شرح حائية ابن أبي داود
لأبي محمود
عماد الدين فراج
(شرح حائية ابن أبي داود)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين،،،، أما بعد:
فبين أيدينا منظومة من تلك المنظومات التي صنعها أهل العلم تسهيلاً على
طلاب العلم, هذه المنظومة تسمى بالحائية؛ حائية ابن أبي داوود .
وصاحب هذه المنظومة هو: أبو بكر عبدالله بن أبي داوود, وأبوه هو الإمام
الكبير صاحب السنن أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث, وأبو بكر هو: عبدالله بن
سليمان بن الأشعث الأسدي السجستاني .
ومن المعلوم أن أبا داوود رحمه الله كان من أئمة المسلمين علماً وديانة
وورعاً وكان على نهج المتقدمين من سلفه وهو من أكابر تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل - رحمه
الله -.
وقد اختلف الناس في أبي بكر بن أبي داوود صاحب الحائية التي سنقوم - إن
شاء الله- بالتعليق الوجيز عليها؛ فمنهم من فضله على أبيه لا سيما في الحفظ لأنه
عد من الحفاظ الكبار, ومنهم من قدح فيه وجرحه جرحاً شديداً وتقول عليه بما ليس
فيه, وهذا جاء من خصومه، ومن بعض كلام لأقرانه؛ فقد كانت بينه - رحمه الله - وبين
بعض أقرانه كابن صاعد الحافظ الكبير, والإمام الجهبذ العلم ابن جرير الطبري
مهاترات ومناوشات, فنسأل الله السلامة. .
ولا شك أن ابن أبي داود رحمه الله من كبار علماء المسلمين ومن حفاظهم
الثقات وعقيدته عقيدة سلفية نقية, كما سيظهر لنا – إن شاء الله –
والذي جعل أبا بكر وغيره من أئمة الدين وكبار علماء المسلمين يكتبون
عقائدهم ويسجلون عقيدة السلف في مؤلفات كهذه المنظومة وغيرها من كتب العقائد؛ هو
ما استجد من المحدثات التي ظهرت وانتشرت؛ حتى وُجد من يؤصل ويقعد لها، ونحن نعلم
جميعا أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالهدى والنور, فبلغ
الرسالة وأدى الأمانة وترك هذه الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, لم يترك
باباً من أبواب الخير إلا ودل الأمة عليه, وكذا لم يترك باباً من أبواب الشر إلا
وحذر أمته منه واستمر الخير في زمنه (صلى الله عليه وسلم) وفي زمن صحابته - رضوان
الله عليهم - وفي زمن الأتباع الذين تبعوهم بإحسان, لكن هذا الخير ظل يتضائل
تدريجياً بسبب أمور:
منها كثرة الأعاجم الذين دخلوا في الدين، ومنها كثرة الماكرين الذين
دخلوا الإسلام تحت سطوة سيفه وقوته وعظمته وغلبته وعزته, فدخلوا في هذا الدين لكي
يكيدوا له لأنهم لا يستطيعون مجابهته, ولا يستطيعون أيضاً أن يعيشوا في ذل وهوان,
فما كان منهم إلا أن دخلوا في هذا الدين لكي يكيدوا له فأثاروا الفتن والقلاقل
ونشروا الخزعبلات والعقائد الفاسدة بين المسلمين، ومنها ما صنعه بعض الولاة من
خلفاء المسلمين إذ عمدوا إلى كتب الفلاسفة والملاحدة فترجموها للعربية ومن ثم دخلت
المباحث الكلامية والفلسفية والجدلية في مباحث العقيدة، ولم تعد عقيدة المسلمين
صافية نقية كما كان العهد بها في الأمر الأول, وأكثر ما دخلت؛ في مباحث الأسماء
والصفات والنبوات والغيبيات والقضاء والقدر مما جعل أئمة الإسلام يعمدون إلى كتابة
مؤلفات مختصة بتوضيح العقيدة وتقريرها وإظهارها ونشرها؛ العقيدة الصافية عقيدة أهل
السنة والجماعة عقيدة السلف الصالح فكتب الإمام أحمد رحمه الله (أصول السنة) ونقل
غير واحد من تلاميذه كلامه في العقيدة وكتب الحميدي وكتب أبو عبيد القاسم بن سلام وكتب
أبو بكر بن أبي شيبة وكتب الدارمي وكتب ابن مندة وكتب البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه
والترمذي في جامعه وابن جرير الطبري وغيرهم وكتب ابن أبي داوود هذه الحائية (حائية
ابن أبي داوود) , وهذا يجلي لنا بوضوح أهمية دراسة العقيدة لأننا إذا عرفنا أنه في
القرون المتقدمة التي هي خير من القرون المتأخرة بالإجماع حصل اللغط والتشويش على عقيدة
المسلمين؛ فمن باب أولى أن اللغط والخطأ والتشويش سيزيد ويكثر في القرون المتأخرة ولا
سيما في زمننا هذا حيث اختلط دعاة الحق بدعاة الضلالة واختلط الحابل بالنابل ولم يعد
أحد يستطيع أن يفرق بين قول فلان وقول غيره لأن هذا يستدل بالكتاب والسنة وذاك يستدل
بالكتاب والسنة, و إلا فإن المبطل لا يستطيع أبداً أن يأتي بكلام من عنده من غير أن
يستدل بدليل من الكتاب والسنة يقوي به رأيه؛ لأن الباطل المحض كما هو معلوم لا يخفى
على أحد, فلكي يروج باطله ماذا يفعل؟ يشوبه بشيء من الحق فيعمد إلى ظواهر من الكتاب
والسنة لكي يقوي ما جاء به من باطل فيروج الباطل على الأغرار السذج ؛ لذا كان أهل العلم
لهؤلاء بالمرصاد فكتبوا وردوا وفندوا شبه هؤلاء وبينوا عقيدة المسلمين ومن هؤلاء الذين لهم نصيب وافر من ذلك؛
ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم رحمه الله .
إذاً ينبغي علينا أن نتنبه لأمرين:
الأول: ينبغي على طالب العلم أن يتنبه إلى مصدر التلقي, ممن يأخذ؟
هل يأخذ عن شيخ موثوق في عقيدته وفي منهجه شهد له علمه وعمله أنه على نهج السلف
الصالح؟
أم يأخذ من شيخ مضطرب تارة هنا وتارة هناك؛ تارة مع رأي فلان وتارة مع رأي
علان؛ لا يدري ما الحق؛ لا يدري ما الصواب يتنقل؛ يكثر التنقل لأنه لم يرسخ بعد في
عقيدته ولم يرسخ بعد في علمه ولم يرسخ بعد في منهجه؛ فماذا نفعل والجميع يروجون وينشرون
أنهم على نهج السلف وأنهم بقول السلف يقولون وعلى منهاجهم يسيرون , ما هو الضابط ؟
أن نسبر أقوال الرجل وأفعاله فإذا وجدناها موافقة للأمر الأول ثبت عندنا صدقه,
وإذا وجدناها مخالفة للأمر الأول ثبت عندنا أنه متلاعب, ومثل هذا ينبغي أن يحذر منه
ومن أسلوبه ومن طريقته .
الأمر الثاني: الاعتناء بالعقيدة لأنها رأس مال المسلم, قال تعالى: {إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وصاحب القلب السليم عقيدته سليمة لا خلل فيها,
لا شيء فيها .
وإذا كان الأمر كذلك فينبغي علينا الاهتمام بالعقيدة ودراستها من منابعها
الصافية ولا يكون هذا إلا بدراسة كتب أئمة السلف المؤلفة بهذا الشأن؛ أما المعاصرون
فليس لهم إلا التوضيح , توضيح بعض المسائل لطالب العلم التي ربما يكون فيها شيء من
الغموض هذا هو شأن المعاصرين, أما التقرير؛ تقرير العقيدة السلفية لا سيما في المسائل
التي زل فيها أقوام فهذا لا يكون إلا بالأخذ من أئمة السلف كأحمد والشافعي ومالك والثوري
والحميدي وإسحاق بن راهويه وعبدالله بن المبارك والبخاري والدارمي وغيرهم, لذلك أتعجب
من طالب العلم الذي يدعي أنه يطلب العلم عندما يعمد إلى دراسة مسألة من مسائل العقيدة
المهمة, ويريد أن يبحث مسألة ما؛ ماذا يفعل ؟ يذهب إلى كلام المتأخرين لا سيما المعاصرين,
والمعاصرون - رحم الله من مات منهم وحفظ الله من بقي - كما ذكرنا لا يقارنون أبداً
بأئمة السلف الصالح بأهل القرون المفضلة لا في العلم ولا في العمل, لذا فإنني أؤكد
على هذه المسألة تمام التأكـيد.
وليس ببعيد عن أذهاننا ما حدث من خلط وخبط في مسألة الإيمان وكيف أن فئاماً
من الناس لا يحصون كثرة زلوا في هذه المسألة لأنهم لم يأخذوا هذه المسألة من منابعها
الأصلية,لم يأخذوها من أئمة السلف الذين قرروها وحققوها أعظم ما يكون التحقيق والتقرير.
