موقف ربيع
المدخلي من عباد القبور
قال: "الأشاعرة،
والصوفية، وعباد القبور، وغيرهم ممن ينتسبون إلى السنة؛ هؤلاء ليسوا
من أهل السنة؛ بل هم من أهل البدع"اهـ (الفتاوى
1/169)
فالمدخلي هنا؛
يرد على التكفيريين الذين يكفرون (عباد القبور)؛ مع أن تكفيرهم تحصيل حاصل.
لأنهم ليسوا
مسلمين، وهذا واضح من التسمية التي سماهم بها (عباد القبور).
فليت شعري؛ كيف يسميهم المدخلي مسلمين، ويمتنع
من تكفيرهم؛ بل وتسميتهم مشركين؛ إلا بعد قيام الحجة؟
وعلى أي مذهب
أفتى بذلك؟
لا شك أنه
مذهب الإرجاء الذي أشربه قلب المدخلي؛ حتى صار زعيماً للمرجئة المعاصرين.
ولأنه مخذول
أينما ذهب وراح؛ مرجئ مهما جعجع وصاح؛ لم يقل - مثلاً - : ]الأشاعرة
والصوفية والقبورية[؛ بل قال: (عباد القبور).
وليس أصرح من
هذا في تكفيرهم، ومع هذا فلا يكفرهم!
قال إسحاق بن
عبدالرحمن: "فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعى العلم والدين، وممن هو بزعمه
مؤتم بالشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ أن من أشرك بالله، وعبد الأوثان؛ لا يطلق عليه
الكفر والشرك بعينه، وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك؛ سمع من بعض الإخوان؛ أنه أطلق
الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم، واستغاث به؛ فقال له الرجل: لا
تطلق عليه حتى تُعَرِّفه .. إلى أن قال: وقد استوحشوا، واستُوحِشَ منهم بما أظهروه
من الشبهة، وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين، وعند التحقيق لا
يُكفرون المشرك إلا بالعموم، وفيما بينهم يتورعون عن ذلك؛ ثم دبت بدعتهم وشبهتهم؛
حتى راجت على من هو من خواص الإخوان، وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول، وعدم
الاعتناء بها، وعدم الخوف من الزيغ .. إلى أن قال: وذلك أن بعض من أشرنا إليه؛ قال:
نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها، ومن فيها: فعلك هذا شرك، وليس هو بمشرك.
فانظر ترى، واحمد ربك، واسأله العافية"اهـ (فتاوى الأئمة النجدية 3/116)
وفي الدرر (9/291): "من لم يكفر المشركين من الدولة التركية، وعباد
القبور؛ كأهل مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدل
سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالبدع؛ فهو كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم،
ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين؛ فإن الذي لا يكفر المشركين، غير مصدق بالقرآن؛
فإن القرآن قد كفر المشركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم"اهـ
فإن قيل: لعله
يقصد بالبدعة هنا؛ البدعة المكفرة.
قلنا: هذا لا
يستقيم مع أصول المدخلي؛ بدلالة ما يلي:
أولاً: كلامه
السابق؛ فإنه قرنهم بالأشاعرة، والصوفية، وأردف بقوله: (وغيرهم ممن ينتسبون إلى
السنة).
ثانياً: أن
مذهبه المعروف؛ أنه لا يكفر عباد القبور إلا بعد قيام الحجة، وهذا متواتر عنه؛ بل إنه
يبدع من يكفرهم.
ثالثاً: أن
مذهبه عدم حمل المجمل على المفصل؛ هذا إن كان في كلامه إجمال أصلاً، وإلا فهو في
غاية التفصيل.
وعلى فرض أنه
مجمل؛ فليس عند المدخلي تفصيل؛ بل كلامه واضح وصريح في أنه لا يكفر من ذبح لغير الله، أو دعا غير الله، أو صلى لغير الله؛ إلا بعد قيام الحجة.
قال: "من وقع
في بدعة؛ إن كانت ظاهرة واضحة؛ كالقول بخلق القرآن، أو دعاء غير الله، أو الذبح لغير
الله، أو شيء من هذه الأمور الواضحة؛ فهذا يبدع بالبدعة الواحدة"اهـ
(الفتاوى 1/158)
وقال: "{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ}؛ إن صلاتي لله, ونسكي لله، ومحياي، ومماتي؛ كل هذه الأمور لله عز
وجل؛ لا شريك له في شيء, وبيده الحياة, وبيده الموت, وله الصلاة, وله الذبح وحده
سبحانه وتعالى, ولا شريك له في شيء من ذلك, ومن صرف شيئاً من هذه لغير الله وقع في
الشرك؛ فمن كان وقع فيها، وهو يعلم؛ فهو كافر, وقامت عليه الحجة, ومن كان جاهلاً تقام
عليه الحجة؛ فإن عاند يكفر، ويخرج من دائرة الإسلام .. إن كان عالماً بذلك؛ وجب
عليك أن تخرجه من الإسلام, وإن كان جاهلاً؛ فأنت تخرجه من دائرة الإسلام بعد إقامة
الحجة عليه"اهـ (عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للبربهاري 1/290)
وقال: "في
مناقشاتي له؛ قلت له: يعني قوم كفار في جزيرة من الجزر؛ في إحدى جزر بريطانيا، أو
جزر المحيط الهادي، أو غيرها؛ ما أتاهم أحد من السلفيين، وجاءهم جماعة التبليغ
وعلموهم، وقالوا: هذا الإسلام؛ فيه خرافات؛ فيه بدع؛ فيه حلول؛ فيه ضلالات، وفيه،
وفيه
.. قالوا
لهم: هذا الإسلام؛ فقبلوه، وتقربوا إلى الله، ويعبدون الله على هذا الدين الذي
يسمى الإسلام؛ تكفرهم أنت، أو تبين لهم، وتقيم عليهم الحجة؟ قال: هم كفار، ولا يشترط
إقامة الحجة. قلت له: اذهب إلى الجزائر؛ فأنت أشد من هؤلاء الثوار الآن؛ أنت أشد
تكفيراً منهم؛ اذهب عندهم؛ ليس لك مجال في البلاد هذه"اهـ (الفتاوى 14/309-310)