جهمية ربيع المدخلي (1)

جهمية ربيع المدخلي (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فقد نشر ربيع المدخلي المرجئ المعروف؛ مقالاً بعنوان ]الحلبي يؤيد وينشر أخطر أصول الجهمية[؛ حكم فيه على الحلبي؛ بأنه يؤيد وينشر أخطر أصول الجهمية؛ لأنه سكت عن بعض عبارات الطرطوشي صاحب كتاب (الحوادث والبدع)، ولم يبين ما فيها من البدع، والضلالات.
قال عجل الله بهلاكه، وأراح الأمة من شره: "ومن جهله وضلاله؛ تأييده ونشره لأخطر أصول الجهمية في تعليقاته على كتاب (الحوادث والبدع) للطرطوشي، وليعرف القارئ أن كتاب الطرطوشي؛ تحقيق وتعليق علي الحلبي؛ ينتشر منذ ثلاثة وعشرين عاماً؛ طبع خلالها ثلاث طبعات في حدود علمي؛ فكم من القراء اغتر بهذه الأصول الجهمية التي يؤيدها الحلبي وينشرها".
قلت: الذي ينشر الإرجاء والتجهم؛ هو المدخلي؛ فمنتدى (سحاب) الذي يزكيه؛ يعج بمقالات المرجئة والجهمية، ومن آخرها ما نشر بعنوان ]السجال المحمود في بيان المقام المحمود[ - نقلاً عن منتديات الكذاب المعروف أسامة بن عطايا – ففي هذا المقال: الانتصار لقول الجهمية، والطعن على أثر مجاهد الذي احتفى به أئمة السلف أيما احتفاء، وأجمعوا على قبوله والاحتجاج به، وأنه لا ينكره إلا جهمي؛ لكن أتباع المدخلي من الجهمية والمرجئة؛ لا يعرفون إلا كلام إمامهم الألباني الذي أخذ على عاتقه رفع راية الإرجاء والتجهم في هذا العصر؛ فتنكب طريق السلف في غير ما مسألة، وهذه منها؛ فضحك العقلاء من جهلهم، وسخافة عقولهم.
قال إبراهيم النخعي: "لم يدخر لكم شيء خبئ عن القوم لفضل عندكم"اهـ (جامع بيان العلم 1808)
وقال ابن الماجشون: "ارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم؛ فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبفضل لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون؛ فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن حدث حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفي؛ فما دونهم مقصر، ولا فوقهم محسر؛ لقد قصر دونهم أناس فجفوا، وطمع آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم"اهـ (ذم التأويل 67)
وقال الأوزاعي: "اصبر نفسك على السنة؛ وقف حيث وقف القوم, وقل بما قالوا, وكف عما كفوا عنه, واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم"اهـ (شرح أصول الاعتقاد للالكائي 315)
وقال الآجري: "علامة من أراد الله به خيراً سلوك هذه الطريق: كتاب الله، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان, ومن كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد، إلى آخر ما كان من العلماء، مثل: الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على طريقتهم، ومجانبة كل مذهب لا يذهب إليه هؤلاء العلماء"اهـ (الشريعة 1/301)
وقال ابن تيمية: "وإذا ذكروا نزاع المتأخرين؛ لم يكن بمجرد ذلك؛ أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً؛ لأن كثيراً من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام؛ مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً"اهـ (مجموع الفتاوى 13/26)
وإذ تقرر هذا؛ فهذه أقوال الأئمة، وبعض من أهل العلم ممن هم عند المداخلة محل قبول ورضا؛ بل يصفونهم بالإمامة في الدين، والتحقيق في العلم؛ في قبول أثر مجاهد رحمه الله، والتسليم له، والاحتجاج به، وأن من رده فهو جهمي.
قال أحمد بن حنبل:
"قد تلقته العلماء بالقبول؛ نسلم هذا الخبر كما جاء"اهـ (إبطال التأويلات 1/480)
وقال إسحاق بن راهويه:
"الإيمان بهذا الحديث، والتسليم له؛ من رد هذا الحديث فهو جهمي"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال أبو بكر المروذي:
"سمعت أبا عبدالله الخفاف؛ سمعت ابن مصعب، وقرأ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ فقال: نعم؛ يقعده معه على العرش"اهـ (العرش 2/218)
وقال عبدالله بن أحمد:
"وأنا منكر على من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت هذا الحديث من جماعة، وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية، وحدثنا هارون بن معروف؛ حدثنا ابن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ قال: (يقعده على العرش)؛ فحدث به أبي رحمه الله؛ فقال: كان ابن فضيل يحدث به؛ فلم يُقدَّر لي أن أسمعه منه"اهـ (العرش 2/224)
وقال:
"كتب إلي العباس العنبري بخط يده؛ حدثنا يحيى بن كثير العنبري؛ قال: ثنا سلم بن جعفر، وكان ثقة؛ عن الجريري؛ عن سيف السدوسي، عن عبدالله بن سلام؛ قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة قاعد على كرسي الرب بين يدي الرب عز وجل»؛ فقيل لأبي مسعود الجريري: إذا كان على كرسي الرب فهو معه؛ قال: نعم؛ مع الرب؛ ثم قال: هذا أشرف حديث سمعته قط، وأنا منكر على من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم"اهـ (السنة للخلال 280)
وقال عبدالوهاب الوراق:
"الذي رد فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم (يقعده على العرش)؛ فهو متهم على الإسلام"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال أبو بكر النجاد:
"قال أحمد: لم يرو هذا عن مجاهد وحده عن ابن عباس، وخرج في ذلك أحاديث، وقرأها على أصحابه، وهو أعرف بصحة الحديث ممن تقدم ذكره ممن أنكرها، ولأنا قد بينا أن معناها؛ القرب من الله تعالى، والقرآن والسنة يشهدان لذلك بقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وحديث الإسراء، وأنه «وضع يده بين كفيه»، وقوله: «عرج بي فلما ظهر لي المستوى؛ أقامني في موضع أسمع فيه صريف الأقلام بي يدي الرحمن»؛ فليس في روايتها ما يخالف الأصول"اهـ (إبطال التأويلات 1/491)
وقال:
"الذي ندين الله تعالى به، ونعتقده: ما قد رسمناه وبيناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبدالله بن العباس، ومن بعده من أهل العلم، وأخذوا به كابراً عن كابر، وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا؛ في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ أن المقام المحمود: هو قعوده صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش، وكان من جحد ذلك، وتكلم فيه بالمعارضة؛ إنما يريد بكلامه في ذلك؛ كلام الجهمية؛ يجانب، ويباين، ويحذر عنه .. وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل؛ فإنهم منكرون على من رد هذه الفضيلة. ولقد بين الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام؛ فتلقاه الناس بالقبول؛ فلا أحد ينكر ذلك، ولا ينازع فيه"اهـ (طبقات الحنابلة 2/9-11)
وقال محمد بن مصعب العابد:    
"هذا حتى ترى الخلائق منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى، وكرامته لديه؛ ثم ينصرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى غرفه وجناته وأزواجه؛ ثم ينفرد عز وجل بربوبيته"اهـ (طبقات الحنابلة 2/10)
وقال حمدان بن علي:
"هذا الحديث كتبته منذ خمسين سنة، وما رأيت أحداً يرده إلا أهل البدع"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال محمد بن عمر المصيصي:
"من رد حديث عبدالله بن سلام، وحديث مجاهد؛ في المقام المحمود؛ فقد أزرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد فضله، وكان عندنا مبتدعاً"اهـ (السنة للخلال 310)
وقال أبو داود:
"من رد حديث مجاهد؛ فهو جهمي"اهـ (طبقات الحنابلة 2/10)
وقال:
"أرى أن يجانب كل من رد حديث ليث؛ عن مجاهد: (يقعده على العرش)، ويحذر عنه حتى يراجع الحق؛ ما ظننت أن أحداً يذكر بالسنة؛ يتكلم في هذا الحديث .. أسأل الله أن يمن علينا، وعليكم بلزوم السنة، والاقتداء بالسلف الصالح؛ بأبي عبدالله رضي الله عنه؛ فإنه أوضح من هذه الأمور المحدثات؛ ما هو كفاية لمن اقتدى به"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال:
"من أنكر هذا؛ فهو عندنا متهم؛ ما زال الناس يحدثون بهذا؛ يريدون مغايظة الجهمية، وذلك أن الجهمية ينكرون أن على العرش شيئاً"اهـ (السنة للخلال 244)
وقال إبراهيم الأصبهاني:
"هذا الحديث؛ حدث به العلماء منذ ستين ومئة سنة، ولا يرده إلا أهل البدع"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال محمد بن عثمان:
"بلغني عن بعض الجهال دفع الحديث بقلة معرفته في رده مما أجازه العلماء ممن قبله ممن ذكرنا، ولا أعلم أحداً ممن ذكرت عنه هذا الحديث، إلا وقد سلم الحديث على ما جاء به الخبر، وكانوا أعلم بتأويل القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن رد هذا الحديث من الجهال، وزعم أن المقام المحمود هو الشفاعة لا مقام غيره"اهـ (السنة 282)
وقال محمد بن عبدالملك الدقيقي:
"سمعت هذا الحديث منذ خمسين سنة؛ ما سمعت أحداً ينكره؛ إنما يكذبه الزنادقة، والجهمية"اهـ (طبقات الحنابلة 2/10)
وقال عباس الدوري:
"هذا الحديث لا ينكره إلا مبتدع جهمي"اهـ (السنة للخلال 265)
وقال أحمد بن أصرم المزني:
"من رد هذا؛ فهو متهم على الله ورسوله، وهو عندنا كافر"اهـ (السنة للخلال 247)
وقال أبو بكر بن إسحاق الصاغاني:
"لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم، ولا في عصرنا هذا؛ إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي من رد حديث محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: «يقعده على العرش»؛ فهو عندنا جهمي؛ يهجر ونحذر عنه؛ فقد حدثنا به هارون بن معروف؛ قال حدثنا محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: «يقعده على العرش»، وقد روي عن عبدالله بن سلام؛ قال: «يقعده على كرسي الرب جل وعز»؛ فقيل للجريري: إذا كان على كرسي الرب فهو معه؛ قال: ويحكم؛ هذا أقر لعيني في الدنيا، وقد أتى علي نيف وثمانون سنة؛ ما علمت أن أحداً رد حديث مجاهد؛ إلا جهمي، وقد جاءت به الأئمة في الأمصار، وتلقته العلماء بالقبول منذ نيف وخمسين ومائة سنة. وبعد: فإني لا أعرف هذا الترمذي، ولا أعلم أني رأيته عند محدث، فعليكم رحمكم الله بالتمسك بالسنة والاتباع"اهـ (السنة للخلال 267)
وقال أبو بكر بن حماد المقرئ:
"من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت؛ فهو متهم على الإسلام؛ فكيف من طعن فيها؟"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال يحيى بن أبي طالب:
"لا علمت أحداً رد حديث مجاهد «يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش»؛ رواه الخلق عن ابن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد، واحتمله المحدثون الثقات، وحدثوا به على رءوس الأشهاد؛ لا يدفعون ذلك؛ يتلقونه بالقبول والسرور بذلك، وأنا فيما أرى أني أعقل منذ سبعين سنة، والله ما أعرف أحداً رده، ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث؛ يدعو إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمتنا؛ عجل الله له العقوبة، وأخرجه من جوارنا؛ فإنه بلية على من ابتلي به؛ فالحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاه به. والذي عندنا والحمد لله؛ أنا نؤمن بحديث مجاهد، ونقول به على ما جاء، ونسلم الحديث، وغيره مما يخالف فيه الجهمية من الرؤية والصفات، وقرب محمد صلى الله عليه وسلم منه، وقد كان كتب إلي هذا العجمي الترمذي كتاباً بخطه، ودفعته إلى أبي بكر المروذي، وفيه: أن من قال بحديث مجاهد فهو جهمي ثنوي. وكذب الكذاب المخالف للإسلام؛ فحذروا عنه، وأخبروا عني: أنه من قال بخلاف ما كتبت به؛ فهو جهمي؛ فلو أمكنني لأقمته للناس، وناديت عليه؛ حتى أشهره ليحذر الناس ما قد أحدث في الإسلام؛ فهذا ديني الذي أدين لله عز وجل به؛ أسأل الله أن يميتنا ويحيينا عليه"اهـ (السنة للخلال 267)
وقال علي بن داود القنطري:
"لا يرد حديث محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: «يقعده معه على العرش»؛ إلا جهمي؛ يهجر، ولا يكلم، ويحذر عنه، وعن كل من رد هذه الفضيلة"اهـ (السنة للخلال 267)
وقال إبراهيم الحربي:
"الذي نعرف، ونقول به، ونذهب إليه: أن سبيل من طعن على مجاهد وخطأه؛ إلا الأدب، والحبس"اهـ (السنة للخلال 267)
وقال:
"هذا حدث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رءوس الناس؛ فكم ترى كان في المجلس؟ عشرين ألفاً؛ فترى لو أن إنساناً قام إلى عثمان؛ فقال: لا تحدث بهذا الحديث، أو أظهر إنكاره؛ تراه كان يخرج من ثم إلا وقد قتل"اهـ (السنة للخلال 254)
وقال محمد بن إسماعيل السلمي:
"كل من ظن أو توهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستوجب من الله عز وجل هذه المنزلة في حديث مجاهد فهو عندنا جهمي، وإن هذه المصيبة على أهل الإسلام أن يذكر أحد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقدموا عليه بأجمعهم"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال:
"من توهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لم يستوجب من الله عز وجل ما قال مجاهد؛ فهو كافر بالله العظيم"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال أبو العباس هارون بن العباس الهاشمي:
"من رد حديث مجاهد فهو عندي جهمي، ومن رد فضل النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندي زنديق لا يستتاب، ويقتل، لأن الله عز وجل قد فضله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء عليهم السلام، وقد روي عن الله عز وجل؛ قال: «لا أذكر إلا ذكرت معي»، ويروى في قوله {لَعَمْرُكَ}؛ قال: بحياتك، ويروى أنه قال: «يا محمد، لولاك ما خلقت آدم»؛ فاحذروا من رد حديث مجاهد، وقد بلغني عنه أخزاه الله؛ أنه ينكر أن الله عز وجل ينزل؛ فمن رد هذا، وحديث مجاهد؛ فلا يكلم، ولا يصلى عليه"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال محمد بن أحمد بن واصل:
"من رد حديث مجاهد؛ فهو جهمي"اهـ (السنة للخلال 243)
وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي:
"من رد حديث مجاهد؛ فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام، وقد كان ورد علي كتاب منه فيه: أن العرش سرير مثل عرش بلقيس، وعرش سبأ، وعرش يوسف، وعرش إبليس؛ فأنكرت هذا وغيره من قوله، وأنكره أهل العلم والإسلام إنكاراً شديداً، والذي ندين لله عز وجل به حديث مجاهد: يقعده على العرش؛ فمن رد هذا فهو عندنا جهمي كافر، وبلغني أنه قال: الهاشميون معي على مثل قولي، وكذب أخزاه الله، ما هاشمي يدفع فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان ذلك فخرة له، ومن فعل ذلك من الهاشميين؛ فيجب التفتيش عنه، والنظر في أمره، ولا أعرفه، ولا رأيته قط من حيث أعرفه، ولقد كان عند صالح بن علي الهاشمي رضي الله عنه بالمدينة؛ فقربه وأدناه؛ ثم إنه ظهر منه العداء لله على ما حبسه عليه، وأطال حبسه من دفعه هذا الحديث وغيره، مما أطلق به لسانه، ووضع فيه الكتب، وذكر أن بيعة أبي مسلم أصح من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ووضع لآل أبي طالب كتاباً يذكر فيه أن العلوية أحق بالدولة من أبي بكر الصديق؛ يتقرب بذلك إليهم، وقد أراد صالح بن علي رضي الله عنه حين حبسه؛ أراد أن يقدم عليه حتى أخرجه ابني في جوف الليل؛ فسمعت صالح بن علي يذكر ذلك كله عنه ويضعه؛ فينبغي لسامع ذكره أن يتقي الله وحده لا شريك له، ويحذر عنه الناس، ويتبين عليه ما هو فيه"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال هارون بن معروف:
"هذا حديث يسخن الله به أعين الزنادقة"اهـ (السنة للخلال 251)
وقال:
"من رد هذه الأحاديث؛ فهو مبتدع ضال؛ ما أدركنا أحداً يرده إلا من في قلبه بلية؛ يهجر، ولا يكلم"اهـ (السنة للخلال 314)
وقال:
"ليس ينكر حديث ابن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ إلا الجهمية"اهـ (السنة للخلال 253)
وقال محمد بن عمران الفارسي الزاهد:
"ما ظننت أنه يكون في المسلمين، ولا في المؤمنين الصادقين، ولا في العلماء المتفقهين، ولا في العارفين العابدين، ولا في الضلال المبتدعين أحد يستحل في عقد ديانته أو بدعته؛ الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد فضيلة فضله الله بها، وخصه بها .. فالعجب العجب؛ أن النصارى تضحك بنا أنا نسلم الفضائل كلها لعيسى عليه السلام؛ تشبه الربوبية؛ أنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص؛ فهذه لا تكون إلا فيه وحده، فسلمنا ذلك لعيسى بالرضا والتصديق بكتاب الله عز وجل، وأنكر هذا المسلوب فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نفخر على الأمم كلها أن نبينا أفضل الأنبياء. فأما قول المسلمين المقام المحمود: الشفاعة؛ فإنا لا ندفع ذلك؛ فنشاركه في جهله؛ بل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن الله عز وجل يشفعه في وقت ما؛ يأذن له بالشفاعة، ويكرمه بما أحب من الكرامة؛ حتى يعرف أولياءه وأنبياءه كرامته وفضله، ولقد ضاق قلب المسلوب عن حمل معاني العلم؛ فلا يطلع بحسن النية والاتباع على معاني الكتاب؛ قال الله تبارك وتعالى: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ}؛ فهذه ساعة تزفر جهنم، فتذهل العقول؛ حتى يقول الرسل من شدة الجهد إذا زفرت ولوا مدبرين؛ فيقول الله تبارك وتعالى {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا}؛ ثم تأتي عليهم ساعة يشهدون بعقول صحيحة؛ ألا تسمع إلى قوله {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ}، وقوله {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}؛ فكذلك الجلوس في وقت، والشفاعة في وقت؛ إلا أن يزعم هذا الجاهل أن الله عز وجل؛ لا يقدر أن يجلسه على العرش، أو يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستحق ذلك من الله، وكيف يكون كذلك والله يحلف بحياته؛ فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}، ومعناه: وحياتك، ويقال: وعيشك، كيف وهو يترك يعقوب في حزنه ثمانين سنة لا يسأله عن حزنه؛ فقال: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}؛ حتى إذا حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كفر به؛ أنزل عليه {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}، وقال: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}؛ أي أنا المكذب لا أنت، ولقد بلغ من قدره عند الله عز وجل؛ أنه لما دخل بأم سلمة أو زينب أرسل ضعفاء أصحابه، فأولم عليهم فجلسوا للحديث، وعلم الله عز وجل أنه أراد الخلوة بأهله، فمنعه الحياء منهم أن يخرجهم؛ فأنزل الله تبارك وتعالى {إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ}، وعاتب عنه نساءه إذ سألوه الدنيا؛ فقال الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}، وبلغ من قدره أن الله عز وجل كان يتكلم عنه إذا سأله المسلمون عن دينهم، وإذا آذاه المشركون بقولهم؛ ألا تسمع إلى قوله عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}؛ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}؛ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى}؛ يسألونك عن كذا؛ يستفتونك في كذا؛ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}؛ و{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ}؛ في كل ذلك يتولى عنه الجواب؛ فوالله يا إخوتي لو ردت كلمة جاهل في فيه؛ لسعد رادها؛ كما شقي قائلها، وإني أسأل الله عز وجل؛ من رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكر له حقاً، أو جحد له فضلاً، أو أغاظه شيء من فضله، وفضائل أصحابه؛ أن لا ينيله شفاعته، ولا يحشره في زمرته، ولست أدعي إن شاء الله؛ ذكر ما فضلنا الله به من فضائل نبينا، ونحمد الله على قوله {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}؛ فلربنا الحمد على ما أودع قلوبنا من حب الاتباع، وله الحمد إذ لم يذلنا بالابتداع"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال:
"بلغني أن مسلوباً من الجهال أنكر ذلك؛ فنظرت في إنكاره؛ فإن كان قصد مجاهداً؛ فابن عباس قصد، وإن كان لابن عباس قصد؛ فعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رد، وإن كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم رد؛ فبالله كفر"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال محمد بن يونس البصري:
"من رد هذه الأحاديث، فقد أزرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن على مجاهد، وهو من عالية التابعين، قد صحب جمعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم، وما سمعنا أحداً من شيوخنا المتقدمين من أهل السنة ذكر هذه الأحاديث إلا بالقبول لها، ويحتجون بها على الجهمية، ويقمعونهم بها، ويكفرونهم، ولا يردها إلا رجل معطل جهمي؛ فمن رد هذه الأحاديث، أو طعن فيها فلا يكلم، وإن مات لم يصل عليه، وقد صح عندنا؛ أن هذا الترمذي تكلم في هذه الأحاديث التي يحتج بها أهل السنة، وهذا رجل قد تبين أمره؛ فعليكم بالسنة والاتباع، ومذهب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه؛ فهو الإمام يقتدى به، وقد روى ابن عون عن محمد قال: «لا تزال على الطريق ما زلت تطلب». وأخبرنا عبدالله بن أحمد: كتب إلي العباس العنبري بخط يده، حدثنا يحيى بن كثير العنبري؛ قال: ثنا سلم بن جعفر، وكان ثقة عن الجريري، عن سيف السدوسي، عن عبدالله بن سلام، قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة قاعد على كرسي الرب بين يدي الرب عز وجل»؛ فقيل لأبي مسعود الجريري: إذا كان على كرسي الرب؛ فهو معه، قال: نعم؛ مع الرب؛ ثم قال: هذا أشرف حديث سمعته قط، وأنا منكر على من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال غالب بن عبدالله العقيلي:
"حدثني المكيون، وذكر منهم عطاء، وعمرو بن دينار: أن الله عز وجل يغضب يوم القيامة غضباً لم يغضب مثله، فيقوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيثني على الله بما هو أهله؛ فيقول الله عز وجل له: ادنه. ثم يغضب؛ فيقوم نبيناً فيثني على الله بما هو له أهل؛ فيقول له: ادنه. فلا يزال يقول له: ادنه؛ حتى يقعده على العرش. وجبريل عليه السلام قائم؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا يعني جبريل جاءني برسالاتك، فيقول الله تبارك وتعالى: صدق"اهـ (السنة للخلال 306)
وقال سلم بن جعفر:
"حدثنا الجريري؛ قال: حدثني سيف السدوسي؛ عن عبدالله بن سلام؛ قال: «إذا كان يوم القيامة ينزل الجبار عن عرشه وقدميه على الكرسي، فيقعد محمداً على الكرسي»؛ فقلت للجريري: يا أبا مسعود؛ يقعده على الكرسي؟ قال: نعم؛ يقعده معه على العرش"اهـ (السنة للخلال 309)
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام:
"هذه الأحاديث حق لا يشك فيها؛ نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا؛ نصدق بها، ونؤمن بها على ما جاءت"اهـ (السنة للخلال 311)
وقال عبدالوهاب الوراق:
"سألت أسود بن سالم عن هذه الأحاديث؛ فقال: «نحلف عليها بالطلاق، والمشيح إنها حق»"اهـ (السنة للخلال 312)
وقال محمد بن جرير الطبري:
"ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا؛ لا من يقر أن الله فوق العرش، ولا من ينكره من الجهمية وغيرهم"اهـ (العرش 2/361)
وقال:
"ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه؛ قول غير مرفوض صحته؛ لا من جهة خبر، ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا من التابعين بإحالة ذلك ... إلى أن قال: فقد تبين إذاً بما قلنا؛ أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام؛ ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً على عرشه"اهـ (تفسير الطبري 15/147-148)
وقال أبو يعلى:
"لا يمتنع أن يكون المقام المحمود: الشفاعة، والقعود على العرش؛ لأن القصد من ذلك علو المنزلة. فإن قيل: فتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قول مجاهد؛ قيل: لم نعول في هذا على قول مجاهد وحده، وقد روينا ذلك مفسراً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر وعائشة وابن مسعود وابن عباس. وقول مجاهد في ذلك رجحان. فإن قيل: قد قال الله: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا}؛ فأخبر أن العرش لا يصل إليه أحد بالبدن، وإنما يصل إليه بالأعمال. قيل: ذكر ابن سلام عن قتادة معناه: إذا يعرفوا له فضله عليهم؛ لابتغوا إليه ما يقربهم إليه. وقال غيره: معناه؛ لطلبوا إليه الوسيلة والقربة، وهذا يدل على أن المقصود بالآية غير ما أرادوه من أنه لا يصل إليه أحد، وإنما المراد به معنى آخر، وهو التقرب إليه بالطاعات. فإن قيل: فقوله: (يقعده على العرش). من أين لكم أنه عرش الرحمن؟ وقد ذكر الله تعالى عرش بلقيس. قيل: هذا لا يصح؛ لأن في خبر ابن عمر: يجلسه معه على السرير. وفي حديث ابن مسعود:  يقعده على كرسيه؛ فقيل له: إذا كان على كرسيه؛ أليس هو معه؟ فقال: ويلكم هذا أقر حديث لعيني. على أنه ذكر العرش بالألف واللام، وهناك عرش معهود، وهو عرش الرحمن؛ بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، والألف واللام ينصرفان إلى المعهود؛ فلم يصح هذا التأويل. فإن قيل: قوله: يقعده. معناه يرفعه أرفع المقاعد عنده، وهو معه بالنصرة والمعونة والمقاعد المقربة من اللَّه تعالى كما قال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وكما قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}؛ على معنى: النصرة والمعونة قيل: هذا غلط لوجوه: أحدها: أن الخبر أفاد رفعه على صفة، وهو القعود على العرش والكرسي. والثاني: أنه قال: (يقعده معه) ولفظة (مع) في اللغة للمقاربة. الثالث: أنه لم يزل ناصراً له ومعيناً ورافعاً؛ فوجب حمل هذه الفضيلة على فائدة مجددة؛ تختص بذلك اليوم. الرابع: أن هذا يسقط فائدة التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد نصر موسى ورفعه وغيره من الأنبياء، فأما قوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}؛ فإن المراد بذلك النصرة؛ لأن هناك دلالة حال، وهو طلب المشركين وخوفهم منهم؛ فبين أنني ناصر لكم عليهم، وهذا معدوم ها هنا. فإن قيل: أليس قد حكى أبو محمد بن بشار؛ عن عبدالله بن أحمد؛ عن أبيه أنه كان يعرض عليه الحديث؛ فيقول فيه: هذا رواه كذا وكذا رجل يسميه، فإذا عرض عليه حديث ضعيف؛ قال له: اضرب عليه؛ فعرض عليه حديث مجاهد؛ فضعفه؛ فقال: يا أبه أضرب عليه؟ فقال: لا؛ هذا حديث فيه فضيلة؛ فأجره على ما جرى، ولا تضرب عليه، وظاهر هذا أنه ضعفه قيل: هذه حكاية لا يرد بها ما نص عليه في مواضع. فإن قيل: فقد ذكر أبو بكر النجاد فيما كتب به إلي أبو الحسن بن جداء العكبري في جزء خرج فيه أحاديث: ومن الفرق الهالكة من أنكر أن الله وعد - يعني نبيه - أن يقعده المقعد المقرب عنده على العرش، وهو المقام المحمود، وذكر حديث ابن عباس: (يقعده على العرش) وحديث عبدالله بن سلام وحديث مجاهد؛ ثم قال أبو بكر: سألت أبا محمد بن صاعد، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر؛ عن نافع، عن ابن عمر؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: (يقعدني على العرش) قال: هذا حديث موضوع لا أصل له، وأما حديث يزيد بن هارون عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: (يقعدني معه على العرش)؛ فحديث موضوع لا أصل له، وأما حديث عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: (إن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، وإن صاحبكم خليل الله عز وجل، وإن محمداً سيد ولد آدم يوم القيامة؛ ثم قرأ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ فمن زاد غير هذا؛ فقد أبطل. قال أبو بكر النجاد: سألت أبا بكر الباغندي فقال: كل هذه الأحاديث باطلة ليست بمحفوظة، غير حديث مجاهد، وسألت أبا إسحاق بن جابر، وأبا العباس بن سريج، وأبا علي بن خيران، وأبا جعفر بن الوكيل، وأبا الطيب بن سلمة وكل كتب بيده: إن هذه الأحاديث لا أصل لها؛ إلا ما رواه ابن فضيل؛ عن ليث عن مجاهد؛ عن أبي زكريا بن يحيى الساجي، وإلى أحمد بن محمد بن مكرم، وإلى سهل بن نوح البصري، وإلى أبي أحمد بن محمد المروزي، وإلى أبي العباس بن السراج، وإلى محمد بن إسحاق بن خزيمة، وكتبهم على ألفاظ وجميعها واحد، أن من حدث بهذه الأحاديث يستغفر الله عز وجل؛ فهي باطلة لا أصل لها؛ إلا ما حدث محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد"اهـ (إبطال التأويلات 1/487-491)
وقال القاسم ابن أبي يعلى:
"لم يكن البربهاري يجلس مجلساً؛ إلا ويذكر فيه أن الله عز وجل؛ يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم معه على العرش"اهـ (طبقات الحنابلة 2/43)
وقال الدارقطني:
حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده
وأما حديث بإقعاده ... على العرش أيضاً فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تنكروا أنه يقعده
وقال أبو بكر الآجري:
"اعلموا رحمنا الله وإياكم؛ أن الله عز وجل أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم من الشرف العظيم، والحظ الجزيل؛ ما لم يعطه نبياً قبله مما قد تقدم ذكرنا له, وأعطاه المقام المحمود يزيده شرفاً وفضلاً؛ جمع الله الكريم له فيه؛ كل حظ جميل من الشفاعة للخلق، والجلوس على العرش"اهـ (الشريعة 4/1604)
وقال:
"وأما حديث مجاهد في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم, وتفسيره لهذه الآية: أنه يقعده على العرش؛ فقد تلقاها الشيوخ من أهل العلم والنقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تلقوها بأحسن تلق, وقبلوها بأحسن قبول, ولم ينكروها, وأنكروا على من رد حديث مجاهد إنكارا شديداً، وقالوا: من رد حديث مجاهد فهو رجل سوء. قلت: فمذهبنا والحمد لله؛ قبول ما رسمناه في هذه المسألة مما تقدم ذكرنا له, وقبول حديث مجاهد, وترك المعارضة والمناظرة في رده, والله الموفق لكل رشاد، والمعين عليه"اهـ (الشريعة 4/1612)
وقال ابن تيمية:
"صنف القاضي أبو يعلى كتابه في إبطال التأويل؛ رداً لكتاب ابن فورك، وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها، وذكر من رواها ففيها عدة أحاديث موضوعة؛ كحديث الرؤية عياناً ليلة المعراج ونحوه، وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة؛ كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش؛ رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة؛ يروونه، ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول. وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقاً؛ لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره؛ سواء كان من المقبول، أو المردود"اهـ (درء التعارض 3/215)
وقال:
"حدث العلماء المرضيون، وأولياؤه المقبولون؛ أن محمداً رسول الله؛ يجلسه ربه على العرش معه؛ روى ذلك: محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد؛ في تفسير {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة، وغير مرفوعة؛ قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضاً لما استفاضت به الأحاديث؛ من أن المقام المحمود هو الشفاعة؛ باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الاسلام، ويدعيه؛ لا يقول: إن إجلاسه على العرش منكر، وانما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية؛ منكر"اهـ (مجموع الفتاوى 4/374)
وقال ابن القيم:
واذكر كلام مجاهد في قوله ... (أقم الصلاة) وتلك في (سبحان)
في ذكر تفسير المقام لأحمد ... ما قيل ذا بالرأي والحسبان
إن كان تجسيماً فإن مجاهداً ... هو شيخهم بل شيخه الفوقاني
ولقد أتى ذكر الجلوس به وفي ... أثر رواه جعفر الرباني
أعني ابن عم نبينا وبغيره ... أيضاً أتى والحق ذو تبيان
والدارقطني الإمام يثبت ال ... آثار في ذا الباب غير جبان
وله قصيد ضمنت هذا وفي ... ها لست للمروي ذا نكران
وجرت لذلك فتنة في وقته ... من فرقة التعطيل والعدوان
وقال الذهبي:
"هذا حديث ثابت عن مجاهد؛ رواه عنه ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وجابر بن يزيد، وأبو يحيى القتات، وغيرهم. ورواه عن ليث؛ محمد بن فضيل، وعبدالله بن إدريس الأودي، واشتهر عن محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وحدثا به على رؤوس الناس ببغداد. وحدث به عنه أيضاً إسحاق بن راهويه، ومحمد بن عبدالله بن نمير، وخلاد بن أسلم، وإسماعيل بن حفص الأيلي، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن حسان، والحسن بن الزبرقان أبو الخزرج، والحارث بن شريح، وعلي بن حرب، وعلي بن المنذر الطريقي، والعباس بن يزيد البحراني، ولفظهم: (يجلسه معه على العرش), ولفظ الباقين؛ أخبرني ابني أبي شيبة، وعبدالرحمن بن صالح، وهارون بن معروف، وإبراهيم بن موسى الرازي، وواصل بن عبدالأعلى، ويحيى بن عبدالحميد ([1]) الحماني، وعبيد بن يعيش، وجعفر بن محمد بن الحداد: (يجلسه على العرش)، والزيادة صحيحة مقبولة. ورفعه بعضهم من حديث ابن عمر، وإسناده واه لا يثبت. وأما عن مجاهد فلا شك في ثبوته. وممن أفتى المروذي بأن الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض: أبو داود صاحب السنن، وعبدالله بن الإمام أحمد، وإبراهيم الحربي، ويحيى بن أبي طالب، وأبو جعفر الدقيقي، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي، وعباس بن محمد الدوري، محمد بن بشر بن شريك بن عبدالله النخعي. واحتج بما رواه أحمد بن الفرج الطائي، وغيره؛ حدثنا عباد بن أبي روق؛ سمعت أبي يحدث عن الضحاك؛ عن ابن عباس في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ قال: (يقعده على العرش) .. وقال المروذي: وحدثني إبراهيم بن عرفة؛ سمعت أبا عمير؛ يقول: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث مجاهد: (يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش)؛ فقال: قد تلقته العلماء بالقبول. قال المروزي: وقال أبو داود - يعني صاحب السنن - فيما احتج به؛ حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي؛ حدثنا يحيى بن كثير؛ قال: ثنا سلم بن جعفر؛ ثنا سعيد الجريري؛ حدثنا سيف السدوسي؛ عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه؛ قال: (إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يجلس بين يدي الله على كرسيه) فقلت يا أبا مسعود: إذا كان على كرسيه؛ أليس هو معه؟ قال: ويلك؛ هذا أقر حديث في الدنيا لعيني. أبو مسعود: هو سعيد بن إياس الجريري راوي الحديث من التابعين؛ سمع أبا الطفيل، وروى عنه شعبة، والثوري"اهـ (العرش 2/213-226)
وقال:       
"قد تقدم قول أبي عبدالرحمن عبدالله بن الإمام أحمد في حديث مجاهد (أن الله يقعد محمداً معه على العرش) وأنه قال: أنا منكر على من رد هذا الحديث، وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية. وقد تقدم غير حديث وأثر؛ معزو إلى كتاب عبدالله بن أحمد رحمهما الله في الرد على الجهمية؛ أخرجه أبو بكر المروذي صاحب الإمام أحمد، ومن أجل ما رووا عنه في كتاب فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم تأليفه. ونقل في هذا الكتاب نحواً من هذا القول عن الإمام أبي داود السجستاني مؤلف السنن؛ استفتاه المروذي؛ فأفتاه أن الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض. وكذا أفتاه عباس الدوري الحافظ أحد الشيوخ الأئمة؛ روى عنه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة. وكذا أفتاه إبراهيم الحربي؛ أحد الفقهاء والأئمة ببغداد في هذا العصر، ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال فيه: إمام في الحديث وله مصنفات كثيرة، مات سنة خمس وثمانين ومائتين. وممن أفتاه من الأئمة بنحو ذلك: يحيى بن أبي طالب، وهو محدث، حافظ؛ سمع يزيد بن هارون، وطبقته. ومحمد بن إسماعيل السلمي الحافظ؛ أحد أئمة الحديث، والمكثرين منه؛ روى عنه الترمذي، والنسائي؛ توفي سنة ثمانين. وأبو جعفر محمد بن عبدالملك الدقيقي الواسطي؛ ثقة روى عنه أبو داود، وابن ماجه. وأبو عبدالله محمد بن بشر بن شريك بن عبدالله القاضي، وأبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي، وأبو بكر بن حماد المقري، وعلي بن داود القنطري، ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد، وإسماعيل بن ‎إبراهيم الهاشمي، ومحمد بن يونس البصري، وأحمد بن أصرم المزني، وحمدان بن علي، وأبو بكر بن صدقة، وعلي بن سهل، والحسن بن الفضل، وهارون بن العباس الهاشمي، وأبو عبدالله بن عبدالنور، وإبراهيم الأصبهاني. وكذلك أفتى من الأئمة قبل هذه الطبقة؛ إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن مصعب العابد، ‎وبشر الحافي، وهارون بن معروف، وجماعة غيرهم من أئمة الحديث والفقه يطول ذكرهم؛ اختصرت نصوص قولهم؛ لكنهم يقولون ما معناه أن هذا الخبر يسلم كما جاء، ولا يعارض؛ يعني خبر مجاهد"اهـ (العرش 2/265-269)
وقال:
"وقد ذكرنا احتفال الإمام أبي بكر المروذي في هذا العصر؛ لقول مجاهد: (إن الله تعالى يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش) وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة، التي انفرد بها سيد البشر، ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف؛ فإنه قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما؛ أقفه عند كل آية أسأله. فمجاهد أجل المفسرين في زمانه، وأجل المقرئين؛ تلا عليه ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن؛ فممن قال: إن خبر مجاهد يسلم به، ولا يعارض: عباس بن محمد الدوري الحافظ، ويحيى بن أبي طالب المحدث، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي الحافظ، وأبو جعفر محمد بن عبدالملك الدقيقي، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن، وإمام وقته، إبراهيم بن إسحاق الحربي، والحافظ أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي، وحمدان بن علي الوراق الحافظ، وخلق سواهم من علماء السنة ممن أعرفهم، وممن لا أعرفهم، ولكن ثبت في الصحاح أن المقام المحمود؛ هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم"اهـ (العلو ص 194)
وقال أبو داود السجستاني:
"سمعت أحمد بن حنبل؛ قيل له: ليث بن أبي سليم يتهم بالبدعة؟ قال: لا"اهـ (السنة للخلال 259)
وقال:
"مجاهد كانت له جلالة عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ عند ابن عباس، وابن عمر يأخذ له بالركاب"اهـ (السنة للخلال 268)
وقال عبيدالله بن عمران:
"سمعت مجاهداً؛ يقول: «صحبت ابن عمر لأخدمه؛ فكان هو يخدمني»"اهـ (السنة للخلال 262)
وقال أبو بكر المروذي:
"سمعت أبا عبدالله؛ يقول: قال مجاهد: «عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات»"اهـ (السنة للخلال 265)
وقال علي بن داود القنطري:
"قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم»؛ فقد سبقت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لمجاهد رحمه الله"اهـ (السنة 267)
وقال الخلال:
"أخبرني محمد بن جعفر؛ أن أبا الحارث حدثهم؛ أن أبا عبد الله سئل عن ليث بن أبي سليم؛ قال: «ما كان أحسن رأيه»"اهـ (السنة 258)
وقال:
"قرأت كتاب السنة بطرسوس مرات في المسجد الجامع وغيره سنين؛ فلما كان في سنة اثنتين وتسعين قرأته في مسجد الجامع، وقرأت فيه ذكر المقام المحمود؛ فبلغني أن قوماً ممن طرد إلى طرسوس من أصحاب الترمذي المبتدع أنكروه، وردوا فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهروا رده؛ فشهد عليهم الثقات بذلك فهجرناهم، وبينا أمرهم، وكتبت إلى شيوخنا ببغداد، فكتبوا إلينا هذا الكتاب، فقرأته بطرسوس على أصحابنا مرات، ونسخه الناس، وسر الله تبارك وتعالى أهل السنة، وزادهم سروراً على ما عندهم من صحته وقبولهم، وهذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم .. أما بعد: فإنه بلغنا ما حدث ببلدكم من نابغ نبغ بالزيغ وقيل الباطل، فأحدث عندكم بدعة اخترعها، وشرع في الدين ما لم يأذن به الله، ففرق جماعتكم بخبيث قوله، وسوء لفظه، فلولا ما أمر الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه من النصح لعامة المسلمين وخاصتهم، وحض عليه في ذلك لوسعنا السكوت، ولكن الله عز وجل أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه وذلك بما روي عن تميم الداري يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قالوا: لمن؟ قال: «لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، ولجماعتهم»، فاعلموا وفقنا الله وإياكم للسداد، والرشاد، والصواب، في المقال بصدق الضمير وصحة العزم بحسن النية، فإنا نرضى لكم من اتباع السنة والقول بها ما نرتضيه لأنفسنا؛ }وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{؛ فاتقى رجل ربه، ونظر لنفسه فأحسن لها الاختيار، إذ كانت أعز النفوس عليه، وأولاه منه بذلك بلزوم الاتباع لصالح سلفه من أهل العلم والدين والورع، فاقتدى بفعالهم، وجعلهم حجة بينه وبين الله عز وجل، وقلدهم من دينه ما تحملوا له من ذلك، وحذر امرئ أن يبتدع ويخترع بالميل إلى الهوى، والقول بالخطأ فيوبق نفسه، ويولغ دينه فيعمه في طغيانه، ويضل في عماية جهله، فبينا هو كذلك لا يستنصح مرشداً، ولا يطيع مسدداً، أذهبهم عليه أجله، وهو كذلك، فنعوذ بالله من ذلك، وقد قال الله تبارك وتعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{، والذي حمل هذا العدو لله المسلوب أن رد هذا الحديث وخالف الأئمة وأهل العلم، وانسلخ من الدين؛ اللجاج والكبر، كي يقال: فلان، فنعوذ بالله من الكبر، والنفاق، والغلو في الدين، والذي حملنا، أكرمكم الله، على الكتاب إليكم، ما حدث ببلدكم من رد حديث مجاهد رحمه الله ومخالفتهم من قد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم قرني الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم»؛ فمال أولو الزيغ والنفاق إلى قول الملحدين، وبدعة المضلين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وما سبيل هؤلاء إلا النفي عن البلد الذي هم فيه، كما أن صاحبهم المبتدع منفي عن الجامع مطرود منه، ليس إلى دخوله سبيل، وذلك بتوفيق الله ومنه، ومنع السلطان، أيده الله، إياه عن ذلك، معمماً أنه مسلوب عقله، ملزوم بيته، يصيح به الصبيان في كل وقت، وهذا قليل لأهل البدع والأهواء والضلال في جنب الله عز وجل، أعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن، وسلمنا وإياكم من الأهواء المضلة بمنه وقدرته، وثبتنا وإياكما على السنة والجماعة، واتباع الشيخ أبي عبدالله رحمة الله عليه ورضوانه، فقد كان اضمحل ذكر هذا الترمذي واندرس، وإنما هذا ضرب من التعريض والخوض بالباطل، فانتهوا حيث انتهى الله بكم، وأمسكوا عما لم تكلفوا النظر فيه، وضعوا عن أنفسكم ما وضعه الله عنكم، ولا تتخذوا آيات الله هزواً، فمن تكلم في شيء من هذا، فإنما يتحكك بدينه، ويتولع بنفسه، ويتكلف ما لم يتعبده الله به، وقد أدب الله عز وجل الخلق فأحسن تأديبهم، وأرشدهم فأنعم إرشادهم، فقال عز وجل: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{؛ فاتقوا الله عباد الله، واقبلوا وصيته، وأمسكوا عن الكلام في هذا، فإن الخوض فيها بدعة وضلالة، ما سبقكم بها سابق، ولا نطق فيها قبلكم ناطق، فتظنون أنكم اهتديتم لما ضل عنه من كان قبلكم، هيهات هيهات، وليس ينبغي لأهل العلم والمعرفة بالله أن يكونوا كلما تكلم جاهل بجهله أن يجيبوه، ويحاجوه، ويناظروه، فيشركوه في مأثمه، ويخوضوا معه في بحر خطاياه، ولو شاء عمر بن الخطاب أن يناظر صبيغاً، ويجمع له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يناظروه، ويحاجوه، ويبينوا عليه لفعل، ولكنه قمع جهله، وأوجع ضربه، ونفاه في جلده، وتركه يتغصص بريقه، وينقطع قلبه حسرة بين ظهراني الناس مطروداً، منفياً، مشرداً، لا يكلم ولا يجالس، ولا يشفى بالحجة والنظر، بل تركه يختنق على حرته، ولم يبلعه ريقه، ومنع الناس من كلامه ومجالسته، فهكذا حكم كل من شرع في دين الله بما لم يأذن به الله، أن يخبر أنه على بدعة وضلالة، فيحذر منه وينهى عن كلامه ومجالسته، فاسترشدوا العلم، واستحضوا العلماء، واقبلوا نصحهم، واعلموا أنه لن يزال الجاهل بخير ما وجد عالماً يقمع جهله، ويرده إلى صواب القول والعمل، إن من الله عليه بالقبول، فإذا تكلم الجاهل بجهله، وعدم الناس العالم أن يرد عليه بعلمه، فقد تودع من الخلق، وربنا الرحمن المستعان على ما يصفون، فالله الله، ثم الله الله يا إخوتاه من أهل السنة والجماعة، والمحبة للسلامة والعافية في أنفسكم وأديانكم، فإنما هي لحومكم ودماؤكم، لا تعرضون لما نهى الله عنه عز وجل من الجدل والخوض في آيات الله، وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منه، وكذلك أئمة الهدى من بعده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ارتضاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، واختاره لهم، وكذلك التابعين بإحسان في كل عصر وزمان، ينهون عن الجدل والخصومات في الدين، ويحذرون من ذلك أشد التحذير، حتى كان آخرهم في ذلك أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه .. فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، وعليكم بلزوم السنة، وترك البدع وأهلها، فقد كان أحدث هذا الترمذي المبتدع ببلدنا ما اتصل بنا أنه حدث ببلدكم، وهذا أمر قد كان اضمحل وأخمله الله، وأخمل أهله وقائله، وليس بموجود في الناس، قد سلب عقله، أخزاه الله وأخزى أشياعه، وقد كان الشيوخ سئلوا عنه في حياة أبي بكر رحمه الله ومحدثي بغداد والكوفة وغير ذلك، فلم يكن منهم أحد إلا أنكره، وكره من أمره ما كتبنا به إليكم لتقفوا عليه، فأما ما قال العباس بن محمد الدوري عند سؤالهم إياه عنه، ورده حديث مجاهد: ذكر أن هذا الترمذي الذي رد حديث مجاهد ما رآه قط عند محدث، ولا يعرفه بالطلب، وإن هذا الحديث لا ينكره إلا مبتدع جهمي، فنحن نسأل الله العافية من بدعته وضلالته، فما أعظم ما جاء به هذا من الضلالة والبدع، عمد إلى حديث فيه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فأراد أن يزيله ويتكلم في من رواه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من ناوأهم» ونحن نحذر عن هذا الرجل أن تستمعوا منه، وممن قال بقوله، أو تصدقوهم في شيء، فإن السنة عندنا إحياء ذكر هذا الحديث، وما أشبهه مما ترده الجهمية"اهـ (السنة 265)




[1] - في الأصل: (عبدالمجيد) وهو خطأ من المحقق التميمي، وليس تصحيفاً، والدليل على ذلك؛ أنه على كثرة ذكر (المروذي) في الكتاب؛ لم يذكره مرة باسمه الصحيح؛ بل يقول: (المروزي)

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة