رد أعذار
المبتدعة
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فما زالت
الأهواء تتجارى بأفراخ المرجئة؛ حتى آل أمرهم إلى إغلاق باب التبديع بالجملة، وقصره
على الزنادقة فحسب؛ أمثال: الجهم والمريسي وابن عربي وغيرهم؛ أما من عداهم؛ ممن
تلبس بكبار البدع وصغارها؛ فيقولون: (علماء عندهم أخطاء) ([1]) وقد
علمت المرجئة أنه لا يوجد أحد على ظهر الأرض ليس عنده أخطاء؛ قال صلى الله عليه
وسلم: "كل بني آدم خطاء"، أو يقولون: من أهل السنة فيما وافقوا فيه
السنة! وقد علمت المرجئة أن السنة والبدعة نقيضان لا يلتقيان؛ فليس إلا سني، أو
مبتدع؛ بيد أن أفراخ المرجئة يستنكفون من إطلاق ألفاظ (البدعة والضلالة) خشية أن تعود
عليهم؛ فيصفهم الناس بها؟! فمن ثم اعتذروا لإخوانهم في الضلال؛ بما ستراه في هذا
المقال الذي نكشف فيه عن جهلهم وتناقضهم.
ذكر شبهات المرجئة،
والرد عليها:
أولاً:
الجهل:
قالوا: الجهل من
موانع التبديع:
الجواب:
1-
أين في كتاب
الله، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في منهج السلف الصالح؛ أن الجهل
مانع من موانع التبديع؟
2-
أعظم أنواع الجهل
أن يجهل الإنسان أصل دينه، وأهل البدع كلهم كذلك، ومع هذا اتفق أئمة السلف على تبديعهم؛
فلم يكن جهلهم إذاً؛ مانعاً من ذمهم، وتضليلهم.
3-
كيف يكونون جهالاً،
وهم أئمة في العلم؟! فالنووي: إمام، والغزالي: حجة الإسلام، وابن حجر والسيوطي:
حافظان، والشوكاني والصنعاني: إمامان، ورشيد رضا والقاسمي: علامتان.
4-
ابن قطب كان
جاهلاً؛ فلم لم تعذروه؟! لماذا بدعتموه؟!
5-
قال عمر رضى
الله عنه: (لا عذر لأحد في ضلالة ركبها؛ حسبها هدى، ولا في هدى تركه؛ حسبه ضلالة؛
فقد بُينت الأمور، وثبتت الحجة).
6-
وقال الشافعي:
(لو عُذر الجاهل لأجل جهله؛ لكان الجهل خيراً من العلم؛ إذ كان يحط عن العبد أعباء
التكليف، ويريح قلبه من ضروب التعنيف؛ فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ
والتمكين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).
ثانياً:
الحجة:
قالوا: لم تقم
عليه الحجة.
الجواب:
1-
إنما الحجة تكون
فيما خفي من المسائل؛ أما في العقائد وغيرها مما يشيع علمه؛ فلا يقال: لَمْ تقم
عليه الحجة!
2-
وجود العلم
عند المعين؛ كاف للجزم بأن الحجة قد بلغته؛ فكيف بمن كانت عنده كتب السلف، واطلع
عليها، ونقل منها؛ بل ونقضها.
3-
الحجة قامت
عليهم بشهادة إمامكم الألباني؛ حيث قال: (لا يشترط في إقامة الحجة الفهم، ولا
إزاحة الشبهة)
4-
قال صلى الله
عليه وسلم: "تركتكم على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها بعدي
إلا هالك".
5-
وقال صلى الله
عليه وسلم: "أربعة يحتجون يوم القيامة: الأصم، والأحمق، والهرم، والميت في
الفترة". وليس فيمن نبدعهم: (أصم) أو (أحمق) أو (هرم)، وليس منهم أحد؛ مات في
زمان الفترة!
6-
وقال صلى الله
عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن علمه"، وقال:
"طلب العلم فريضه على كل مسلم"، وقال: "من يرد الله به خيراً يفقهه
في الدين". وأصل ذلك كله - بلا خلاف - هو العقائد التي تفرق بين (المسلم
والكافر)، و(السني والمبتدع).
7-
ولما سمع عبدالله
بن عمر رضي الله عنه؛ بأن قوماً يتقفرون (يطلبون) العلم، ويقولون: لا قدر، والأمر
أنف؛ تبرأ منهم. قبل أن يقيم عليهم الحجة؟! وقال معاوية بن قرة: (كنا إذا رأينا
الرجل يقص قلنا: صاحب بدعة هذا) من غير إقامة حجة؟ وقال مالك؛ لما سأله السائل:
كيف استوى؟ قال: (مبتدع؛ أخرجوه) ولم يقم عليه الحجة؟ وقال عبدالرحمن بن مهدي: (لوددت أنى قمت على رأس جسر فلا يمر
أحد إلا سألته؛ فإن قال: القرآن مخلوق؛ ضربت عنقه، وألقيته فى الماء)، وقيل
لعبدالله بن إدريس: قبلنا ناس من الموحدين يقولون: القرآن مخلوق؛ فقال: (كذبوا،
ليس هؤلاء من الموحدين، هؤلاء زنادقة)، وقال الفضل بن دكين: (ما تكلم بهذه المقالة
أحد إلا رمي بالزندقة). وقيل لغيره: عندنا قوم يقولون: الإيمان لا يزداد؛ فقال: (هؤلاء
المرجئة الخبثاء) فما أظلم هؤلاء الأئمة؛ إذ حكموا بالبدعة على هؤلاء؛ قبل إقامة
الحجة!
والآثار
في هذا كثيرة جداً.
ثالثاً:
البيئة.
قالوا: لا شك
أن البيئة لها دور، وهؤلاء نشأوا في زمن غلبت عليه الأشعرية؛ فلم يتبين لهم الحق؛
مع حرصهم على طلبه، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (كل مولود يولد على
الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
الجواب:
1-
قال ابن وهب: "سمعت
مالكاً؛ قيل له: إن أهل الأهواء يحتجون بهذا الحديث؟! قال مالك رحمه الله: (احتج
عليهم بآخره: أرأيت من يموت وهو صغير؟! فقال صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما
كانوا عاملين)".
2-
وقال أحمد
رحمه الله: (الفطرة التي كتبها الله عليه: شقي أو سعيد)؛ فصار الحديث حجة عليهم؛
لأن من صار إلى الشقاء والبدعة؛ فقد علمنا أنه قد صار إلى فطرته.
3-
ثم في الحديث:
"فأبواه يهودانه أو ينصرانه"! فهل تحتجون بذلك على أنه ليس بيهودي ولا
نصراني!؟ فبطل إذن أن يكون في الدنيا يهود ونصاري وكفار؛ بسبب عذر البيئة؟!
4-
الذين هوَّدهم
أهلوهم وهم صغار، واستمروا على ذلك حتى كبروا؛ هم - بالإجماع -كفار! والذين نشأوا على
البدعة؛ ثم كبروا واستمروا على ذلك؛ هم - بالإجماع - مبتدعة!
5-
قال عبدالله
بن مسعود رضي الله عنه: (لا يكونن أحدكم إمَّعة؛ يقول: أنا مع الناس: إن اهتدوا
اهتديت، وإن ضلوا ضللتُ! ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر).
وكذلك إن ابتدعوا؛ ألا يبتدع!
6-
البيئة لا
تكون عذراً؛ إلا فيمن (نشأ ببادية بعيدة)، كذاك الأعرابي الذي لم يعلم حرمة الزنا (صحيح
البخاري)؛ فعذره عمر بالجهل؛ أما (عالم؛ بل إمام، وحافظ، وعلامة) و(في بلاد الحضر
والكتب!) فأي عذر له؟!
7-
بيئة العالم إن
كانت ضالة؛ فالمطلوب منه أن يصلحها؛ بعلمه والرجوع إلى هدي السلف الصالح؛ لا أن
يتأثر بها، ويرضخ لها.
8-
العالم له
بيئة أعلى وأقوى وأوسع من بيئته التي يعيش وسطها! وهي الكتب؛ كما قال عبدالله بن
المبارك رحمه الله؛ لما عابوا عليه العزلة؛ قال: (أجلس مع صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم)!
9-
لو كانت
البيئة عذراً للعالم؛ لكانت عذراً - من باب أولى - لغير العالم، وبيئة المبتدعة هي
الغالبة على بلاد المسلمين؛ فإنها ثنتان وسبعون فرقة؛ أما أهل السنة فقليلون؛ فهل تعذرون المسلمين جميعاً؛ فلا مشرك، ولا كافر،
ولا مبتدع؟!
أو
تقولون - مثلاً -: دمشق كلها زمن النووي؛ معذورة!
10-
كفار قريش قبل
الإسلام؛ بيئتهم جاهلية، ومع هذا أكفرهم الله تعالى، وسماهم: مشركين. ورغم هذه
البيئة الجاهلية؛ فقد عرف الحق؛ أناس منهم؛ كورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو.
11-
ابن تيمية كان على مذهب آبائه وأجداده؛ فلم يمنعه
ذلك؛ من الوصول إلى الحق، ومعرفته؛ قال: (وأنا وغيري كنا على مذهب الآباء في ذلك؛ نقول
في الأصلين بقول أهل البدع؛
فلما تبين لنا ما جاء به الرسول؛ دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله، أو نتبع ما وجدنا
عليه آباءنا؛ فكان الواجب هو اتباع الرسول، وأن لا نكون ممن قيل فيه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا}،
وقد قال تعالى:} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى
مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ{ وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا
الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}،}وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ
بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ{؛ فالواجب اتباع الكتاب المنزل، والنبي المرسل، وسبيل من أناب إلى الله؛ فاتبعنا الكتاب
والسنة؛كالمهاجرين والأنصار؛ دون ما خالف ذلك من دين الآباء، وغير الآباء).
12-
بقاء المرء في
هذه البيئة؛ حجة عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من كَثَّر سواد قوم فهو منهم".
13-
لو كان البيئة
عذراً في كتمان الحق؛ فليست بعذر في قول غير الحق؛ قال ابن تيمية: (وكتمان الدين
شيء، وإظهار الدين شيء آخر، فهذا لم يبحه الله تعالى قط؛ إلا لمن أكره؛ بحيث أبيح
له النطق بكلمة الكفر، والله تعالى قد فرق بين المنافق، والمكره).
رابعاً:
الخطأ.
قالوا: هم لم
يتعمدوا المخالفة، وفي الآية: } رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا {؛ فقال الله تعالى: قد فعلت، وفي الحديث: "إذا حكم الحاكم
فاجتهد فأصاب؛ فله أجران، واذا حكم فاجتهد فأخطأ؛ فله أجر واحد".
الجواب:
1-
القول: إنهم
لم يتعمدوا المخالفة: تخرص، وظن، والظن أكذب الحديث؛ قال
إمامكم الشاطبي: (المبتدع: جعل الهوى أول مطلبه؛ وأخذ الأدلة بالتبع).
2-
الحكم بالبدعة
والفسوق؛ مبناه على الظاهر؛ أما الباطن فنكله إلى عالمه؛ قال عمر رضي الله عنه: (إن
أناساً كانوا يُؤخذون في عهد رسول الله بالوحي، وإن الوحي قد انقطع؛ فمن أظهر لنا
خيراً أحببناه وقربناه، ومن أظهر شراً أبعدناه وأبغضناه).
3-
المؤمنون
الذين قبل الله منهم هذا الدعاء؛ هم أنفسهم - ومن سار على هديهم - الذين بدعوا أهل
البدع من الخوارج والقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة، وغيرهم، وأمروا بهجرهم،
وحذروا الناس من ضلالهم.
4-
أما الحديث:
ففي القاضي، ومسائل القضاء يدخلها الاجتهاد؛ بخلاف مسائل الاعتقاد.
5-
قائل هذا
الحديث: هو نفسه صلى الله عليه وسلم؛ القائل: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين
فرقة كلها في النار إلا واحدة". يعني في الأقوال والمعتقدات.
6-
في قصة صبيغ، وكان
يطلب العلم - وهو رفيع في قومه - فأخطأ في طلبه؛ فلم يعذره عمر رضي الله عنه، ولم
يشكره، ولا قال: متأول معذور! أو مجتهد مأجور!؛ بل قال: (إن صبيغاً طلب العلم
فأخطأه) وضربه، وسَيَّره، وأمر بهجره؛ (فلم يزل وضيعاً في قومه)؛ رغم أن مسائله لم
تكن من مسائل أهل البدع؛ في تأويل الأسماء والصفات وحديث النزول والحرف والصوت
واليد والأصابع وغيرها!؟ وآيات الاستواء والإتيان والمجيء والرضا والغضب وغيرها.
7-
وفي قصة
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تمسكوا بهدي ابن أم عبد) في القوم الذين كانوا يسبحون على الحصى في المسجد؛ فقال
لهم: (لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أو لأنتم
مفتتحوا باب ضلالة؟ فقالوا: ما أردنا إلا الخير! ولم يعذرهم بشيء من تلكم الأعذار
التي اخترعتها المرجئة!
8-
القائل بهذا
العذر؛ لا يتصور الكفر والبدعة؛ إلا عن عناد وحجود! وهذا عين الإرجاء.
9-
النية الصالحة
- زعموا - مع الجهل تنتج البدعة؛ فيحسب صاحبها أنها هي السنة، ولو صدقت نيته لتعلّم،
وسلّم؛ قال ابن النحاس: (ولا ينبغي أن يحتج بأن نيته .. والسنة وأقوال الصحابة رضي
الله عنهم؛ تدلك على ذلك؛ فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي خطب
فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، ولم يسأله عن نيته ولا ما أراد! وأنكر
النبي صلى الله عليه وسلم على من قال: ما شاء الله وشئت، ولم يسأله عن نيته).
10-
بدع السلف
الصالح رضوان الله عليهم؛ أقواماً بأعيانهم، ولم يعتبروا هذا العذر البدعي: (النية)
ولا غيره من الأعذار البدعية -كالخطأ والاجتهاد والتأويل وغير ذلك - مع أن منهم العلماء
والعُبّاد والزهاد.
11-
شرط البدعة من
المبتدع أن تكون نيته غير فاسدة؛ إذ لو كان كذلك؛ لكان كافراً؛ لأنه يقصد إفساد
الدين، وهذا ظاهر.
12-
أكثر المبتدعة
يقصدون البدعة؛ أي مخالفة السلف الصالح؛ لاعتقادهم أن هديهم ليس كافياً، وقولهم في
هذا معروف: (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم)! وكثير منهم يصفون أئمة
السلف؛ بالغفلة أو بالبدعة أو بالجهل، أو بالكفر؛ كالخوارج والروافض والقدرية، أو
بالتشدد؛ كالمرجئة!
خامساً:
الاجتهاد.
قالوا: هم
مجتهدون معذورون.
الجواب:
1-
من شروط الاجتهاد
الذي يعذر المخطئ فيه:
أ-
أن
تكون المسألة محل اجتهاد؛ أما مع وجود النص والإجماع؛ فلا اجتهاد، ولا نظر. قال أبو المظفر السمعاني:
"وأما أهل الحق: فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم،
وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة؛
فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله عز وجل؛ حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجدوه مخالفاً لهما؛ تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب
والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن
الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى
الحق، وقد يرى الباطل).
ب-
قال صلى الله
عليه وسلم: "إذا ذُكر الله فأمسكوا، وإذا ذُكر القدر فأمسكوا، وإذا ذُكر
الصحابة فأمسكوا".
ت-
واتفق أهل
العلم على أن العقائد والعبادات توقيفية، والحجة فيها هدي السلف الصالح رحمهم الله؛
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
ث-
كل النصوص في
النهي عن البدع؛ تشمل من باب أولى؛ العقائد؛ فلا يعذر فيها أحد، وإلا لم تكن ثنتان
وسبعون فرقة ضالة!
ج-
قال سفيان بن
عيينة: (ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى أو رسله صلوات الله عليهم)، وقال
عبدالله ابن المبارك: (الدين لأهل الحديث، والكذب للرافضة، والكلام للمعتزلة،
والحيل لأصحاب الرأي أصحاب أبي حنيفة)، وقال ابن القيم: (لم يتنازعوا في آيات
الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع
فهم معانيها وإثبات حقائقها)، وقال ابن البنا: (أهل السنة لا يختلفون في شيء من
هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه)، وقال السجزى:
(وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفاً، وكذلك شرحها لا يجوز إلا
بتوقيف) و(ومن نفى الحرف والصوت؛ فهو مبتدع).
ح-
فلا اجتهاد في
الأصول؛ قال الشافعي: (الأصول كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع،
ولا يقال للأصل: لم، ولا كيف)، وقال رحمه الله: (تناظروا في شيء إن أخطأتم؛ يقال
لكم: أخطأتم، ولا تناظروا في شيء إن أخطأتم؛ يقال لكم: كفرتم) فهذا نهي عن
المناظرة في العقائد؛ لأنها محل إجماع، والخطأ فيها دائر بين الكفر، والبدعة.
خ-
وقد أجمع أهل
العلم على أنه لا يجوز الاجتهاد إلا فيما اختُلف فيه - أي اختلف فيه السلف الصالح رحمهم
الله تعالى - لا فيما اتفقوا عليه! قال
أبو المظفر السمعاني: (فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف؛ كأصول الديانات من
التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد؛ لا يجوز فيه الاختلاف،
وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به؛ مثل الصلاة والزكاة والصوم
والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به؛ فلا يجوز اختلاف القول في شيء من
ذلك. فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات
الاجتهاد ومعاني الاستنباط؛ فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه
بما يؤدي إليه اجتهاده).
2-
أن يكون
الاجتهاد على أصل صحيح (لا اجتهاد إلا على نص؛ لا على قياس ورأي)
أ-
قال الشافعي في أبي
حنيفة: (كان يضع أول المسألة خطأ؛ ثم يقيس الكتاب كله عليه). وقال في مناظرته مع
محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة؛ حول فضل مالك على صاحبه؛ حين قال محمد بن الحسن:
صاحبك - يعني مالكاً - لا عقل له - يعني لا رأي له - فاستحلفه الشافعي بالله: هل مالك
أعلم بالكتاب والسنة من صاحبك؟! فحلف له أنه أعلم من صاحبه! فقال الشافعي: (إنما
بقي القياس على الأصول؛ فمن لا يعرف الأصول؛ لا يعرف القياس)، وقال ابن تيمية: (لا
يخلو أمر الداعي من أمرين: مجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة، ومقلد
يقلد السلف إذ هم خير القرون) أما مجتهد يجعل الكلام هو أصله، ويبني عليه؛ فهذا
مبتدع ضال؛ قال الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة - رحمهم الله تعالى -: (ما أفلح
صاحب كلام) (لا يكاد ينظر أحد في الكلام
إلا وفي قلبه دغل).
ب-
قال أحمد: (صاحب
الكلام وإن أصاب بكلامه السنة؛ فليس من أهل السنة حتى يدع الجدل ويُسلّم) فإذا كان
- وقد أصاب - ليس من أهل السنة؛ فكيف وقد أخطأ؟!
3-
أن يكون
الاجتهاد ممن توافرت فيه شروط الاجتهاد؛ فمن لم يكن كذلك؛ فهو أهل للذم والعقاب، وأهل
البدع ليسوا أهلاً للاجتهاد؛ لأنهم لو كانوا أهلاً له؛ لأصابوا السنة في أعلى
أمورها، وهو الاعتقاد.
4-
المجتهد هو الحريص
على السنة؛ الحريص على موافقتها؛ الحريص على أن يكون من أهلها.
5-
قد اجتهد
الخوارج في طلب الحق؛ لكن لما لم يكونوا من أهله؛ كانوا مذمومين؛ بل (شرار الخلق).
6-
هذه الشروط
متفق عليها - ولله الحمد - بين أهل العلم؛ فاذا سقط شرط منها بطل الاجتهاد، وحق
العقاب؛ فلا أجر ولا عذر؛ بل الذم والهجر.
7-
الخوارج اجتهدوا،
ولم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل قال فيهم: "شرار الخلق"! وكل
أهل البدع أخطأوا أو اجتهدوا أو تأولوا؛ ومع هذا؛ قال فيهم صلى الله عليه وسلم: "تفترق
أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة"، و"تركتكم على المحجة
البيضاء؛ ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".
8-
وكذلك اليهود
والنصارى؛ أخطأوا - اجتهدوا - تأولوا؛ فهل لا يصيرون كفاراً بذلك؟!
سادساً:
التقليد.
قالوا: هم
مقلدة لمن سبقهم من أهل العلم؛ فيعذرون بهذا.
الجواب:
1-
من يقلد ليس
بعالم - كما قال ابن عبدالبر وغيره - وأنتم تدعون لهم الإمامة في العلم، والتبحر
فيه؛ فكيف يجتمع النقيضان؟!
2-
لا تقليد في
العقائد، ولا اجتهاد فيها؛ بل هو الاتباع والتسليم..
3-
التقليد ليس
عذراً، وإلا لعذر الله المشركين؛ لما احتجوا بالتقليد؛ قائلين }إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى
آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ {فالتقليد مذموم شرعاً؛ فضلاً عن
أن يكون عذراً شرعياً؛ والأعذار ما لم تكن أعذاراً شرعية؛ فهي أعذار بدعية.
4-
قال ابن مسعود
رضي الله تعالى عنه: (لا تقلدوا دينكم الرجال) و(لا يكن أحدكم إمعة) وقال أحمد:
(لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا)، وقال ابن
بطة: (من اقتفى آثار السلف لم يُبدّع). وقال إمامكم الشاطبي: (دخل في مسمى أهل الابتداع؛
إذ كان من حق من كان هذا سبيله؛ أن ينظر في الحق ويسأل حتى يتبين).
5-
لو كان التقليد
حجة وعذراً؛ لما أقيمت الحجة على أحد، ولما صار على الأرض مبتدعة! بل ولما أنكرنا على
أحد أصلاً؛ إذ ما من أحد إلا وسيحتج بالتقليد قائلاً: أنا أقول بقول فلان! وقوله:
أقول بقول فلان؛ هو في نفسه بدعة؛ إذ لم يؤمر باتباع فلان هذا في أمره كله؛ بل
باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم سنته على هدي السلف الصالح رحمهم الله
تعالى.
سابعاً:
الغالب
(التمحض)!
قال الألباني (شريط
(470/1) و(3/2/65و6/2/500): (لو أن عالماً وقع في بدعة وأقام الحجة عليه عالم هو
أعلم منه، فهل صار ذلك العالم الذي أقيمت عليه الحجة مبتدعاً؟ سنقول: لا؛ المبتدع
الذي من عادته الابتداع في الدين، وليس الذي يبتدع بدعة واحدة، ولو كان هو فعلاً
ليس عن اجتهاد، وإنما عن هوى؛ فهذا لا يسمى مبتدعاً، وبيانه أن الحاكم قد يعدل في
بعض أحكامه؛ فلا يسمى عادلاً؛ الإنسان بما يغلب عليه) (لا يوصف المرء بالبدعة حتى
يتمحض فيها)!
الجواب:
1-
صاحب الحق ليس
مع الغالب! بل هو مع الحق؛ غالباً كان أو مغلوياً، كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؛ تمنعه عن الظلم فتلك نصرتك إياه)؟
2-
ما عدد هذا
الغالب؟! وما عدد ذلك المغلوب؛ حتى يصير دائماً مغلوباً؟! الحق أنه لا عدد له في
هذا ولا ذاك؛ فالمبتدع الذي يؤول صفة أو صفتين أو عشراً؛ ما يزال عندهم من أهل
السنة!
3-
حسنة الإسلام
تمحو سيئات كثيرة؛ بل كل السيئات؛ لمن كان كافراً فأسلم، وكذلك سيئة الشرك؛ تمحو حسنات
كثيرة؛ بل كل الحسنات. والإسلام والسنة قرينان، والشرك والبدعة قرينان - صرح بذلك
غير واحد من السلف كأبي بكر بن عياش - غير أنه لا يكفر المبتدع إلا ببدعة مكفرة.
4-
الذي يقول
بغير ذلك مرجئ؛ لأنه يزعم أنه كما لا يضر مع الإيمان شيء؛ فلا يضر معه بدعة! بلى
والله؛ إن الصغائر تضر؛ فكيف بالبدع, وهي كبائر؟!
5-
ومن إرجائه
الغالي؛ قوله: لا يكون مبتدعاً حتى لو كانت بدعته عن هوى.
6-
المسلم مأمور
باتباع الصواب وترك المشتبهات؛ ليسلم دينه وعرضه؛ فإذا احتج المرجئ بأن أهل السنة
اختلفوا في كذا؛ قلنا له: فقف على ما اختلفوا فيه، ولا تختلف فيما اتفقوا عليه؛
فتكون مخالفاً لهم!
وقد
اتفقوا على تضليل من أوَّل النزول والاستواء والإتيان والمجيء والضحك والعجب واليد
وغيرها، وعلى وصف من أوَّل صفة واحدة من ذلك؛ بالتجهم.
7-
ليست البدعة
بأعز من السنة؛ فلا يوصف المرء بالسنة؛ حتى يتمحض فيها!
8-
هذا الأصل الباطل
الذي اخترعه إمامكم في الإرجاء ؛ السلف الصالح قاطبة على خلافه؛ فهذا مسعر بن
كدام؛ ليس عنده إلا الاستثناء؛ يتركه خشية أن يكون من باب الشك، ومع ذلك لا يصلي
عليه سفيان الثوري رحمه الله، ويوصف بأنه مرجئ!
9-
قد قال صلى
الله عليه وسلم في ذنب واحد: (من ترك صلاةً متعمداً فقد برئت منه الذمة) وقال لرجل
في كلمة واحدة قالها: (ثكلتك أمك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المرء ليتكلم
بالكلمة من سخط الله تعالى عليه لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين
السماء والأرض)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر
لمزجته) وهي كلمة واحدة! وترك الصلاة على بعضهم لذنب واحد فقط، والمسلم الذي يدخل
النار بذنب، و(دخلت امرأة النار في هرة)، وعمر رضي الله عنه؛ فعل ما فعل بصبيغ - وكان
يُذكر بعلم ومنزلة في قومه - بسبب خطأ واحد، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه ضلل
الذين يسبحون على الحصى؛ ببدعة واحدة، وعبدالله بن عمر رضي الله عنه؛ يسب ابنه
سباً شديداً، ولا يكلمه حتى مات؛ بسبب ذنب واحد (حديث خروج النساء للمساجد)! وكذلك
فعل عبدالله بن مغفل رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه؛ يقول: (إن كان
الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في
المجلس الواحد عشر مرات) – كلمة واحدة - وأنس وعبادة بن قرط الليثي وأبو سعيد
الخدري رضي الله عنهم؛ قالوا: (إنكم لتأتون أموراً هي أدق في أعينكم من الشعر؛ كنا
نَعُدُها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات)، وقال أبو مسلم
الخولاني رحمه الله: (إنْ عدلتَ على أهل الأرض جميعاً، ثم جُرْتَ على رجل واحد؛
مال جورك بعدلك)، وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: (كان يقال: العَدْل في المسلمين
من لم تظهر له ريبة)؛ (كان يقال) يعني عند السلف الصالح، وعند الثوري (من ترك خصلة
واحدة من خصال السنة لم ينفعه عمله كله)، وكان يقول: (من رأيته يفعل كذا فاتهمه
على دينه) وهو شيء واحد! وقال فيمن يترك الاستثناء فقط: مرجئ، ومالك رحمه الله؛ في
سؤال: (كيف استوى) فقط؛ قال للسائل: (مبتدع)! وقال هو وأبو زرعة: (من تنقص أحداً
من الصحابة رضى الله عنهم) فذكر واحداً فقط! وقال سفيان بن عيينة رحمه الله:
(السنة عشرة، فمن كُن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك شيئاً منها فقد ترك السنة)
(ومن تركها كسلاً أو تهاوناً بها أدبناه، فكان بها ناقصاً - هكذا السنة؛ فكيف
بالبدعة؟! وقال سليمان بن حرب رحمه الله: (من زال عن السنة شعرة فلا تَعْتَدَّن
به)، وقال حرب الكِرْماني: (هذا مذهب أئمة أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة
المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز
والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها أو عاب على
قائلها؛ فهو مبتدع خارج عن الجماعة؛ زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد
وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد (ابن راهويه) وعبدالله بن الزبير الحميدى وسعيد بن
منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم)، وقال السجزي: (فأئمتنا: كسفيان
الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبدالله بن المبارك
وفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ متفقون على أن الله
سبحانه بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يُرى يوم القيامة بالأبصار، وأنه
ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرى ويتكلم بما شاء؛ فمن خالف شيئاً من ذلك؛ فهو
منهم بريء، وهم منه براء)، وذكر البربهاري عن السلف الصالح، وأئمة السنة؛ أنه لا
يوصف المرء بالسنة حتى تكتمل فيها جميع خصال السنة، وقال ابن المبارك: (من كفر
بحرف من القرآن فقد كفر) - وهذا مجمع عليه - ويزيد بن هارون؛ لما حدث بحديث الرؤية،
وقال له رجل: ما معنى هذا الحديث؟ غضب، وقال: (ما أشبهك بصبيغ، وأحوجك إلى مثل ما
فُعِل به) - حديث واحد – وتحذير أحمد من داود والكرابيسي والمحاسبي وهشام بن عمار
ويعقوب بن شيبة؛ بسبب خطأ واحد فقط، وقال السجزي: (كل من ردَّ الأمر إلى نفسه؛ فهو
قدري. وكل من زعم أن الإيمان قول مفرد أو قول ومعرفة؛ فهو مرجئ. وكل من يبغض أبا
بكر وعمر وعثمان، أو واحداً منهم وأنكر إمامته وتقدمه وفضله؛ فهو رافضي، وكل من
تنقص عثمان أو علياً وعائشة ومعاوية وأبا موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهم؛ فهو
خارجي) وقال ابن البنا: (أهل السنة لا يختلفون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم
في شيء منها نابذوه وباغضوه وبَدَّعوه وهجروه)، وهذا كله في شيء واحد.
10-
شرط السنة
تجنب البدعة؛ كما أن شرط الإيمان تجنب ما ينفيه: قال صلى الله عليه وسلم: (والله
لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، وقال: (لا إيمان لمن لا حياء له)، وقال: (لا
يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؛ فنُزع منه اسم الإيمان، مع بقاء اسم الإسلام
عليه، وذلك لمعصية غير مكفرة؛ فكذلك ينُزع منه اسم السنة؛ مع بقاء اسم الإسلام
عليه، وذلك لبدعة غير مكفرة؛ فكما لا يقال: (مؤمن فاسق) بل: (مسلم فاسق)؛ فكذلك لا
يقال: (سني مبتدع)؛ بل: (مسلم مبتدع).
ثامناً:
خالف الأشاعرة في مسائل!
الجواب:
1-
هذه لها تعلق
بـ (الغالب)
وقد سبق الرد عليها، ولكن لا بأس من زيادة بيان:
أ-
من
تدافعون عنهم؛ يكذبونكم؛ فها هو النووي يقول: (قال أصحابنا) يقصد: الأشاعرة. وها
هو ابن حجر يذكر عقيدة السلف، وينقضها بعقائد ابن العربي، والخطابي، وابن بطال،
وغيرهم من رؤوس الأشاعرة.
ب-
إذا قيل:
فلان كافر. فهل يفهم من ذلك؛ أنه جمع كل أنواع الكفر؟! وكذلك الحال إذا قيل: فلان
مبتدع؛ فليس معنى ذلك؛ أنه جمع أصناف البدع كلها.
ت-
من سرق
ألف دينار؛ يقال له: سارق! وكذلك من سرق ديناراً واحداً! ومن زنى بألف امرأة؛ يقال
له: زاني! وكذلك من زنى بامرأة واحدة، وهكذا؛ فكذلك الحال إذا خالف السنة ببدعة
واحدة؛ فإنه يصير مبتدعاً، ولا يقال: حتى يغلب عليه الابتداع، فإن هذا القول نفسه
بدعة؛ يصير به صاحبه مبتدعاً مرجئاً!
ث-
لو أن
رجلاً أطاع في أمره كله؛ ثم زنى أو سرق؛ فهل يقال له: مؤمن، أو فاسق؟! ولو آمن
بالقرآن كله، ثم كفر بحرف واحد منه - عالماً به - فهل يقال له: مؤمن، أو كافر؟!
فهل العبرة بالغالب؛ يا أفراخ المرجئة.
ج-
ولو أن
رجلاً أتى بكل خصال السنة - أي أصولها - ثم فضل علياً على أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما؛ فهو شيعي؟ ولو أتى بالسنة كلها؛ إلا أنه قال: الإيمان قول، أو لم يذكر
الاستثناء، أو قال: لا يزيد؛ فهو مرجئ؟! ولو أتى بالسنة كلها؛ إلا أنه قال: الخير
والشر ليس بقدر؛ فهو قدري؟! ولو أتى بالسنة كلها؛ ثم رأى الخروج على أمراء الجور؛
فهو خارجي.
ح-
هل لا
يسمى المرء خارجياً؛ حتى تكون فيه صفات الخوارج كلها؟! وهل لا يسمى المرء مرجئاً؛
حتى تكون فيه صفات المرجئة كلها؟! وهل لا يسمى المرء شيعياً؛ حتى تكون فيه صفات
الشيعة كلها؟! وهكذا.
خ-
فالمرء يسمى باسم الفرقة
المبتدعة؛ متى وجدت فيه خصلة واحدة منها.
د-
ثم هو عندكم
ليس أشعرياً لأنه خالف الأشاعرة في مسائل! وهو أيضاً قياساً على قولكم: ليس سنياً؛
لأنه خالف أهل السنة في مسائل؛ فماذا عساه يكون! منزلة بين المنزلتين؟!
تاسعاً:
السبق؟
قالوا: من
سبقك في تبديع: النووي، وابن حجر، والألباني، وربيع، وغيرهم ممن ذكرتَ؟
الجواب:
1-
عدم العلم؛ لا
يعني العلم بالعدم؛ "فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله؛ بل اذهب
إلى النص ولا تضعف، واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً، ولكن لم يصل
إليك".
2-
من سبق إمامكم
المدخلي؛ في تبديع ابن جبرين، وبكر أبو زيد؛ بل في تبديع ابن قطب - نصاً -؟ ومن
سبق إمامكم الألباني؛ في تكفير السقاف؟ ومن سبق ابن باز؛ في تكفير صدام وبورقيبة
والقذافي؟ ومن سبق ابن باز؛ في تضليل فرقتي الإخوان والتبليغ، والحكم عليهما
بأنهما من الفرق النارية؟
3-
مسائل التكفير
والتبديع والتفسيق؛ مبنية على العلم؛ لا على السبق والتقليد؛ فمن علم؛ حجة على من
لم يعلم، وعلى هذا؛ فلا يقال: من سبقك؟ إنما يقال: ما دليلك؟
4-
من هو المبتدع
عندكم، وما هي صفته؟ إذا كان الباقلاني والجويني والبيهقي والغزالي والنووي وابن
حجر والشوكاني والصنعاني، وغيرهم؛ ليسوا مبتدعة؛ فمن المبتدع إذن؟
5-
أنتم ومشايخكم
تقولون: هؤلاء وافقوا السنة في أشياء؛ فهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة؛
فلا ينسبون إلى السنة بإطلاق؛ كما لا ينسبون إلى البدعة بإطلاق. والسؤال: أبو
حنيفة، وابن أبي سليمان، وابن خازم، وواصل بن عطاء، ونافع بن الأزرق، ويعقوب بن
شيبة، وقتادة، وابن أبي رواد، وعمرو بن مرة، وشبابة، وابن طهمان، ومسعر،
والكرابيسي، والمحاسبي، وداود، وابن قيس الماصر، وابن أبي يحيى الأسلمي، وعلي بن
الجعد، وغيرهم كثير جداً.
أ-
ماذا كانت أصولهم؛ قبل
وقوعهم في البدعة؟
ب-
هل خالفوا كل
أصول السنة - لو فعلوا لكفروا - أم اجتمعت فيهم: سنة وبدعة؛ فوافقوا أهل السنة في
أشياء، ووافقوا أهل البدعة في أشياء؛ فإذ ذلك كذلك؛ هل حكم عليهم السلف؛ بالمنزلة
بين المنزلتين؛ كما حال مشايخكم المرجئة - أو الجهلة - أم حكموا عليهم بالبدعة
والضلال؛ غير ملتفتين لأصولهم، أو لموافقتهم، أو لقصدهم، أو لأي شيء آخر مما تهرف
به المرجئة؛ فإما أنكم على ملة هي أهدى من ملتهم؛ أو مفتتحوا باب الضلالة؟! فليت شعري؛ أفي اتباعهم تخافون
الضلالة؟ أم في غير سنتهم تلتمسون الهدى؟! ([2])
ت-
فإن كنتم
أغلقتم باب التبديع؛ على أساس أنه ما من مبتدع؛ إلا وهو يوافق أهل السنة في أصل -
أو أكثر - من أصولهم؛ فما بالكم بدعتم: فالحاً والحلبي والمأربي والمغراوي – لا
أقول: ابن قطب وحسان والحويني - بل والحداد والحجي وفراج؟!! أليسوا يوافقون أهل
السنة في أكثر أصولهم؟
ث-
على أي ملة
أنتم؟! إن كنتم على ملة السلف؛ فقد بينا لكم طريقتهم؛ فانحرفتم عنها. وإن كنتم على
ملة إمامكم المدخلي؛ فقد قال: ]من وقع في بدعة فعلى أقسام: القسم الأول: أهل البدع؛
كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية والمرجئة، ومن
يلحق بهم كالأخوان والتبليغ وأمثالهم؛ فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل
الحكم عليهم بالبدعة؛ فالرافضي يقال عنه: مبتدع، والخارجي يقال عنه: مبتدع، وهكذا،
سواء أقيمت عليهم الحجة؛ أم لا. القسم الثاني: من هو من أهل السنة، ووقع في بدعة
واضحة؛ كالقول بخلق القرآن أو القدر، أو رأي الخوارج، وغيرها؛ فهذا يبدع، وعليه
عمل السلف. ومثال ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه؛ حين سئل عن القدرية؛ قال:
(فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني)؛ قال شيخ الإسلام رحمه
الله في درء تعارض العقل والنقل (1/254): "فطريقة السلف والأئمة؛ أنهم يراعون
المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشرعية؛ فيعبرون
بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة
ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً؛ نسبوه إلى البدعة أيضاً،
وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة، وردَّ باطلاً بباطل". أقول: في هذا النص:
بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته من
غوائل البدع والأخطاء؛ منها: 1- شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني
الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل؛ فلا يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية،
ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي. 2- أنهم
حراس الدين وحماته، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه. ومن
تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، ولو كان يرد على أهل
الباطل، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة أخرى، ورد باطلاً بباطل، ولو كان هذا الراد
من أفاضل أهل السنة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل مجمله على مفصله؛ لأنا
نعرف أنه من أهل السنة[.
والذين
تدافعون عنهم؛ رغم كونهم }من أهل البدع أصالة؛ أو من أهل السنة، ووقعوا
في بدعة واضحة{؛ إلا أننا سنتنزل معكم، ونقول: إن أقل أحوالهم؛ أنهم: 1- لم يراعوا
الألفاظ والمعاني الشرعية الصحيحة. 2- تكلموا بكلام باطل يخالف الكتاب والسنة.
وعلى كلا الاحتمالين: فهم مبتدعة عند السلف، وعند شيخكم! فليت شعري؛ إلى أين
ستذهبون، وبمن ستحتجون؟! قاتلكم الله أنى تؤفكون.
وأخيراً:
ففي رسالتي: (قواعد في
معرفة البدعة وضوابط التبديع) تأصيل وتفصيل؛ لمن أراد
الاستزادة.
والحمد لله أولاً
وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] - رغم كونه خالف الكتاب والسنة؛ أما إذا خالف إمامهم الألباني، أو
إمامهم المدخلي؛ فحينئذ يكون من أحط أهل البدع.
[2] - قال ربيع: "فهذا داود كان من كبار علماء الحديث، وله
مؤلفات كثيرة في السنة، وإليه انتهت رياسة العلم في بغداد، ومع هذا كله؛ لما قال
القرآن محدث (أي مخلوق) بدعه أهل السنة، وما حمل كبار أهل السنة مجمله على مفصله؛
لأنه كان سلفياً؛ كما يقوله غلاة المداهنين وغلاة التمييع والتضييع. وجاء داود إلى
الإمام أحمد معتذراً ومنكراً أنه قال بهذه البدعة؛ فلم يصدقه، ولم يأذن له بالدخول
عليه. فأين حمل المجمل على المفصل الذي اخترعه أهل الأهواء؛ ثم كفوا عنه، وحمل
رايته أدعياء السلفية وحماة البدع وأهلها من غلاة التمييع؟ وهؤلاء أئمة السنة
يؤلفون عشرات المجلدات في الجرح والتعديل، وهي مليئة بجرح أهل البدع والضعفاء
والكذابين، ولا تجد أثراً لهذا المنهج البدعي، ولم يعارضهم لا أهل السنة ولا أهل
البدع بهذا المنهج الباطل الذي اخترع في هذا العصر للدفاع عن أهل الضلال. فإذا كان
هذا المنهج يمثل العدل؛ فإنه يلزم عليه بأن سلفنا الصالح من محدثين وفقهاء ومؤلفين
في العقائد وغيرها كانوا أهل ظلم وغلو؛ حاشاهم ثم حاشاهم، وكبت الله خصومهم
المخالفين لمنهجهم وأصولهم، وكافأهم بما يستحقون"اهـ
وقال:
"ولقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة؛ على عهد السلف؛ فيسقطه أئمة السلف
والحديث؛ فهل هم هدامون مفسدون أعداء الدعوة السلفية؟".
فليت
شعري؛ أين هم من قول إمامهم؛ هلا اتبعوه؟! أم تراه عندهم حدادياً غالياً؟!