حول أثر شبابة
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ؛؛؛ أما بعد:
فقد ذكر
الخلال في السنة (1/451) بسنده عن الأثرم؛ قال: "سمعت أبا عبدالله، وقيل له:
شبابة؛ أي شيء تقول فيه؟ فقال: شبابة كان يدعو إلى الإرجاء؛ قال: وقد حكـي عن
شبـابة قـول أخبث من هذه الأقاويل؛ ما سمعت أحداً عن مثله؛ قال: قال شبابة: إذا
قال فقد عمل؛ قال: الإيمان قول وعمل كما يقولون؛ فإذا قال فقد عمل بجارحته؛ أي
بلسانه؛ فقد عمل بلسانه حين تكلم. ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث؛ ما سمعـت
أحـداً يقـول بـه، ولا بلغـني"اهـ
وقول شبابة: ]إذا قال فقد عمل بجارحته - أي بلسانه -[ صحيح في الجملة؛ فإن العرب تسمي الكلام عملاً.
قال أبو عبيد
القاسم بن سلام رحمه الله: "المستفيض في كلام العرب غير المدفوع تسميتهم
الكلام عملاً؛ من ذلك أن يقال: لقد عمل فلان اليوم عملاً كثيراً؛ إذا نطق بحق
وأقام الشهادة ونحو هذا، وكذلك إن أسمع رجل صاحبه مكروهاً؛ قيل: قد عمل به الفاقرة،
وفعل به الأفاعيل، ونحوه من القول؛ فسموه عملاً وهو لم يزده على المنطق"اهـ
(الإيمان ص 29)
فإن كان كذلك؛
فلم نقم عليه الإمام أحمد رحمه الله، وذم مقولته؟
لأن شبابة
أراد بقوله هذا؛ أن قول اللسان الذي هو النطق بالشهادتين يغني عن عمل الجوارح؛
فإذا نطق بهما فقد عمل؛ فمن ثم يكون قد حقق الإيمان بشقيه:القول والعمل؛ فلم يفرق
بين نطق اللسان الذي هو الإقرار – وإن سمي عملاً – وبين أعمال الجوارح.
قال الآجري
رحمه الله:"فمن لم يصـدق الإيمــان بعمـل جـوارحــه؛ مثل: الطهارة، والصلاة،
والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه لهذه، ورضي مـن نفسه بالمعرفـة والقـول؛
لم يكن مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه،
وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه"اهـ (الشريعة ص 120)
فموافقة شبابة
لأهل السنة في قولهم: الإيمان قول وعمل؛ لم تنفعه لأنه يفسر العمل بالقول، وهذا
خطأ بلا ريب؛ فاللسان شاهد على ما في القلب من إيمان؛ وأعمال الجوارح مصدقة له،
وإنما سمي منطق اللسان عملاً؛ لأنه جارحة، وأفعال الجوارح تسمى عملاً.
ومن هذا الباب
ما كتبه حمد العتيق في رسالته (تنبيه الغافلين) - وتابعه عليه المدخلي - وهو يبين
صورة تارك جنس العمل؛ حيث قال: "صورة المسألة هي في رجل نطق بالشهادتين؛ ثم
بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه ولا بجوارحه، ولم يعد إلى النطق
بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع".
ففرق بين قول
اللسان المخصوص - وهو الإقرار - وبين ما زاد على ذلك من أعمال اللسان؛ فإنه قال: (ولم
يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع)؛ فعد نطقه بالشهادة مرة أخرى من
عمل اللسان، واللسان أحد الجوارح؛ فإن أتى بعمل اللسان فقد أتى بعمل الجوارح، ومن
ثم لا يكون تاركاً لأعمال الجوارح.
وهذا عين كلام
شبابة ولا فرق، وكوننا نفرق – أحياناً – ومن حيث النظر فحسب؛ بين قول اللسان وعمل اللسان؛
فهذا من باب تقريب المسألة في الأذهان، وإلا فما زاد على النطق بالشهادتين، وإن
كان من عمل اللسان؛ فهو أيضاً قول؛ فمن ثم لا يغني عن أعمال الجوارح.
قال أبو عبيد
القاسم بن سلام رحمه الله: "أعطى الله كل جارحة عملاً لم يعطه الأخرى؛ فعمل
القلب: الاعتقاد، وعمل اللسان: القول، وعمل اليد التناول، وعمل الرجل: المشي،
وكلها يجمعها اسم العمل؛ فالإيمان على هذا التناول إنما كله مبني على
العمل"اهـ (الإيمان ص 28)
وقال رحمه
الله: "وأما عمل اللسان؛ فقوله: "يَسْتَخْفُونَ مِنَالنَّاسِ وَلَا
يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى
مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا"؛ فذكر القول ثم
سماه عملاً؛ ثم قال: "فإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ
عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"؛
هل كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دعاؤه إياهم إلى الله، وردهم عليه
قوله بالتكذيب، وقد أسماها ها هنا عملاً"اهـ (الإيمان ص 28-29)