الحذر من زلات العلماء
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛
أما بعد:
فلا
شك أنَّ من شرط العالم أن يَعْلَم ويجهل، يذكر وينسى، يصيب ويخطئ، لأنه بشر ليس بمعصوم. قال ابن القيم رحمه الله: "العالم يزل ولا بد، إذ ليس
بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي
ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله"اهـ (إعلام الموقعين 2/173)
قال
ابن تيمية رحمه الله: "إذْ تطرق
الخطأ إلى آراء
العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية هي حـجة الله على جمـيع عباده؛ بخـلاف رأي العالم"اهـ (مجموع الفتاوى 20/250)
هذا
وينبغي أن يُعلم أن خطأ العالم ليس كخطإ غيره لأنه يُقتدى به، فإذا زل في مسألة ما، تبعه عليها فئام من الخلق، لأن أكثر الناس ينظرون إلى حال
القائل، لذا كانت زلة العالم تُسْتَعْظَم شرعاً وتصبح صغيرته كبيرة، لأن أقواله
وأفعاله جارية في العادة على مجرى الاقتداء.
قال
ابن تيمية رحمه الله: "فالعالم قد يتكلم بالكلمة التي يزل فيها؛ فيفرع أتباعه فروعًا كثيرة"اهـ (مجموع الفتاوى 8/422)
لذا
قيل: "ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، وأئمة
مضلون"اهـ (جامع بيان
العلم وفضله 2/979)
قال
ابن القيم رحمه الله: "ومن المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها، إذْ لولا التقليد لم يُخَف من زلة العالم على غيره، فإذا عَرف أنها زلة لم يجز له أن
يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به"اهـ (إعلام
الموقعين 2/192)
فزلة
العالم - كما
قيل - كالسفينة تغرق، ويغرق معها خلق كثير؛
لذلك لا يجوز متابعة العالم على خطإه، بل يُبين هذا الخطأ، ويُحذر منه، وقد تقرر عند السلف الصالح رحمهم
الله؛ هذا الأصل الأصيل، فقاموا به خير قيام، فوجدناهم يردون على المخالف مخالفته
حتى عُرف عنهم ذلك واشتهر،
يعرف هذا كله من له أدنى إلمام بأحوالهم، وأقوالهم .
علماً
بأن بيان الخطإ يرتبط بالمصلحة - على
حسب نوعه وحجمه -
فتارة يكون ابتداء،
وتارة يكون لإرغام المخالف وبيان ضعف ما احتج به، وتارة لتبديعه والتحذير منه؛ إلى
غير ذلك من الأسباب، وقد
يُذكر الخطأ أمام العامة إذا احتيج لذلك، وقد يُختص به طلبة العلم، وقد يُطوى ولا يُروى، فليس كل خطإ للعالم يُذكر.
ذكر الفسوي أن سلمة بن شبيب حكى للإمام أحمد رحمه الله؛
أنه طلب عفان بن مسلم؛ الإمام الحافظ الثقة المتين المتقن؛ في منزله؛ فقالوا : خرج،
فخرج يسأل عنه، فقيل: توجه هكذا، قال سلمة: فجعلت أمضي أسأل عنه حتى انتهيت إلى
مقبرة، وإذا هو جالس يقرأ على قبر بنت أخي ذي الرياستين، فبزقت عليه، وقلت سوءة لك.
قال: يا هذا الخبز الخبز. قلت: لا أشبع الله بطنك. قال: فقال لي أحمد: لا تذكرن
هذا، فإنه قد قام في المحنة مقاماً محموداً عليه، ونحو هذا من الكلام"اهـ
(المعرفة
والتاريخ 2/178) ([1])
وقد
ابتلينا في هذا العصر بمن يتخذ أقوال العلماء - وإن كانت لا دليل عليها - حجة لأفـعاله وأقـواله المخالفة لمنهج السلف، بل ويعتبرها دليلاً على صحة منهجه، فـهذا (محمد حسان) يورد كلاماً للألباني في
سيد قطب ليدافع عن موقفه، وهذا
(محمود لطفي عامر) يحتج بفتوى لابن باز في دخول
الانتخابات، و(مرجئة
العصر) احتجوا بكلام ابن عثيمين في تعليقه على فتوى اللجنة الدائمة في كتابي
الحلبي؛ ليروجوا لمذهبهم المردي، وهكذا
يفعل كل مبطل يريد أن يحتج لباطله؛ بأباطيل العلماء.
فلا
يُشَغِّب
علينا من يريدون إرهابنا وإسكاتنا عن قولة الحق والنصيحة للمسلمين، بقولهم: فلان يطعن في فلان؛ فما هذا
التقديس للأشخاص، ومن أصول الدعوة السلفية عدم التعصب لأحد كائناً من كان إلا
للمعصوم صلى الله عليه وسلم.
والألباني: أخطأ في حديث الصورة، وأخطأ في كلامه في مسمى الإيمان، وأخطأ في إطلاقه
القول بأن الكفر اعتقادي،
وهذه جميعها من أقوال المرجئة الجهمية, وله أشياء أخرى شنيعة.
وربيع
المدخلي: أخطأ لما قال بأن كفر تارك
أعمال الجوارح بالكلية مسألة خلافية بين السلف؛ هذا عدا بدعه الأخرى.
والعجيب
أن من يدافع عنهما؛ ربما خطَّأوا
مالكاً والشافعي وأحمد بن حنبل،
وغيرهم من أئمة السنة إذا دعتهم الضرورة إلى ذلك، لكنهم لا يجرؤون على هذا؛ بالنسبة لأهل العلم المعاصرين، ولا أرى سبباً لذلك إلا لأنهم أحياء
يرزقون ([2])
فاللهم ارزقنا خشيتك فلا نخشى أحداً سواك، وارزقنا الإخلاص في القول والفعل، وفي السر والعلن.
وأخيراً: فإننا "لا نرغب عن قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم بديلاً، ولا عن سنته تحويلاً، لا يُثنينا عنها تقلب الأعصار والزمان،
ولا يلوينا عن سمتها تغير الحدثان، ولا يصرفنا عن هديها ابتداع من تكلف الاختراع
ونصر الابتداع، وليس معه شرع مقبول، أو أثر منقول، اللهم إلا الهوى والإحادة عن
منهج الحق المستقيم، والبلادة في فهم النص القويم".
[1]- أما إن كان الخطأ متعدياً؛ فهذا
لا بد من بيانه والتحذير منه،
حتى لا يغتر به أحد من الناس؛ كمسألة تارك أعمال الجوارح؛ فمَن مِن السلفيين اليوم
يعرف الحق فيها؟ قليل ما هم!! أما الجمهور الأكبر فعلى فريقين: فريق يرى أنه مسلم
ناج من الخلود في النار، والفريق الآخر توسط في المسألة، وقال بأن المسألة على
قولين عند السلف الصالح، وكلاهما على خطإ، لكن لما كان القائل بهما له مكانة
ووجاهة - زائفة - عند السلفيين، تُوبِع على قوله هذا؛ دون النظر لموافقته أو
مخالفته للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذا هو حال أكثر المقلدة اليوم.
[2] - ومن هؤلاء
من يعرف الحق، لكنه لا يستطيع البوح به مخافة أن يقال: فلان يطعن في العلماء. فانظر - يرحمك الله - كيف استطاع هؤلاء إرهاب
المحقين الناصحين، وتكميم أفواههم، مخافة أن ينطقوا بالحق الذي يخالف معتقدهم.