بعد هذه المقدمة التي ربما أكون قد أطلت فيها بعض الشيء لكنني وددت أن أغتنم
هذه الفرصة لا سيما ونحن نموج الآن في فتن, الفتنة تلو الأُخرى فأردت أن أؤكد على هذه
المسألة وأن أذكر نفسي وإياكم بهذه الأمور التي ينبغي أن نتفطن لها جميعاً, وبارك الله
فيكم ونبدأ الآن في التعليق على حائية ابن أبي داوود - رحمه الله –
قال أبو بكر بن أبي
داوود - رحمه الله تعالى -:
تمسك بحبلِ الله واتبعِ الهُدى *** ولا تكُ بدعيا لعلك
تُفلحُ
ودنْ بكتابِ الله والسننِ التي *** أتت عنْ رسول الله
تنجو وتربحُ
وقل غيرُ مخلوقٍ كلام مليكنا *** بذلك دان الأتقياء
وأفصحوا
ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً *** كما قال أتْباعٌ
لجهمٍ وأسجحُوا
ولا تقل القرآن خلْقٌ قرآتُهُ **** فإن كلام اللهِ
باللفظ يُوضحُ
مما يميز السلف الصالح - رضوان الله عليهم - قلة عباراتهم
وكثرة ما تحمله من المعاني بخلاف المتأخرين, فهذه العقيدة على وجازتها حوت عدة مسائل
ومباحث. فهو- رحمه الله - بعد أن قدم للقاريء بمقدمة دخل مباشرة في مبحث القرآن .
فقال - رحمه الله -:
تمسك بحبل الله واتبع
الهدى *** 0000000000000000
والخطاب هنا لكل مسلم
يدعى أنه على منهج السلف الصالح , الخطاب لكل سلفي, فيا من تدعي أنك تسير على نهج سلفك
الصالح متبعاً كتاب ربك وسنة نبيك على فهم سلفك أنا أحثك على أن تتمسك بحبل الله وأن
تتبع الهدى؛ أن تتمسك بما جاء في كتاب الله وبما صح من سنة رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فما شرعه الله في كتابه وما شرعه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - تمسك
به.
ولا تك بدعياً: لأن
المبتدع لا يفعل ذلك, المبتدع يجعل الكتاب والسنة وراء ظهره ويقول فيهما برأيه, هو
ليس بمتبع بل مبتدع؛ لذلك يقول أبو بكر بن أبي داوود - رحمه الله -:
تمسك بحبل الله واتبع
الهدى *** ولا تك بدعياً0000000
لأنك إن لم تفعل ذلك
وقعت - ولا بد - في البدعة شئت أم أبيت .
لعلك تفلح: فإنك إن
تمسكت بما ذكرته لك من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبضابط
هام جداً, بفهم السلف الصالح لأن الجميع كما ذكرنا يدعون أنهم متمسكون بالكتاب والسنة,
لكن على أي فهم ؟
هل على فهم قائد الجماعة؟
أم زعيم الفرقة؟ أم مقدم القبيلة والطائفة؟
الضابط: أنه يكون على
فهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على فهم القرون المفضلة على الفهم المعصوم, لأن
مجموعهم - رحمهم الله - معصومون أن يجتمعوا على ضلالة
فتمسك بالكتاب والسنة
على فهم السلف الصالح, فإنك إن فعلت ذلك رجوت لك الفلاح في الدنيا والآخرة, فقال: لعلك
تفلح. والفلاح: ذكر أهل اللغة أنها كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة , بل قالوا: لا
توجد في العربية كلمة أجمع منها لخيري الدنيا والآخرة.
تمسك بحبل الله واتبع
الهـدى *** و لا تـك بدعياً لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن
التـي *** أتت عن رسول الله تنجوا وتربح
أي: تعبد بكتاب
الله , تعبد به تلاوة وحفظاً وتأملاً ومدارسةً, تعبد به بأن تحل حلاله وتحرم
حرامه, تعبد به بأن تؤمن بمتشابهه وتعمل بمحكمه .
ودن بكتاب الله
والسنن التي: السنن: هي التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحت عنه,
فما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حجة على العباد , فينبغي أن يكون
المرء - لا سيما السلفي - متبعاً للكتاب متبعاً للسنة , وقد قال الإمام بحق سفيان
الثوري - رحمه الله -: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل؛ انظر إلى الاتباع:
إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل , فهذه هي حقيقة الاتباع أن يقدم محاب
الله ورسوله على محابه, ومرضات الله ورسوله على مرضاته, فإنه إن فعل ذلك كان قد
دان بحق للكتاب والسنة فإن فعل ذلك المكلف كان ماذا ؟ نجا وربح , نجا من الشبهات والشهوات
في الدنيا , ونجا في الآخرة من عذاب النيران والموقف في العرصات .
تَنْجُو
وَتَرْبَحُ: الربح: ذكر أهل اللغة أنه ما يفضل عن رأس المال, فالسلفي عنده رأس مال
وعنده ربح, رأس ماله هو أن ينجو من عذاب الله, وربحه: أن يدخل الجنة, لذلك إن كان
السلفي يتبع الكتاب والسنة ويدين بهما ويعمل بهما على وفق فهم سلف الأمة نجا وربح,
نجا من عذاب الله يوم القيامة, وربح بدخول جنته يوم يدخل الله أهل النار النار،
وأهل الجنة الجنة نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون منهم .
وقل: والخطاب مكرر
للسلفي السني المتبع ( تمسك, دن, قل )
وقل غير مخلوق كلام
مليكنا: لماذا بدأ الناظم – رحمه الله – بهذه المسألة؟
لأنه كان قريب
العهد بالفتنة ولا زالت رواسبها عند كثير ممن كان في عصره؛ لأننا نعلم جميعاً أن
هذه الفتنة ظهرت في زمن ثلاثة من الخلفاء: المأمون والمعتصم والواثق, والإمام أحمد
كان معاصراً لتلك الفتنة، وبين أبي بكر والإمام أحمد؛ جيل, لأن أبا الناظم - رحمه
الله - كما ذكرنا من تلاميذ الإمام أحمد؛ فالفتنة كانت قريبة ولا زالت رواسبها بعد
, لذلك اهتم بها الناظم فبدأ بها مقرراً عقيدة السلف في هذه المسألة .
وهذه المسألة من
المسائل العظام التي نستفيد منها العبر والدروس فمنها مثلاً:
أن أهل البدع كلما
أحدثوا حدثاً وتكلموا كلاماً؛ كلما أظهر لهم أهل السنة رحمهم الله من معاصريهم
كلاماً يخالف كلامهم إقناعاً لهم وإرغاماً لأنوفهم وكبتاً لهم فكان فيما مضي قبل
زمن الإمام أحمد رحمه الله العقيدة المنتشرة بين المسلمين, بين العام والخاص, بين
الرجال والنساء والصبيان أن القرآن كلام الله منزل على عبده ورسوله محمد صلى الله
عليه وسلم .
إذاً كيف أدخل
السلف - رضوان الله عليهم - هذه اللفظة (غير مخلوق) لأنه لما عمد أهل البدع
والضلال والأهواء الذين استقلوا بعقولهم وقدموها على الكتاب والسنة, قدموا المعقول
على المنقول فظنوا لأمور تشابهت عندهم - لأنهم ليسوا من أهل العلم ولأنهم لم
يقرأوا كتب أهل العلم ولم يجلسوا إليهم - ظنوا لشبهٍ عندهم أن القرآن مخلوق, ولا
داعي لذكر الشبه , لكن يكفي أن نذكر الشبهة المشهورة وهي استدلالهم بقول الله
تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقالوا:
كل مجعول مخلوق, فالقرآن مخلوق.
فانتهض أئمة السلف
الصالح رضوان الله عليهم؛ الإمام أحمد ومن معه لدحض هذه الشبهة الواهية التي –
والحمد لله – لم يقل بها أحد من أهل العلم المعتبرين, بل قال بها أهل الجهل
والسفسطة أمثال ابن أبي دؤاد؛ فلما ذكر أهل البدع أن القرآن مخلوق؛ اضطر السلف
الصالح رضوان الله عليهم أن يقولوا: لا , القرآن: كلام الله غير مخلوق رداً على
هذه الكلمة التي ذكرها أهل البدع, فأرادوا أن يصدوا هذه الكلمة, كلمة مخلوق؛
فقالوا, لا بل هو غير مخلوق, لذلك عندما سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -:
هل يسع الرجل أن يقول القرآن كلام الله ويسكت ؟ قال أحمد: لا, إنما كان يسعه ذلك
فيما مضى قبل أن يتكلم الناس ويحدثوا ما أحدثوا أما وقد ذكروا ذلك فلابد وأن يكون
السلفي المتبع لمنهج السلف الصالح ولأئمة السلف أن يقول: القرآن كلام الله غير
مخلوق .
إذاً فعقيدة السلفي
في القرآن التي هي عقيدة السلف الصالح عقيدة الفرقة الناجية عقيدة الطائفة
المنصورة عقيدة أهل السنة والجماعة , وكلها مسميات لمعنى واحد, عقيدتهم أن القرآن
كلام الله تكلم به على الحقيقة, فهو صفة لله عز وجل ليس بمخلوق, صفات الله لا تكون
مخلوقة أبداً, هذه هي عقيدتهم في القرآن, وكما هي عقيدتهم في جميع الكتب المنزلة,
عقيدتهم في الزبور, عقيدتهم في التوراة , عقيدتهم في الإنجيل, جمع الكتب المنزلة
كلام الله, صفته سبحانه وتعالى؛ تكلم به على الحقيقة, لأنه سبحانه وتعالى
متكلم يتكلم إذا شاء متى شاء كيف شاء , تكلم
به بحرف وصوت؛ هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.
وقد اختلف الناس في
هذه المسألة, فذهبت الجهمية الذين نصبوا لواء العداوة للسلف الصالح, فقالوا:
القرآن مخلوق, وقد أكفر السلف الصالح الجهمية, هذا على سبيل العموم, أما أعيانهم
فذكرت كتب التواريخ والسير أن بعض أئمة السلف كفروا أناساً من أعيان الجهمية,
وكانوا يفرقون بين الداعية المتعلم المتكلم الذي درس علم الكلام وتكلم به, وبين
الجاهل المقلد .
إذاً عندما نسمع
ونقرأ عن الإمام أحمد أنه قال: الجهمية كفار. فالمقصود بذلك هو كفر النوع لا كفر
العين , الجهمية كفار , هذا هو كفر النوع , الجهمية هم الذين تقلدوا هذه المسألة
(مسألة خلق القرآن) ومن تبعهم من المعتزلة والأشاعرة هؤلاء كما ذكرنا نص السلف
الصالح – رضوان الله عليهم – أن من قال: القرآن مخلوق فقد كفر أو هو كافر. لأن
اللفظة لفظة كفرية لا يصح أبداً أن ينطق بها المسلم؛ لأن مفادها أن إحدى صفات الله
عز وجل مخلوقة ولا شيء من الله سبحانه تعالى يكون مخلوقاً أبداً، وهو سبحانه
وتعالى الخالق, فكيف يكون خالقاً ومخلوقاً أو فيه شيء من الخلق, هذا لا يكون ,
لذلك كما ذكرنا القرآن صفةٌ لله؛ كلام الله تكلم به على الحقيقة فلا يكون مخلوقاً
أبداً .
أما الطائفة
الثانية: فهؤلاء كأنهم توسطوا بين أهل السنة والجماعة وبين الجهمية , الجهمية
قالوا: القرآن مخلوق. وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم وقالوا: القرآن كلام الله
غير مخلوق. فهؤلاء كأنهم توسطوا فقالوا: نرجع إلى الأمر الأول , وجدناكم قد
اختلفتم فنرجع إلى الأمر الأول فنقول: القرآن كلام الله ونسكت؛ لا نقول: مخلوق.
ولا نقول: غير مخلوق. وهؤلاء هم الواقفة أو الشكاكة , وهم شرٌ من الجهمية لأنهم
شكوا؛ فهم لا يعرفون حقيقةً إن كان القرآن كلام الله أو خلق من خلق الله؛ فهم لم
يعرفوا ربهم بأسمائه ولا بصفاته ولا بأفعاله, جهلوا ربهم, جهلوا معتقدهم , جهلوا
حقيقة ما يعبدون فكانوا شراً من الجهمية. ولأن كلامهم فيه تلبيس وتضليل على عوام
المسلمين حيث زعموا أنهم مقلدون للأوائل؛ فقالوا: نقول: القرآن كلام الله ونسكت،
وكما ذكرنا لا يسعهم ذلك بل لزاماً عليهم أن يتكلموا بهذه اللفظة (غير مخلوق) وهذا
شبيه بما ذكر عن عبدالله بن المبارك وغيره حيث قال: "نعرف ربنا أنه فوق
سماواته مستو على عرشه بائنٌ من خلقه بحد".
فكلمة (بائن من
خلقه بحد) هذا؛ فيه إرغام للجهمية الذين قالوا: إن الله في كل مكان. فهذا هو ديدن
السلف تجاه ما يحدثه أهل البدع والأهواء من كلام ومن ألفاظ ومن معتقدات فاسدة
يريدون من ورائها التدليس
والتشغيب على عقيدة المسلمين .
إذاً الطائفة
الثانية: هم الواقفة الذين قالوا: القرآن كلام الله ونسكت لا نقول مخلوق ولا نقول
غير مخلوق , ثم رأى جماعة ما يحدث من قيل وقال، وظنوا أن أهل البدع والأهواء مع
أهل السنة كفرسي رهان وهم علموا – حقيقة - أن أهل السنة كلامهم هو الحق الذي لا
ريبة فيه ولا شك، وأن أهل الأهواء والبدع كلامهم باطل لا مرية فيه ولا شك؛ لكنهم
لقلة علمهم ولقلة اتباعهم؛ أو لعلهم ظنوا أن في كلامهم هذا الذي سنذكره بعداً عن
المشكلة وعن الفتنة وما يثار حولها فقالوا: لماذا لا نقول القرآن - طالما أنتم
تقولون القرآن كلام الله غير مخلوق وهؤلاء يقولون القرآن مخلوق - فلماذا لا نقول:
ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وكأنهم جمعوا بين القولين، أو أرادوا التقريب بين الحق
والباطل؛ كمن أراد الجمع بين الماء والنار، وهذه كلمة قبيحة فيها من التدليس
والتلبيس ما فيها؛ لماذا؟ لأن اللفظ يطلق على أمرين على الملفوظ وعلى اللفظ, أما
الملفوظ فهو كلام الله وهذا ليس بمخلوق، وأما اللفظ فهو فعل العبد وهو مخلوق, فلما
احتمل قولهم هذا وهذا؛ اشتد النكير من أئمة السلف على أصحاب هذا القول وسموهم
اللفظية؛ فقالوا: اللفظية شرٌ من الجهمية. لأن الجهمية كلامهم صريح باطلٌ لا يخفى على
من عنده بصيرة؛ أما هؤلاء فكلامهم يحتمل والشبهة فيه أكثر ورواجه بين العوام أكثر،
ومن هذا نأخذ درساً ألا وهو: أنه لا ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلام الموهم أو
الكلام المجمل في العقائد؛ فكيف الحال إن كان كلامه هذا في زمان فتنة؟! الأمر
سيكون أشد وأنكى؛ فلا ينبغي على المسلم أن يتكلم بكلام موهم؛ كلام مجمل في وقت
يحتاج المسلمون فيه إلى تقرير؛ وإلى تقعيد لمسألة عقدية سار حولها شغب كهذه
المسألة. يأتي هؤلاء ويقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة لكي يزيدوا الشبهة عند
الناس, فاشتد نكير السلف الصالح عليهم من أجل ذلك .
هذا وقد ذهب أناس
إلى نقيض هذا القول فقالوا: ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة فأنكر السلف الصالح عليهم
لأنكم لو تأملتم قولهم لوجدتم أن الشبهة ما زالت قائمة لماذا؟ لأن اللفظ ها هنا
يحتمل فيقال ما مرادك باللفظ ؟ الملفوظ أم الفعل المطلق ؟ إن كان مرادك الملفوظ
فهذا لا يكون؛ هذا هو عين كلام الجهمية الذين قالوا القرآن مخلوق وإذا كان مرادك
اللفظ, فأبن وصرّح بكلام صريح واضح ليس بهذه اللفظة لأن السلف جميعهم متفقون على
أن أفعال العباد مخلوقة فهم يقولون دائماً: الكلام كلام الباري والصوت صوت القاري
هذا هو كلامهم فكلامكم أيضاً الذي ذكرتموه من أن ألفاظكم بالقرآن غير مخلوقة بدعة؛
للبس والاحتمال والإيهام الموجود في اللفظ, فالطوائف في هذه المسألة (الجهمية)
الذين يقولون القرآن مخلوق, (الواقفة) الذين قالوا كلام الله ونسكت لا نقول مخلوق
أو غير مخلوق, (اللفظية) الذين قالوا ألفاظنا بالقرآن مخلوقة, المبتدعة الذين
قالوا ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة, ثم أئمة السلف ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا
الذين فارقوا جميع هذه الطوائف وفارقوا أقوالهم وفارقوا ما يعتقدون في هذه المسألة
وقالوا القرآن كلام الله غير مخلوق لذلك يقول ابن أبي داود:
وقل غيرُ مخلوقٍ كلام
مليكنا *** بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
هكذا قال أئمة
السلف , فبهداهم اقتده؛ لأنهم أعلم وأحكم وأورع قد اتفقت الأمة على أمانتهم
وديانتهم وعلمهم وورعهم.
وقل غيرُ مخلوقٍ كلام
مليكنا *** بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تكُ في القرآن بالوقف
قائلاً *** كما قال أتْباعٌ لجمٍ وأسححُوا
يعني وعرضوا
بالكلام لأنهم وقفوا , فوقوفهم هذا فيه تعريض بقول الجهمية الذين قالوا القرآن
مخلوق؛ فإياك إياك أيها السني أن تقول كما قالت الواقفة: القرآن كلام الله وتسكت
وقد ذكرهم ابن أبي داود فقال: أتباع لجهم وأسجحوا, والجهم معروف؛ الجهم بن صفوان
رأس الضلالة عظيم هذه الطائفة
ولا تقل القرآن خلْقٌ
قرأْتُهُ **** فإن كلام اللهِ باللفظ يُوضحُ
وهو يعني بهذا
اللفظية الذين ذكرناهم الذين يقولون ألفاظنا بالقرآن مخلوقة أو لفظي بالقرآن مخلوق
لأن كلام الله بين واضح لا شبهة فيه أنه سبحانه تكلم به على الحقيقة وأنه سبحانه
متكلم وأن الكلام صفة من صفات الله التي يثبتها أهل السنة والجماعة ولا خير في رب
لا يتكلم فهؤلاء كما ذكر الأئمة يعبدون صنماً انظروا إلى قول الله تعالى لما عاب
على أصحاب العجل ماذا قال ؟ {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ
قَوْلاً} فهؤلاء نزعوا الصفات من الرب سبحانه وتعالى؛ فالأمر كما قال أحد
السلف: مثل هؤلاء يعني الجهمية ومن شايعهم
الذين ينفون الصفات أو يعطلونها بأي لون من ألوان التعطيل كمثل رجل قال في بيتنا
نخلة, فقيل هل لها سعف قال: لا, هل لها ساق قال: لا, قال: إذاً ما في بيتكم نخلة؛
لأن النخلة لها صفات, لابد أن تتصف بصفات: ساق وأوراق وغير ذلك, فلما نفى عنها
الصفات قالوا إذاً ما في بيتكم نخلة؛ فهؤلاء نفوا عن ربهم ما استحقه من صفات
الجلال والكمال.
إذن فلا تقل أيها
السني الذي تتبع الكتاب والسنة, لا تقل ما قالت اللفظية: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة
فإن كلام الله باللفظ يبين ويوضح وهو واضح بين ظاهر لا شك فيه.
ثم قال رحمه الله:
وقل يتجلى الله للخلقِ
جهرةً *** كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ
هذا المبحث فيه
إثبات عقيدة أهل السنة والجماعة في الرؤية وأنهم يرون ربهم يوم القيامة عياناً –
بالعين - رؤيا عين لا يضامون أو يضارون في رؤيته خلافاً لأهل البدع والأهواء ممن
نفوا الرؤية كالمعتزلة والأشاعرة ومن حذا حذوهم .
وقل: يعني قل أيها
السني المتمسك بالكتاب والسنة على منهج سلف الأمة .
وقل يتجلى الله
للخلق جهرةً *** 000000000000000
يعني يكشف الله
سبحانه وتعالى عن حجابه فيتجلى لخلقه يظهر لخلقه يوم القيامة فيرونه عياناً ,
وأحاديث الرؤية كما تعلمون بلغت حد التواتر , وهناك إجماع من السلف الصالح على أن
المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عياناً وهذا دل عليه الكتاب والسنة، وكما ذكرنا
إجماع سلف الأمة.
أما الكتاب ففي مثل
قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}, وفي مثل
قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}, وفي مثل قوله
تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} يحجب أعداءه
عن رؤيته أما أولياؤه فيرونه عياناً سبحانه وتعالى, ولقد فسر رسول الله صلى الله
عليه وسلم الزيادة بأنها رؤية الله عز وجل , ومن السنة أيضاً حديث جرير كما سيذكره
المؤلف وفيه: " أما إنكم سترون ربكم كرؤيتكم للبدر" وهذا تشبيه الرؤية
بالرؤية وليس تشبيه المرئي بالمرئي لأن الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيئاً من خلقه
ولا يشبهه شيء من خلقه سبحانه وتعالى , فهو سبحانه وتعالى متفرد في ذاته متفرد
بصفاته متفرد بأفعاله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ},
ونحن في مبحث الصفات نمرها كما جاءت فالصفات الواردة في صفات المولى عز وجل تُمَر
كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل, فالقول في الصفات فرع عن
القول في الذات , فكما أننا نثبت ذاتاً له سبحانه وتعالى بلا كيفية كذلك نثبت صفات
بلا كيفية.
وقل يتجلى الله للخلقِ
جهرةً *** كما البدر 000000000
وهذا فيه تشبيه
الرؤية بالرؤية كما لا يخفى, كما البدر عند إبداره ليلة تمامه لا يخفى على أحد ولا
يضام أحد أو يختلف أحد في رؤيته؛ فكذلك ترون ربكم سبحانه وتعالى يوم القيامة.
وربك أوضح: ورؤية
المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى في الآخرة أوضح من ذلك بكثير , وكما أجمع أهل السنة
والجماعة أن المؤمنين سيرون ربهم يوم القيامة؛ كذلك أجمعوا على أنه لن يرى أحد ربه
في الدنيا وعلى ذلك فسروا قول الله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
وقد نفى أهل
الأهواء والبدع هذه الصفة عن المولى عز وجل ومن باب أولى نفوا هذه الفضيلة
للمؤمنين إذ يتفضل الله سبحانه وتعالى عليهم بأنهم يرونه؛ كما في قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ
أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فسووا بذلك بين المؤمنين وبين الكافرين؛ لأنه
إذا كان ربنا سبحانه وتعالى قد ذكر أنه سيحجب أعداءه عن رؤيته وهم يقولون: إن
المؤمنين لن يروا ربهم؛ فما المزية إذاً للمؤمنين على الكافرين ؟!
وليس بمولودٍ وليس بوالدٍ
**** وليس له شِبْهٌ تعالى المُسبحُ
الله سبحانه وتعالى
يقول في محكم التنزيل: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}, فهو سبحانه وتعالى لا والد له
ولا ولد له ولا صاحبة له تعالى سبحانه وتعالى عن ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فهو سبحانه وتعالى ليس بوالد لشيء من مخلوقاته لا
الملائكة ولا عيسى ولا عزير كما ادعت النصارى وادعت اليهود.
وليس له: يعني ربنا
سبحانه وتعالى شبهٌ تعالى المسـبح: لا في ذاته ولا في صفاته تنزه وتقدس عن النقائص
سبحانه وتعالى فنحن دائماً نقول: سبحان الله. ننزهه سبحانه وتعالى عن النقائص وعن
المعايب.
ثم قال المصنف رحمه
الله:
وقد ينكر الجهمي
هذا *** 000000000000
يعني الجهمي ممن
اتبع الجهم بن صفوان الذي هو أول من نشر مقالة التعطيل في الأمة الإسلامية, قال
أهل العلم إن هذه المقالة أخذها الجهم من الجعد بن درهم, والجعد أخذها من أبان بن
سمعان, قالوا وأبان أخذها من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر رسول
الله صلى الله عليه وسلم , ومن المعلوم أن الجهم بن صفوان قتل على الزندقة وقد
أكفره غير واحد من أهل العلم وابن القيم رحمه الله ذكر قول خمس مئة من أئمة السلف
في تكفير الجهمية وهذا التكفير تكفير نوع وليس تكفير عين.
وقد ينكر الجهمي
هذا *** 0000000000000
يعني: الرؤية؛ لأن
الجهم وأتباعه قد نفوا عن الله تعالى الأسماء والصفات ومن ثم أنكروا الرؤية, فربهم
الذي يعبدونه لا يُعلَم ما هو, رب بلا أسماء وبلا صفات, وهذا لا يُعقَل, لذلك قال
شيخ الإسلام ابن تيمية مقولته المشهورة: "إن المشبه يعبد صنماً والمعطل يعبد
عدماً" هؤلاء الذين نفوا عن ربهم سبحانه وتعالى وجل وعلا الأسماء والصفات
يعبدون صنماً لا يَرى ولا يُرى ولا يسمع ولا يتكلم.
وَقَدْ يُنْكِرُ
الجَهْمِيُّ هَذَا: هذه الصفة .
وَعِنْدَنَا: نحن
أي أهل السنة والجماعة .
بِمِصْـدَاقِ مَا
قُلنَا حَدِيثٌ مُصَرّحُ:
هذا فيه إشارة على
أن أهل السنة والجماعة دليلهم في هذه الأمور النقل (الكتاب والسنة) فهم دائرون مع
الكتاب والسنة, بخلاف أهل البدع والأهواء الذين يأخذون عقائدهم من أفكارهم ومن
آراء الرجال كما أنهم يقدمون العقل على النقل فما وافق عقولهم قبلوه وما خالف
عقولهم ردوه لكن أهل السنة والجماعة يقدمون النقل على العقل معتقدين أنه لا تعارض
مطلقاً بين العقل الصريح والنقل الصحيح
وقد يُنكِر الجهمي هذا
عندنا *** بمصداقِ ما قلنا حديثٌ مصرحُ
هذا الحديث هو الذي
رواه جرير لذلك يقول ابن أبي داوود:
رَوَاهُ جَرير عَن
مَقَـالِ مُحَمّد *** 000000000000000
يعني رواه جرير بن
عبدالله البجلي الصحابي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقل مثل ما قد قال:
فقل يا أيها السني الذي يتمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على
وفق فهم سلف الأمة بما قال به جرير رضي الله عنه وبما قال به أئمة السلف فإنك إذا
قلت ذلك نجحت وظفرت بالفلاح , والفلاح ها هنا أي موافقة الصواب ومتابعة السنة
والكتاب, والنجاح كل النجاح والفلاح كل الفلاح في متابعة السنة وعدم الانحراف عنها
قيد أنملة
رواه جريرٌ عن مقالِ
مُحمدٍ *** فقلُ مِثل ما قد قال ذاك تنْجحُ
وقد ينكرُ الجهمي أيضاً
يمينهُ *** 000000000000000
الجهمي أيضاً ينكر
أن لله سبحانه وتعالى يميناً, " إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن
يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين".
وفي القرآن: {بَلْ
يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} فأهل السنة والجماعة يثبتون لله
سبحانه وتعالى يدين وأن إحداهما يمين والأخرى شمال كما ذكر في القرآن {بَلْ
يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقلنا: إحداهما يمين والأخرى شمال, وقد اختلف أهل العلم
في ذلك , فمنهم من توقف عند كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: كلتا يديه
يمين, لا نقول إحداهما يمين والأخرى شمال تأدباً مع الله عز وجل ولأن الشمال تشعر
بالنقص وأنها أقل من اليمين, والنبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بربه وأفصح
الناس ومعلم الأمة قال: كلتا يديه يمين فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم, وذكر آخرون أنه لا مانع أبداً أن نقول إن لله سبحانه وتعالى يدين يمين وشمال
كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم وفيه:
"إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات بيمينه وهزهن وقال أنا الملك أين
الملوك أين الجبارون وجعل الأرضين بشماله وهزهن وقال أنا الملك أين ملوك الأرض أين
الجبارون". فها هنا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظة الشمال لكن قال
بعض أهل العلم إن هذه اللفظة لا يعتد بها ولا تثبت وقال بعضهم: بل ورد في الأحاديث
ما يقويها كما في حديث أبي الدرداء الذي فيه "لما خلق الله آدم ومسح على
يمينه وخلق الذرية فإذا هي في يمين الرحمن عز وجل فقال هذه في الجنة ولا أبالي
وذرية في شمال الرحمن عز وجل وقال هذه في النار ولا أبالي". والمقصود أن
الخلاف قائم في المسألة ومن ذكر أن كلتا يديه يمين سبحانه وتعالى فقوله معتبر ومن
ذكر أن له سبحانه وتعالى يميناً وشمالاً فهذا أيضاً قوله معتبر؛ وابن أبي داوود
رحمه الله يثبت اليدين لله سبحانه وتعالى من غير تفصيل بذكر اليمين أو ذكر الشمال
وهو سبحانه وتعالى يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بالإنعام والإفضال والنعم الجزيلة
العظيمة على عبـاده.
لذلك يقول ابن أبي
داوود: وكلتا يديه بالفواضل تنفح أو تنضح, فهذا هو الفارق بين اعتقاد الجهم ابن
صفوان ومن تبعه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وبقية أهل البدع والأهواء وبين
اعتقاد أهل السنة والجماعة.
ثم قال رحمه الله:
وقل ينزلُ الجبارُ في
كلِّ ليلةٍ *** بلا كيفَ جلَّ الواحدُ المُتمَدحُ
إلى طبقِ الدنيا يمُنُّ
بفضلهِ *** فتفرجُ أبواب السماءِ وتُفتحُ
يقولُ أَلا مُستغفرٌ
يَلقَ غافراً *** ومُستمنحٌ خيراً ورِزْقاً فُمنحُ
روى ذاك قومٌ لا يردُّ
حديثُهم *** ألا خابَ قومٌ كذبوهم وقُبِّحوا
فقل أيها السني
السلفي الأثري المتبع للكتاب والسنة بفهم السلف, قل: ينزل الجبار كما أخبر رسوله
(صلى الله عليه وسلم) عنه, قل ينزل في كل ليلة بلا كيف, وهذه قاعدة أهل السنة في
الصفات إمرارها كما جاءت بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل تحت الأصل
العام: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
إذاً قل أيها
السني: إن الجبار تبارك وتعالى ينزل في كل ليلة بلا كيف, لا تسأل عن الكيفية
جَلّ الوَاحِد المتَمَدّح: جل وتقدس وتنزه
سبحانه وتعالى.
جَلّ الوَاحِد
المتَمَدّح: الواحد, لأنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, عظم
سبحانه وتعالى في وحدانيته وفي ربوبيته وفي ألوهيته.
المتَمَدّح: الذي
يسبغ على عباده من النعم ما يوجب مدحهم له.
إلى طبق الدنيا:
يعني إلى سماء الدنيا.
يَمُنّ: لأنه
سبحانه المنان يمن بعطائه وفضله وكرمه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى, يمن على عباده
بفضله.
فَتُفْرَجُ
أَبْوابُ السَمَاء: تفتح وتنشق وتنصدع أبواب السماء بخيره وبركته ونعيمه ورزقه
وَتُفْتَحُ: فيصعد العمل الصالح والدعاء ويستجيب المولى عز وجل.
يقولُ أَلا مُستغفرٌ
يَلقَ غافراً *** 000000000000000
كما في الحديث: "ينزل ربنا سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى في كل
ليلة إذا بقى ثلث الليل الآخر, فيقول: ألا هل مستغفر فأغفر له ألا من سائل فأعطيه
ألا من داع فأستجيب له". ومنه أخد ابن أبي داود – رحمه الله – ذلك فقال: يقول
– أي المولى عز وجل -
0000أَلا مُستَغِفر
يَلقَ غَافِراً *** وَمُستَمْنحٍ خَيراً000000
يعني طالباً خيراً
ورزقاً فيمنح: فيعطيه المولى سبحانه وتعالى إياه, يعطيه ما طلب مصداقاً للحديث:
"من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له0000" لذا
قال: أَلا مُستَغِفر يَلقَ غَافِراً؛ فالله سبحانه وتعالى هو الغافر الذي يغفر
الذنوب ويستر العيوب.
مُسْتمنَحٍ: طالباً خيراً ورزقاً من ربه سبحانه وتعالى. فَيُمنَحُ: يعطَى
ما طلب.
رَوى ذَاكَ: روى هذا الحديث أئمة ثقات جبال في الحفظ اتفقت الأمة على
أمانتهم وديانتهم ونصحهم للأمة لا يرد حديثهم إلا المبتدع الضال الزائغ عن الحق
لذا قال:
ألا خَابَ قَومٌ
كَذبُوهُم وَقَبحُوا *** 00000000000000
نسبوهم إلى الكذب وإلى القبح وهم أهل البدع والأهواء الذين ردوا هذا
الحديث .
إذاً هذه صفة النزول كما ذكرها ابن أبي داود, ونحن كما ذكرنا نثبتها
كسائر الصفات بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل , ولا نقول كيف؟ ولا نقول
لم؟ ولا نسأل ولا نتنطع في السؤال ومن ذلك القول: هل يلزم من نزوله الحركة
والانتقال ؟ أو هل يلزم من نزوله خلوه من العرش؟
هذه كلها مباحث حدثت بعد انقراض زمان الإمام أحمد – رحمه الله – ذكرت عن
بعض الحنابلة كعبد الله بن حامد, وأبي يعلى, وأبي الحسن التميمي, وغيرهم ..
وتطرق ابن تيمية لهذه المسألة فذكر فيها أقوالاً ثلاثة ,
فمن أهل العلم من قال: يخلو منه العرش, ومنهم من قال: لا يخلو منه العرش,
واختار رحمه الله أنه لا يخلو منه العرش وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك
يعتريه .
والحق أيضاً الكف عن مثل هذا وإمرار الصفة كما جاءت, وقد كان سلفنا الصالح
لا يتكلمون في مثل هذه المسائل.
وهل يلزم من نزوله سبحانه وتعالى الحركة والانتقال؟
بعض أهل العلم قالوا: نعم, من لوازم الصفة الحركة والانتقال, وهذه الصفة
ثابتة وأجمع عليها سلفنا الصالح لكننا لا نثبت اللوازم إلا بدليل, ولا دليل لأن
السلف الصالح لم يتطرقوا إلى هذا، ولأنه لم يؤثر.
الصحيح أننا لم نقف على قول إمام من أئمة السلف يفيد ذلك, فالأفضل الكف
عن مثل هذه المسائل. وبعضهم يقول: نعم, نثبت اللوازم, وهذا فيه نظر لأنه إذا قال
ذلك فيلزمه إثبات جميع لوازم الصفات .
فمثلاً: يمكننا أن نقول له قال الله سبحانه وتعالى:{مَا مَنَعَكَ أَن
تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
فها هنا ورد في الكتاب وفي السنة أن الله سبحانه وتعالى قد خلق آدم بيديه , فهل يستوجب ذلك مساساً؟! وعلى هذا فقس.
فها هنا ورد في الكتاب وفي السنة أن الله سبحانه وتعالى قد خلق آدم بيديه , فهل يستوجب ذلك مساساً؟! وعلى هذا فقس.
وقل: إنَّ خير النَّاسِ
بعد محمَّدٍ *** وزيراهُ قدَماً ثم عثمانُ
الأَرجَحُ
قل أيها السلفي السني, بلسانك واعتقد بقلبك أن خير الناس بعد محمد – صلى
الله عليه وسلم – هما (أبو بكر وعمر)
وزيراه قدماً: يعني في السابقة والفضل .
ثم عثمان الأرجح: يلي أبو بكر وعمر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فهو
الثالث في الفضل, ولا خلاف بين أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر وعمر رضي الله
عنهما هما أفضل الصحابة, بل هما أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل لأن صحابة محمد
صلى الله عليه وسلم هم خير الناس وخير البشر قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ولا شك أن خير البشر – بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -
هم الصحابة رضوان الله عليهم, وخيرهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)؛ فالمقصود أن أبا
بكر وعمر رضوان الله عليهما هما خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم,
يليهم في الفضل عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنه يحدث
ويقول: كنا لا نعدل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم
نثلث بعثمان ثم نسكت وهذا الحديث في البخاري.
وأيضاً سأل عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال:" أي الناس أحب إليك قال عائشة قال فمن الرجال قال أبوها قال
ثم أي قال عمر بن الخطاب". ففضل هذين الخليفتين عظيم ومن قرأ شيئاً من
سيرتهما ظهر له فضلهما ومكانتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند الصحابة وفي
دين الإسلام, فعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة أنهم يقدمون أبا بكر وعمر ثم
يثلثون بعثمان ويربعون بعلي , لذلك يقول ابن أبي داوود:
ثُمّ عُثْمَان الأَرْجَحُ: يعني بهذا رحمه الله الخلاف القديم الذي كان
بين بعض أئمة السلف في الثالث, فبعضهم يقدم علياً وبعضهم يقدم عثمان, ثم استقر
الإجماع على هذا الترتيب: (أبو بكر- عمر- عثمان- علي), فترتيبهم في الفضل كترتيبهم
في الخلافة.
يُروى عن سفيان الثوري - رحمه الله - وعن غيره أنه كان يقدم علياً لكن
-كما ذكرنا- الإجماع استقر على هذا الترتيب (أبو بكر- عمر- عثمان- علي), وكما
ذكرنا ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلاقة، وقد رجع سفيان رحمه الله عن ذلك.
وَرَابِعهُم خَير
البَرِيّة بَعدهُم *** 0000000000000
خير البرية في زمانه , يعني في
زمانه (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بعد موت الخلفاء الثلاثة لم يكن أحد أفضل
منه رضي الله عنه وأرضاه .
عَلِي حَلِيفُ الخَيرِ: المصاحب للخير والمواخي له
بِالخَيرِ منْجحُ: يعني ناجح, هو رضي الله عنه مواخٍ للخير مصاحب له
وحليفه النجاح والتوفيق والسداد, والآثار التي وردت في فضل هؤلاء الأربعة كثيرة,
لكن أكثر ما جاء جاء في حق علي, لذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: أكثر ما جاء في
الفضائل جاء في عليٍ رضي الله عنه.
وَأَنّهُم للرَهطِ
لا رَيبَ فِيهِم *** عَلَى نجبِ الفِردَوسِ بالنُورِ تَسْرحُ
نعم لا شك في جلالهم وفضلهم وعلمهم وأمانتهم وديانتهم وأنهم خير البشر
بعد الأنبياء والرسل وأنهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا شك في
ذلك ولا ريب, وهم الآن منعمون في الجنة على نجب الفردوس بالنور تسرح لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قد بشرهم بالجنة كما في حديث عبدالرحمن بن عوف: ( أبو بكر في الجنة
وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة والزبير في الجنة وطلحة في الجنة
وعبدالرحمن في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وأبو عبيدة في الجنة وسعيد بن عمرو
بن زيد في الجنة) وسعيد: وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وسعد: سعد بن مالك, سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه، وابن عوف: هو عبدالرحمن بن عوف رضي الله
عنه، وطلحة: يعني طلحة بن عبيدالله, طلحة الخير طلحة الجود، وعامر فهر: يعني أبا عبيدة
عامر ابن الجراح والزبير الممدح: الزبير بن العوام, فهؤلاء هم بقية العشرة, سعيد
بن زيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر والزبير الممدح.
وروى أيضاً حديث العشرة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة ...) إلى آخر
الحديث, ولم يذكر العاشر, فسألوه فقالوا: ومن العاشر ؟ قال: سعيد بن زيد, يعني
نفسه.
وسعيد بن زيد رضي الله عنه قال- بعد أن ذكر هذا الحديث-: "إن مشهداً
واحداً من هؤلاء النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غبَّر فيه وجهه؛ خير من
عمل أحدكم ولو عُمِّر عمر نوح". فالشقي من أبغضهم والسعيد من أحبهم، وهذا أمر
متفق عليه ومجمع عليه بين أهل السنة والجماعة.
وَقُلْ خَيرَ قَولٍ
فِي الصَحَابةِ كُلِهِم *** 00000000000000
جميع الصحابة لا نذكرهم إلا
بالجميل نعرف فضلهم وقدرهم ونعتقد أمانتهم وديانتهم وأن الله سبحانه وتعالى زكّاهم
ورضي عنهم والنبي صلى الله عليه وسلم زكاهم ورضي عنهم وأنهم كما ذكرنا اختارهم
الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتبليغ هذا الدين وحمله إلى الناس, وهم
أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل، ومع هذه الأفضلية العامة فهم متفاوتون في الفضل
بعضهم أفضل من بعض كما ذكرنا في الحديث عن
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة, وافترق في هذه المسألة طائفتان, وأهل
السنة والجماعة بين طرفي نقيض فكما أن أهل البدع والأهواء افترقوا في مسائل كثيرة
من مسائل العقيدة أيضاً افترقوا في هذه المسألة فكان أهل السنة والجماعة بين طرفين,
بين الرافضة وبين الناصبة (الروافض والنواصب) أما الروافض فهم الذين يزعمون أنهم
يتولون علياً وآل بيته ويسمون بالشيعة أي يتشيعون لعليٍ وآل بيته ونفر قليل من
الصحابة مع علي رضوان الله عليه , هؤلاء الروافض يكفرون بقية الصحابة،, هذه
عقيدتهم أنهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية الصحابة ويتنقصونهم ويذكرونهم بكل
أمر منكر ومستنكر.
أما النواصب: فهم الذين يناصبون علياً العداء هؤلاء هم النواصب, والروافض
يعتقدون أننا نناصب علياً العداء لماذا؟ لأننا ننزله منزلته التي أنزله الله إياها
والتي رضيها له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أنه رضي الله عنه في الترتيب
الرابع في الأفضلية كما هو في الترتيب الرابع في الخلافة فنقول ونبدأ بأبي بكر ثم
نثني بعمر ثم نثلث بعثمان ثم نربع بعلي أما هؤلاء ففضلاً عن أنهم يفضلون علياً على
أبي بكر وعمر وعثمان فإنهم يكفرون بقية الصحابة أو عامة الصحابة ولم ينج من
التكفير إلا بضعة نفر منهم سلمان والمقداد وعمار وغيرهم على اختلاف بينهم في ذلك.
كذلك ممن انحرف في هذا الباب الخوارج, فالخوارج وإن كانوا يتولون أبا بكر
وعمر لكنهم يكفرون عثمان وعلياً ومعاوية ومن معهم, فها هنا ثلاث طوائف انحرفت في
هذا المبحث (الروافض): وهم يكفرون عامة الصحابة ولا يتولون إلا علياً ومن معه,
و(الخوارج): وهم يكفرون عثمان وعلياً ومعاوية ومن معهم, و(النواصب): وهم يتولون
بقية الصحابة بيد أنهم يناصبون علياً العداء, والجميع على ضلال بعيد, والحق الذي
لا ريب فيه مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يتولونهم ويترحمون عليهم ويترضون عليهم
ويذكرونهم بكل جميل ويكفون عن ما صدر منهم من هنات أو عبارات, فيطونها ولا
يذكرونها ويغضون الطرف عنها ولا ينتقصون أحداً منهم بشيء لأن الإجماع منعقد على أن
من تنقص أحداً من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم فهو زنديق. هذا فيمن تنقص واحداً
فما بالك بمن تنقص بعضهم أو جلهم؟!
وَقُلْ خَيرَ قَوْلٍ
فِي الصَحَابةِ كُلِهِم *** وَلا تَكُ طَعَاناً تَعِيبُ وَتجْرَحُ
قل فيهم كل خير واذكرهم بكل جميل وفضل, فلهم رضي الله عنهم من المحاسن
والصدق والجهاد وبذل النفس في مرضات الله ورسوله ما يشفع لهم عند ربهم ويكفر لهم
ما بدا لهم من هنات وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث وأنتم تعلمون قول النبي
صلى الله عليه وسلم لعمر في قصة حاطب: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال
اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم) فالواجب على كل مؤمن أن ينشر محاسن الصحابة ويكف عما
شجر بينهم.
وطالما ذكرنا الصحابة فيجدر بنا أن نعرف الصحابي, فما هو حد الصحابي ؟
اختلف أهل العلم في ذلك والراجح إن شاء الله أن الصحابي هو كل من لقي
النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك, مات على الإيمان, يعني: لو ارتد في
زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، أو ارتد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ثم
رجع؛ هذا لا يضره طالما مات على الإيمان.
لذلك قلنا:كل من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك,
وذكرنا أن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله ورسوله لهم.
قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}, وقال: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}, وقال: {مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}, وقال: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ
عَنْهُ} إلى آخر ما هنالك من ذكرهم بالجميل والثناء عليهم والترضي عنهم في القرآن
وفي السنة .
لذلك قال ابن أبي داود رحمه الله:
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ
المبِينُ بِفَضِلِهم *** وَفِي الفَتْحِ آي للصَحَابةِ تَمْدَحُ
يعني في سورة الفتح, وهي في آخر سورة الفتح الآية التي ذكرناها آنفاً {مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء
بَيْنَهُمْ} إلى آخر الآية .
فقد نطق الوحي: أي القرآن المنزل على النبي المرسل, نطق الوحي بذلك
بتعديلهم وبالثناء عليهم وبذكرهم بكل جميل وبفضلهم.
ثم قال ابن أبي داود رحمه الله:
وبالقدرِ المقدورِ أيقِن
فإنَّه *** دعامةُ عقدِ الدِّين والدِّينُ أفيحُ
هذا مبحث القضاء والقدر وهو مبحث جليل عظيم ضلت فيه أقوام وزلت فيه أقدام
وافترق الناس فيه إلى ثلاث فرق, لكن قبل أن نتكلم عن هذه الفرق يحسن بنا أن نتكلم
عن القضاء والقدر وهل هما بمعنى واحد؛ أم بينهما اختلاف ؟
قال بعض أهل العلم: إن بينهما اختلاف, فالقضاء بمعنى والقدر بمعنى,
وفرقوا بتفريقات منها أن القضاء اسم لما وقع، والقدر اسم لما لم يقع بعد؛ وهذا من
أحسن تفريقاتهم.
وقال آخرون: إنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا كالإيمان
والإسلام والفقير والمسكين, وهذا التفريق ليس عليه دليل من كتاب أو من سنة بل
الأدلة تبين أنهما بمعنى واحد لأنها جاءت بالتعبير عن القدر بالقضاء، وعن القضاء
بالقدر وهذا هو الحق؛ أنه لا فرق بين القضاء والقدر وأنهما بمعنى واحد , فالقضاء
هو القدر والقدر هو القضاء وقد ذكر بعضهم الاتفاق على هذا.
والقدر سر الله والإيمان به واجب وهو من أركان الإيمان الستة.
أما اختلاف الناس في القدر فذهب بعضهم إلى أن العبد يخلق فعل نفسه ونفى
عن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال عباده, فأثبت القدرة للعبد ونفاها عن الرب,
وهؤلاء هم القدرية.
وفي المقابل جاءت الجبرية فغلوا ونفوا أن يكون للعبد قدرة وإرادة ومشيئة،
وأثبتوا قدرة الرب وإرادته ومشيئته.
وأهل السنة والجماعة كعادتهم في مثل هذه الأمور وسط بين طرفين أثبتوا
قدرة الرب سبحانه وتعالى وإرادته ومشيئته وأثبتوا قدرة للعبد وأن له إرادة وله
مشيئة, لكن قدرته وإرادته ومشيئته متعلقة بقدرة الرب وإرادته ومشيئته.
وبالقدرِ المقدورِ أيقِن
فإنَّه *** دعامةُ عقدِ الدِّين والدِّينُ أفيحُ
المقدور: أي الصادر عن رب العالمين سبحانه وتعالى.
وبالقدر المقدور: بالأمر الذي قضاه الله سبحانه وتعالى وقدره وحكم به.
أيقن: يعني اعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه أنه: أي القضاء والقدر عماد
الدين الذي ينبني عليه, دعامة عقد الدين وركن من أركانه كما في الحديث المشهور,
والقدر عند سلفنا الصالح ما سبق به علم الله سبحانه وتعالى وجرى به القلم مما هو
كائن إلى يوم القيامة. لأنه من المعلوم - كما في الحديث الصحيح - أن الله سبحانه
وتعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة, والله
سبحانه وتعالى قدر الشيء وعلم أنه سيقع في وقت معلوم وعلى صفة مخصوصة فلا يقع هذا
الشيء الذي قدره الله سبحانه وتعالى وهو المقدور, لا يقع هذا المقدور إلا على وفق
ما جرى في علم الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالقدر عند سلفنا الصالح على درجتين, الأولى: أن يؤمن العبد بما
سبق في علم الله مما يعلمه عن عباده من خير وشر وطاعة ومعصية قبل أن يخلقهم لأنه
قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة, وهو سبحانه
وتعالى علم ذلك من عباده وكتبه وأحصاه, وأفعال العباد كما ذكرنا تجري على ما سبق
في علمه وفي كتابه سبحانه وتعالى.
والثانية: أن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال العباد. وهذه هي عقيدة السلف
الصالح, أن أفعال العباد مخلوقة, وقد ألف البخاري رحمه الله كتاباً بهذا الصدد
وسماه "خلق أفعال العباد" فالله سبحانه وتعالى خلق العباد وخلق أفعالهم {وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
ثم يعرج ابن أبي داود رحمه الله على ما يحصل في القبر فيقول:
ولا تُنكِرَنْ جهلاً
نكيراً ومُنكراً *** ولا الحوْضَ والِميزانَ إنك تُنصحُ
ولا تُنكِرَنْ جهلاً: أو عناداً .
نكيراً ومُنكراً: اسمان للملكان اللذان ينزلان على الميت في قبره
ويسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه؛ وقد ورد في الحديث تسميتهما بمنكر ونكير,
وبعضهم يصححه وبعضهم يضعفه. فمن أهل العلم من قال: لا يثبت من أسماء الملائكة إلا
أربعة "جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك خازن النار" ومنهم من قال: الحديث
صحيح أو حسن - وقد رواه الترمذي - وهما ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر
والآخر نكير. والأمر يسير؛ لكن المقصود إثبات أن هناك ملكين يأتيان للميت في قبره
ويسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه, وهذه المسألة دلت عليها عدة أحاديث قال أهل
العلم: مجموعها يبلغ حد التواتر, وقد استُدل على ذلك أيضاً بقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ
اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ},
وحديث البراء ابن عازب رضي الله عنه في الصحيحين وهو حديث طويل وفيه "إن
العبد إذا وُضِع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان
فيقعدانه فيقولان له: "من ربك وما دينك ومن نبيك" إلى آخر الحديث.
00000000000000 ***
ولا الحوْضَ والِميزانَ إنك تُنصحُ
ولا الحوْضَ: الأحاديث التي وردت في الحوض بلغت حد التواتر رواها جمع
مشهور من الصحابة والحفاظ من التابعين وأتباعهم؛ وقد ذكر أهل العلم أن من رواته
الخلفاء الأربعة؛ فالحوض مجمع على ثبوته وأنه حق لقول الله تعالى: {إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ}, والسنة - كما ذكرنا - جاءت متواترة في إثباته وبيان صفته وأنه أبيض
من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من المسك وأكوابه أكثر من عدد نجوم السماء وأن من
شرب منه لا يظمأ بعدها أبداً.
أما الميزان فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أنه حق وأن له كفتان ولسان,
وهو حق على حقيقته تُوزَن به الحسنات والسيئات قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً}, وفي الحديث -
وهو في الصحيح - "أنه يؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله
جناح بعوضة". وهذا تفسير قوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَزْناً }.
00000000000000 ***
ولا الحوْضَ والِميزانَ إنك تُنصحُ
يعني: أيها المستمع لنظمي إني ناصحك والنصيحة في جملتها هي إرادة الخير
للمنصوح له.
فقل أيها السلفي بلسانك واعتقد بجنانك:
وقُلْ يُخرجُ اللهُ
الْعظيمُ بِفَضلِهِ *** مِنَ النارِ
أجْساداً مِنَ الفَحْمِ تُطرحُ
والمعنى - كما ورد في الأحاديث الصحيحة - أن
هناك أناساً ممن كتب الله سبحانه وتعالى علهم دخول النار, أنهم إذا صاروا فحماً
طُرِحت أجسادهم على نهر يسمى بنهر الحياة, قال أهل العلم: إنه في جنة الفردوس
فيصيبهم من ماء هذا النهر فينبتون كما تنبت الحِبّةُ في حميل السيل وهذا هو تفسير
قول ابن أبي داود:
وقُلْ يُخرجُ اللهُ
الْعظيمُ بِفَضلِهِ *** مِنَ النارِ
أجْساداً مِنَ الفَحْمِ تُطرحُ
وإن رَسُـولَ اللهِ
للخَلْقِ شَافِعٌ ***00000000000000000
أي: قل بلسانك أيها السلفي السني المتبع للكتاب والسنة، واعتقد بجنانك أن:
الشفاعة ثابتةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والشفاعات ست:
الأولى: الشفاعة العظمى لأهل المحشر كي يُقضَى بينهم ويستريحوا من هول
هذا اليوم وهي خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء والرسل كما ورد
في ذلك الحديث.
والثانية: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أن يخفف الله عنه من
عذابه.
والثالثة: أنه يستفتح لأهل الجنة كي يدخلوها.
والرابعة: الشفاعة لأهل الجنة فينتقلون من درجة إلى درجة أعلى.
والخامسة: الشفاعة في أقوام وجبت لهم النار أن لا يدخلوها.
والسادسة: في أقوام دخلوا النار أن يُخْرَجوا منها؛ فأهل السنة والجماعة
يُثبتون هذه الشفاعات الست، ويعتقدون أن الشفاعة شفاعتان, شفاعة مثبتة وهي التي
تُطلبُ من الله بإذنه لمن يرضى قوله وعمله , وشفاعة منفية وهي التي تُطلب من غير
الله أو من غير إذنه أو لأهل الشرك. قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
ارْتَضَى} وقال: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}
وإن رَسُولَ اللهِ للخَلْقِ
شَافِعٌ *** وقُلْ في عَذابِ
القَبْرِ حَقّ موُضحُ
عذاب القبر ذكرناه آنفاً وسؤال الملكين ينبني عليه أنه إذا وُفِق للإجابة
رأى مقعده من النار فيقال انظر هذا مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة
فيرى المقعدين معاً, ويُنور له في قبره ويُفسح له فيه ويصير روضة من رياض الجنة,
والكافر يصير قبره حفرة من حفر النيران, وعذاب القبر يثبته أهل السنة والجماعة
ويستدلون له بالقرآن وبالسنة وبإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم قال تعالى: {النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }, والحديث جاء من طرق عدة في
الصحيحين وفي غيرهما.
ولاَ تُكْفِرنْ أَهلَ
الصلاةِ وإِنْ عَصَوْا ***فَكُلهُمُ يَعْصِي وذُو
العَرشِ يَصفَحُ
هذا أيضاً من معتقد أهل السنة والجماعة؛ أنهم لا
يكفرون بكل ذنب؛ إلا إذا كان الذنب شركاً، وترك الصلاة شرك؛ فمن ارتكب الشرك، أو
ترك الصلاة؛ كفر. أما الخوارج فهم يكفرون بالمعصية؛ بقطع النظر؛ هل هي كفر؛ أم لا.
والناظم؛ قال: أهل الصلاح. ويقال: أهل القبلة.
ويقال: أهل السنة, فالمقصود هو أننا لا نكفر المسلمين بالمعاصي التي لا تصل حد
الكفر؛ لأنها داخلة تحت المشيئة, فمن جاء بالمعصية كبيرةً كانت أو صغيرةً؛ فهو تحت
المشيئة إن شاء عذَّبه الله سبحانه وتعالى بعدله, وإن شاء عفا عنه بفضله، وبنو آدم
جميعهم خطّاء وخير الخطاءين التوابون, لذلك يقول ابن أبي داود:
00000000000000 ***فَكُلهُمُ يَعْصِي وذُو
العَرشِ يَصفَحُ
والله سبحانه وتعالى رحيم بعباده يصفح عنهم
ويغفر لهم خطأهم وزللهم.
قال ابن أبي داود – رحمه الله -
ولَا تَعتقِدْ رأيَ
الْخَوَارجِ إِنهُ *** مقَالٌ لَمنْ يَهواهُ يُردي ويَفْضَحُ
ولا تكُ مُرْجيًّا لَعُوبا
بدينـهِ*** ألاَ إِنمَـا المُرْجِي بِالدينِ يَمْزحُ
وقلْ إنمَا الإِيمانُ
قولٌ ونِيـةٌ *** وفعلٌ عَلَى قولِ النبِي مُصَرحُ
ويَنْقُصُ طوراً بالمَعَاصِي
وتَارةً *** بِطَاعَتِهِ يَمْنَي وفي الوَزْنِ يَرْجَحُ
ودعْ عَنْكَ آراءَ الرجالِ
وقَوْلَهُمْ *** فقولُ رسولِ اللهِ أزكَى وأَشْرحُ
ولا تَكُ مِن قوْمٍ
تلهوْا بدينِهِمْ *** فَتَطْعَنَ في أهلِ الحَديثِ وتقدحُ
إِذَا مَا اعْتقدْت
الدهْرَ يا صَاحِ هذهِ *** فأَنْت عَلَى خَيْرٍ تبيتُ وتُصْبِحُ
الخوارج هم الذين خرجوا على عليٍ رضي الله عنه
وفارقوه وانحازوا إلى مكان يسمى حروراء, وقد صح الحديث فيهم من عشرة أوجه كما قال
الإمام أحمد, روى منها البخاري ومسلم في صحيحيهما وكذا في بقية المسانيد والسنن
ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم
وقراءته مع قراءتهم". إلى آخر ما جاء في الخوارج من أحاديث.
وقد اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على قتالهم
لم يختلف في ذلك أحد منهم فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أمره بذلك؛ والخوارج - كما وردت بذلك الآثار - لا ينقطعون كلما هلك منهم
قرن ظهر آخر حتى يخرج آخرهم مع الدجال.
ثم تكلم عن المرجئة فقال:
ولا تكُ مُرْجيًّا لَعُوبا
بدينهِ *** 00000000000000
والمرجئة هم الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان
معصية, هذا هو المشهور عنهم؛ لكن قال ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم معيناً ينسب
إليه هذا القول لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان, يعني: يخرجون العمل من مسمى
الإيمان؛ وحاصل قولهم أنه لا ينفع مع الكفر طاعة ولا يضر مع الإيمان ذنب وهذا قول
خبيث لأنه يُفضي إلى ترك الصلاة والزكاة والصيام وسائر الأركان والواجبات وجميع
الطاعات كما يُفضي إلى معاطاة الكبائر والمحرمات كالزنا والسرقة واللواط والقتل,
لأنه كما لا يضر مع الإيمان ذنب فلا تنفع مع الكفر طاعة؛ لذلك لما عرف السلف
الصالح رضوان الله عليهم ما يؤول إليهم كلامهم من هدم عرى الإسلام عدوا فتنتهم
أعظم من فتنة الخوارج, فكانوا يخافون من المرجئة أكثر من خوفهم من الخوارج كما ورد
ذلك عن كثير من أئمة السلف رضوان الله عليهم أن أخوف ما يخافون على هذه الأمة من
فتنة المرجئة.
وقلْ إنمَا الإِيمانُ
قولٌ ونِيةٌ *** وفعلٌ عَلَى قولِ النبِي مُصَرحُ
الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل؛ قول
وعمل واعتقاد؛ قول وعمل ونية؛ قول وعمل ونية واتباع للسنة, وكلها تؤدي إلى معنى
واحد وإن اختلفت الألفاظ.
والقولٌ: المقصود به قول القلب وقول اللسان, والعمل المقصود به عمل القلب وعمل
الجوارح. قول اللسان هو القول المخصوص وهو النطق بالشهادتين، وعمل القلب: إقراره
وتصديقه ومعرفته, وعمل الجوارح: الإتيان بالمباني الأربعة وبقية الطاعات وظهور ذلك
على الجوارح؛ أي أثر الإيمان الذي في القلب.
هذا هو معتقد السلف في الإيمان قول وعمل,
وتعلمون أنه قد ورد عن السلف أن من قال: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد برئ
من الإرجاء أوله وآخره , وهذا يدندن حوله كثيراً المرجئة المعاصرون, وهذا لا شك
خطأ؛ لأننا نفرق بين من يوافق السلف في القول والمعنى وبين من يوافقهم في اللفظ
ويخالفهم في المعنى؛ فشبابة بن سوار وكان من المرجئة – وغيره – كان يقول: الإيمان
قول وعمل لكنه كان مرجئاً؛ فمن يقول بهذا القول, نقول له: نعم هذا قول السلف وهو
صحيح لكن على مراد السلف ومعتقدهم أم على مرادك أنت ومعتقدك ؟
أنت تقول: قول وعمل لكن العمل عندك شرط كمال
-كما تقول - وتركه بالكلية لا يضر فهذا هو معتقد المرجئة شئت أم أبيت؛ فقل: قول
وعمل على مراد السلف ومفهومهم واعتقادهم وإلا كنت وافقت المرجئة شئت أم أبيت.
ويَنْقُصُ طوراً بالمَعَاصِي
وتَارةً *** بِطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزْنِ يَرْجَحُ
يزيد وينقص, يزيد بالطاعات وينقص بالمعصية
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب ومن السنة؛ نعم لم تأت الأدلة من الكتاب على
نقصانه إنما جاءت بالزيادة, لكن السلف قالوا: الشيء إذا كان يقبل الزيادة كان –
ولابد – يقبل النقصان، وفي السنة "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
ودعْ عَنْكَ آراءَ الرجالِ
وقَوْلَهُمْ *** فقولُ رسولِ اللهِ أزكَى وأَشْرحُ
هذا معلوم, وقد قال سفيان الثوري رحمه الله:
"إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل". انظر إلى الاتباع كانوا
يبغضون الكلام والرأي وكثرة التشقيق في العبارات والتوسع فيها, وقد قال أبو هريرة
رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنه: يا ابن أخي إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال, فهذه هي قاعدة السلف لا تقول: لمَ ؟ وكيف ؟
لكن قل: سمعاً وطاعةً.
فتحكيم آراء الرجال في السنة من فعل أهل البدع
والأهواء,
لذلك يقول ابن أبي داود:
ودعْ عَنْكَ آراءَ الرجالِ
وقَوْلَهُمْ *** فقولُ رسولِ اللهِ أزكَى وأَشْرحُ
لأن النجاة في الاتباع, وقد قال عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة". وقد بين
لنا ربنا سبحانه وتعالى أن الهداية والرشاد والسداد والنجاة في الدنيا والآخرة في
اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}.
فأهل البدع لما أعيتهم الأحاديث وتفلتت منهم؛
قالوا في الدين برأيهم فضلوا وأضلوا, فإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول.
ولا تَكُ مِن قوْمٍ
تلهوْا بدينِهِمْ *** فَتَطْعَنَ في أهلِ الحَديثِ وتقدحُ
وهو يقصد بذلك أهل البدع الذين قدموا المعقول
على المنقول فتلعبوا بدينهم فابتدعوا في دين الله, أما أهل الحديث فاقتصدوا في
القول وأذعنوا للسنة ولم يضربوا بعضها ببعض أو يوردوا عليها الإيرادات, لذلك كانوا
هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية فهم أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم،
وقد سُأل أحمد عن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية فقال: "هم أهل
الحديث".
ثم اختتم منظومته قائلاً:
إِذَا مَا اعْتقدْت
الدهْرَ يا صَاحِ هذهِ *** فأَنْت عَلَى خَيْرٍ تبيتُ وتُصْبِحُ
نعم, لأن ما ذكره هو معتقد السلف, ومن اعتقد
معتقد السلف كان على خيرٍ يبيت ويصبح ونال خيري الدنيا والآخرة لأن النجاة في
اتباع السلف, والهوان والذلة على من خالف طريقهم وهذا أمر معلوم عند كل سلفي إن
شاء الله.
نسأل الله الثبات حتى الممات, هذا والله أعلم،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين