصير إلى قول الجهمية".
وسئل عمن يقف؛ فيقول: لا أقول: خالق، ولا مخلوق؛ فقال: "هو مثل من قال: القرآن مخلوق؛ فهو جهمي".
وقال: "احذروا رأي جهم؛ فإنه صاحب رأي، وكلام، وخصومات؛ فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم: أن الجهمية افترقت ثلاث فرق؛ فقالت طائفة منهم: القرآن كلام الله مخلوق. وقالت طائفة: القرآن كلام الله وسكتت، وهي الواقفة الملعونة. وقال بعضهم: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة. فكل هؤلاء جهمية كفار؛ يستتابون؛ فإن تابوا، وإلا قتلوا. وأجمع من أدركنا من أهل العلم: أن من هذه مقالته؛ إن لم يتب؛ لم يناكح، ولا يجوز قضاؤه، ولا تؤكل ذبيحته".
وقال عبدالله بن أبي سلمة العمري: "إن الذي لا يقول: إنه غير مخلوق؛ فهو يقول: مخلوق؛ إلا أنه جعل هذه سترة يستتر بها".
وقال قتيبة بن سعيد: "الواقفة جهمية".
وقال إسحاق بن راهويه، ومحمد بن مقاتل العباداني، ويحيى بن أيوب، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبدالوهاب الوراق، وهارون بن إسحاق، وخلق غيرهم: "الواقفة شر من الجهمية".
وقال محمد بن عبدالله بن نمير: "الوقف زندقة وكفر".
قال ابن تيمية: "الواقفة: الذين يعتقدون أن القرآن مخلوق، ويظهرون الوقف؛ فلا يقولون: مخلوق، ولا غير مخلوق، ويقولون: إنه محدث. ومقصودهم مقصود الذين قالوا: هو مخلوق. فيوافقونهم في المعنى، ويستترون بهذا اللفظ؛ فيمتنعون عن نفي الخلق عنه".
قلت:
ومما يبين ذلك؛ أن إمام الواقفة في زمن الإمام أحمد؛ هو محمد بن شجاع الثلجي؛ تلميذ بشر المريسي، وقد كان ابن الثلجي هذا؛ يُسمى ترس الجهمية؛ حتى أوصى بألا يُعطى من ثلث ماله؛ إلا من قال: القرآن مخلوق.
قال أحمد بن جعفر بن حمدان: "حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل؛ قال: سمعت القواريري قبل أن يموت بعشرة أيام، وذكر ابن الثلجي؛ فقال: هو كافر. فذكرت ذلك لإسماعيل القاضي؛ فسكت؛ فقلت له: ما أكْفَرَهُ إلا بشيء سمعه منه؟ قال: نعم".
وقال عبدالرحمن بن يحيى بن خاقان: "سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل؛ عن ابن الثلجي؛ فقال: مبتدع صاحب هوى".  
ومع هذا؛ فقد راج هذا القول الخبيث على بعض المحدثين؛ فقال به دون أن يفطن إلى ما يحمله من كفر، وأن حقيقة قول الواقفة: هو أن القرآن كلام الله؛ لكنه محدث؛ كان بعد أن لم يكن، وهو الذي أحدثه، وهذا سبب امتناعهم عن إطلاق القول؛ بأنه مخلوق، أو غير مخلوق.
قال عثمان بن سعيد الدارمي: "وكان من أكبر احتجاجهم علينا في ذلك؛ أن قالوا: إن ناساً من مشيخة رواة الحديث الذين عرفناهم عن قلة البصر بمذاهب الجهمية؛ سئلوا عن القرآن؛ فقالوا: لا نقول فيه بأحد القولين، وأمسكوا عنه؛ إذ لم يتوجهوا لمراد القوم؛ لأنها كانت أغلوطة وقعت في مسامعهم؛ لم يعرفوا تأويلها، ولم يبتلوا بها قبل ذلك؛ فكفوا عن الجواب فيه، وأمسكوا؛ فحين وقعت في مسامع غيرهم من أهل البصر بهم، وبكلامهم، ومرادهم ممن جالسوهم وناظروهم، وسمعوا قبح كلامهم؛ مثل من سمينا؛ مثل: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، والقاسم الجزري، وبقية بن الوليد، والمعافى بن عمران، ونظرائهم من أهل البصر بكلام الجهمية؛ لم يشكوا أنها كلمة كفر، وأن القرآن نفس كلام الله كما قال الله تبارك وتعالى، وأنه غير مخلوق إذ رد الله على الوحيد؛ قوله: إنه قول البشر. وأصلاه عليه سقر؛ فصرحوا به على علم ومعرفة؛ أنه غير مخلوق، والحجة بالعارف بالشيء، لا بالغافل عنه؛ القليل البصر به؛ فتعلق هؤلاء فيه بإمساك أهل البصر، ولم يلتفتوا إلى قول من استنبطه، وعرف أصله؛ فقلنا لهم: إن يك جبن هؤلاء الذين احتججتم بهم من قلة بصر؛ فقد اجترأ هؤلاء، وصرحوا ببصر، وكانوا من أعلام الناس، وأهل البصر بأصول الدين وفروعه؛ حتى أكفروا من قال: مخلوق؛ غير شاكين في كفرهم؛ ولا مرتابين فيهم".
وقال ابن تيمية: "السلف والأئمة؛ أعلم بالإسلام، وبحقائقه؛ فإن كثيراً من الناس؛ قد لا يفهم تغليظهم في ذم المقالة حتى يتدبرها، ويرزق نور الهدى؛ فلما اطلع السلف على سر القول؛ نفروا منه".
ومن مشيخة رواة الحديث الذين وقفوا في القرآن؛ هذان الحافظان الكبيران؛ ليس على سبيل الشك؛ بل تورعاً؛ حيث وجدا أن الناس قبل المحنة؛ كانوا يقولون: القرآن كلام الله. ولا يزيدون؛ فقالا: نقول كما كان الناس يقولون قبل أن يخضوا في الفتنة.
قال مصعب الزبيري: "ناظرني إسحاق بن أبي إسرائيل؛ فقال: لا أقول كذا، ولا أقول غير ذا؛ يعنى في القرآن؛ فناظرته فقال: لم أقل على الشك، ولكني أسكت كما سكت القوم قبلي".
وقال أبو العباس السراج: "سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل؛ يقول: هؤلاء الصبيان يقولون: كلام الله غير مخلوق؛ ألا قالوا: كلام الله، وسكتوا، ويشير إلى دار أحمد بن حنبل".
والصواب أنه لا يسعهم ذلك؛ فحيث تكلم الناس كان لا بد لهم أن يتكلموا؛ رداً للبدعة، وقمعاً للمبتدعة، وإظهاراً للحق، وبياناً لمذهب أهل السنة؛ لا سيما والتوقف؛ فيه تقوية لمذهب الجهمية، وذريعة للقول بخلق القرآن؛ فتبعث الفتنة من مرقدها مرة أخرى بعد ما خمدت.
قال الإمام أحمد: "كنا نأمر بالسكوت، ونترك الخوض في الكلام، وفي القرآن؛ فلما دعينا إلى أمر؛ ما كان بداً لنا من أن ندفع ذاك، ونبين من أمره ما ينبغي".
وقال أبو داود: "سمعت أحمد يسئل: هل لهم رخصة؛ أن يقول الرجل: كلام الله ويسكت؟
فقال: "ولم يسكت؛ لولا ما وقع الناس فيه؛ كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا؛ لأي شيء لا يتكلمون؟".
وسئل عمن وقف؛ فقال: لا أقول مخلوق، ولا غير مخلوق؟
فقال: "هذا كلام سوء؛ هو ذا موضع السوء؛ وقوفه؛ كيف لا يعلم؟ إما حلال، وإما حرام، إما هكذا، وإما هكذا؛ قد نزه الله عز وجل القرآن؛ عن أن يكون مخلوقاً، وإنما يرجعون هؤلاء إلى أن يقولوا: إنه مخلوق؛ فاستحسنوا لأنفسهم؛ فأظهروا الوقف؛ القرآن كلام الله غير مخلوق؛ بكل جهة، وعلى كل تصريف".
موقف أهل العلم منهما:
قال المروذي: "لما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف؛ حذر عنه أبو عبدالله، وأمر بهجرانه".
وقال عبدالرحمن بن خاقان: "سألت أبا عبدالله عن يعقوب بن شيبة؛ فقال: مبتدع صاحب هوى".
وقال أحمد بن حنبل: "تجهم ابن أبي إسرائيل بعد تسعين سنة".
وقال محمد بن يحيى الكحال: "ذكرت لأبي عبدالله؛ إسحاق بن أبي إسرائيل؛ فقال: ذاك أحمق".
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: "سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل ذكر ابن أبي إسرائيل؛ فقال: بعد طلبه للحديث وكثرة سماعه؛ شك؛ فصار ضالاً شكاكاً".
وقال أبو سلمة العبدي: "سمعت أبا عبدالله؛ يقول: إسحاق بن إسرائيل واقفي مشئوم".
وقال أبو حاتم الرازي: "كتبت عنه؛ فوقف في القرآن؛ فوقفنا عن حديثه، وقد تركه الناس حتى كنت أمر بمسجده، وهو وحيد لا يقربه أحد؛ بعد أن كان الناس إليه عنقاً واحداً".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: "إسحاق بن أبي إسرائيل؛ لم يكن أظهر الوقف حين سألت يحيى بن معين عنه، وهذه الأشياء التي ظهرت عليه بعد، ويوم كتبنا عنه كان مستوراً".
وقال زكريا الساجي: "صدوق؛ تركوه للوقف".
فرغم قلة بصر هذين الحافظين، وغيرهما ([1]) ممن توقف في مسألة القرآن؛ بمذاهب الجهمية، ورغم كونها أغلوطة؛ وقعت في مسامعهم؛ لم يعرفوا تأويلها، ولم يتبين لهم المراد منها؛ لا سيما وأصولهم ليست كأصول الجهمية؛ إلا أن أئمة السلف أجمعوا على تضليلهم، وتبديعهم، والتحذير منهم؛ غير ملتفتين إلى شيء من ذلك، ولا عابئين بحفظهم، وتقدمهم في العلم، ولا إلى كونهم قالوا ذلك تورعاً بحسب ما أداهم إليه اجتهادهم، وذلك لأنهم مأمورون باتباع الظاهر؛ وليسوا مكلفين بغير ذلك.
بخلاف الخلوف الذين يقولون: لا يبدع من وقع في البدعة جاهلاً أو مخطئاً أو متأولاً أو مجتهداً؛ بل يبدع من وقع فيها قاصداً البدعة متعمداً إياها؛ فمن ثم لا يبدعون أحداً، ويعتذرون للمبتدعة القدامى، ويرون أن الإنسان إذا ضل، وهو قاصد الهدى؛ فهو مأجور.
وأن المجتهد إذا وقع في البدعة؛ لا يؤثم، ولا يطلق عليه اسم: مبتدع.
وأن المبتدع هو الذي من عادته الابتداع؛ أما الذي وقع في بدعة واحدة؛ فلا يسمي مبتدعاً، ولو كان وقع في هذه البدعة عن هوي.
قال الألباني: "إذا إنسان ضل، وهو قاصد الهدى؛ هذا مأجور"اهـ (الهدى والنور - شريط رقم 751)
وقال: "المجتهد قد يقع في البدعة؛ لكن لا أؤثمه بها، ولا أطلق عليه اسم: مبتدع؛ هذا إذا خالف نصاً"اهـ (الهدى والنور - شريط رقم 849)
وقال: "المبتدع هو أولاً الذي من عادته الابتداع في الدين، وليس الذي يبتدع بدعة واحدة، ولو كان هو فعلاً ليس عن اجتهاد، وإنما عن هوي؛ مع ذلك هذا لا يسمي مبتدعاً"اهـ (الهدى والنور - شريط رقم 785)
تنبيه:
قال عبدالله بن أحمد: "حدثني أحمد بن إبراهيم؛ سمعت يحيى بن معين؛ سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل ونحن في مسجد في الزبيدية؛ يقول: «القرآن كلام الله عز وجل، وهو غير مخلوق»".
فالله أعلم بحقيقة الحال.



[1] - كالحسن بن علي الحلواني؛ قال داود بن الحسين البيهقي: "بلغني أن الحسن بن علي الحلواني؛ قال: إني لا أكفر من وقف في القرآن؛ فتركوا علمه".  وقال: "سألت أبا سلمة بن شبيب؛ عن عِلْم الحلواني؛ فقال: يُرمى في الحش؛ من لم يشهد بكفر الكافر؛ فهو كافر".
ومع هذا؛ فقد ذكره ابن حجر في هدي الساري؛ في ]من ضُعف بأمر مردود[؛ فقال: "تكلم فيه أحمد بسبب الكلام". هكذا؛ فليهنأ المداخلة بحافظهم، وإمامهم.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة