ربيع المدخلي
مثال على الجهل المركب
قال المدخلي
في مقاله ]الحداديون
التكفيريون يرمون أهل السنة السابقين واللاحقين وأئمتهم بالإرجاء لأنهم يقولون (الإيمان
أصل والعمل فرع)[: "الذين يقولون: إن الإيمان أصل، والعمل فرع، أو كمال؛
هم أهل السنة والجماعة، وكبار أئمتهم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛
يقول هذا، ويكرره، وسأذكر أسماء غيره في هذا البيان؛ إن شاء الله"اهـ
قلت:
أولاً: أهل السنة والجماعة، وكبار
أئمتهم؛ لا يقولون: ((الإيمان أصل، والعمل فرع، أو كمال))؛ بل يقولون: الإيمان والعمل قرينان لا
ينفع أحدهما إلا بالآخر؛ فلا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان.
قال ابن عباس رضي الله عنه؛ في تفسير قوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}: "الكلام الطيب:
ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه؛ فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه؛ حُمل
عليه ذكر الله؛ فصُعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه؛ رُد كلامه على
عمله فكان أولى به"اهـ (تفسير الطبري 22/125)
وقال أبو العالية الرياحي رحمه الله؛ في تفسير قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}:
"تكلموا بكلام الإيمان، وحققوه بالعمل"اهـ (الشريعة للآجري ص 130)
وقال سعيد بن جبير رحمه الله: "لا يقبل قول إلا بعمل"اهـ (شرح أصول الاعتقاد
للالكائي 5/131)
وقال عطاء رحمه الله؛ في تفسير قوله تعالى {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا
وَهُوَ مُؤْمِنٌ}: "ألزم
الاسم العمل، وألزم العمل الاسم"اهـ (الإبانة لابن بطة 2/898)
وقال الحسن البصري رحمه الله: "إن الإيمان ليس
بالتحلي، ولا بالتمني، إنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"اهـ
(الإيمان لابن أبي شيبة ص 38)
وقال: "لو شاء الله عز وجل لجعل الدين قولاً لا عمل
فيه، أو عملاً لا قول فيه، ولكن جعل دينه قولاً وعملًا، وعملاً وقولاً"اهـ
(الإبانة 2/896)
وقال: "الإيمان قول، ولا قول إلا بعمل، ولا قول
وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة"اهـ (الشريعة 131)
وقال: "الإيمان كلام، وحقيقته العمل؛ فإن لم
يحقق القول بالعمل لم ينفعه القول"اهـ (الشريعة 130)
وقال ميمون بن مهران رحمه الله: لا ينفع قول إلا
بعمل"اهـ (تهذيب الكمال 7/293)
وقال السدي رحمه الله؛ في تفسير قوله تعالى {وَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}: "أبى
أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح"اهـ (الدر المنثور 2/704)
وقال داود بن أبي هند رحمه الله: "لا يستقيم قول
إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية، إلا بنية موافقة
للسنة"اهـ (أصول السنة لابن أبي زمنين ص 54)
وقال الضحاك بن مزاحم رحمه الله؛ لما ذكروا عنده حديث
(من قال: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة)؛ قال: "هذا قبل أن تحد الحدود، وتنزل
الفرائض"اهـ ( الإبانة 2/896)
وقال زيد بن أسلم رحمه الله: "لا بد لهذا الدين
من أربع: دخول في دعوة المسلمين، ولا بد من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أولهم
وآخرهم، وبالجنة والنار وبالبعث بعد الموت، ولا بد من أن تعمل عملاً صالحاً تصدق
به إيمانك"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 5/129)
وقال الزهري رحمه الله: "الإيمان قول وعمل
قرينان؛ لا ينفع أحدهما إلا بالآخر"اهـ (مجموع فتاوى لابن تيمية 7/295)
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "كان الفقهاء
يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل"اهـ (الإبانة 1/333)
وقال: "الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص، يزيد
بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يجوز القول إلا بالعمل، ولا يجوز القول والعمل إلا
بالنية، ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة"اهـ (شرح أصول الاعتقاد
1/246)
وقال: "الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه
العمل"اهـ (الإبانة 2/850)
وقال: "لا يصلح قول إلا بعمل"اهـ (السنة
لعبدالله بن أحمد 270)
وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: "سمعت الأوزاعي
ومالك بن أنس وسعيد بن عبدالعزيز، ينكرون قول من يقول: عن الإيمان قول بلا عمل،
ويقولون: لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان"اهـ (شرح أصول اعتقاد أهل
السنة والجماعة للالكائي 5/131)
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ويقول أهل
السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 280)
وقال: "لا يصلح قول إلا بعمل"اهـ (السنة
لعبدالله بن أحمد 270)
وقال: "والإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار
باللسان والقبول بالقلب والعمل به"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 248 )
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: "والمرجئة
أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك
الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال
معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر؛ هو كفر"اهـ (السنة لعبدالله
ابن أحمد280)
وقال: "الإيمان قول وعمل أخذناه ممن قبلنا، وإنه
لا يكون قول إلا بعمل"اهـ (الشريعة ص 116)
وقال الأوزاعي رحمه الله: "لا يستقيم الإيمان
إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول
والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان
والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه
الأديان اسمها، ويصدقه العمل؛ فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله؛ فتلك العروة
الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدق بعمله؛ لم
يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين"اهـ (الإبانة 2/807)
وقال أبو ثور رحمه الله: "فأما الطائفة التي
زعمت أن العمل ليس من الإيمان؛ فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال
لهم: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}؛ الإقرار
بذلك؟ أو الإقرار، والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل، فقد
كفرت عند أهل العلم من قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة.
فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل. قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً؛ لم
زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعاً؟! أرأيتم لو أن رجلاً
قال: أعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به؛ أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا لا. قيل لهم: فإن
قال: أقر بجميع ما أمر الله به، ولا أعمل منه شيئاً؛ أيكون مؤمناً؟ قالوا: نعم.
قيل لهم: ما الفرق؟ وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعاً، فإن جاز أن
يكون بأحدهما مؤمناً إذا ترك الآخر؛ جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر؛ مؤمناً. لا فرق بين ذلك. فإن
احتج فقال: لو أن رجلاً أسلم فأقر بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ أيكون
مؤمنا بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما يطلق له الاسم بتصديقه أن
العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع
ما يكون به مؤمناً"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 5/133-134)
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: "الأمر
الذي عليه أهل السنة عندنا؛ ما نص عليه علماؤنا مما اقتصصنا في كتابنا هذا؛ أن الإيمان
بالنية والقول والعمل جميعاً"اهـ (كتاب الإيمان ص 19)
وقال سهل بن عبدالله التستري رحمه الله: "الإيمان
إذا كان قولاً بلا عمل؛ فهو كفر"اهـ (الإبانة 2/814)
وقال الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة
والتابعين ممن أدركناهم أن: الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا
بالآخر"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 5/139)
وقال المزني رحمه الله: "والإيمان قول وعمل مع
اعتقاده بالجنان، قول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، وهما سيان ونظامان وقرينان
لا نفرق بينهما؛ لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان"اهـ (شرح السنة ص 71)
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "الإيمان لا يكون
إلا بعمل"اهـ (السنة للخلال 1/446)
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: "إن قوماً
يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحجة وعامة الفرائض من غير
جحود لها؛ إنا لا نكفره؛ يُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك
فيهم"اهـ (فتح الباري 1/5)
وقال: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص؛ لا شك أن
ذلك كما وصفنا، وإنما عقلنا هذا بالروايات الصحيحة، والآثار العامة المحكمة، وآحاد
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وهلم جرا على ذلك، وكذلك بعد
التابعين من أهل العلم على شيء واحد لا يختلفون فيه، وكذلك في عهد الأوزاعي بالشام
وسفيان الثوري بالعراق ومالك بن أنس بالحجاز ومعمر باليمن، على ما فسرنا وبينا أن
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"اهـ (مجموع الفتاوى 7/308)
وقال الحميدي رحمه الله: "وأخبرت أن أناساً يقولون:
من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، أو يصلي
مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً؛ إذا علم أن تركه ذلك فيه
إيمانه؛ إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف
كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلماء المسلمين"اهـ (شرح أصول الاعتقاد
5/139- 140)
فهذا هو قول أهل السنة قاطبة بلا خلاف بينهم؛ لم يقل
أحد منهم: إن الإيمان أصل والعمل فرع. وهو القول الذي تقلدته وانتصرت له لتمرر
إرجاءك الخبيث، وهو قول أهل البدع، ولا ينفعك تترسك بابن نصر، وابن منده، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وعبدالرحمن بن حسن، وسليمان بن عبدالله، وعبداللطيف بن الرحمن،
وابن سعدي ولا مئة من أمثالهم؛ لأنهم ليسوا من السلف أصلاً؛ بل هم من الخالفين
المخالفين؛ لذا تشبثت بأقوالهم المحدثة لأنها توافق هواك، وتركت أقوال الصحابة والتابعين وأئمة
الدين الصحيحة الصريحة التي تدل على أن ترك العمل كفر.
وقد قال ابن تيمية الذي هو - كما تزعم - أعلم من كبار
أئمة الدين: الثوري والشافعي والأوزاعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل، وغيرهم: إن الاقتداء بالسلف الصالح "خير من الاقتداء بمن بعدهم،
ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين؛ خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم
ونزاعهم، وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوماً، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم"اهـ
(مجموع الفتاوى 13/24)
قال البربهاري: "الأساس الذي تبنى عليه الجماعة؛
هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم؛ فقد
ضل، وابتدع"اهـ (شرح السنة 59)
فأين في كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما
يؤيد دعواك؟ أو في كلام التابعين وأتباعهم؟ أو في كلام من جاء بعدهم من أئمة
الدين؟
فإن لم تجد، ولن تجد؛ فكلام من تتترس به مردود؛ قال ابن تيمية - الذي تحتج به - في مجموع الفتاوى (21/291): "كل قول ينفرد به المتأخر عن
المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم؛ فإنه يكون خطأ"اهـ
ثانياً: ابن نصر وابن منده يكفران تارك الصلاة؛ فكيف تنسب
إليهما القول بنجاة تارك أعمال الجوارح؟
قال ابن تيمية الذي لا تعدل به أحداً: "أخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات؛ من غير مراجعة لما فسروا به
كلامهم، وما تقتضيه أصولهم؛ يجر إلى مذاهب قبيحة"اهـ (الصارم المسلول 2/512)
وقال: "وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ كلمات
مشتبهة مجملة؛ فيحملونها على المعاني الفاسدة؛ كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء؛
فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه"اهـ (مجموع الفتاوى 2/374)