الحقيقة الضائعة بين الحداد وربيع ( الحلقة الثانية )

الحقيقة الضائعة بين الحداد وربيع
الحلقة الثانية
التهمة الخامسة:
"الحداد ورفاقه؛ لا يرون الترحم على الإمام ابن حجر، والنووي رحمهم الله، وأمثالهم"، "وينكرون على من يقول: الإمام، ويرحمه الله".
ملخص التهمة:
1-  عدم الترحم على أهل البدع.
2-  إنكار إطلاق لقب (الإمام) على المبتدع.
رد التهمة:
أولاً: بالنسبة لمسألة الترحم:
هي من مسائل هجر أهل البدع والمعاصي، والهجْر أجمع عليه أهل السنّة، والتّرحّم كذلك تركه على المبتدع والعاصي بعد موته إجماع عملي: إجماع ترْك، والنّظر في كتب أهل السنة كافٍ في إثبات ذلك، فكيف مع الأدلّة والتّصريح؟!
والهجر أيضاً من أصول السنّة كما بيّنه أحمد وغيره من أئمّة أهل السنّة رحمهم الله تعالى: (أصول السنّة ... ترك الجلوس مع أصحاب الأهواء).
والهجر أيضاً من علامات أهل السنّة التي يتميّزون بها عن المرجئة، وعن الفرق كلّها، فإنّ الأصل: (من كثّر سواد قومٍ فهو منهم)، وهو يتميّز عن الخوارج بأنّه هجر دون تكفير، ولكن هجر وتبيين وتحذير.
والهجر أيضاً من مسائل الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، فمن لم يأتمر بالمعروف ومن لم ينته عن المنكر كان لا بدّ أن يقع عليه الهجر تأديباً له، وإظهاراً للشرع، وحفظاً للنّفس من فساده؛ فهو من باب العقوبات التي تستمرّ باستمرار المعصية، فإن مات قبل أن يجهر بالتوبة؛ استمرّ هجره ميّتاً أيضاً.
والذي شرع الهجر؛ هو أرحم الراحمين، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم؛ فانظر كيف يصنعون؟!
فهذه المسائل؛ مدارها؛ على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم؛ فمن بعدهم ممن تشبّه بهم بحقٍّ رحمهم الله تعالى؛ من ذلك:
هدْي الترك والفعل والاتباع: فما تركوه نتركه، وما طرقوه نطرقه: نتبع ولا نبتدع، ونقتدي ولا نبتدي؛ كما قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: "قولوا كما قالوا، وقفوا حيث وقفوا، وليسعكم ما وسعهم", ومن ذلك: هديهم في:
أولاً: الجنازة: صلاةً، واتباعاً.
1-            في مناقب أحمد رحمه الله تعالى (ص 505) من طريق السلمي عن الدارقطني؛ أنه لما نظر إلى جمع جنازة؛ قال: سمعت أبا إسماعيل بن زياد القطان قال: سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل؛ قال: سمعت أبي يقول: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز"؛ إسناده صحيح، ولفظه فصيح، وهو في هجر أهل البدع صريح.
2-            قال أبو قتادة رضي الله تعالى عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دُعي لجنازة سأل عنها: فإن أُثني عليها خير قام فصلى عليها، وإن أُثني عليها غير ذلك؛ قال لأهلها: شأنكم بها، ولم يصل عليها". رواه أحمد والحاكم، وهو صحيح. وهو يقضي على ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ فقال: (هو أنت، عبدالله دعاه فأجابه، أو أمتُه دعاها فأجابته، الله يعرفه وأهله يفقدونه والناس ينكرونه، اغدوا فإنا رائحون أو روحوا فإنا غادون). رواه البيهقي الأشعري في شعب الإيمان (9278) عن الحاكم وغيره من طريق ابن وهب (وله الجامع) بسند حسن. على أن كلام أبي هريرة رضي الله عنه؛ هو في المستور الحال؛ لا في السؤال عن الجنازة لمعرفة صاحبها: فإن كان مشهوراً ببدعة أو فسق تركه.
3-            وقال زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه في خيبر في الغالّ:  "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلّوا على صاحبكم؛ إن صاحبكم غلّ في سبيل الله". رواه أحمد وأبو داود والنسّائي وابن ماجه، وهو صحيح.
4-            وقال جابر بن سَمُرةَ رضي الله تعالى عنه في قاتل نفسه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذاً لا أصلي عليه". رواه مسلم.
5-            وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل الميت عليه الديْن؛ فيسأل: هل ترك لديْنه من قضاء؟ فإن حُدّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا فلا قال: صلوا على صاحبكم". رواه البخاري ومسلم، وله شواهد من طرق أخرى.
6-            وذُكر عن علي رضي الله تعالى عنه فيمن ترك دينارين مِنْ أهل الصُفّة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم". رواه ابن أبي شيبة (3/373) ورواه الطبراني (8/176/7654) من وجه آخر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه. قال في المجمع (3/41): (ثقات) وهو حسن.
7-            وقال عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه في الصلاة على الزانية المرجومة: فقيل: تصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت؟ قال صلى الله عليه وسلم: لقد تابت توبة لو قسمتْ بين سبعين مِنْ أهل المدينة لو سعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادتْ بنفسها لله تعالى. رواه مسلم.
وهذا صريح في فهمه رضي الله تعالى عنه؛ أنه صلى الله عليه وسلم لا يصلي على الزاني ونحوه؛ فكيف بالمبتدع؟ وقد أقرهم صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم، ولكنه ذكر التوبة، فمن تاب صلى عليه، وإلا تركه لأهله. فهل فهمت؟!
8-            وقال عمران رضي الله تعالى عنه أيضاً في رجل أَعتق عند موته؛ فجاء ورثته إلى رسول  الله صلى الله عليه وسلّم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أعلمتنا إن شاء الله ما صلينا عليه). رواه أحمد (-)، ومن طريقه في الحلية (3/60) بنحوه وإسناده محتمل، وأصله في الصحيح.
9-            وذكر سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على مرجوم. رواهما عبدالرزاق (3/535 و536). ومرسل سعيد صحيح، ومرسل الزهري قوي عند احتجاجه به لا الرواية، فمن ترك فلعله علم خصوص حاله من عدم التوبة أو غيرهما كما سبق في المرجومة.
10-      وقال ثوبان رضي الله تعالى عنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له: لا تدلجن على مصعب ولا مضعف، فادلج رجل على ناقته له صعبة، فسقط، فمات، فأمر صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، ثم أمر فنادى في الناس، إن الجنّة لا تحل لعاصٍ. رواه أحمد، وهو حسن. وذكر أحمد رحمه الله تعالى حديثاً مرسلاً في خيبر، وأنه ثبت رجل، فقتل، فلم يصل عليه. وقال: يحيى بن أبي كثير يرويه. رواه الخلاّل في السنّة (793) عن الميموني عنه احتجاجاً به.
11-      وذُكر عنه صلى الله عليه وسلم: "القدرية مجوس أمتي: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وله طرق.
12-      الترك ليس من خصوصياته صلى الله عليه وسلّم، ولا من خصوصيات الإمام، وما ثبت في حقّه صلى الله عليه وسلّم ثبت في حق غيره ما لم يقع على اختصاصه دليل (المغني لابن قدامة 2/557)
13-      وقوله صلى الله عليه وسلّم: (صلوا على صاحبكم) ليس دليل خصوصية، إنما هو إيكال الجنازة إلى أهلها، وقد عمل كثير من أهل العلم بهذا كما سترى بعضه. وأما قول الترمذي رحمه الله تعالى عقب حديث قاتل نفسه: (قال بعض أهل العلم: يُصلّى على كل من صلى للقبلة وعلى قاتل النفس، وهو قول الثوري وإسحاق، وقال أحمد: لا يصلى الإمام على قاتل النفس، ويصلي عليه غير الإمام). وذكر نحوه قول أحمد عن عمر بن عبدالعزيز والأوزاعي ومالك رحمهم الله تعالى. فهذا في باب فرض الكفاية، وفرْض العين على أهل العلم والدين ألا يصلوا على هؤلاء كما فعله الذين ذكرهم الترمذي ـ رحمهم الله تعالى. ونقل عن مالك وغيره (شرح مسلم 7/47) أن أهل الفضل لا يصلّون على الفساق زجراً لهم.
14-      الاستدلال بها على الترك في هذه المعاصي ونحوها واضح، والاستدلال بها على الترك في أهل البدع أوضح؛ فالبدعة أشد من المعصية باتفاق أهل السُنّة، وقد قال جماعات من أهل العلم؛ الشافعي ومن قبله رحمهم الله تعالى: (لأن يلقى العبدُ الله بكل ذنب خلا الشرْك أهون عليه من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء).
15-      ترك الصلاة على المبتدع أوْلى؛ من تركها على صاحب الديْن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (ديْن الله أحقُّ أن يُقْضى).
16-      قول الصحابي رضي الله عنه: تصلى عليها وقد زنت؟ فيه اشتهار القول عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ بأنه لا يصلّي على الزاني ونحوه، ولذلك لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا؛ إنما بيّن أنها تابت وأقيم عليها الحد وهو كفارة. فمن لم نتحقق منه توبة، أو لم يقم عليه الحدُّ فلا يصلِّي عليه؛ إلا أصحابه أو أهله.
والمبتدع أوفر الناس نصيباً من ذلك: فتوبته غير متحققة، والحدود والعقوبات لا تقام منذ أزمان على المبتدعة، بل يُعظّمون ويُمْدَحون!
17-      الترك في معصية واحدة (لا تدلجن على مصعب) و(الجوْر في الوصيّة)، فكذلك في البدعة الواحدة، (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم).
18-      قوله صلى الله عليه وسلّم: (صلوا على صاحبكم). هو أمر لأهل الجنازة، وليس أمراً لكل من حضر، فإنه ليس بواجب على كل حاضرٍ باتفاق أهل العلم.
19-      قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في المنهاج (6/326): (اشتغل به صلى الله عليه وسلّم: علي والعباس وبنو العباس ومولاه شقران .. ومن السنّة أن يتولّى الميتَ أهله). يعني ما لم يوصي الميّت بمعيّن غيرهم أن يغسله ويباشر ذلك منه.
20-      دُعي أيوب السختياني رحمه الله تعالى؛ لغسل ميت، فلما كشف وجهه تركه وقال: (رأيته يماشي صاحب بدعة!) رواه ابن بطة – رحمه الله تعالى – في الإبانة (498
21-      وصحّ عن سفيان الثوري أنه قال: (يا شعيب بن حرب لا ينفعك ما كتبتَ حتى ترى الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر: صلاة الجمعة والعيدين، صلّ خلف من أدركتَ، وأما سائر ذلك فأنت مُخيّر لا تصلّ إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنّة والجماعة)
22-      وقال (اللالكائي /1825): (لا تصل خلف من قال: الإيمان قول بلا عمل، ولا كرامة).
23-      وفي السير(7/224): (قيل: إن عبدالصمد بن علي عم المنصور وكان أميراً دخل على سفيان يعوده، فحوّل سفيان وجهه للحائط ولم يرد السلام. فقال عبدالصمد لابن أخت سفيان: يا سيف، أظن أبا عبدالله نائماَ! فقال سيف: أحسب ذاك أصلحك الله! فقال سفيان: لا تكذب، لستُ بنائم! فقال عبدالصمد: ياأبا عبدالله، ألك حاجة؟! قال سفيان: نعم، ثلاث حوائج: لا تعود إليّ ثانيةً، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحّم عليّ!
24-      وفي السير (7/186): (قال مؤمل بن إسماعيل: مات عبدالعزيز بن أبي روّاد، فجيء بجنازته، فوضعت عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان جاء سفيان، فجاء حتى خرق الصفوف وجاوز الجنازة، ولم يصل عليها، لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان، فقال: والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردتُ أن أُري الناس أنه على بدعة).
25-      وقال أبو نعيم الفضل بن دُكين رحمه الله تعالى: مرت بنا جنازة مِسْعر بن كدام، وسفيان وشريك شاهدان فما حضرا جنازته. يعني للإرجاء. رواه اللالكائي (1826) وعلقه المزي (27/468) من وجهين عنه. وقال ابن سعد (6/365) فيه: (كان مرجئاً، ومات فلم يشهده سفيان الثوري). وكان مسعر كثير الحديث ثقة جداً فيه يُذكر بعبادة وعلم، وكان يقول: الإيمان قول وعمل، ولكنه كان لا يستثني في الإيمان فقط!
26-      ومات عباد بن كثير، فحضر سفيان جنازته، فلم يصل عليه. ذكره أبو نعيم الأصبهاني في الضعفاء.
27-      وأما شريك القاضي قاضي السنّة؛ فسيرته مشهورة في ذلك رحمه الله تعالى.
28-      وأما شعبة رحمه الله تعالى فقد هم بترك الصلاة على أبان بن أبي عياش وكان أبان عابداً ولكنه ضعيف الحفظ فيخلط في الرواية ولا ينتهي عن الحديث مع ضعفه (الحلية 7/154)
29-      وأما سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: فقد قال: (من شهد جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع)، رواه الهروي في ذم الكلام (92/2/ ق) من طريق أبي حاتم الرازي ثنا عمران بن موسى به.
30-      وقال لرجل حضر جنازة: لا أحدثك بحديثٍ سنةً، فاستغفر الله ولا تعود، نظرتَ إلى رجلٍ يشتم أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) فاتبعت جنازته.
31-      وقال: لا تصلوا خلف الرافضي ولا الجهمي ولا القدري ولا المرجئ. رواهما اللالكائي (2816 و1364)، وهذه هي الفرق، فما بقي إلا أهل السنّة.
32-      وأما فضيل بن عياض رحمه الله تعالى؛ فقد ذكر البربهاري رحمه الله تعالى (130) عنه: (من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع)
قلت: وقد صح عنه صلى الله عليه وسلّم، في عيادة المسلم أنه لم يزل في مَخْرفة الجنة حتى يرجع، فذلك كذلك.
33-      ومالك بن أنس رحمه الله تعالى: (أهل البدع لا يعادون إذا مرضوا، ولا تُشهد جنائزهم إذا ماتوا). ذكره ابن قدامة في المغني (2/558) وابن تيمية (24/292) و(لا يُصلّى على موتاهم، ولا تُتبع جنائزهم، ولا تُعاد مرضاهم) و(كل من قتله إمام في قصاص أو حدٍّ من الحدود فإن الإمام لا يصلّي عليه، يصلّي عليه أهله) هو في المدونة (1/177-178 و182 و184). ونقل عياض (شرح مسلم 7/47) عنه أن أهل الفضل لا يصلّون على الفاسق زجراً لهم.
34-      وأبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى: (لا أصلي على رافضي ولا حروري) ذكره في المغني (2/558).
35-      والشافعي رحمه الله تعالى؛ حذّر من كل الأهواء وقال: لأن يلقى العبدُ الله بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء)، وكان يكره الصلاة خلف القدري. رواه في مناقبه الكبرى (1/413)، وذكر ابن تيمية كراهية الصلاة خلف الفاسق والمبتدع.
36-      وأحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
أ‌-                    روى الخلاّل في السنّة (793) أخبرني عبدالملك (الميموني) أنه سمع أبا عبدالله يقول: أنا لا أشهده، يشهده من شاء. قد ترك النبي صلى الله عليه وسلّم على أقل من ذا: الديْن والغلول، والقتيل لم يصلّ عليه، ولم يأمرهم. قال رجل لأبي عبدالله: يقولون: أرأيت إن مات في قرية ليس فيها إلا نصارى: من يشهده؟! قال أبو عبدالله مجيباً له: أنا لا أشهده، يشهده من شاء. وانظر (السنة للخلال/949)
ب‌-          وروى الخلاّل في السنّة (946-949) واللالكائي (1359) عن الأثرم وإبراهيم ابن الحارث أنه سئل عن القدري يُعاد، فقال: إذا كان داعية إلى الهوى فلا. قيل له: أصلي عليه؟ فقال إبراهيم وأبو عبدالله يسمع: إذا كان صاحب بدعة فلا يُسلّم عليه، ولا يُصلّى خلفه ولا عليه. فقال أبو عبدالله: عافاك الله يا أبا إسحاق، وجزاك خيراً ؛ كالمعجب بقوله.
ت‌-          وقال عبدالله: سمعت أبي يقول: لا يُصلّى خلف القدرية والمعتزلة. رواه اللالكائي (1354) من طريق السنّة لعبدالله (106)
ث‌-          وقال الميموني: صحّ عندي أن أبا عبدالله لم يحضر أبا نصر التمّار حين مات، فحسبت أن ذلك لما كان أجاب في المحنة. رواه الخطيب (10/421) من طريق أبي عوانة في جزئه في العلل (416)
ج‌-            وقال أبو حارث عنه: (أهل البدع لا يعادون إن مرضوا، ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا) ذكره ابن تيمية (24/292)، وانظر المغني (2/558) والفروع (2/184)
ح‌-            وقال أبو داود في مسائله (ص 42 و43): سئل عن رجل تكلم ببدعة، فقيل له: إن هذا بدعة، فرجع عنه. فقال: صلّوا خلفه إذا كنتم ترضونه ورجع عن الذي تكلم به. قلت لأحمد: أصلي خلف المرجئ؟ قال: إذا كان داعياً فلا يصلّى خلفه. قال رجل: أصلي وحدي؟! قال: أين أنت؟ في البادية؟! المساجد كثيرة، تخطى إلى غيره من المساجد.
خ‌-            وقال المرُّوذي وإسحاق بن منصور عنه في الصلاة خلف المبتدع: يخرج مِنْ خلفه، ويستر عليه، إلا أن يكون داعية. ذكره في الآداب الشرعية (1/263).
د‌-                  وفي السنة له: (لا أحب الصلاة خلف أهل المبتدع).
ذ‌-                  وفي مسائل النيسابوري (1/60) والحنابلة (1/108) فيمن يشتم معاوية رضي الله عنه. (لا يصلى خلفه ولا كرامة).
37-      وإسحاق بن راهوية رحمه الله تعالى؛ ركب دابّة يوم شُيِّع جنازة أحمد بن حرب، واعترض الناس أراهم أنه لم يشهد جنازته ولم يصل عليه. رواه الهروي في ذم الكلام (108/2/ق). وأحمد هذا يُذكر بالعلم والعبادة والمرابطة في الثغر، لكنه تكلم في مسألة اللفظ فهجره أخوه علي وترك مكاتبته (المزي 1/289-290 نقلاً عن تاريخ الموصل)
38-      وأبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى؛ قال في أول أمره: لما مات عبدالمؤمن بن علي حضرتُ جنازته، وكنتُ أؤدب لعلي ابنه، فكنتُ لا ألتفت إلا ورائي: إما رافضي أو مبتدع،  وإما بليّة، فما زلت حتى صليت عليه ثم انصرفت). رواه الخطيب (12/20-21)، وهذا يبين:
أ‌-                    هجران أهل السنّة في عصره لهذه الجنازة.
ب‌-          تورطه فيها لسبب خاص به (يؤدب ابنه) و(كان في أول أمره)، وكان بعد ذلك ـ رحمه الله تعالى شديداً على أهل البدع قولاً وعملا، وصنّف كتاباً في الردّ على أهل الأهواء.
39-      وذكر ذاك القرطبي الأشعري صاحب الجامع لأحكام القرآن (8/221): (أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على جنائز المسلمين من أهل الكبائر كانوا أو صالحين، واتفق العلماء على ذلك إلا في الشهيد وإلا في أهل البدع والبغاة).
40-      وأبو عُمر ابن عبدالبر في التمهيد (23/287):  (وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: صلوا على صاحبكم) فإن ذلك كان كالتشديد بغير الميت، من أجل أن الميت غلّ لينتهي الناس عن الغلول لما رأوا من ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة على من غلّ، وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة، فلهذا لم يصل عليه: عقوبة له. وتشهيراً بغيره. والله أعلم. وفي قوله: (صلوا على صاحبكم) دليل على أن الذنوب لا تُخْرج المذنب من الإيمان) يعني من الإسلام إلى الكفر، فانتبه.
41-      وأبو محمد ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني (2/557 و558 /ط مكتبة الرياض): (لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بأدون من هذا، فأولى أن تترك الصلاة به. وما ثبت في حقّه صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل).
42-      وابن تيمية رحمه الله تعالى: وفي الاختيارات (ص 52) عن (24/286):من امتنع عن الصلاة على أحدهم زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما).
قلت: الامتناع ليس زجراً لغيره فقط، بل عقوبة له؛ كما صرّح ابن عبدالبر وغيره، وأما الدعاء سراً دون جهراً فما أعرف دليله فيه. وأما تحسين صلاة أهل العلم والدين على أهل البدع فما أعرف له أصلاً كما سبق.
43-      وفي (4/253) وغيرهما: (كره الشافعي الصلاة خلف الفاسق والمبتدع، وقال مالك: لا تصح وراء فاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني. واستحب أحمد إذا كثرت الأهواء ألا يصلي إلا خلف من يعرف. ولما قدم عثمان بن مرزوق مصر سنة (654) وكثرت بها العبيدية أمرهم ألا يصلوا إلا خلف من يعرفون. أي بالسنّة).
44-      وفي الآداب الشرعية (1/264) عنه: (المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتاً إذا كان فيه كفٌّ لأمثاله، فيتركون تشييع جنازته).
45-      وفي (23/351-369): (لو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان .. ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعوا إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين وصلاة الحج بعرفة، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف. وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد وإن كان فاسقاً. والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، لكن إنما كره مَنْ كره الصلاة خلفه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أنّ من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحقّ التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه كان حسناً. ولا يجوز  أن يولّي في الإمامة بالناس من يأكل الحشيشة أو يفعل من المنكرات المحرمة مع إمكان تولية من هو خير منه.كيف وفي الحديث (عنه صلى الله عليه وسلّم): (من قلّد رجلاً عملاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين). و(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) الحديث في تقديم الأفضل بالعلم ثم الأسبق إلى العمل الصالح. وفي سنن أبي داود وغيره أن رجلاً من الأنصار كان يصلّي بقوم إماماً، فبصق في القبلة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعزلوه عن الإمامة، ولا يصلوا خلفه، وقال له: (إنك آذيت الله ورسوله). فإذ كان المرء يُعْزل لأجل إساءته في الصلاة وبصاقه في القبلة، فكيف المصرُّ على أكل الحشيشة لا سيما إن كان مستحلاً للمسكر منها، فإن مثل هذا يستتاب. وأما احتجاج المعارض بقوله: تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر. فهذ غلط منه لوجوه: أحدهما أن هذا الحديث لم يثبت، بل في سنن ابن ماجه: (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً إلا أن يقهره بسوط أو عصا) وفيه مقال. والأئمّة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته. ولا خلاف بين المسلمين في وجوب الإنكار على هؤلاء الفُسّاق ... فمن لم ينكر عليه كان عاصياً لله ورسوله، ومن منع المُنْكِر عليه فقد حادّ الله ورسوله، فالمخاصمون عنه مخاصمون في باطل وهم في سخط الله).
46-      وفي (24/285-292): (من علم منه النفاق والزندقة فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه وإن كان مظهراً للإسلام فقال الله تعالى: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا). وأما من كان مظهراً للفسق مع ما فيه من الإيمان! كأهل الكبائر، فهؤلاء لا بد أن يصلي عليهم بعض المسلمين. ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجراً لأمثاله عن مثل ما فعله، كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلّم عن الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغال وعلى المَدِين الذي لا وفاء له، وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة على أهل البدع كان عمله بهذه السنّة حسناً .... وهذا من جنس هجر المظهرين للكبائر حتى يتوبوا. فإذا كان قد ترك الصلاة على المدين الذي لا قضاء له، فعلى فاعل الكبائر أولى ... ويستدل بذلك على أنه يجوز لذوي الفضل ترك الصلاة على ذوي الكبائر الظاهرة والدعاة إلى البدع، وإن كانت الصلاة عليهم جائزة في الجملة! فيجوز لعموم الناس أن يصلّوا عليه، وأمّا أئمّة الدين الذين يُقْتدى بهم؛ فإذا تركوا الصلاة عليه زجراً لغيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلّم فهذا حق. وينبغي لأهل العلم والدين أن يتركوا الصلاة على هذا ونحوه كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلّم من الصلاة على قاتل نفسه والغال. [ومن كان مبتدعاً ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع أن يُهْجرَ حتى يتوب، ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينزجر من يتشبّه بطريقته ويدعوا إليه. وقد أمر بمثل هذا: مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمّة].
47-      وفي المنهاج (5/235-250): (فكل مسلم لم يُعْلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه، وإن كان فيه بدعة أو فسق، لكن لا يجب على كل أحدٍ أن يصلي عليه .. وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس، فالكفّ عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر)
قلت: ركّز ابن تيمية كثيراً على مصلحة انزجار الناس حتى لم يتبين ما بيّنه في بعض المواطن كالمنهاج (5/239) حيث قال: (يُهْحر الرجل عقوبة وتعزيراً لردعه وردع أمثاله لا للتشفّي والانتقام)!
قلت: هو تشفّي في حصول الحدود والعقوبات للمخالفين كما قال الله تعالى: (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وأما الانتقام فهو لله تعالى كما في الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما كان ينتقم صلى الله عليه وسلّم لنفسه، إنما كان ينتقم لله). ثم المصلحة هي متابعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وهدْي السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وظهور الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والحدود والعقوبات واجبة بلا خلاف. وعقوبة المبتدع والفاسق بترك الجنازة عليه ظاهرة جداً، وهي في ذاتها أصل زجر الناس، فلو لم تحصل العقوبة للفاعل ما انزجر غيره. وهذه العقوبة هي: التشهير بما كان عليه من بدعة أو فسوق لم يتب منه ولم يقم عليه الحد الرادع له، وحرمانه من دعاء الرحمة في أحوج وقتٍ يكون فيه إليه، فإذا تركه في ذلك الوقت، ففي تركه في غيره أولى. فقد حُرم من:   
أ‌-                    دعاء صلاة الجنازة وفيه الاستغفار والترحم، (اللهم اغفر له وارحمه وعافه ..)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء).
ب‌-          الدعاء في أثناء اتباع الجنازة وعند الفراغ من دفنها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل).
ت‌-          الشفاعة له حتى يأتي يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (ما من رجلٍ مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفّعهم الله فيه)، رواه مسلم. ولا تجد مثل هؤلاء إلا في أهل السنّة، و(لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى) و(إلا بإذنه) فلم يأذن الله تعالى فيما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ـ في الصلاة على مثل هؤلاء.
ث‌-          وكذلك التعزية فيه فقد روى عنه صلى الله عليه وسلّم في التعزية: (يرحم الله ميتكم) رواه ابن أبي شيبة (3/385-386) وبهذا قد عمل أحمد رحمه الله (مسائل أبي داوود ص 138-139) فالمبتدع لا يُعَزَّى فيه بل يقال كما قال الثوري وغيره لما بلغه موت أحدهم: (الحمد لله الذي أراح الإسلام والمسلمين منه). وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جنازة: (مستريح أو مستراح منه) فالمبتدع والفاجر مستراح منه.
ج‌-            الثناء الحسن عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الشهادة على الجنازة: (أنتم شهداء الله في الأرض) رواه البخاري ومسلم. والشهداء لا يشهدون إلاّ بالحق، ولا يكتمون الشهادة على ما يعلمون من بدعة وفسق المشهود عليهم.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو كما قال الله تعالى: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) يدع الصلاة عليهم وصلاته رحمة، حتى لقد قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه حين سمع دعاءه صلى الله عليه وسلّم في صلاة الجنازة: (فتمنّيت أن أكون أنا ذلك الميت)!! رواه مسلم ويدع صلى الله عليه وسلّم اتباع جنازته والقيام على قبره للدعاء له. هذا مع رحمته بالمؤمنين، وفضل الصلاة على الجنازة واتباعها فدلَّ ذلك على وجوب هذا في حقه صلى الله عليه وسلّم، فإنه لا يدعه إلا لخيرٍ منه، فهو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعقوبة لمن يستحقّها وجوباً عينياً على أهل الدين والفَضْل، كما وجب على أهل الميت الصلاة عليه ودفنه.
ولم يأت في نص صحيح ولا ضعيف أنه صلى الله عليه وسلّم عوّض ذلك الميت من تركه جنازته، بل الأصل هو استمرار في الهجر، فالدعاء له سرّاً لم نعرف له أصلاً، والدعاء له جهراً هو من باب مخالفة السنّة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (يكون قوم يعتدون في الطهور والدعاء).
ولذلك صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم على من أقيم عليه الحد وظهرت توبته، فأما من لم يكن كذلك؛ فالأصل فيه الهجر حيّاً وميّتاً.
48-      الأصل عند أهل السنة رحمهم الله تعالى؛ هو أنه يُحْدَث للناس من القضايا بقدر ما أحدثوا من الفجور؛ قاله شريح ومالك رحمهما الله تعالى. وكان زائدة بن قدامة رحمه الله تعالى لا يحدّث إلا من يأتي له بشاهدين على أنه من أهل السنة؛ فقيل له: منذ متى كان هذا؟! قال: منذ كان الناس يسبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الخطيب في الجامع. وقد زاد عمر رضي الله تعالى عنه حدّ السكر وألزم الناس في الطلاق لما تتابعوا في ذلك. وأجمع أهل السنة على أنه لا يقتصر المرء في قوله (القرآن كلام الله) بل سموا المقتصر واقفياً، وأنه لا بد من أن يقول (غير مخلوق). وكذلك لما حدثت الجهمية قال أهل السنة في الصفات: (بذاته) و(بائن من خلقة)، فأين هذه الألفاظ في صحابة رسول الله صلى الله  عليه وسلم؟!
ثانياً: الدعاء على المعيَّن:
لا رحمه الله.
في ترجمة محمد بن فضيْل قال: (رحم الله عثمان، ولا رحم من لا يترحم عليه). وفي اللسان (6/328) لما مات سبط ابن الجوزي قال بعض المشهورين: (لا رحمه الله كان رافضياً). وعند اللالكائي (1385) بسند صحيح في رؤيا رجل صالح: (قد مات جعْد بن درهم، لا رحم الله جعداً وحشا قبره ناراً وأراح المسلمين منه. وقال العجلي في ثقاته (ص81) في بشر المريسي: (لا يرحمه الله). وانظر في تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/506) ومن طريقه الخطيب (13/385) وابن عساكر الأشعري (ترجمة سلمة بن عمْرو القاضي).
لا غفر الله له.
1-            روي من دعائه (اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة؛ ثلاثاً. لقتله رجلاً من المسلمين تأولاً وقد جاء تائباً. رواه أحمد وأبوداود والطبراني والبيهقي وغيرهم بسند حسن.
2-            وروى ابن أبي شيبة (3/273) ثنا محمد بن فضيل عن بُكَير بن عتيِق قال كنت في جنازة فيها سعيد بن جبير، فقال رجل: استغفروا له غفر الله لكم. فقال سعيد: لا غفر الله لك. إسناده صحيح، سعيد تابعي عالم فقيه ثقة، وقول الرجل بدعة؛ كرهه كثير من أهل العلم. فهذا في فعل واحد وبدعة واحدة مثل هذه، فكيف بالبدعة التي لا تقاس بها هذه ولا تعشرها، كبدع التأويل في الأسماء والصفات وغير ذلك.
قاتله الله.
1-            قال عمر رضي الله عنه لرجلٍ باع عنباً لمن يصنع من الخمر: (قاتله الله) رواه مسلم. فكيف بمن يبيع كتب أهل البدع!
2-            وفي الحلية (4/76) من طريق عبدالله بن أحمد (-) بسند صحيح عن ميمون بن مهران رحمه الله تعالى؛ قال: (لقد أدركت السلف وهم إذا نظروا إلى رجلٍ راكبٍ ورجل ماشٍ حضر [ أي يسرع ] قالوا: قاتله الله، جبار).
3-            وفيها (2/167) من طريق السراج في تاريخه (-) بسند حسن عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: (قاتله الله، ان أول من غيَّر قضاء رسول الله).
4-            وقال أحمد رحمه الله فى رجل كان معروفاً بالعلم والوعظ فتكلم بكلمة في اللفظ: قاتله الله. (السنة للخلال 191/ق والرسائل 1/239 وقد صح عن رسول الله (قال فيمن أخطأ في فتوى: (قتلوه قتلهم الله).
من أنواع الدعاء عليه.
قال عبدالله بن عمر رضي اله تعالى عنهما: كان رسول الله قلّما يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء الكلمات اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ... واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا. الحديث. رواه الترمذي وغيره ورواه الطبرني في الصغير وغيره عن علي رضي الله عنه بالشاهد منه وهو صحيح، ونحوه حديثه (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. وهذا في ظلم الدين؛ لا ظلم النفس، فإن رسول الله (كان لا ينتقم إلا لله) تعالى كما قالت أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما.
لا سمع الله له.
مرّ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما على قومٍ محْرِمين، وفيهم رجل يتغنى، فقال:
ألا لا سمع الله لكم، ألا لا سمع الله لكم. رواه البيقي (5/689) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (6/2/ق) وسنده صحيح. قلت في حاشية نزهة الأسماع (53): (فيه جواز التأديب والإنكار للمنكر بالدعاء على فاعلية، كذلك أخذ الجماعة بذنب الواحد لسكوتهم عليه، وفيه الإنكار على الغناء من المُحْرِم فهو من غيره قبيح ومنه أقبح).
لا حفظه الله.
دخل حفص على الشافعي رحمه الله تعالى يعوده، فقال له: أنت حفص، لا حفظك الله إلا أن تتوب. رواه البيهقي الأشعري في المناقب (1/470) من طريق الساجي في المناقب وسنده صحيح، وحفص جهمي ناظره الشافعي رحمه الله تعالى.
لا سلَّمه الله.
قال العجلي في تاريخ الثقات (537): (سعيد بن أبي مريم ...كان له دهليز طويل، وكان الرجل يأتيه، فيقف، فيسلم عليه، فيرد عليه: لا سلَّمك الله، ولا حفظك، وفعل بك! فنقول له: ما لهذا؟ فيقول: قدري خبيث. ويأتي آخر، فيقول له مثل ذلك، فأقول له: ما لهذا؟ فيقول: جهمي خبيث. ويأتي آخر، فيقول له مثل ذلك، فأقول: ما لهذا؟ فيقول: رافضي خبيث. لا يظن إلا قد ردّ عليه سلامه. وكان عاقلاً لم أر بمصر أعقل منه ومن عبدالله بن عبد الحكم). وهو أوثق من رجال الجماعة من شيوخه مالك وسفيان بن عيينة والليث بن سعد، قال أحمد لبعض أصحابه: (اكتب بمصر عنه) رحمهم الله تعالى.
قلت: وأما أدب الإسلام في رد التحية فهذا لمن يستحقها، وإلا فالهجر والسب كما رأيتَ، هذا رسول الله لا يرد التحية بمثلها ولا بأحسن منها في قصة الثلاثة الذين خُلّفوا، وأجمع أهل العلم على هجر المبتدع وأن من هجره ترك السلام عليه: بدءً وردًّا.
لا مرحباً ولا أهلاً.
ذُكِر أن الحُمى استأذنت على رسول الله؛ فقال لها ذلك. رواه أحمد وابن سعد والطبراني وغيرهم من حديث أم طارق مولاة سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنها وعن مولاها، وله شواهد. فهذا في الحي، وهي (حظ المؤمن من النار) كما قال، وكفارة، وهي مأمورة، فكيف بالمبتدع والفاسق؟!
لا أربح الله تجارته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا ردَّ الله عليك ضالتك). رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم، وهو صحيح. وهو في كل تجارة محرمة للوقت أو المكان أو محرَّمة في نفسها أو بما خالطها من محرم، وهو من العقاب من جنس العمل). والمبتدع يرجو ببدعته الرحمة فناسب أن تترك أو يدعي له بعكسها.
لا استطعت!
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله، فقال: كُلْ بيمينك، فقال: لا أستطيع؛ ما منعه إلا الكبْر فقال له: لا استطعت؛ فشلت يده فما استطاع رفعها. والحديث في صحيح مسلم.
اعضض أير أبيك!
قد قال رسول الله وهو الصادق المصدوق: (إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهن أبيه، ولا تُكنوا) رواه أحمد أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وهو صحيح، وفيه عمل أبيّ رضي الله تعالى عنه به؛ قالها لرجل فاستنكروا عليه هذا اللفظ، فذكر الحديث عنه. ولو صرحتَ بهذا الإعضاض بالعامية: فماذا يقول الناس لك؟ وإنما أنت بهذا الحديث متبع أمر رسول الله. وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمع من الناس لرجلٍ سبَّ الصحابة رضي الله تعالى عنه: (امصص بظر اللات). رواه البخاري رحمه تعالى. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في المنهاج (8/408): (يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة وليس من الفحش المنهي عنه). وقاله ابن عباس رضي الله عنهما لرجل (التوحيد لابن خزيمة رحمه الله 133/ والأسماء والصفات ح 277) وهذا كله لمعين، وعلى أمر واحدٍ فقط! ونحو، قول محمد بن سيرين رحمه الله لرجل: (أخطأت أسته الحفرة) في (الحلية 2/277) وغيرها) وهو لفظ متداول.
تَعِس!
أي هَلَك، سبق حديثه (تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة .. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
لا جزاه الله خيراً.
1-            قاله الثوري رحمه الله لرجل لم يتعلم السنّة (الحلية 6/365)، فماذا هو قائل لمن ينشر البدعة؟ وانظر أيضاً (الحلية (2/120- 121و121).
2-            وقاله حفص بن غياث رحمه الله فيمن ذكر له بدعة: (لا جزاك الله خيراً أوردت على قلبي شيئاً به قط! (خلق الأفعال / 79) والرجل كان يسأله عن المبتدع الذي يقول كذا، فماذا يقال للمبتدع؟
3-            قال أحمد رحمه تعالى في بعض المبتدعين: أخزاه الله، ملأ الله قبره ناراً، هتك الله الخبيث. كما في الآداب الشرعية (1/306)
4-            وقال رحمه الله تعالى في داود بن علي إمام الظاهرية وغيره من الجهمية: لا فرَّج الله عنه 13/103، والسنة للخلال 190-191/ والرسائل 1/238)
5-            وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى في أهل الرأي: (سوّد الله وجه فلان وجه من ووجه من يقول بقوله) رواه عبدالله بن أحمد في السنة (381) بسند حسن، والفسوي (2/784) والخطيب (13/435)
6-            وذكر رجلُّ مريض علياً رضي الله عنه، فدعا عليه بعض السلف: لا شفاك الله، لا رفع الله عنك الضر. رواه الفسوي (3/139) وابن عساكر ترجمة (الصلت بن دينار)
وقد دعا سعْد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعلي (الحلية 5/26-27)- رضي الله عنهم. ودعا عامر ابن عبدالله (الحلية 2/91و6/201)، وأبو مسلم الخولاني (الحلية 2/129 و5/121) رحمهم الله تعالى، وكان سعيد بالمسيب رحمه الله يدعو على بني مروان في كل صلاة (الحلية 2/167) وغيرهم كثير تجد بعض أسمائهم في كتاب (مجابي الدعوة). كلهم دعوا على من ظلمهم في دنيا أو في دين مما يخصهم، فكيف بما هو أشد وانظر الحلية (5/279-280و324و325). وكذلك جمع من المحدثين وغيرهم ممن ظلمهم وأورد شينهم وسعى في أذاهم.
ودعا عمر رضي الله عنه على أهل العراق: (اللهم عجل عليهم بالغلام) انظر (عند الفاروق 2/663-664)
وعند مسلم عن عمارة بن رُوبيةَ رضي الله تعالى عنه رأى بِشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة. فهذا دعاء على معيَّن وفي مسألة واحدة!
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه (تحريم النظر في كتب أهل الكلام ص 63): (قبحكم الله)! بل والدعاء: (قطع الله هذه الأيدي) انظر: (الحلية 1/311-312).
وسبق دعاؤه (على رجل معيَّن: (ثكلتك أمك) وانظر (الحلية 1/269-270 والأسماء والصفات /526).
وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما خطب حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثنى: الصلاة الصلاة، فقال عبدالله: أتعلمني بالصلاة، لا أمَّ لك. رأيت رسول الله جمع بين الصلاتين. ونحوه (لا أبا لك) في (الحلية 6/178 وغيرها).
وذُكر أن رجلاً مر من أمام رسول الله وهو يصلي فقال: (قطع الله أثره) فأقعد لا يستطيع المشي. وانظر دلائل النبوة للتيمي رحمه الله.
بل ولعن من هو من غير البشر كالعقرب وغيره! ومر كلب أبيض بين يدي مطرف رحمه الله تعالى وهو يصلي، فقال: (اللهم احرمه صيده) فاستجيب له فيه (الحلية 2/206).
ودعا سعيد بن جبير رحمه الله على ديك لم يصح للصلاة: (قطع الله صوته) (الحلية4/274).
وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى في قصة بكاء نساء جعفر رضي الله تعالى عنه، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها لرجل: (أرغم الله أنفك، والله ما تفعل ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسؤاله عن شيء لا يفعله، وإرغام الأنف هو الذل.
وقوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث: (تَرِبَتْ يمينه) أي افتقر فيمن ابتغى الغنى يغير طريقه، ونحو ذلك.
ولما راى الحسن البصري رحمه الله تعالى القراء على باب ؟؟؟؟؛ قال: (تفرقوا فَرَّق الله بين أرواحكم وأجسامكم؛ فضحتم فضحكم الله؛ أما والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم) انظر (الحلية 2/150-151 وغيرها).
ولما بلغه موت الحجاج سجد شكراً لله، وقال: (اللهم عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سُنَّته وأعماله الخبيثة) ودعا عليه. وانظر (الحلية 2/158 -159)
والحور العين يدعون على المرأة تؤذي زوجها الصالح (الحلية 5/220)
ثالثاً: عدم الترحُّم على بعض الناس مع الحكم بإسلامهم.
1-            الحجاج بن يوسف الثقفي. قال وكيع: أتترحم على الحجاج؟! (السير 7/369 -370).
ولا أعلم أحداً من أهل السنة فيه خير يذكره بخير أو يترحم عليه وذلك لظلمه وإسرافه في الدماء وقتله عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عُمر رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن جبير وغيرهم من أهل السنة، مع استباحته مكة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في ثقيف كذاب ومبير). قالت أسماء بنت الصدّيق رضي الله تعالى عنهما: الكذاب المختار، والمبير الحجاج. ومثله في ذلك مثل مسلم الذي استباح المدينة فسموه: (مسرفاً). وهذا كله من الكبائر، ولكنها ما تعدَّتْ زمنها، وهي إحداث في الدنيا ومن هنا سماها بعض السلف بدعاً.
أما البدع فهي إحداث في الدين، يبقى أزماناً طويلة ويزداد. وقد أجمع أهل السنة على أن البدعة أشد من المعصية! ومن العجب أن تجد الرجل لا يترحم على الحجاج وأمثاله، ثم يتشبه به فيما اختص به، ومن ذلك مما سطرته في كتابي: (التحفظ من التلفظ) تكني من اسمه بأبي الحجاج كالمزي وغيره! فتركوا التكني الصالح فإن يوسف الكريم بن يعقوب الكريم بن إسحاق الكريم بن إبراهيم الكريم صلى الله على نبينا وعليهم وسلم وتكنى المرء باسم أبيه ذائع فهلا: أبا يعقوب! وروي عن عبدالله بن عوْن ما يخالف ما سبق دون تصريح كأنه لم يلتفت إلى ما أفسد فيه الحجاج من الدين والدنيا وظلمه للناس، وإنما التفت إلى خاصة نفسه. (وما بيني وبينه)! وعبدالله شديد في الإعراض عن أهل البدع (الحلية) 3/40-41) وشيخه الحسن رحمه الله أفقه منه (الحلية 2/158-159) فقد دعا على الحجاج وكذلك عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تكرر منه ذلك كثيراً، وجمع من السلف الصالح رحمهم من الله تعالى.
2-            مسلم بن عقبة. وسبق.
3-            عُبيد الله بن زياد وقتلة الحُسين بن علي رضي الله تعالى عنهما. وفي مسائل أبي عبيد الآجري لأبي داود (63) قال: رحم الله إبراهيم بن الأشتر قتل عُبيدالله فإذا كان من قتله يترحم عليه لفعله ذلك، فهل رأيت أحداً فيه خير يترحم على عبيدالله.
4-            يزيد بن معاوية. وقد وقع في عهده استباحة المدينة وقتل الحسين بن على رضي الله تعالى عنهما وغير ذلك من أمور أنكرها أهل العلم، وتركوا ذِكْره بخيرٍ لأجلها، وتركوا الترحم عليه لها. ولولا أنه كان في جيش القسطنينية الذي ذُكِر أنه مغفور لهم؛ لما قال أحمد رحمه الله تعالى: (لا تنقص ولا تزيد) و(لا يُسبّ ولا يُحَبّ)
5-            ذو الخويصرة.
6-            ذو الثدية. هل علمت أحداً فيه خير ذكر اسمهما فترحم عليها؟ وأمثالهم كثيرة.
7-            وأهل البدع أشد وأخطر وأضر وأخفي أمراً من هؤلاء، فأين العَدْل؟ فإن ترحمتم على أهل البدع فترحموا على هؤلاء لتعرفوا مخالفتكم لخيار الناس!
رابعاً: وجوب الثناء السيء عليهم.
1-            مرَّتْ جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هذه؟ فأثنوا عليها خيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجَبَتْ (أي الجنة). ومرت أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هذه؟ فأثنوا عليها شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ (أي النار). أنتم شهداء الله في الأرض رواه البخاري ومسلم بنحوه من حديث أنس رضي الله تعالى عنه.
فهذا أصل من أصول السُنة. وسياقته واضحة على الأمر بالشهادة على الموتى وعدم كتمانها لقول الله تعالى: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه). والبدعة تغطي كل حسنة، فإنهم لما أثنوا شراً قالوا: (بئس المرء في دين الله) كما في رواية السنن الكبرى للبيهقي الأشعري (4/75) والآداب له (382)، فلم يذكروا له حسناته، ولا يخلو المرء من حسنات! فيبطل وصف أحد بسوء مطلقاً!! وهذا إرجاء عظيم!! وشهادة زور!! ولكن حسنات المبتدع سيئات؛ تَغُرُّه فيمضي في بدعته، وتَغُر غُّيره فيقتدي به! ولما أوهم اسم (مسلم) الثناء الحسن لابن عقبة الذي استباح المدينة غيَّروه, ولم يكفّروه، فاشتهر باسم (مسرف)!
تنبيه: الثناء الحسن بظاهره لا يكون أبداً على رجل سوء إلا في حال موازنته مع مثله؛ كقول الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً) (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً).
2-            ولا يوصف مبتدع بالإيمان المطلق، لأن البدعة فسق، والمبتدعة ليسوا عدولاً للشهادات، إنما أُخِذَتْ رواياتهم بشروطٍ للضرورة. فالعبرة في الثناء الحسن والسيرة هم أهل السنة والعلم؛ لا أهل البدع (الحلية 7/26و3و36).
3-            والترحم نوع ثناء حسن في نفسه، وفي نفوس من يسمعه. والثناء والدعاء أخوان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء الحمد لله) و(الحمد لله) ثناء على الله تعالى. وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فأثنوا عليه حتى تروا أنكم قد كافأتموه، فمن قال جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء) الحديث بنحوه من طرق وألفاظ. فإن أنكرت ذلك فهل تستطيع الجمع بين الترحم على المبتدع، والثناء السيء عليه؟ سوف تجدهما متنافرين: ينقص بعضهما بعضاً، ويهوِّن بعضهما من بعضٍ كأن تقول: (رحمه الله كان جهمياً)! فما أقبح ذلك، ولا سلف لك فيه، وكل ما في هذه المسألة ينفيه!
4-            وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). فقيل (شرح مسلم 2/38): (من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (مجانبة من ابتدع في سُنتِّه) فجانب المبتدعة وشروحهم! وفي الصحيحين أنه كان لرجلٍ حقٌ، فأغلظ، فهمُّوا به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوه، إن لصاحب الحق مقالاً).
وهذا دين وحق خاص، فكيف بدين الله على العباد؛ لا يكون للعبد الصالح فيه مقال على من لم يؤده؟
5-            وفي صحيح مسلم عن عَبْدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما؛ سأله رجل، فتعجل الرجلُ الإجابة، فقال له عَبْدالله: (إنك لضخم)
6-            وروى أحمد (1/230) وغيره من حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليس له جمعة) وإسناده حسن.
7-            وروى ابن أبي شيبة (2/125) وحماد بن سلمة في مصنفه (المحلّى 5/63) وفي شعب الإيمان (2738/ط الهند) من طريق علقمة عن عبدالله بن عُمر رضي الله عنهما قال لرجلٍ آخر يوم الجمعة والإمام يخطب: (أنت حمار، وصاحبك لا جمعة له). وإسناده جيد.
8-            والله عز وجل ذكر الحمار والكلب في السب. ورسول الله (ذكر الكلب في العائد في هبته. وقال: (بئس الرجل).
9-            وقال علي رضي الله تعالى عنه لرجلٍ في حديث خالفه: (إنك رجل تائه). وقال عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما لآخر في حديثٍ: (أعمى الله قلبه).
10-      وقال أبان بن عثمان رحمه تعالى لمن جهل حديثاً: (أعرابي، عراقي جافٍ).
11-      والثناء السيء يكون بالعمل؛ ليس بالقول فقط (الحلية 6/33) وله ألفاظ كثيرة فمنها:
أ‌-                    (عدو الله) قالها ابن عباس رضي الله عنهما لرجل،، وابن تيمية رحمه الله لمبتدع (11/635).
ب‌-          (أحمق) كما في (الحلية 7/20 وغيرها).
ت‌-          (منتن) كما فيها (7/ 297-298).
ث‌-          (الحمد لله) يوم موته (الحلية 6/259).
ج‌-            السخرية باسمه ولقبه مثل: اتقوا ثوراً لا ينطحكم بقرنيه (الحلية 6/93). وغيرها (الحلية 4 /228 -230و5/36-37 و6/258 -259)
والثناء السيء واجب.
أ‌-                    قال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: (إنما الفاسق بمنزلة السبع، فإذا كلمت فيه فخليت سبيله، فقد خليت سبعاً على المسلمين) (الحلية 4/91).
ب‌-          وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى لمن مدح أبا حنيفة: (تطري رجلاً يرى السيف)؟
(السنة لعبد الله بن أحمد رحمهما الله).
ت‌-          وكيف للمرء أن يعْلم أنه قد أحسن أو أساء إلا بذلك. (الحلية 5/43)
ث‌-          حتى إن الوقوع في المبتدعة لا حرج فيه للصائم. (الحلية 5/41و41-42).
ج‌-            ومن وقع في المعصية أو ركن للدنيا لا يثنى عليه الثناء الحسن. (الحلية 7/299)
ح‌-            وقال بعضهم لمن أثنى عليه حسناً: تثنى عليَّ وأنا أبني الآجر، وأقبض الجوائز من السلطان (الحلية 7/214) فاستنكر هو أن يثنى عليه غيره ثناءً حسناً. ‍
خ‌-            وقال سفيان الثوري رحمه الله (الحلية 7/30و50): (إذا أثنى عليك كل جيرانك فاعلم أنك مداهن رجل سوء) لأنه لو كان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لما أثنوا كلهم!
وتتبع هذا يطول جداً.
12-      وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ أعف الناس قلباً ولساناً، وأغير الناس على الدين ومحارمه أن تنتهك ولو كان مَنْ كان. والله المستعان.
13-      وكان شائعاً عند أهل السنة في كل عصر؛ الترحم على أهل السنة والإكثار من ذلك؛ فلو كان عندهم ذلك على أهل البدع، فما وجه التخصيص؟!
14-      وتجد هذه الحجة بنفسها في مسألة أخرى (الحلية 7/ 296) والأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة: (رحم الله من فعل كذا) فالترحم على فعل الخير، وتركه بترك الخير؛ أو فعل البدعة والمعصية. قال اللالكائي رحمه الله تعالى (1/28): (أذكر اساميهم في ابتداء هذا الكتاب لتعرف أساميهم وتكثر الترحم عليهم والدعاء لهم لما حفظوا علينا هذه الطريقة).
15-      وروى (34) أن أيوب رحمه الله تعالى كان يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث، فَيرى ذلك فيه، ويبلغه موت الرجل يُذكر بعبادة فما يُرى ذلك فيه.
16-      وروى (56) أنه لما نُعي الدراوَرْدي لسفيان رحمهما اله تعالى جزع سفيان، فقيل له، فقال: إنه من أهل السنة.
17-      وفي كتاب الشريعة (ص82) من مسائل الفَضْل بن زياد قال: سألت أبا عبدالله (أحمد بن حنبل) عن عباس النَرْسي فقلت: كان صاحبَ سنة؟ فقال: رحمه الله تعالى. قلت: بلغني عنه قال: ما قولي: القرآن غير مخلوق إلا كقولي: لا إله إلا الله. فضحك أبو عبدالله، وسُرَّ بذلك. ونحوه عن غيره في تاريخ جرجان (255)، وعن أحمد في أبي مُسْهر، وعن ابن عباس في ابن عُمر رضي الله عنهم.
18-      وهذا كثير جداً في الترحم والدعاء بسبب السنة، ومنه: (مسائل أبي داود ص 267، واللالكائي 428، والأسماء والصفات 550و.....)
قلت: رحمهم الله جميعا ًوهذا كالشمس في أن الترحم علامة لأهل السنة؛ لا لأهل البدعة.
19-      وفي بحر الدم (11/ أحمد بن عمرو أبو الطاهر): قال إسحاق بن إبراهيم: قيل لأبي عبدالله: فأحمد ابن عَمْرو عندك إمام؟ قال: نعم، رحم الله أحمد، ما علمتُ إلا خيراً، هو عندي إمام. وفي مسائله (2/233) عنه: رحم الله يحيى، هو عندي إمام. قلت: رحمهم الله جميعاً، وهذا كالقمر المنير في الليل البهيم في الترحم، والإمامة لأهل السنة وحدهم.
20-      وفي الجرح والتعديل (2/ 173 - 174/ إسماعيل بن سعيد الكسائي): قال أحمد: رحم الله أبا إسحاق، كان من الإسلام بمكان، كان من أهل العلم والفضل. قلت: رحمهم الله جميعاً، فأين مكان المبتدع من الإسلام والعلم والفَضْل حتى تترحم عليه، ولا علم ولا فضل إلا باتباع السنة!؟
21-      وفي الإبانة (129-130/ق) من مسائل الفضل بن زياد ثنا أحمد ثنا معاذ - فذكر أثراً في ذم القدرية وإمامهم عَمْرو بن عُبَيْد لعنه الله - قال أحمد: رحم الله معاذاً، أملاه علينا بالبصرة على رءوس الناس.
قلت: رحمهم الله جميعاً، فهذأ أحمد يترحم على معاذ لجهره بالسنة، ولجهره بسب أئمة الضلال، فالله المستعان على من يعظمون المبتدعة بالإمامة والشهادة، ويجتهدون جهدهم في سب أهل السنة ولنا عند الله تعالى موعد، وفي الدنيا من الله نصرة، وإنه لقوي عزيز.
22-      وفي طبقات الحنابلة (1/61-26و426) عن المرُّوذي: قال أحمد: رحم الله يزيد بن زُرَيْع: مات أبوه، وخلَّف له أربعين بَدْرة، فلم يأخذ منها شيئاً، وتورع عنها.
قلت: رحمهم الله جميعاً، ويزيد من أتباع التابعين قال أحمد: (ريحانة البصرة، كان يأخذ الحديث بنّية)، وقال أبو حاتم: (إمام)، وفي الثقات (7/632): (كان أبوه والياً) فلذلك تورع عن ميراثه، وهو معروف بالسنة.
23-      وقال المروذي: ذكرت لأبي عبدالله ميمونة بنت الأقرع، فقلت له - فذكر قصة من الورع - قال: فترحم أبو عبدالله عليها. قلت: رحمهم الله جميعاً، ولا يعرف لميمونة بدعة.
24-      وعند اللالكائي (1043) رؤيا محدث البصرة محمد بن يزيد الأسفاطي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فذكرتُ له حديث القدر. فقال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو حدثتُ به؛ رحم الله عبدالله بن مسعود حيث حدَّث به ورحم الله زيد بن وهب حيث حدث به ورحم الله الأعمش حيث حدث به، ورحم الله من حدث به قبل الأعمش ورحم الله من حدث به بعد الأعمش.
قلت: هذا بشرطه، وهو يحدث به مؤمناً به داعياً إليه غير ناقضٍ له بإرجاء ولا خروج ولا بدعة. وقد سبق لعن أحمد رحمه الله تعالى لمن حدث بحديث مكذوب في القدر. ولعن ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتابه: (مختلف الحديث) للعلاف المعتزلي وأمثاله ممن كذبوا بحديث ابن مسعود هذا رضي الله تعالى عنه.
25-      وفي الإبانة (291) من طريق أبي داود ثنا الحسن بن علي ثنا عفان ابن عليَّة قال: كان (عبد الله) بن عوْن يقول لنا: رحم الله رجلاً لزم هذا الأثر ورضي به، وإن استشعله واستبطأه. قلت: إسناده صحيح، ورحم الله ابن عون فإنه كان إماماً في السنة من السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وليس بهذه الصفة في كل أمورهم إلا أهل السنة، فلو ترحمت على غيرهم، فما فضلهم؟!
26-      ومن ذلك: جاء إلى حماد بن زيد نعي مالك رحمهما الله، فقال: (رحم الله أبا عبدالله كان من الدين بمكان)، ولما جاءه نعي أبي حنيفة قال: (الحمد لله)! (الحلية 6/321و259 وغيرها) وقد فعل ذلك كثير غيره،
27-      وروى الخطيب (3/130-131) من طرق أبي عُبيد الآجري في مسائله (-) قال: ما سمعت أبا داود (صاحب السنن) ذكر أبا عَوْن قطّ إلا استغفر له ودعا وأثنى. رحمهم الله تعالى. وكان أحمد يدعو كل يوم لخمسةٍ في السَحَر منهم الشافعي رحمهم الله.
ثانياً: إطلاق لقب (الإمام) على المبتدع، وتوقيره، وتعظيمه:
مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.
1-            قال الله تعالى: (مَالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) وصح لغةً وتفسيراً أن التوفير هو التعظيم والتسويد والتفخيم والإجلال (تفسير ابن جرير 26/74-75) وعكسه التحقير والإهانة والإذلال.
2-            وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم". فمن وقّر الله تعالى؛ وقّر أمره ونهيه، ووقر أنبياءه ورسله، ووقر المطيعين له، ولم يوقر العصاة ولا المعصية.
3-            وقال صلى الله عليه وسلم: "وجُعِل الذلة والصغار على من خالف أمري". والمبتدع له من الذل والصَغار ما يناسبه.
4-            وقال صلى الله عليه وسلم: "رَغِم أنف رجلٍ أدرك رمضان ولم يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما ثم لم يغفر له ورغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي". فكيف بمن يُذكر عنده حديثه؛ فيعرض عنه للكلام، والتأويل؟!
5-            وأجمع سلفنا الصالح على حرمة توقير أهل البدع.
6-            قال سفيان بن عيينة، والفُضَيْل بن عياض، وإبراهيم بن ميسرة، رحمهم الله تعالى: "من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام". ومعناه صحيح متفق عليه بلا ريب، فإن توقير المبتدع توقير لبدعته، وهذا هدم للدين، فإن البدعة محدثة فيه؛ ناقضة لعُراه.
7-            وروى ابن وضاح (ص7) عن أسد بن موسى رحمهما الله تعالى في أهل البدع؛ قال: "فارفض مجالسهم، وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله، وأذلهم رسول الله، وأئمة الهدى بعده".
8-            وقال صابوني السُنة رحمه الله تعالى نقلاً عن أهل الحديث والسلف (175): "اتفقوا على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإقصائهم".
9-            وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى (34/198 ومصرية /499): "إذا لم تمكن إقامة الحد على مثل هذا؛ فإنه يفعل معه الممكن؛ فيهجر ويبوخ حتى يفعل المفروض، ويترك المحظور".
10-      وقال ابن عقيل في توبته: "فإني أستغفر الله وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة: المعتزلة وغيرهم، ومكاثرتهم، والترحم عليهم، والتعظيم لهم، فإن ذلك كله حرام لا يحل لمسلمٍ فعله". وكذلك كل أنواع الدعاء له حياً أو ميتاً؛ توقير.
11-      وقال البربهاري رحمه الله تعالى في شرح السنة (117) والتي استخلصها من هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى كما قال في كتابه، وبنحوه قاله كثير من أهل العلم: "إذا رأيت الرجل يذكر ابن أبى دؤاد والمريسي وثمامة أو واحداً من أشياعهم وأتباعهم فاحذره؛ فإنه صاحب بدعة .... واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير". ونحوه لابن بطة رحمه الله تعالى في الإبانة الصغرى.
12-      وقال قتيبة وبقية وغيرهما: "إنا لنمتحن الناس بأهل السنة فمن ذكرهم بخير؛ عرفنا أنه صاحب سنة، ومن طعن عليهم؛ عرفنا أنه صاحب بدعة". فكذلك نمتحنهم بأهل البدع؛ فتنبه.
13-      وقال عبدالله ابن المبارك رحمه الله تعالى: "ذكرتُ أبا حنيفة عند الأوزاعي، وذكرت علمه وفقه، فكره ذلك الأوزاعي، وظهر لي منه الغضب، وقال: تدري ما تكلمت به؟ تطري رجلاً يرى السيف على أهل الإسلام؛ فقلت: إني لستُ على رأيه ومذهبه؛ فقال: قد نصحتك، فلا تكره؛ فقلت: قد قَبِلْتُ". رواه عبدالله بن أحمد رحمهما الله تعالى في السنة (382) بسند صحيح. وتواتر عن عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى قبول هذه النصيحة، والعمل بها حتى مات.
14-      ومن مدح رجلاً من أهل البدع أو المعاصي وقع في بليتين:
أ‌-                    بلية في نفسه؛ إذ يُتهم بأنه على مثل بدعته أو معصيته، وقد قال عُمر رضي الله تعالى عنه: (من عَرَّض نفسه للتهمة فلا يلومن إلا نفسه).
ب‌-          بلية في الناس؛ إذ يروج مذهبه ويخالف السنة فيمن رأى منكراً (فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بمدحه قد زاد المنكر.
15-      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم الله عز وجل". ومن ذلك: الأستاذ الكبير، المجاهد، العالم، العلامة، الإمام، المجدد، العابد، الزاهد، النبيل، الشريف، الكريم، الشيخ، الفاضل، الورع. وكل ما أشعر مدحاً وتعظيماً وإجلالاً. ومنه التكنية لمن يُعرف بغيرها (شرح مسلم 2/83)
16-      وقد كان أحمد رحمه الله تعالى قبل المحنة لا يسمي علي بن المديني ويحيى بن معين إجلالاً لهما لمعرفتهما بالحديث وانتصارهما له، وإنما كان يكنيهما.
17-      ومنه التسمي باسمه أو التكني به. قال السِجْزي رحمه الله تعالى في رسالته (ص232): "وهاهنا بمكة من شغله الحديث ويصيح: إنه ليس بأشعري؛ ثم يقول: رأيت منهم أفاضل ومن التراب تحت رِجله أفضل من خلق". فاعتبر هذا بقول الألباني وغيره في أهل البدع: (الفاضل)!
سيقول المرجئة: نحن لا نوقره لبدعته إنما لغيرها! فنقول:
أ‌-                    فهل أقررتم أن البدعة لا يوقر صاحبها؛ بل يحقر؛ فأين تحقيركم له لبدعته؟
ب‌-          غيرها هذا الذي توقرونه بسببها؛ قد سقط بسبب بدعته، وقد قيل لأحمد: إن شاباً يقال له أبو زرعة! فأحس أنه يراد منها التحقير، فأنكر كلمة (شاب) ودعا له لنصرته السنة! رحمهما الله تعالى.
والتحقير عكس التوقير، ومن ذلك وهو هدي أهل السنة رحمهم الله تعالى، وهو متواتر المعنى:
أ‌-                    وصف الله تعالى حامل العلم الذي لا يعمل به: (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) (كمثل الكلب) فما أجدره من وصف لعلماء أهل البدع: عرفوا من السنة وكتبها ما لم يعرفه علماء من بعدهم، ومع ذلك تركوه إلى التأويل والكلام!
ب‌-          وكذلك وصف الله تعالى أهل الشهوات والبدع ممن لا ينتفعون بما وهبه الله تعالى إياهم من علم وسمع وبصر: (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).
ت‌-          وقال عبدالله بن عُمر رضي الله تعالى عنهما لرجل تكلم والإمام يخطب يوم الجمعة، أنت حمار!
ث‌-          وقد سبق ذكر دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم على العصاة، وهذا كله من العمل بقوله تعالى فيمن خالف: (واغلظ عليهم)، أما من أطاع: (فبما رحمة من الله لنت لهم). فهذا الأمر بالدفع للمار، وإقامة الحد على الزاني وغيره (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم مؤمنون بالله واليوم الأخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) هذا كله من باب العقاب بالتحقير؛ حتى إن في حد الخمر: الضرب بالنعال!
ج‌-            ومن ترك صلاة الجنازة عليه؛ قال فيه: (صلوا على صاحبكم) ولم يقل: (صاحبي) فهجر اسم الصحبة له؛ مع هجر الصلاة عليه.
ح‌-            وهذا الصديق رضي الله تعالى عنه يسب ابنه لرده حديثاً فيسبه سباً؛ ما سبه لأحدٍ، ويهجره.
خ‌-            وهذا عمر رضي الله تعالى عنه قد ضرب صبيغاً حتى أدمى رأسه، وأمر الناس بهجره، فما كلموه سنةً: مهجوراً ذليلاً، حتى إنه بعد ما تاب (لم يزل وضيعاً في قومه) كما في الرواية، وكان سيداً فيهم قبل ذلك.
د‌-              وقال الشافعي وأحمد رحمهما اله تعالى في أهل البدع: حكمهم كحكم عمر رضي الله تعالى في صبيغ.
ذ‌-                  وقال أحمد رحمه الله تعالى (السير 9/107): (لم يزل إسماعيل بن علية وضيعاً من الكلام الذي تكلم فيه إلى أن مات).
ر‌-                  والهجر أجمع عليه أهل العلم، وهو من التحقير: فلا تكلمه، ولا تسلم عليه ولا ترد سلامه، وتترك المكان الذي هو فيه، ولا تذكره بخيرٍ، وتطرده من بيتك ومجلسك.
ز‌-                  وهذه أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما تقول لمسلمٍ تغنى وطرب: أف، شيطان، أخرجوه. رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح
س‌-              وهذه فتنة ابن الأشعث: قال أبو قلابة رحمه الله تعالى: (كان مسلم بن يسار قبل أن يدخل فيها؛ بمكان).
ش‌-              وهذا عطاء رحمه الله تعالى تابعي فقيه من كبار أصحاب عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: يقول لأصحابه: هذا مَعْبَدُ الجهني، فأهينوه. رواه عبدالله بن أحمد والآجري (ص241) وابن بطة واللالكائي (1141) رحمهم الله تعالى بسند صحيح كالشمس.
ص‌-        وهذا سفيان الثوري وحماد بن زيد وغيرهما من أئمة أهل السنة من أتباع التابعين  رحمهم الله تعالى يبلغهم موت رجل مبتدع فيقولون: (الحمد لله الذي أراح المسلمين منه). لم يترحم عليه، بل حمد الله تعالى على موته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في جنازة مرت: (مستريح أو مستراح منه، فالفاجر تستريح منه البلاد والعباد) وكذلك لما مرت جنازة؛ فأثنوا عليها خيراً، وأخرى؛ فأثنوا عليها شراً: بئس المرء كان؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في الأرض).
ض‌-        وقال أحمد رحمه الله تعالى: (بِشْر بن السَريّ تكلم بمكة بشيء، فوثب عليه ابن الحارث بن عُمَيرْ، فلقد ذل بمكة حتى صار إلينا فجلس إلينا مما أصابه من الذل). رواه العقيلي (1/143) عن عبدالله بن أحمد عن أبيه رحمهم الله تعالى. وشواهد ذلك من فعل السلف الصالح، ومن بعدهم من أهل السنة، وسيرهم الصالحة يرحمهم الله تعالى؛ تملأ المجلدات.
ط‌-           وكان ابن المبارك يعظم الفضيل، وأبا بكر بن عياش، ولو كان غير تفضيل أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما؛ لم يعظمهما.
ظ‌-           وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: ليس في الأرض صاحب بدعة؛ إلا وهو يجد ذلة تغشاه. وهي في كتاب الله، أما سمعتم قوله تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا) قالوا: يا أبا محمد، هذه لأصحاب العجل خاصةً! قال: كلا، اتلوا ما بعدها: (وكذلك نجزي المفترين) فهي لكل مبتدع ومفترٍ إلى يوم القيامة. رواه ابن أبي حاتم (-) ح وأبو الشيخ (3/565/ الدر) ح وأبو نعيم (7/280) من طريق السرّاج في تاريخه (-) عن سوار بن عبدالله بن سوار عن أبيه ح والبيهقي الأشعري في الشُعب (9522) من طريق الحسن بن رشيق عن علي بن سعيد الرازي كلهم من طرق عن سفيان  به. وهو صحيح. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (187/1/ق): ذكر لي عَبْدالله ابن أحمد الدشتكي حدثني عن هذه الآية، فقال: (حتْمٌ من الله إلى يوم القيامة). ورواه ابن جرير (15151) عن المثنى عن إسحاق (بن راهوية في تفسيره) عن عبدالله بن الزبير (الحميدي وله النوادر وغيرها عن سفيان قال: (كل صاحب بدعة ذليل). فهذا كله عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى.
ع‌-            وذُكِر عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى  في الآية قال: (ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلة) ذكره صاحب الجامع في أحكام القرآن (7/292).
غ‌-            ورأى أيوب رحمه الله تعالى رجلاً من أصحاب الأهواء، فقال: (إني لأعرف الذلة في وجهه) ثم قرأ الآية، ثم قال: هذه لكل مفترٍ. رواه اللالكائي (1289) من طريق البغوي في الجعديات (1275) ثنا زياد بن أيوب نا: سعيد بن عامر عن سلاّم بن أبي مطيع فذكره. وهذا إسناد صحيح، وأيوب السختياني رحمه الله تعالى من علماء التابعين.
ف‌-          وكان أبو قلابة رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية يقول: (هي والله جزاء كل مفترٍ إلى يوم القيامة: أن يذله الله عز وجل) رواه ابن جرير (15149) عن المثنى عن عارم عن حماد ح (و15148) عن محمد بن عبدالأعلى عن محمد بن ثور, ورواه اللالكائي (288) من طريق عبدالرزاق في تفسيره (2/236) كلاهما عن مَعْمر. كلاهما حماد ومَعْمر عن أيوب به. وهذا إسناد صحيح، ورواه أيضاً عَبْد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في تفاسيرهم (3/565/الدر المنثور) وابن بطة في الإبانة (-) وغيرهم. وأبو قلابة من علماء السلف الصالح من التابعين رحمهم الله تعالى.
ق‌-            وروى ابن جرير (15150) بسنده عن قيس بن عباد وجارية بن قدامة أنهما دخلا على علي رضي الله تعالى عنه، فسألاه عن شيء، ثم خرجا فقالا في الشيعة. وذكر الآية: (إن القوم قد افتروا فرية، ولا أرى إلا ستنزل بهم ذلة). وهذه الذلة أيضاً في كل عاصٍ كما سترى، ومن ذلك: قول الله تعالى: (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلما).
ك‌-            وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (لا خير في القارئ يعظم أهل الدنيا).
ل‌-                وفي الحلية (8/31-32) من طريق ابن أبي الدنيا (التوبة /55) عن أبي حاتم الرازي (له الزهد) بسنده عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله، وكان عامة دعائه: (اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك). وعنده (195) ح وفي الحلية (3/31) عن الطبراني (له تصانيف) بسند صحيح عن سليمان التيمي؛ قال: (إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته). ومما يذكر من شعر عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى: رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وذُكِر في الحكمة: من المروءة اعتزال الريبة،، فإذا كان مريباً كان ذليلاً. (الحلية 3/21-22)
وفيها (4/54و62) عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى: (طاعة الله تشرف من أكرمها، وتهين من أضاعها).
م‌-                  وفي المحن (ط2 ص417) قال الحجاج لفضيل بن غزوان: ألم أستعملك؟ قال: بل استعبدتني!، قال: ألم أكرمك!؟ قال: بل أهنتني!
ن‌-                 وفي الحلية (7/356) عن داود الطائي رحمه الله: (ذل المعصية، وعز التقوى).
18-      من وقر المبتدع جزاه الله من جنس عمله؛ فأذله بذلك المبتدع نفسه. وقال الله تعالى: (ومن يهن الله فماله من مكرم أليس الله بعزيز ذي انتقام) فالمبتدع أهانه الله تعالى بالبدعة، فكيف تكرم من أهانه الله، فانتظر الثالثة: انتقام الله تعالى منك؟! (ومن يهن الله) (فماله من مكرم) (أليس الله بعزيز ذي انتقام) بلى والله، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (إنهم وإن هملجت بهم البرراذين إن ذل المعصية لفى رقابهم، أبى الله إلا أن يُذلَّ من عصاه).



يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة