بين الحداد والجامي - 2 -

بين الحداد والجامي - 2 -
قال الحداد:
وقع في يدي شريط كُتب عليه (القول المستجاد في مجاوزات الحداد) من عمل تسجيلات بالمدينة تسمى يزعمها تسجيلات طيبة، ونحوه شريط قريب منه لم يسم مجمع من عمل تسجيلات تسمى بزعمها تسجيلات الإبانة بجدة فهل هي إبانة الأشعري لا إبانة ابن بطة رحمه الله؟!، وكلا الشريطين مأخوذ من درسين للمحاضر محمد أمان بن علي الجامي رئيس قسم العقيدة بالجامعة بالمدينة سابقاً من خلال شرحه الواسطية في يومين متتاليين بجدة سنة 1414 يومي واحد وعشرين واثنين وعشرين من الشهر الرابع ربيع الآخر سنة 1414 فوجدت فيهما أشياء من الخطأ فيَّ، وهذا تركته عند الله عز وجل؛ لم أعف عنه، ولكن تركته لله عز وجل؛ يوم أقف أنا وإياه بين يدي الله جلّ وعلا، وهو أحكم الحاكمين، وهو الجبار جبار السموات والأرضين؛ لأسأله جلّ وعلا أن يأخذ بحقي فيما ناله الرجل من عرضي؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال جلّ وعلا (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم).
فإذا كان الأمر قد اقتصر على النيل من عرضي؛ فهذا إلى يوم القيامة، ولكن قد تعدى إلى ما هو فوق ذلك من أمر الدين؛ كما سترى في الكلمات الآتية، والخطأ في الدين أو في عرض بعض الناس قد ينتج من سوء الفهم؛ كما قيل:
وكم من عائبِ قولاً صحيحاً   آفتُه من الفهم السليم
وقد يكون من سوء النية؛ فتقول بتعديل ذلك البيت السابق (وآفته من القلب السقيم).
وقد يكون من صحبة السوء وعدم التثبت، وقد يكون من الغضب الذي يخرج الإنسان عن حد عقله، وقد يكون .. وقد يكون.
ولا يهمنا من أين نتج هذا الخطأ، لأن هذا معروف؛ إذا عرفت من المخطئ، ولكن الذي يهمنا أنه خطأ في الدين، وأنه ينبغي تصحيحه، وينبغي للمحاضر أن يرجع عما قال جهاراً؛ كما قد قال ما قال جهاراً؛ فإن هذا الدين؛ هو دين الله عز وجل، ولا يملك أحد أن يغير فيه شيئاً.
والأصل المتفق عليه بيننا؛ أنه كل يأخذ منه ويُرَد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا تأخذ إلا بدليل شرعي وليس بدليل منطقي؛ فإن العقيدة عندنا (حدثنا وسمعت) لا الكلام والمنطق؛ فلا نأخذ إلا بدليل شرعي، ولا نرد إلا بدليل شرعي، ونبين خطأ المخطئ بكلام من هو أعلى وأولى منه، وليست السُنَّة بالسن ولا المنصب! بل مخالفة السُنَّة مع كبر السُنَّة يجعل الصغيرة من المخالفات كبيرة؛ فكيف بالكبيرة: تصير كبائر! والحمد لله على السنة.
ولي قصة سابقة مع المحاضر؛ هل لها مدخل في هذا الذي فاه به في حقي أوْ لا، لكن نذكرها:
أتاني (اثنان من تلاميذه) تركا حلقته، وجاءاني ليدرسا عليَّ؛ فرددتهما مراراً كما رددت غيرهما، لأني لست بشيخ فاذهبوا إلى المشايخ، فأصرَّا ولم أستطع ردَّ الحاحهما لأني لا أحب الإلحاح؛ فلما وجد المحاضر فقدهما من حلقته، وبلغه أنهما يأتيان إليَّ صار في نفسه ما صار، ولم ينفع عنده أنهما قالا: (إن الرجل لم يأمرنا أن نترك حلقتك).
ثم جاءه رجل آخر صحبني في سفر؛ ففهم مني كلاماً على فهمه هو، وفهمه على قدره؛ فنقل ذلك الكلام وأشاعه أني أنهى الناس عن حضور حلقات المشايخ في المسجد، وهذا كذب صراح وقاح؛ فما نهيتُ، وكذلك ما أمرتُ.
وهذا الرجل أساء الفهم، ولا أقول أساء النية؛ فأساء الفهم؛ ذلك أنه كان كلامي معه حول أمر يخصني في نفسي، وهو أني طلبت العلم من الكتب، وهذه حقيقة، ولم أطلبه على شيخ، لأننا كنا ونحن صغار نطلب العلم؛ لا نكاد نجد شيخاً صالحاً، وإنما حولنا مشايخ القبورية والصوفية؛ فعصمني الله عز وجل بفضله ورحمته، ونسأله جلّ وعلا أن يُتِمَّ ذلك حتى نموت؛ عصمني من أن أدرس على هؤلاء الناس؛ فأتلوث كما تلوث غيري، ولا أن أخالط الإخوان وغيرهم؛ كما خالطهم غيري فتلوث؛ فهل في هذا منقصة لي؟‍!
ثم إن طلب المحاضر مقابلتي فاتفقنا على موعد، ثم لما جئت للموعد؛ إذا به يرجئه إلى أجلٍ غير مسمى، وقد أرجأته أنا إلى يوم القيامة؛ حتى نقف أنا وإياه ومن أجابه فيَّ في ذلك الطعن؛ بين يدي الله عز وجل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والمحاضر في محاضرته ذكر مسائل؛ منها:
المسألة الأولى: مسألة التكفير:
فنسبني زوراً إلى جماعة التكفير؛ تلك الفرقة الضالة، وقد بينت بما فيه الكفاية؛ في كتابي (أهل السُنَّة بين فتنتين وفئتين: المهدية الجهيمانية، والصلاحية السرورية) وكذلك في (القول الجلي في الرد على ربيع المدخلي) مثل هذا الطعن، ورددت عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان عمدة المحاضر - وبيننا وبينه موعد عند الله - في هذا التهمة فريتان:
1 نستمع إلى الفرية الأولى؛ يقول:
(هذا هو الذي يتخبط؛ فيقول: الفاسق الذي يرتكب كبيرة يخرج من الإسلام، ولا يدخل في الكفر، وكذلك من يبتدع أي بدعةً).
فهل سمعتَ ما قال، ينسب إليَّ أني قلت: إن الفاسق يخرج من الإسلام؛ فأين نصه عني بذلك؟!
هو يزعم أنه أخذ هذا من كتابي (يوم لا ظل إلا ظله)؛ نرجع إلى النص لنرى كيف فهم المحاضر؟ قلت في هذا الكتاب صحيفة (69): "وأجمع أهل العلم على أن المبتدع والفاسق يسلب اسم المؤمن، وليس بالكافر؛ فلا يجوز أن تصف أحدهما أنه مؤمن: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ...) الحديث في الزنا في الخمر والسرقة. وقال جل وعلا في الساخر واللامز والنابز: (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وأجمع أهل العلم على أن أقواماً من المسلمين يدخلون النار ثم يخرجون منها كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"اهـ
فهل هذا الكلام فيه إخراج الفاسق من الإسلام؟ لا أدري ما هذا؟
هنا أحد أمرين لا ثالث لهما:
1 سوء النقل عن عمد، أو عن خطأ .. فإن كان عن خطأ؛ فما أدري كيف يأتي الخطأ، والمحاضر - على قدر علمي - له عينان وأذنان؟! ولكن أين قلبه، وفهمه؟!
2 وإما أن الإسلام والإيمان عند المحاضر بمعنى واحد، وهو هكذا يصرح به في كتابه ]العقيدة الإسلامية وتاريخها[ (ص 32)؛ حيث قال: (الأصل الثالث للمعتزلة: القول بالمنزلة بين المنزلتين في مرتكب الكبيرة أي أنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، وهي منزلة وهمية لأن القسمة ثنائية: إما الكفر وإما إيمان، ولا واسطة بينهما)!
فهذا رئيس قسم العقيدة يرد الاعتزال بالإرجاء!
حينما أقول: إن الفاسق والمبتدع يسلب اسم المؤمن؛ فيجعله يسلب اسم الإسلام أيضاً؛ فهذا شيء عجيب، وسوف يأتي مزيد بيان عن الكلام على تهمة الاعتزال؛ لنبين مقدار فهم الرجل.
وسأنقل لك في هذا الرد؛ الردود عليهم من الكتب التي لا يعرفون غيرها! فهي أعلى عمدة عندهم، أما كتب السُنَّة لعبدالله بن أحمد والخلاَّل وابن أبي عاصم واللالكائي، والآجري، وغيرها؛ فكثير منهم لم يرها! ولا يحب أن يراها! والله المستعان.
في فتاوي ابن تيمية رحمه الله؛ في الجزء السابع صحيفة 380 قال:
(أما قوله يجعلونه مسلماً ومؤمناً شيئاً واحداً؛ فهذا قول من يقول: الدين والإيمان شيء واحد، فالإسلام هو الدين، فيجعلون الإسلام والإيمان شيئاً واحداً، وهذا القول؛ قول المرجئة؛ فيما يذكره كثير من الأئمة كالشافعي وأبي عبيد وغيرهما).
هذا كلام ابن تيمية، فظهر لك أن المحاضر يقول بقول المرجئة؟! فالله المستعان.
حينما أقول: (يخرج الفاسق من الإيمان إلى الإسلام كما قال الأئمة) وكما سيأتي بيانه؛ يفتري على المحاضر افتراءً؛ أني قلت: يخرج من الإسلام! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وهذا هو الخلال في السُنَّة، وابن تيمية في الجزء السابع صحيفة 446؛ يذكران عن أحمد رحمهم الله تعالى؛ أنه قيل له: (هل الناس إلا مؤمن، وكافر) فقال أحمد رحمه الله: (هذا قول الإرجاء، هذا كلام الإرجاء).
المحاضر قرأها مؤمناً، وجعلها مسلماً؛ لأنه عنده الإيمان والإسلام شيء واحد: فإما مؤمن، وإما كافر.
وهذا كما سبق قول الإرجاء؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وهذه هي فريته الأولى؛ ثبت عليه بها الجهل، والإرجاء!
2 أما فريته الثانية في اتهامي بالتكفير؛ أو أني من جماعة التكفير؛ فاستمع إليها بنفسك:
قال المحاضر: (بلغتنا أخبار من الثقات؛ أنه كان من جماعة التكفير).
هل سمعت جيداً: (بلغتنا أخبار من الثقات).
فاعتمد هو هذه الأخبار، وشهَّر بها و(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ومن حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين).
فإن كان اعتمدها، ولا يراها كذباً لأنها أخبار الثقات، فهذا عجب:
أ نقول: هو وثقهم، ونعرف أن التوثيق والتجريح والتعديل هذا باب واسع، فهناك قومٌ يوثقون المجاهيل والكذابين والضعفاء، وهناك شهود الزور، وهناك من يتدين بالكذب لمصلحة الدعوة كما يصنعون في الانتخابات وغيرها، وهم فرقة الإخوان التي عاش فيها المحاضر عمراً حتى وصل إلى باب البيعة لأميرها؛ كما صرح مراراً بذلك في محاضراته!!
ب ولو كانوا ثقات؛ كما قال المحاضر على باب الجدل، فإن كون الإسناد رجاله ثقات؛ فهذا لا يكفي، فالمعلومات التي يعرفها طالب الحديث ابن عشرين سنة؛ أن الإسناد إذا قيل فيه: رجاله ثقات، أو رجال الصحيح، و(رجال الصحيح) دون (رجاله ثقات)؛ لأنه ليس كل رجال الصحيح ثقات؛ بمعنى أنه قد يكون الرجل من رجال الصحيح، ولكنه انتقى له انتقاء، وهذا باب طويل، فإذا قيل في الإسناد: (رجاله ثقات) فلا يكفي هذا لتصحيحه، فإن هذا القول لا ينفي وجود الشذوذ والعلة والانقطاع والتدليس.
ولو فرضنا جدلاً مرةً ثانية؛ أن الإسناد ليس فيه شذوذ ولا علة ولا انقطاع ولا تدليس؛ فهو مقابل بمثله من أخبار الثقات الكثيرة الذين عاشروني وعرفوني؛ تنفي هذا الأمر.
على أني أقول: إن إسناد هؤلاء الثقات؛ موضوع ومتنه موضوع، بل والله ما هم بثقات، فكيف يكون ثقة من يتدين بالكذب والنفاق؟
ويشهد الله عز وجل؛ ثم عباده الصالحون، ومن خالطني على صغر؛ أني لم أنتسب إلى هذه الفرقة الضالة ولا إلى غيرها من الفرق الضالة ولا ساعة بل ولا دقيقة ولا ثانية من حياتي، وأني كنت من أشد الناس، وما زلت؛ على هذه الفرقة الضالة، وعلى كل من ينتمي إليها، وعلى كل مبتدع: مرجئ أو خارجي أو غيرهما، وهذا هو سبب بلائي، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وتفصيل الدفع عن هذه التهمة؛ تجده في شريط (القضاة ثلاثة) من (القول الجلي)، وكذلك في شريط (أهل السنة بين فتنتين: الجهيمانية المهدية، والصلاحية السرورية).
وحسبي الله ونعم الوكيل؛ فيمن يضطرني إلى مثل هذا الأمر؛ فإني - يعلم الله - من أكره الناس لأن أذكر عن نفسي هذه الأمور؛ فإن الله يزكي من يشاء، ولكن قال الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم).
ويعلم الله أني في ذلك لا أدافع عن نفسي، ولكن أدافع عن شيء عظيم يريد المحاضر وغيره أن يفعلوه، إنهم لا يريدون الطعن في شخصي، وإلا فما أهون هذا الشخص، ومَنْ أنا عند الله عز وجل أو عند نفسي حتى ترصد لي الأشرطة والمقالات، ولكنهم يريدون من وراء ذلك شيئاً عظيماً؛ نتلمح بعض ملامحه في مثل شريط المحاضر وغيره، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد جرى مثل ذلك في كل عصر من عصور أهل السُنَّة؛ فأهل السُنَّة أجمعوا على تكفير الجهمية الذين يقولون بأن القرآن ليس كلام الله، ويقولون بأن الله ليس على العرش، وكفَّروا أناساً بأعيانهم من هؤلاء؛ مثل بِشْر المريسي وغيره. والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وغيره؛ كفَّر جماعات من الكافرين ولا شك، ومن القبوريين، وقد كان أعداؤه يتهمونه أنه تكفيري.
والفَرْق العظيم الذي لا يعرفه الجُهَّال المرجئة؛ بين أهل السُنَّة والخوارج؛ هو أن الخوارج يكفِّرون بالمعاصي وبغير المكفرات الشرعية، وأهل السُنَّة لا يكفِّرون إلا بالمكفرات الشرعية. والمرجئة في زماننا يتبرؤون من ذلك خشية التكفير! حتى نبت فيهم من يقول بأن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً!
فهؤلاء هربوا من الخوارج؛ فوقعوا مع المرجئة، وسوف يعودون إلى الخوارج بعد حين، فإن المرجئة قد فتحوا أبواب البدع كلها: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، وذلك الأصل الإرجائي الذي اخترعه المدعو محمد رشيد رضا للتعاون مع الروافض والصلبيين.
فهذه تهمة قديمة وشنشنة نعرفها؛ ولكن الآن ليست من أخزم؛ إنها من غير أخزم، والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وثمة قوم آخرون؛ يخلطون بين التبديع والتكفير؛ فيقولون عن الرجل الذي يبدع المبتدعة: إنه تكفيري، وهم بذلك قد أبانوا عن عوارتهم وعوار قولهم، ذلك أن الجهل هو رائدهم، وإلا فهناك فارق بين التبديع والتكفير، كما أن هناك فارقاً بين البدعة المكفرة، والبدعة المفسقة، والناس أعداء ما جهلوا، والألباني يجهل فيجهر بذلك؛ أنه لا فارق، والسرورية نحو ذلك، ولذلك فهو وكثير من العوام لا يفهمون من التبديع؛ إلا التكفير، فيكفون عن التبديع؛ فيقعون في الإرجاء، ولا يكفون عن البدع؛ فيقعون في الضلالات البدعية!!
فقد ظهر لك مما سبق أن المحاضر:
1 من المرجئة، ولا عذر له بالجهل، ولا غيره؛ فهو (أستاذ ورئيس قسم العقيدة)!
2 يجهل موازين أهل العلم في اعتماد الأخبار والروايات.
3 يقف مع غيره لدفع السُنَّة والكيد لأهلها؛ منذ كان إخوانياً وقبورياً!
وحكمة الله تعالى أن الباغي كيده على نفسه؛ كما قال تعالى: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم)، وقال: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).
فقد ظهر لك أمر الفريتين اللتين اعتمدها؛ ليبني عليهما اتهامه إياي بالتكفير، وأنا أسوق لك حججاً دامغة على أنه أولى بهذه التهمة مني!:
حجتين من محاضرته نفسها، وحجتين من حياته، ولسانه!
1 أنقل إليكم مقالة له في المحاضرة هذه نفسها، واسألوا أهل العلم فيها:
قال: "الاستباحة شيء، وارتكاب المعصية شيء آخر؛ ارتكاب المعصية مهما كانت كبيرة من الموبقات، ارتكابها لا يكفر ويخرج الإنسان من الملة؛ لكن الاستحلال، ولو استحل صغيرة يكفر، بل لو قال: إن الخبز حرام يكفر، ولو سخر من المسواك؛ فقال: ما هذا المسواك الذي تحملون في جيوبكم في هذا الوقت والناس تستعمل فرشاة ومعجون؛ ما هذا؟ (كافر)".
هكذا كما سمعت: إطلاق أحكام الكفر بلا تروي.
وفي هذا الكلام ملاحظات، منها عدم التفريق بين الاستباحة، والاستحلال العملي، والعقدي.
وهذا شيء معروف عند أهل السُنَّة من التفريق بين الاستحلال العملي، والاستباحة العملية، والاستباحة العَقَدية؛ أو الاستحلال العَقَدي؛ هذا شيء معروف.
الاستباحة، أو الاستحلال العملي؛ هذا لا يكفر به المرء، ولكنه فاسق.
والاستحلال، أو الاستباحة العقدية؛ هذه يكفر بها المرء بشروط معروفة وموانع؛ لا تكون إرجاءً ولا خروجاً، ولكن على طريقة أهل السُنَّة والجماعة.
فهذه مسألة مهمة أغفلها المحاضر، ولم يَبّيْنها وأطلق لفظ الاستحلال؛ كأنه ليس هناك إلا استحلال عقدي فقط. وقد بينتها في (القول الجلي).
2 ضربه للمثال بالسواك: الرجل الذي ضرب به المثال؛ لم ينكر أصل سُنَّة السواك، ولكنه قال على حسب ما نقله هو: المسواك الذي تحملونه في جيوبكم في هذا الوقت؛ كأن مثل هذا ينظر إلى أن الأصل في سُنَّة السواك هو الطهارة؛ فليس السواك مراداً في ذاته؛ إنما يُراد لطهارة الفم، وتطهير الفم يقع بأي آلة، وبأي آلة وقع تطهير الفم فقد أصاب السُنَّة، وهذا نظر ليس بالجيد، فيُبيَّن للرجل السُنَّة، وأنه لا ينبغي أن يتكلم فيها بهذه الطريقة، ولكن لا يبلغ الكفر مطلقاً.
الشافعي رحمه الله لمَّا لم يستطع نتف إبطه؛ لم يقو في نفسه على نتف إبطه؛ فكان يحلقه؛ لا يقول: إن هذه هي السُنَّة، ولكنه لا يَقْوَى، هو يعلم أن المُراد هو إزالة شعر الإبط، لا شك أن السُنَّة: النتف، والنتف أطيب لشعر الإبط، واستعمال الاستحداد في هذا الأمر يزيد الشعر كثافة؛ فيصير الأذى مضاعفاً، ولكن ينبغي التفريق بين الآلة، وبين المراد. على أن السُنَّة هي استعمال السواك بذاته؛ لغرض الطهارة بذاته، ولكن لا يقال: كافر.
فالمسارعة في التكفير بهذه الطريقة؛ ماذا يتعلم منها الشباب الذين يستمعون إلى مثل هذا المحاضر؟
يتعلمون المسارعة في التكفير بدون ضوابط، وبدون نظر فيما أسميه: الفعل، والفاعل.
ما معنى الفعل، والفاعل؟ الفعل ينبغي أن يُنظر ويحدد: هل هو من الكفر المخرج من الملة، أم من غير المخرج من الملة.
ثم يُنظر في الفاعل: هل قام بحقه بعض الأعذار الشرعية - دون إرجاء ولا تكفير - أو لم يقم، إن كان جاهلاً تقام عليه حجة العلم بنفس الجهل، وإن كان مضطراً، إن كان كذا؛ كان كذا؛ من الأعذار الشرعية؛ دون إرجاء ولا تكفير.
وإلا فالذي ينكر الصلاة في النعلين الآن يصير كافراً؛ على قوله هذا، وهذا شيء عظيم، إذا كان الرجل جاهلاً يُعَلم.
الحديث الذي في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في النعلين. فكان صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين في مسجده صلى الله عليه وسلم، فيُعَلم هذا، فيأتي بعض الناس الذين لم يفهموا السُنَّة، وكانوا بعيدين عنها، فيقول: نحن لا ننكر هذا، ولكن لم يكن هناك بُسُط وفُرُش و. و... و... فمثل هذا يكفره المحاضر؟!
فيعلَّم بأن هذا لا يختلف باختلاف الأحوال، وأن ترك الصلاة في النعلين من التشبه باليهود الذين يصلون حفاة، وأن تعمد خلع النعلين للصلاة كذا وكذا ..يُعلم الحكم الشرعي، ولا يُكَّفر دون إقامة حجة عليه أو معرفة أن هذا الفعل كفر، أو غير كفر.
3 المسارعة في مثل هذه الأمور لا شك أنها من رواسب جماعة التكفير، ولا شك أنها أيضاً من رواسب الكتب التي قرأ المحاضر كثيراً منها، وهي كتب المدعو سيد قطب حتى أنه في أول المحاضرة الدفاعية عن السُنَّة المحمدية بزعمه؛ قال في أول صحيفة منها. قال: "في طريقي إلى الفندق أوقفني إعلان جذاب، وقد كُتِب بخط عريض ملون ونصه كالآتي: (دار النشاط الإسلامي تقدم مساء يوم الجمعة - قلت: مساء يوم الجمعة من لسان غير المسلمين، وإلا فإنه يقال: ليلة الجمعة عن مساء يوم الجمعة؛ يعني من بعد العصر. لكن بعد المغرب؛ يقال: ليلة السبت - تقدم مساء يوم الجمعة محاضرة للأستاذ فلان تحت عنوان (المستقبل للإسلام) وراعني الإعلان وسُررت به كثيراً: أولاً لوجود الدار المذكورة بمدينة عطبرة. وثانياً بعنوان المحاضرة، وقلت في نفسي: لعل صاحب المحاضرة قرأ لسيد قطب كتابه الفريد في بابه! (المستقبل للإسلام) وتأثر به، وأراد أن يقدم للناس مضمونه، هذا ما وقع في نفسي حين قرأت الإعلان، ثم سارعت لحضور هذه المحاضرة لأنها تلخيص لكتب سيد قطب".
فإن كنت لا تعرف؛ فاعرف:
فرقة التكفير المصرية وغير المصرية ما تخرجت إلا من كتب ابن قطب والمودودي! والمحاضر إخواني متعمق في كتب ابن قطب؛ حتى تجد ألفاظها في كلامه، بل قد وصل باعترافه إلى باب البيعة لأمير الإخوان، وهو في السعودية! فماذا تقول في هذا!؟
ومن هو التكفيري منا!؟ ومن هو الخارجي منا!؟
وهو يطبع هذه المحاضرة؛ في هذه السنة (1414)؛ فلا يغير فيها حرفاً!
وأين صاحبه المدخلي، وهو مثله في الإخوانية العريقة والفتنة؛ بكتب هؤلاء إلى ما قبل سنة؛ باعترافه مراراً!؟
4 اعتراف المحاضر بأنه كان في إفريقية ممن يكفّرون (الوهابية) بزعمهم!؟
المسألة الثانية: مسألة الاعتزال:
قال المحاضر: (لكنه لجهله تورط مع المعتزلة فصار مبتدعاً معتزلياً، ودعوى إن هذا إجماع أهل العلم. هكذا زعم في الكتاب: أجمع أهل العلم على أن الفاسق والمبتدع؛ ليس بمؤمن يسلب الإيمان وليس بكافر؛ زعم بأن هذا محل إجماع أهل العلم؛ الجواب: هذه عقيدة المعتزلة؛ فهي ضلالة بإجماع أهل العلم، إجماع أهل العلم على ضلالتها لا عليها).
فهذا الذي قاله، وقد بتر النص الذي في كتاب الظل؛ بتره بتراً عجيباً.
نرجع فنقول: إما من سوء النقل؛ عمداً؛ أو خطأ، أو من شيء آخر .. نرجع إلى النص المذكور في الصحيفة (64) قلت: (من الأعمال التي توجب الظل: الإيمان).
ثم صحيفة (68) قلت: (هذا يدل بظاهره على مطلق الإيمان؛ بدليل مقابلته في حديث سلمان رضي الله عنه بالكافرين).
ثم جاء الكلام في صحيفة (69)؛ فقلت: (وأجمع أهل العلم على أن المبتدع والفاسق يسلب اسم المؤمن وليس بالكافر، فلا يجوز أن تصف أحدهما بأنه مؤمن. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ...) الحديث في الزنى والخمر والسرقة. وقد قال الله تعالى في الساخر واللامز والنابز (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وأجمع أهل العلم على أن أقواماً من المسلمين يدخلون النار ثم يخرجون منها، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا أظن أن قوماُ أكرمهم الله تعالى بمنابر من نور وكفاهم شدة الحساب يدخلون النار، وقد كفاهم جل وعلا؛ ما هو أقل منها. لهذا وغيره فالإيمان هاهنا وصف الكمال؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان).
سمعت النص كاملاً؟ هل هذا فيه اعتزال؟
أما قوله: ليس بمؤمن. ما قلت: ليس بمؤمن. إنما قلت: يسلب اسم المؤمن، على أنه (ليس بمؤمن)؛ هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن والله لا يؤمن ..) وغيره من الأحاديث.
1 فظهر لك أن الكلام صريح في عدم الإخراج من الملة، وأن مثل هؤلاء من المسلمين يدخلون النار؛ ثم يخرجون منها إلى الجنة إن شاء الله تعالى، فأي تكفير واعتزالية في هذا!؟
بلى والله إن التكفير والاعتزالية؛ إنما هي عند المحاضر الذي يوهم بكلامه؛ أنه لا يدخل المسلم النار بذنوبه!
2 ومن يفهم بقلب سليم، واعتقاد قويم؛ يفهم أن نصوص الشرع، وأقوال أهل السُنَّة؛ مجتمعة، فلا يفهم من بعضها ما يناقض الآخر؛ فهل يفهم أحد من أهل السُنَّة من قوله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)؛ (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) (لو أن رجلين دخلا في الإسلام اهتجرا كان أحدهما خارجاً من الإسلام حتى يرجع) يعني الظالم. هل يفهم منها التكفير؛ حتى في قوله: (خارجاً من الإسلام) وقوله: (يمرقون من الدين)! إنما يفهم منها: كفر دون كفر، وخروج دون خروج، ومروق دون مروق، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم، وهكذا.
هذا، والنص صريح (خارجاً من الإسلام) وإنما فهمه على خروج دون خروج؛ لما استقر في اعتقاد أهل السُنَّة من النصوص الأخرى.
فكذلك حينما ترى مثلي يقول: (يخرج من الإيمان) حتى لو كان الإيمان بمعنى الإسلام في السياق، فالسياق لا يدل على خروج الردة؛ بل على عكسه، بل وكتابي هذا وكل كتبي ملأى بالرد على الخوارج!
إن مثل هذا المحاضر ممن لا يفهم نصوص الشرع وأهله؛ يجر نفسه ومن يتبعه إلى ضلال عظيم.
3 المحاضر في كتيبه (تاريخ العقيدة) وفيه طوام؛ يقول في المنزلة بين المنزلتين: (مؤمن أو كافر ولا وسط بينهما).
وهذا بعينه كلام المرجئة كما سترى! وهو بعينه كلام الألباني في شريطه (البدعة والمبتدعة)! تشابهت قلوبهم.
4 أتعرف أن الإسلام غير الإيمان؛ أم لا تعرف؟
إن كنت لا تعرف؛ فهذه مصيبة؛ أي والله مصيبة؛ مصيبتك أنت والألباني الذي يسخر في أواخر أشرطته من مسألة: يخرج من الإيمان إلى الإسلام!
وإن كنت تعرف؛ فأذكرك وأقول: إن أهل السُنَّة يفرقون بين اسم الإسلام، واسم الإيمان.
أ ففي السُنَّة للخلاَّل (صحيفة 602) في أبواب الإيمان التفريق بين الإسلام والإيمان في ذلك من كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال أصحابه رضي الله عنهم، والتابعين رحمهم الله تعالى، وذكر نصوص عن أحمد أنه سُئل عن الإيمان والإسلام؛ فقال: [الإيمان غير الإسلام] وبسند جيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين: (كانا يقولان مسلم، ويهابان مؤمن) وغير ذلك عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة ومالك وغيرهم من أئمة أهل العلم.
المقصد هاهنا أن في (صحيفة 607) سُئل أحمد رحمه الله برواية حنبل قال: سمعت أبا عبدالله، وسُئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ..) قال رحمه الله:  يخرج من الإيمان إلى الإسلام، فالإيمان مقصور في الإسلام، فإذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام، وقال الزهري في حديث عامر بن سعد (قال الرجل: يا رسول الله إنه مؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو مسلم) قال الزهري رحمه الله: (فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل).
فهذا الذي أقوله، ويقوله أهل العلم.
ثم روي في صحيفة 608 بسند صحيح عن محمد بن علي بن الحسين؛ قال: (هذا الإسلام) ودوَّر دوارة في وسطها أخرى، وقال: (وهذا الإيمان الذي في وسطها مقصور في الإسلام) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن). قال محمد بن علي بن الحسين: يخرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرج من الإسلام البتة، فإن تاب؛ تاب الله عليه ورجع إليه الإيمان) هذا في السُنَّة للخلاَّل.
نذهب إلى كتاب آخر من كتب العلم (كتاب السُنَّة) لعبدالله بن أحمد رحمهما الله؛ فيه برقم 752 وما بعدها عن الزهري (نرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل) وبسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (الإيمان نَزِهٌ، فمن زنا فارقه الإيمان، فإن لام نفسه وراجع راجعه الإيمان) وأيضاً عنه رضي الله عنه بإسناد جيد موقوف: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) قال عطاء بن أبي رباح: (يتنحى عنه الإيمان).
والأحاديث في ذلك كثيرة صحاح؛ أنه إذا زنا يرتفع الإيمان عنه؛ فيصير مثل الظُلَّة؛ إذا زنا يكون الإيمان مثل القميص؛ فإذا زنا فكأنه خلعه، ثم ذكر في رقم 757؛ قول محمد بن علي بن الحسين وغير ذلك من النصوص.
وكذلك قولهم: إنه يستثني في الإيمان؛ فيقول: أرجو، وإن شاء الله، وأجمعوا على أنه يستثني ولا يجزم، ولا يقول: مؤمن، هذا كله يدل على أن هناك اسم اسمه: الإيمان، وهناك: الإسلام، فالإسلام لا يستثنى فيه، والإيمان يستثنى فيه لأسباب كثيرة ليس هذا محل بيانها.
نأتي إلى نصوص صريحة وكثيرة، فمن ذلك مثلاً، واعذروني في التطويل، لأن المسألة عظيمة؛ كما قال السجزي رحمه الله في رسالته: (الحذر من الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب، لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر)؛ فالله المستعان.
في مجموع فتاوي ابن تيمية رحمه الله تعالى (في كتاب الإيمان) الجزء السابع في صحيفة 240 قال: (وجواب هذا أن يقال: الذين قالوا من السلف: إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام لم يقولوا إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل هذا قول الخوارج والمعتزلة، وأهل السُنَّة الذين قالوا هذا؛ الذين قالوا إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام؛ يقولون: الفساق يخرجون من النار بالشفاعة).
هذا نفس كلامي؛ ذكرت أنه يسلب عنه اسم الإيمان؛ ذكرت الأحاديث؛ ثم قلت: هناك طائفة من المسلمين يدخلون النار ثم يخرجون منها، وأن الإيمان المراد ذكره هنا؛ فإنما هو استكمال الإيمان.
يقول في الصحيفة نفسها: (يقول أهل السُنَّة الذين قالوا هذا؛ يقولون الفساق يخرجون من النار بالشفاعة، وإن معهم إيمان يخرجون به من النار؛ لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان؛ لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة، وهؤلاء ليسوا من أهله وهم يدخلون في الخطاب بالإيمان؛ لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان ولم يستكمله) ثم ذكر كلاماً كثيراً.
في صحيفة 241؛ قال: (وحقيقة أن من لم يكن من المؤمنين حقاً؛ يقال فيه: إنه مسلم ومعه إيمان يمنعه الخلود في النار، وهذا متفق عليه بين أهل السُنَّة) هذا بمعنى الإجماع الذي حكيته.
ثم قال: (لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان؟ هذا الذي تنازعوا فيه، فقيل: يُقال: مسلم، ولا يقال مؤمن، وقيل بل يقال: مؤمن، والتحقيق أن يقال: إنه كذا مؤمن ناقص الإيمان مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولا يعطي اسم الإيمان المطلق؛ فإن الكتاب والسُنَّة نفيا عنه الاسم المطلق).
نحن متبعون، والله المستعان.
وأما: مؤمن بإيمانه؛ فاسق بكبيرته؛ فهذه يأتي بيانها.
قال: (فإن الكتاب والسُنَّة نفيا عنه الاسم المطلق، واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه هو لازم كما يلزمه غيره، وإنما الكلام في اسم المدح المطلق).
صحيفة 242: (أما الخوارج والمعتزلة فيخرجونه من اسم الإيمان، والإسلام).
أنا قلت: يخرج من الإيمان، ما قلت يخرج من الإسلام، وأما الخوارج والمعتزلة فيخرجونه من اسم الإيمان والإسلام؛ فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد، والمحاضر يذكر في كتابه تاريخ العقيدة أن الإيمان والإسلام واحد، فإذا خرجوا عنده من الإيمان خرجوا من الإسلام؛ لكن الخوارج تقول: هم كفار، والمعتزلة تقول: لا هم مسلمون، ولا هم كفار، أنا قلت: ليسوا من المؤمنين؛ ما قلت: ليسوا من المسلمين. والمعتزلة تقول: لا مسلمون، ولا كفار؛ يُنزلونهم منزلة بين المنزلتين.
صحيفة 248 (ثم نهاهم، وقال (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) وقد قيل: معناه لا يسمى فاسقاً، ولا كافراً بعد إيمانه) هذا كلام ابن تيمية.
قلت: وهذا ضعيف، بل المراد: بئس الاسم أن تكونوا فساقاً بعد إيمانكم؛ كما قال تعالى في الذي كذب: (إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فسماه فاسقاً، ولكن سماه فاسقاً؛ لأن الفسق نوعان: فسق مخرج من الملة، وفسق غير مخرج من الملة.
نتابع الكلام نقلاً عن ابن تيمية؛ قال:
(في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) يقول: فإذا سببتم المسلم وسخرتم منه ونبزتموه استحققتم أن تسموا فساقاً، وقد قال في آية القذف (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) يقول: فإذا أتيتم بهذه الأمور التي تستحقون بها أن تسموا فساقاً؛ كنتم قد استحققتم اسم الفسوق بعد الإيمان).
حسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة 251 يقول: (وقد يحتج على ذلك بقوله (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) كما قال صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)؛ فظن من استبدال اسم الفسوق يعنى لا يجمع؛ لا يقال: مؤمن فاسق فدل على أن الفاسق لا يسمى مؤمناً؛ فدل ذلك على أن هؤلاء الأعراب من جنس أهل الكبائر لا من جنس المنافقين).
صحيفة 357 قال بعد أن ذكر بين الإيمان والإسلام: (قلت فأحمد بن حنبل لم يُرِدْ أنه سُلِب جميع الإيمان فلم يبق معه شيء كما تقول الخوارج والمعتزلة).
قلت: يعني إذا كنت تتهمني بهذا؛ فاتهم به أحمد رحمه الله؛ لأنه يقول القول نفسه.
قال: (فأحمد بن حنبل لم يُرِدْ أنه سُلِب جميع الإيمان فلم يبق منه معه شيء كما تقوله الخوارج والمعتزلة، فإنه قد صرح في غير موضع بأن أهل الكبائر معهم إيمان يخرجون به من النار، واحتج لقوله بقول النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة السُنَّة؛ إنه ليس معه أي شيء من الإيمان، بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين - يعني النفاق الأكبر - معهم شيء من الإيمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين؛ لكن إذا كان معه بعض الإيمان لم يلزم أن يدخل في الاسم المطلق الممدوح. وصاحب الشرع يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفى الاسم عن هؤلاء؛ فقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وقال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه) وقال: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) وأقسم على ذلك مرات، وقال: (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) والمعتزلة ينفون عنه اسم الإيمان بالكلية، واسم الإسلام أيضاً، ويقولون: ليس معه شيء من الإيمان والإسلام، ويقولون: ننزله منزلة بين المنزلتين، وهذا هو الذي أنكر عليهم) يعني من جملة ما أُنْكِر عليهم؛ لا أنه المنكر الوحيد عندهم.
دخلنا في صحيفة 258: (وإلا لو نفوا مطلق الاسم - وانتبهوا لهذا الكلام - وأثبتوا معه شيئاً من الإيمان يخرج به من النار لم يكونوا مبتدعة - يعني في هذه المسألة - وكل أهل السُنَّة متفقون على أنه سلب كمال الإيمان الواجب؛ فزال بعض إيمانه الواجب؛ لكنه من أهل الوعيد، وإنما ينازع في ذلك من يقول: الإيمان لا يتبعض؛ من الجهمية والمرجئة؛ فيقولون: إنه كامل الإيمان؛ فالذي ينفي إطلاق الاسم؛ يقول: الاسم المطلق مقرون بالمدح واستحقاق الثواب؛ كقولنا: متق وبر وعلى الصراط المستقيم؛ فإذا كان الفاسق لا تطلق عليه هذه الأسماء فكذلك اسم الإيمان).
حسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة 297 قال: (والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة) - قال: من أهل السُنَّة؛ ليسوا بالمعتزلة؛ يا رئيس قسم العقيدة! - (متفقون على أنه لا يخلد في النار)
قلت: هذا الذي ذكرته في الصحيفة نفسها؛ قلت: أن أهل السُنَّة متفقون على أن نص المسلمين يدخلون النار؛ ثم يخرجون منها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
(والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السُنَّة متفقون على أنه لا يخلد في النار).
حسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة 303 يقول: (والمقصود هنا أن من نفى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم اسم الإيمان أو الإسلام فلا بد أن يكون قد ترك بعض الواجبات فيه، وإن بقي بعضها، فلهذا كان الصحابة والسلف الصالح يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق).
صحيفة 318 يقول: (نقلت طائفة منهم: اختلف أصحابنا في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فقالت طائفة منهم: إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم إزالة اسم الإيمان عنه من غير أن يخرجه من الإسلام ولا يزيل عنه اسمه، وفَرَّقوا بين الإيمان والإسلام وقالوا: إذا زنى فليس بمؤمن بقوله جل وعلا (قالت الأعراب آمنا) الآية؛ فقالوا: (الإيمان خاص يثبت الاسم به بالعمل مع التوحيد، والإسلام عام يثبت الاسم بالتوحيد والخروج من ملل الكفر).
صحيفة 322 (قالوا: فلذلك لا نسميه مؤمناً، ونسميه فاسقاً زانياً وإن كان في قلبه أصل اسم الإيمان، لأن الإيمان اسم أثنى الله به على المؤمنين وزكاهم به وأوجب عليه الجنة؛ فمن ثَمَّ قلنا: مسلم، ولم نقل مؤمن).
صحيفة 350 قال: (قد بيّن تفاضل المؤمنين في موضع آخر، وأنه من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة من نفاق وأتى بالكبائر؛ فذاك من أهل الوعيد وإيمانه ينفعه الله به ويخرجه من النار ولو أنه مثقال حبة من خردل؛ لكن لا يستحق به الاسم المطلق المعلق به وعد الجنة بلا عذاب، وتمام هذا: أن الناس قد يكون فيهم من معه شعبة من الإيمان وشعبة من شعب الكفر أو النفاق ويسمى مسلماً؛ كما نص عليه أحمد ... وممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بمؤمن) إنهم يقال لهم: مسلمون لا مؤمنون، واستدلوا بالقرآن والسُنَّة على نفي اسم الإيمان؛ مع إثبات اسم الإسلام).
صحيفة 352 والتي تليها: (المقصود: أن خير المؤمنين في أعلى درجات الجنة، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار وإن كانوا في الدنيا مسلمين ظاهراً تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة؛ فمن كان فيه إيمان ونفاق يسمى مسلماً؛ إذْ ليس هو دون المنافق المحض، وإذا كان نفاقه أغلب لم يستحق اسم الإيمان، بل اسم المنافق أحق به. قال محمد بن نصر: وحكى غير هؤلاء عن أحمد رحمه الله أنه قال: من أتى هذه الأربعة الزنى والسرقة وشرب الخمر والنهبة التي يرفع الناس فيها أبصارهم إليه: أو مثلهم أو فوقهن).
رحمهم الله: البدعة أشد من المعصية.
قال: (أو مثلهن أو فوقهن هذا كلام أحمد رحمه الله؛ فهو مسلم ولا أسميه مؤمناً ومن أتى دون الكبائر نسميه مؤمناً ناقص الإيمان؛ فإن صاحب هذا القول يقول: لما نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان، نفيته كما نفاه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم).
ونحن متبعون وغير مبتدعين، والحمد لله على الإسلام، والسُنَّة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة 359: (ولهذا كان عامة أهل السُنَّة على هذا الذي قاله هؤلاء؛ الفرق بين الإسلام والإيمان، وكذلك ذكر التيمي الأصبهاني وابنه محمد شارح (مسلم) وغيرهما أن المختار عند أهل السُنَّة: أنه لا يطلق على السارق والزاني اسم مؤمن؛ كما دل عليه النص، وقد ذكر الخطابي - قلت الخطابي هذا معروف بأنه أشعري جَلْد - قال في شرح صحيح البخاري: تلازمهما مع افتراق اسميهما، وذكره البغوي في (شرح السنة) فقال: قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسماً لما بطن في الاعتقاد).
صحيفة 396 قال: (وقد قضينا أن الإسلام والإيمان اسمان لمعنيين، وبه قال مالك وشريك وحماد ابن زيد بالتفرقة بين الإسلام والإيمان؛ قال - أي محمد بن نصر -: وقال أصحاب الشافعي وغيره: إنهما اسمان معناهما واحد، قال: ويفيد هذا: أن الإيمان قد تنتفي عنه تسميته مع بقاء الإسلام عليه وهو بإتيان الكبائر التي ذكرت في الخبر، فيخرج عن تسمية الإيمان إلا أنه مسلم، فإذا تاب من ذلك عاد عليم من الإيمان، ولا تنتفي عنه تسمية الإيمان بارتكاب الصغائر من الذنوب).
صحيفة 372 والتي تليها: (قال أحمد: قال لي رجل: لو لم يجئنا في الإيمان إلا هذا لكان حسناً؛ قلت لأبي عبدالله: فتذهب إلى ظاهر الكتاب مع السُنَّة. قال: نعم قلت: فإذا كانت المرجئة يقولون: إن الإسلام هو القول. قال: هم يُصيِّرون هذا كله واحداً ويجعلونه مسلماً مؤمناً شيئاً واحداً).
يعني الذي يقول: المسلم والمؤمن شيئاً واحداً؛ هو مرجئ، وأنا أقول: ينتفي عنه اسم الإيمان، ويبقى عليه اسم الإسلام.
وفي الصحيفة التالية: (وقال أبو الحارث: سألت أبا عبدالله؛ قلت: قوله يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)؛ قال: وقد تأولوه: فأما عطاء فقال: ينتحي عنه الإيمان، وقال طاووس: إذا فعل ذلك زال عنه الإيمان، وروي عن الحسن؛ قال: إن رجع راجعه الإيمان. وقد قيل: يخرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرج من الإسلام، وروى هذه المسألة صالح وغيره).
وصالح سأل أباه عن هذه القصة؛ فقال فيها: هكذا يُرْوَى عن أبي جعفر وهو محمد بن علي بن الحسين؛ أنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام.
صحيفة 423 ذكر كلاماً طيباً؛ ثم قال: (وقوله: من ترك من ذلك شيئاً فلن يزول عنه اسم الإسلام والإيمان إلا أنه أنقص من غيره في ذلك؛ فيقال: إن أريد أنه بقي معه شيء من الإسلام والإيمان؛ فهذا حق كما دلت عليه النصوص خلافاً للخوارج والمعتزلة، وإن أراد أن يطلق عليه بلا تقييد: مؤمن ومسلم في سياق الثناء والوعد بالجنة؛ فهذا خلاف الكتاب والسُنَّة، ولو كان كذلك؛ لدخلوا في قوله تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) وأمثال ذلك مما وعدوا فيه بالجنة بلا عذاب، وأيضاً: فصاحب الشرع قد نفى عنهم الاسم في غير موضع) وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة 421 يقول: (فتبين أن الاسم الواحد يُنفى في حكم، ويُثبت في حكم: فهو أخ في الميراث، وليس بأخ في المحرمية، وكذلك ولد الزنى عند بعض العلماء، وابن الملاعنة عند الجميع؛ إلا من شذّ) ثم ذكر كلاماً في هذا المعنى.
صحيفة 422 قال: (وكذلك كل ما يكون له مبدأ وكمال، ينفي تارة باعتباره انتفاء كماله ويثبت تارة باعتباره ثبوت مبدئه) ثم ذكر عدة ألفاظ لذلك كله.
صحيفة 423 والتي تليها قال: (وأما من كان معه أول الإيمان؛ فهذا يصح منه لأن معه إقراره في الباطن .. ومن فعل بعضه وترك بعضه فيثاب على ما فعله ويعاقب على ما تركه، فلا يدخل هذا في اسم المؤمن المستحق للحمد والثناء دون الذم والعقاب. . ومن نفى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان فنفي الإيمان في هذا الحكم لأن ذكره على سبيل الوعيد).
في الصحيفة التي تليها: (وأما الإسلام والإيمان والإحسان هي أسماء ممدوحه مرغوب فيها لحسن العاقبة لأهلها؛ فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العاقبة الحسُنَّة لمن اتصف بها على الوجه الذي بَيَّنه، ولهذا كان من نفى عنهم الإيمان أو الإيمان والإحسان جميعاً لم يجعلهم كفاراً؛ إنما نفى ذلك من أحكام الآخرة، وهو الثواب ولم يَنْفه جميع أجزائه .. فإن قيل: فإذا كان كل مؤمن مسلماً، وليس كل مسلم مؤمناً) وذكر كلاماً.
ومعنى الكلام السابق: أن المحاضر متلوث بالاعتزالية حيث فهم ما فهموه!.
صحيفة 476 يقول: (قال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وُصفوا بالإسلام دون الإيمان قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن): إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام).
صحيفة 524: (وبهذا تبين أن الشارع - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينفي اسم الإيمان عن الشخص لانتفاء كماله الواجب وإن كان معه بعض أجزائه، كما قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن) ومنه قوله (من غشنا فليس منا) و (من حمل علينا السلاح فليس منا) فإن صيغة (أنا) و (نحن) (ليس منا) أو (إنّا) ونحو ذلك من ضمير المتكلم، في مثل ذلك يتناول النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه الإيمان المطلق الذي يستحقون به الثواب بلا عقاب. ومن هنا قيل: إن الفاسق الملي يجوز أن يقال: ليس بمؤمن باعتبار).
فأنا قلت: ليس بمؤمن؛ باعتبار كمال الإيمان كما بينت، وباعتبار أن هذا الاسم المطلق الممدوح. ونعود للكلام:
قال: (وبهذا تبين أن الرجل قد يكون مسلماً لا مؤمناً ولا منافقاً مطلقاً؛ بل يكون معه أصل الإيمان دون حقيقته الواجبة).
ثم ذكر كلاماً أظن هذا فيه الكفاية والذي لا يكتفي بهذا لا كفاه الله إلا على وجهه.
والمحاضر ممن يقول: فلان فيه أشعرية، وهذا فلان فيه بدعة. ولا يقْول: أشعري، ومبتدع.
وابن حجر يؤول، والنووي يؤول، وابن حزم يعتذر له المحاضر اعتذاراً شديداً، كما نقل كلامه في الصفات، وأن ابن حزم يكفِّر من يقول: إن لله عز وجل أسماء غير التسع والتسعين بالأحاديث الأخرى؛ التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيكفِّره .. فاعتذر عن ابن حزم. وقال: لعل هذا القول؛ تكفير المسلم بهذه المسارعة - قلت: بهذه المجاهلة بعد تكفير ابن حزم للمسلمين بهذه المسارعة فيه جهمية - يقول: بأنه هو معفو عنه، ويجتهد اجتهاداً فأخطأ فيه؛ فهو معفو عنه، وهذا الاجتهاد سببه الحرص على السُنَّة والمتابعة لها – قلت: الذي يحرص على السُنَّة يفعل هذا؟ إذن من الذي يُعاقب؟
فإذا كان يقول: هذا فيه أشعرية. وهذا كذا، وهذا فيه كذا؛ لماذا يخالف هذه القاعدة معي، القاعدة هذه؛ لكل الناس إلا أنا.
كان يقول: فيه اعتزال، ولا يقول: معتزلي، ولكن أنا ليس فيَّ شَعْرة اعتزال، ولست بمعتزلي، ولله الحمد. وأنا رجل متبع، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).
فابن حزم وابن حجر والنووي شرفاء عندكم، وأنا رجل ضعيف، وهؤلاء يقال: فيهم أشعرية، وفيهم جهمية، وفيهم وفيهم، أما أنا - لفهم فاسد من المحاضر وأمثاله - لا يقول: فيه اعتزال، ولكن يقول معتزلي! حسبنا الله ونعم الوكيل.
واستمع في هذا الشريط نفسه حينما يذكر المحاضر أهل العلم قال: (الجهمية والمعتزلة والأشاعرة لا يُعِدُّون من أهل العلم؛ قرر أهل العلم والسُنَّة: أنه لو كان وقفٌ باسم العلماء؛ لا يستحق أهل الكلام من هذا الوقف شيئاً؛ لأنهم ليسوا بالعلماء).
فالحمد لله رب العالمين، وقد قال أحمد رحمه الله في رسالة عبدوس تلك الرسالة المشهورة لعبدوس ابن مالك العطار قال: لا يكون صاحب الكلام من أهل السُنَّة وإن نصر بكلامه السُنَّة؛ حتى يدع الجدل ويسلم).
هذا الذي ينصر السُنَّة؛ فكيف بالأشعري؟
وكيف بالمعتزلي يُسمَّى العالم العلامة الإمام في العلم.
حسبنا الله ونعم الوكيل؛ اللهم نحن متبعون، ولسنا بمبتدعين.
انظر؛ يقول المحاضر: (لننظر في المسألة نظرة عقلية)
أما نحن فننظر في المسألة دائماً، ولله الحمد نظرة شرعية؛ حدثنا، وسمعت. وليس لنا غير ذلك.
وفي ختام المسألة الثانية في الاعتزال؛ نقول:
صاحبه ربيع في جلسة مشهورة قال صراحة: بالمنزلة بين المنزلتين.
وجميع من يتكلم في هذا الباب، وهو ترك تبديع من نُسِب للعلم؛ يقع من حيث لا يدري في هذه المسألة، ولعل لذلك وقتاً آخر يأتي بيان هذا فيه.
المسألة الثالثة: أبو حنيفة:
فاستمع للمحاضر، وهو يقول: (يروى عن أبي حنيفة رحمه الله وغيره من أصحابه فهو محجوج بما ذكرنا من الأدلة ومع ذلك كما قلنا غير مرة  .. لم يقل قبل هذا الوقت أحد من أهل العلم؛ بأن أبا حنيفة لا يترحم عليه، ولا يستغفر له، وأنه من المبتدعة؛ لا بل معدود من أئمة المسلمين المشهود لهم بالإمامة؛ مع ما وقع فيه من الأخطاء هو وأصحابه، وبالله التوفيق).
هكذا قال، وذكر أنه (تابعي) نهاية الوجه الثاني من الشريط الأول.
والتابعية ليست مسألة يُمدح بها الرجل.
والكلام في أبي حنيفة طويل الذيل؛ لكن نقتصر على مسألتين:
الأولى: الإجماع الذي ذكره ابن أبي داود؛ على تضليل أبي حنيفة.
قال رحمه الله لأصحابه: "ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له يا أبا بكر: لا تكون مسألة أصح من هذه؛ فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة".
الثانية: أن استتابته من الكفر متواترة ؛كما قال المعلمي، وغيره.
فيكون حال هؤلاء النافين إحدى حالين:
الحال الأولى: أن هذا النافي لم يقرأ كتب أهل الحديث؛ لأنه منشغل بكتب الكلام وغيرها، ولم يقرأ كتب أهل الحديث؛ مثل: [كتاب السُنَّة] لعبدالله بن أحمد، و[كتاب السُنَّة] للالكائي، و[كتاب الإبانة] لابن بطة، و[كتاب الشريعة] للآجري، وغيرها من كتب السُنَّة؛ فكلها فيها هذا الكلام، وكلام أهل العلم في هذه المسألة.
ولم يقرأ [جامع بيان العلم]، ولا [المنتقى] مع ما فيها من تقعيد قواعد لم يسبقه إليها أحد.
ولم يقرأ تراجم الرجل في كتب الرجال؛ مثل الخطيب، والفسوي، وغيرها.
ولم يرجع إلى قول أحمد رحمه الله في السُنَّة للالكائي وغيره: (إذا رأيت الرجل يتخذ أبا حنيفة إماماً فلا تطمئن إليه، ولا تَرْجُ خيره).
وليست هناك مسألة الإرجاء فقط، بل الإرجاء، والسيف، والرأي، والتجهم.
فهذا حال النافي:
إما أن يكون لم يقرأ هذه الكتب، وهذا شيء عظيم؛ كيف يكون أستاذاً كبيراً بزعمهم، ولا يقرأ مثل هذه الكتب؟!
أو أن يكون قرأها، ولكن الذين طعنوا في الرجل ليسوا عنده من أهل العلم، وهذه أطم، وأطم!
تعرف من الذين طعنوا فيه، والذين لا يعدهم مثل هذا المحاضر من أهل العلم؟!
خذ عندك عشر معشار هذه الأسماء:
أيوب السختياني - الأعمش - رقبة بن مصقلة - هشيم مالك - سفيان بن سعيد الثوري - سفيان بن عيينة - حماد بن سلمة - حماد بن زيد - عبدالله بن المبارك - عبدالله بن إدريس - شعبة بن الحجاج - الأوزاعي أبو بكر بن عياش - شريك - أبو إسحاق الفزاري - الشافعي - أحمد - إسحاق - يحيى بن سعيد القطان - عبدالرحمن بن مهدْي - سليمان بن حرب عبدالله ابن نمير - يحيى بن معين - عَمْرو بن علي الفلاَّس - علي بن المديني - البخاري - مسلم - أبو زرعة - أبو حاتم - ابن الجارود - الحميدي وله فيه كتاب خاص.
كل هؤلاء وصفوه بالإرجاء، وبما هو فوق الإرجاء.
فهؤلاء كلهم - عند المحاضر - ليسوا من أهل العلم.
سبحانك هذا بهتان عظيم.
3 قولهم: لا يُترك الترحم إلا على الكفار، وهذا خطأ عظيم؛ بل يترك الترحم؛ كما تترك صلاة الجنازة على الفساق والمبتدعين المجاهرين.
وهذا حكاه أهل العلم قديماً وحديثاً - بل أئمتكم كالألباني في جنائزه - يحكونه في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك صلاة الجنازة على بعض الناس، وترك كثير من السلف صلاة الجنازة على بعض المبتدعين.
المسألة الرابعة: مسألة الإرجاء:
1 فاسمع الشق الأول من كلام المحاضر في الإرجاء:
"وعلى كلٍ: الإيمان عند أهل السُنَّة والجماعة وعلى الأصح عند جمهور أهل السُنَّة والجماعة، يتألف من هذه العناصر الثلاثة، وإنما قلت: جمهور أهل السُنَّة والجماعة لأن من أهل السُنَّة والجماعة من خالف الجمهور، وجعل الإيمان إما مجرد التصديق أو التصديق والقول معاً. كما عليه الإمام أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم وكما سيأتي؛ هنا لا تتعجل: يجب أن نفرق بين التعبيرين: مذهب أهل السُنَّة       والجماعة، ومذهب جمهور أهل السُنَّة والجماعة، نحن هنا نعبر نقول: الإيمان عند جمهور أهل السُنَّة والجماعة: اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وعند بعضهم وهو خطأ: الإيمان إما مجرد التصديق، أو التصديق بالقول والأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان؛ هذا الذي قاله الإمام أبو حنيفة النعمان وأصحابه. وأخطأوا في ذلك".
(افهموا جيداً .. ويعتبر هذا خطأ المجتهدين) سمعت؟!
المحاضر في كلامه؛ يقول: إن أهل السُنَّة: منهم من جعل الإيمان مجرد التصديق أو التصديق والقول.
هل من يجعل الإيمان مجرد التصديق، أو التصديق والقول؛ يصير من أهل السُنَّة؟!
هو في نفس المحاضرة؛ يقول: (المأثور عن السلف: اعتقاد وقول وعمل).
فمن أين له سلف هذا القول: إن هناك أهل السُنَّة. وجمهور أهل سُنَّة؟
الإرجاء مصيبة عظيمة وبدعة كبيرة افترقت عليها الفرق.
قال يوسف بن أسباط وابن المبارك وغيرهم من أئمة أهل السُنَّة رحمهم الله: (افترقت الفرق يعني غير أهل السُنَّة على أربع فرق (المرجئة والخوارج والشيعة والقدرية، افترقت كل فرقة إلى ثمانية عشرة فرقة فتلك اثنان وسبعون).
فالمرجئة بإجماع أهل العلم غير أهل السُنَّة، وفتنتهم عظيمة؛ حتى قال الزهري رحمه الله:
(ما ابْتُدِعَتْ بدعة في الإسلام أضر على أهله من الإرجاء).
وإبراهيم النخعي رحمه الله؛ يقول: (لفتنة المرجئة أخوف عندي من فتنة الأزارقة) يعني الخوارج. وسفيان الثوري رحمه الله؛ يقول: (تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري).
والأوزاعي رحمه الله يقول هو، وغيره: (ليس بشيء من الأهواء أخوف على هذه الأمة من الإرجاء). وشريك رحمه الله يقول في المرجئة: (هم أخبث قوم حسبك بالرافضة خبثاً ولكن المرجئة يكذبون على الله).
تعالى الآن نرجع إلى كتب أهل العلم، وأهل الحجة علينا جميعاً؛ نرجع إليها لنرى:
هل أهل السُنَّة: فيهم من يقول: إن الإيمان هو مجرد التصديق، أو التصديق والقول؛ دون ذكر العمل؟
هذه مجموعة الرسائل والمسائل المروية عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وهي جمع جيد؛ لكن الشروح فيها خلل كثير؛ الجزء الأول صحيفة 73 (قال أبو بكر الخلال يعني في السُنَّة: فذكر رواية حمدان ابن علي الوراق قال: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله وذكر عنده المرجئة؛ فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه؛ فهو مؤمن؛ قال: المرجئة لا تقول هذا؛ بل الجهمية تقول هذا؛ المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه، وإن لم تعمل جوارحه).
نرجع إلى ما بعدها؛ نرجع إلى السُنَّة للخلال صحيفة 565 في الرد على المرجئة وذكر فتنتهم؛ ذكر العنوان: (ذكر المرجئة من هم وكيف أصل مقالتهم)، وذكر رواية حرب عن أحمد (قيل له: من هم المرجئة؟ قال من زعم أن الإيمان قول).
وفي رواية أبي بكر المروذي أن أبا عبدالله قيل له: من المرجئ؟ قال: المرجئ الذي يقول الإيمان قول).
ورواية أحمد بن الحسين بن حسان عن أحمد رحمه الله؛ قال: المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول.
ورواية صالح بن أحمد أنه سأل أباه رحمهم الله عمن لا يرى الإيمان قول وعمل قال: هؤلاء المرجئة.
ورواية أبي الحارث أنه قال: سئل أبو عبدالله وأنا أسمع عن الإرجاء ما هو؛ قال: من قال: الإيمان قول؛ فهو مرجئ. والسُنَّة فيه أن تقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
سمعت أبا عبدالله: يقول قيل لابن المبارك: ترى الإرجاء؟ قال: أنا أقول الإيمان قول وعمل، وكيف أكون مرجئاً؛ يعني من يقول الإيمان قول وعمل؛ لا يكون مرجئاً.
نمضي في نفس الصحيفة 566 روى عن النسائي عن الحسين بن منصور؛ قال: قال لي أحمد بن حنبل: من قال من العلماء: أنا مؤمن؟ قلت: فما أعلم رجلاً أثق به؛ قال لم تقل شيئاً لم يقله أحد من أهل العلم قبلنا.
فانظر رحمك الله؛ لم يَعُدَّ أبا حنيفة وأصحابه من أهل العلم!
وفي صحيفة 567 من رواية أبي داود في مسائله: سمعت أحمد، وقال رجل: قيل لي مؤمن؛ قلت نعم، هل عليَّ في ذلك شيء، هل الناس إلا مؤمن وكافر. فغضب أحمد وقال: هذا كلام الإرجاء)
سبحان الله رب العالمين، وهناك كلام كثير في الرد على المرجئة في كتاب الخلاَّل رحمه الله تعالى. 
وفي كتاب (الإبانة لابن بطة رحمه الله رقم الأثر 1097 بسند جيد عن الأوزاعي رحمه الله؛ قال: (كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل)؛ هذا كلام السلف.
وعن أحمد في (الشريعة) للآجري صحيفة 144 (سُئل عن المرجئة فقال: من قال: إن الإيمان قول).
وعند ابن تيمية رحمه الله في فتاويه المجموع الجزء السابع صحيفة 307 و308: (قال الحميدي وهذا موجود في الشريعة للآجري صحيفة 144 وفي الإبانة رقم 1091 - سمعت وكيعاً يقول: أهل السُنَّة يقولون - انتبه إلى كلمة أهل السُنَّة؛ معنى أهل السُنَّة؛ جمهور أهل السُنَّة؛ اصطلاحات لم نعلم من أين أتى بها، وكلها مرادها تمرير أبي حنيفة على طريقة الكوثري؛ طعن في طريقة أهل السُنَّة كلها؛ ليمرر أبا حنيفة؛ نحن متبعون - قال الحميدي: سمعت وكيعاً يقول: أهل السُنَّة  يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان قول).
الجزء السابع صحيفة 308 من فتاوي ابن تيمية رحمه الله؛ يقول: (ولهذا القول إن الإيمان قول وعمل عند أهل السُنَّة ومن شعائر السُنَّة، وحكى غير واحد الإجماع على ذلك) ولقد ذكرنا عن الشافعي رحمه الله الإجماع على ذلك قوله: (الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر)، ثم ذكر كلاماً كثيراً، والله المستعان.
وذكر أبو عبيد رحمه الله في كتابه في الإيمان أسماء أهل العلم والدين الذين أجمعوا على هذا.
وفي السُنَّة لعبد الله بن أحمد رحمهم الله؛ رقم الأثر 735 و742 و745 سفيان بن عيينة وفضيل ابن عياض رحمهم الله سُئل عن الإرجاء؛ فقال: (يقولون: الإيمان قول يعني المرجئة ونحن نقول: الإيمان قول وعمل).
فعرفت الآن أن تقسيم أهل السُنَّة وجمهور أهل السُنَّة؛ هذا ليس له سلف ولا دليل، وأن السلف على خلاف ذلك، حسبنا الله ونعم الوكيل.
2 فاستمع للمحاضر، وهو يقول:
(يسمى الفاسق الملي لا يخرج من الإيمان إلا عند الحداد وقبله عند المعتزلة؛ لأنه تبع المعتزلة أما عند أهل السُنَّة والجماعة).
هذا الكلام سبق بيانه، أن الفاسق الملي يخرج من الإيمان إلى الإسلام؛ صدق كلام أهل السُنَّة       الذين يسميهم المعتزلة وأنه يخرج من الإيمان إلا الإسلام.
ربما نستفيد من كلام ابن تيمية رحمه الله؛ في الجزء السابع صحيفة 446 ذكر الكلام الذي نقلناه عن كتاب الخلال في السُنَّة الإيمان قول وعمل في صحيفة 478 يقول رحمه الله:
(فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب؛ هو هذا الإيمان الذي نُفِي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار؛ بل قد تكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار، وبتحقق هذا المقال يزول الاشتباه في هذا الموضع. ويعلم أن في المسلمين قسماً ليس هو المنافق المحض وفي الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) ولا من الذين قيل فيهم: (أولئك هم المؤمنون حقاً) فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقاً، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب، بل لهم طاعات ومعاصٍ وحسنات وسيئات ومعهم من الإيمان ما لا يخلد معه في النار، ولهم من الكبائر ما يستوجب دخول النار، وهذا القسم قد يسميه بعض الناس الفاسق الملي. وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين).
الفاسق الملي ماذا يكون حكمه؟
لا يسمى باسم الإيمان المطلق، وقد خرج من الإيمان إلى الإسلام؛ هذا الفاسق الملي.
لأن الفسق فسقان: فسق يخرج من الملة، وفسق دونه لا يُخْرج منها.
أما الفاسق الملي: فلا يسمى باسم الإيمان الممدوح، وهو مسلم خرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الإسلام؛ هذا هو كلام ابن تيمية وغيره سبق أن قلناه وسبق أن تكلما في الاعتزال.
3 قول المحاضر: لا ينفيهم ولا يخرجهم من كونهم من أهل السُنَّة والجماعة الذين أخطأوا في بعض الجزئيات. هذه جزئية أخطأوا فيها أهل السُنَّة والجماعة ليسوا بمعصومين).
هذا الكلام الرد عليه طويل، وقد رددت عليه بتفصيل في كتاب (النصيحة)، وخلاصته عندهم: أن الرجل إذا اجتهد وأخطأ في أي مسألة حتى مسائل الاعتقاد؛ لا يُبَدَّع أبداً ولا يخرج من الإسلام، ولذلك تجد بعضهم لا يكفِّر بشر المريسي، ولا ابن أبي دؤاد، وللأسف يصرحون بهذا؛ مع أن أهل العلم كفَّروهما، يعني: هم أعلم من أحمد وغيره من أئمة أهل العلم الذين كفروهم.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن من اتبع زلات العلماء؛ كان فاسقاً، ومن تدين بها؛ فقد قال: إسماعيل بن إسحاق القاضي كما رواه البيهقي الأشعري في السنن الكبرى؛ قال: هذا زنديق الذي يتدين بزلات العلماء، ويعتقدها ديناً تحل له الحرام وتحرم عليه الحلال، وهذا كما قال إسماعيل بن إسحاق القاضي رحمه الله.
والاجتهاد لا يجوز في العقائد ونحن تبع لمن قبلنا حرفاً بحرف؛ متبعون حرفاً بحرف؛ فأهل السُنَّة سموا أبا حنيفة مرجئاً بلا خلاف، فكيف يأتي المحاضر ويقعد قاعدة يخرج بها أبا حنيفة من اسم الإرجاء، ويطعن في أهل السُنَّة جميعاً الذين سموه بهذا الاسم.
أهل السُنَّة سموا ابن حزم جهمياً، وابن تيمية رحمه الله في درء التعارض في الجزء السابع صحيفة 32 وما بعدها ذكر ابن حزم في نفس طبقة بشر المريسي من الجهمية.
وتلميذه ابن عبدالهادي قال: جهمي جَلْد.
كيف تقول - كالألباني -: اجتهد وأخطأ، فله أجر على التجهم؛ متى نقول: هو مخطئ يعاقب؟!.
المسألة الرابعة: الطعن في ابن تيمية رحمه الله:
اتهامه لي أني طعنت في ابن تيمية في كتاب الظل، وهذه تهمة عجيبة جداً، ولا أدري كيف وقع هذا!
أصل هذه التهمة أنه ما قرأ الكتاب، ولكنه نقل الكلام مبتوراً؛ ففهمه مثل ما قلت: سوء نقل أو عمد أو عن خطأ.
فالكلمة التي قلت فيها أئمة؛ جعلها (إمام) ثم فسرها (الإمام) ابن تيمية..
تعالوا نقرأ النص في كتاب الظل صحيفة 56 و58 قلت في الكلام عن المحبة في الله تعالى قلت:
(ومن ذلك فرقة جمعت بين الإرجاء والخروج) فهل ابن تيمية يرى الإرجاء، أو يرى الخروج؟!
(قال: أئمتها) ما قلت إمامها، والفرقة هذه واضح من الكلام عنها، وسوف يتضح لك أكثر؛ أنها السرورية القطبية، ولكن ماذا أقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
(من ذلك فرقة جمعت بين الإرجاء والخروج؛ قال أئمتها: (نحب بقدر ونبغض بقدر) يعنون بذلك: أن كل شخص نحبه لما فيه من حسنات، ونبغضه بقدر ما فيه من سيئات. وهذا ضلال مبين، تدري لم أصلوا هذا الأصل؟ إنه لشيء واحد؛ هو انتقال المحبة والبغض عندهم؛ من المحبة والبغض في الله؛ إلى المحبة والبغض على الأشخاص؛ يعنون الحزبية وعلى السلطة وعلى طلب الإمارة؛ فلما رأوا أن من يشاركهم في هذا الطلب مغموص عليهم في دينهم، ولا يكون ذلك إلا كذلك؛ كان الأصل الذي يعملون في حق هؤلاء فقط؛ أما أهل السُنَّة فهم يبغضونهم فقط ولا يتورعون عن أعراضهم، إن ضلال هؤلاء يعني أنه لا حب ولا بغض في الله).
صاحب المحاضر، وهو ربيع المدخلي له كتاب خاص (منهج النقد) وقال في أضوائه صحيفة 102 عن منهج الموازنات: (الذي ضيَّع شباب الأمة وقذف في قلوبهم حب البدع وأهلها)!
مع أن ربيعاً رجع مراراً عما في هذا الكتاب؛ بمذكرة كتبها في تبديع شعبة وغيره، وذكره المدح لأئمة المبتدعين. وأيضاً في مقدمة مذكرة صنعها تلميذه وعرضها عليه، وهي عندي مصورة بخط التلميذ؛ يذكر أنه عرضها عليه، وأول صحيفة من هذه المذكرة في الترحم؛ أن منهج العدل كذا وكذا وكذا. وأيضاً بضلالاته التي في (القول الجلي) و(التنكيل) وإنما اصطنع ربيع ذلك لغرض وغرض، والله المستعان.
فإذا كنت أنا أطعن في ابن تيمية: فصاحبك ربيع يفعل هذا الأمر نفسه.
فلماذا تطعن فيَّ، وأنا ضعيف؟ وتخشى لسان ربيع!.
فأين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)
والله المستعان حينما يصير الشريف عندكم بالسن والمنصب؛ لا بالسُنَّة.
والمحاضر نفسه يرد كلام ابن تيمية مراراً في هذا الشريط نفسه، وفي غيره. ومن العجيب أيضاً أن المحاضر - وهو يقول بالحسنات والسيئات - لم يذكر لي حسُنَّة واحدة في كتاب كبير مائتي صحيفة، ولا في أي كتاب آخر؛ بل سمى الكتاب تحقيراً (كتيب) وهو مائتا صفحة، فإذا كان هذا بمائتي صحيفة (كتيباً)؛ فالمحاضرة الدفاعية للمحاضر التي هي ببياضها؛ كل شيء فيها (16) صحيفة: ماذا تسمى؟
وبحسب المسلم أن يحقر اخاه المسلم؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمحاضر يقول بالحسنات والسيئات، ويبيع في مكتبته بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الكتاب المسمى بإحياء علوم الدين، وعشرات غيره على شاكلته؛ مستحلاً لذلك؛ هو وممن يسمون مكتباتهم الكتاب الإسلامي، وفيها قصص الحب، وألف ليلة؟!
ولعن الله من أحدث في المدينة حدثاً أو آوى محدثاً؛كما قال صلى الله عليه وسلم، فأين حسناتي؟ ما ذكر لي حسنة واحدة، والسرورية هذه طريقتهم.
أقول: من العجيب أن المحاضر، وهو يقول بالحسنات والسيئات لم يذكر لي حسُنَّة واحدة، ولم يذكر إلا السيئات، وما كانت سيئات!
فذكر التحقير لكتاب مائتي صفحة وسماه كتيباً، ولم يذكر حسنة واحدة، ولم يذكر إلا السب وإلا وإلا .. أشياء بيني وبينه فيها؛ الله عز وجل.
وهذا نفسه منهج السرورية، السرورية يجعلون الحسنات والسيئات ليستروا عورات أئمتهم، وهم كاذبون في هذا المنهج، وإلا فأين ذكرهم لسيئات أئمتهم.
لا يذكرون إلا الحسنات؛ فلماذا لا يذكرون حسنات أعدائهم.
ما أدري ما هذه المشابهة للسرورية (وما تخفي صدورهم أكبر)؟!
فما زعمه المحاضر أني أطعن في ابن تيمية رحمه الله؛ ما أدري ما هذا.
هذا يتكرر كثيراً، ويدل على شيء عظيم، وهو عدم فهم الفرق بين الطعن، وبين بيان زلة العالم، فإذا كان مخالفة العالم أو بيان زلة له يسمى طعناً؛ فكل الأئمة يطعنون في بعض، وكل الأئمة طعان، وهذا لا يقوله أحد.
ابن تيمية رحمه الله؛ خالف في مسائل، وصاحبه ابن القيم رحمه الله خالفه في مسائل.
الطعن هو الذي يكون بغير حق، أما بحقٍ فهذه غيبة واجبة من باب النصح في الدين، وهذا شيء معروف.
أقول: نحن نريد ألا نفهم فهم أبي نواس؛ نريد أن نفهم فهم أهل السُنَّة:  
ابن بطة وغيره من الأئمة رحمهم الله؛ يقولون: أهل البدع يأخذون ما لهم ويَدَعون ما عليهم. ويقولون: إن أهل البدع لا يستدلون بآية تامة ولا بحديث تام يتركون أولها أو يتركون آخرها.
ومن رجع إلى كتبي وانتقد أي انتقاد ورجع إلى ما قبله وما بعده وجد الكلام صريحاً لا يحتمل التأويل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لا نريد فهم أبي نواس، تدري ما هو فهم أبي نواس؟ أقول لك:
سُئل هذا الرجل: لماذا لا تصلي؟ قال: كيف أصلي، والله عز وجل يقول: (فويل للمصلين)!
لا نريد أن نفهم مثل هذا الفهم، النص صريح في مسألة سلب اسم الإيمان، وفي مسألة الفرقة التي تحب بقدر وتبغض بقدر، النص صريح، ثم يبتر النص من وسطه ويزعم عليَّ ويؤول و و و ... ويحمل غير ما يحتمل؛ حسبنا الله ونعم الوكيل.
أقول: نحن لا نريد أن نفعل هذا بالمحاضر، ولم نبتر نصه، ولكن أنا أدلكم وارجعوا بأنفسكم إلى كتاب له اسمه (تصحيح المفاهيم)، وهذا نموذج لشيء من الأشياء، وليس فيه بتر لنص، ولا شيء من هذا، ولا افتراء.
في كتاب اسمه (تصحيح المفاهيم) يعني المفاهيم تصحح فيه طبعة الجامعة صحيفة 33 يقول المحاضر: (والقرآن الكريم عبارة عن رسالة بعثها الله عز وجل)
اسألوا جميع المشايخ ما معنى (عبارة عن) وهذا لفظ من ألفاظ الأشاعرة، هل نقول: إن المحاضر أشعري بمجرد قراءة هذا الكلام، لا والله نحن منصفون، ولسنا على طريقة أهل البدع.
ولكن نقول: ما الذي ورط المحاضر في هذا اللفظ العظيم؟
نقول: الذي ورطه فيه؛ صحبته للإخوان، وكثرة قراءته لكتب ابن قطب وأشكالها؛ من الكتب التي تسمى الكتب الفكرية؛ فوقع في لسانه هذا اللفظ، وغيره كثير.
المسألة الخامسة: حديث الصورة:
نأتي إلى مسألة أخرى، وهي مسألة عظيمة جد عظيمة، يقول المحاضر في محاضرته الدفاعية عن السُنَّة المحمدية الصحيفة 12 وما بعدها في الأحاديث التي انتقدها على الملحد.
يقول: (الحديث السادس " خلق الله آدم على صورته: هذا هو الحديث الأخير من الأحاديث التي ساقها - يقصد هذا الرجل السوداني - ليلبس بها على الناس, وهو لم يذكر الحديث بتمامه؛ فإنما اقتصر على القدر الذي كان يظن أنه من شواهده كعادته المعروفة. لذلك فاته المعنى الصحيح للحديث، ومرجع الضمير في قول: (على صورته) وتمام الحديث.
ثم ذكر نص الحديث، ومعنى الحديث جد واضح ومرجع الضمير ظاهر من ذكر سبب الحديث وتوضيح المعنى عند المحاضر كالآتي:
(يقول صلى الله عليه وسلم مؤدباً لأمته: "إذا أراد أحدكم أن يضرب من يجوز له ضربه ضرب تأديب طبعاً - كلمة طبعاً هذه كلمة مرذولة خاصة في زماننا هذا، لأن الطبع غالباً يكون في الذم، وما ذكر في القرآن الطبع إلا بالذم - قال المحاضر: كالغلام والولد والزوجة فليتق الوجه ضرباً احتراماً لأبي البشر آدم لأن الله خلق آدم؛ وجه آدم مشبهاً لوجه الإنسان المضروب، وهذا الذي يسميه علماء البلاغة بالتشبيه المقلوب".
نسأل الله أن لا يقلب حالنا، ولا قلوبنا.
قال المحاضر: "وإذا كان المفروض تشبيه وجه الفرع بوجه الأصل، ولكنه جعل وجه الفرع كالأصل تنفيراً من ضربه، وكان غرض صاحبنا من ذكر الحديث الاستدلال به على أن آدم فيه صفة من صفات الرب ظناً منه أن الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم على صورته راجعاً إلى الله، ولقد علمت عدم صحة هذا الفهم لمعرفتك المعنى الصحيح للحديث ولله الحمد والمنة؛ أيها الأخ المسلم لا يشككنك في دينك تلبيس الملبسين، والله المستعان) انتهى كلامه!
ماذا تقولون في هذا الكلام؟
تريد حكم أحمد رحمه الله؟
قد قال فيمن أول حديث الصورة: هذا جهمي.
تريد فهم إسحاق بن راهويه، وهو قرين أحمد ومن أئمة أهل السُنَّة رحمهم الله تعالى.
قال: لا يرد هذا الحديث - أي لا يرد معناه بالتأويلات هذه- إلا مبتدع أو ضعيف الرأي. وضعف الرأي أخف.
تريد حكم ابن تيمية رحمه الله:
يحكي إجماع السلف على عدم التأويل.
وارجعوا إلى أهل العلم لتنظروا ما قيل في هذا.
هذا الكلام نفسه؛ كلام الألباني حرفاً بحرف في بعض أشرطته.
وأشد البلاء في هذا؛ تجهيل سلف هذه الأمة الذين لا يفهمون البلاغة، ولا التشبيه المقلوب!
وأن الخلف أعلم وأحكم لأنهم فهموا المقلوب!
سلف هذه الأمة لم يؤولوا هذا الحديث، وكثير منهم تكلم كلاماً شديداً فيمن يؤوله، وأئمة أهل السُنَّة تلقوه بهذا الطريقة، وأنكروا على من يؤوله إنكاراً شديداً.
ولن نتكلم عن ابن خزيمة فهذه مسألة تطول، وابن خزيمة ينطبق عليه أحد أمرين:
إما عدم معرفة النصوص التي عن أئمة أهل السُنَّة في هذا الباب، وهي عدم التأويل.
وإما أنه عرف وأولَّ؛ فيدخل عليه قول إسحاق بن راهويه ضعفاً؛ نعم هذا خطأ منه عظيم، وهذا الخطأ العظيم؛ لعله استدركه في حياته؛ فقد ذكر ابن عبدالهادي في كتابه (مختصر طبقات علماء الحديث) من كتاب صالح الهَمداني؛ أظنه "سنن الحديث"؛ ذكر بسند جيد عن ابن خزيمة؛ أنه قال قبل موته: "كل كلام قلته خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مردود". وهذا هو الظن بأئمة أهل السُنَّة، وعلى كل حال؛ فهذا خطأ لا يُقَرُّ عليه، ولا يتدين به أحد، والتدين بزلات العلماء؛ إنما هو من فعل الفسقة، ومن اتخذ زلات العلماء ديناً؛ فهذه زندقة؛ نص على ذلك إسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فيما رواه البيهقي في السنن الكبرى.
والحديث عند أهل السُنَّة لا يؤول. وهذا شيء معروف بإجماع السلف الصالح على عدم التأويل، وليس بالعجب؛ ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الصورة: "يأتيهم الله عز وجل في صورته التي يعرفون". فليس هناك عجب في ذلك، وأياً كان التأول؛ فإن هذا المحظور قائم في مسألة مرجع الضمير وغيره.
على أن هناك من أهل البدع أصنافاً في تأويل هذا الحديث؛ منهم من أرجع الضمير إلى آدم نفسه؛ فقالوا: خلق الله آدم على صورة كان قد جعلها لآدم.
ومنهم من قال ترجع إلى المضروب. ولكن أقرب مذكور صحيح؛ يكون هو اسم الله عز وجل: (إن الله خلق آدم على صورته).
فالصورة هاهنا إذا رجعت إلى آدم؛ فهذا الذي سب أحمد رحمه الله؛ من يقول به سباً شديداً؛ فترجع إلى أقرب مذكور بعد آدم، وهو اسم الله عز وجل الخالق، والصفات على طريقة أهل السُنَّة؛ قال الحميدي في حضور أحمد وسفيان بن عيينة: (لا تؤول) معناها ظاهر، وقال سفيان بن عيينة: (لا نفسرها) أي لا نفسرها بغير معناها.
فهذه طريقة أهل السُنَّة في إثبات أحاديث الصفات، ولا ينبغي لأحدٍ كائناً من كان أن يتجرأ على مخالفتها بأي دعوى، ولو كانت تلك الدعوى هي تلك الدعوة الجديدة التي نسمع صداها الآن في أن السلف الصالح اختلفوا في مسائل الاعتقاد.
وهذه دعوة خطيرة جداً يتخذونها تكأة لمخالفة السلف الصالح في أمور كثيرة من أمور الاعتقاد.
وهذه دعوة خطيرة فيها تجهيل للسلف، وفيها عظائم، وليس هذا محل بسطها، ولكن هي إشارة، وكما قيل: (اللبيب تغنيه الإشارة) والله المستعان.
وما أدري من أي شيء أعجب؟!
1 - من المحاضر: وقد وقع منه ما وقع في هذه المحاضرة من طعن في عِرْض مثلي: رجل ضعيف ليس له عشيرة، والذي يريد أن يبين قوته وجرأته؛ فليبينه في الطعن فيمن له عشيرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد ذُكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه : (إن من أشد الناس ظلماً من يقع في رجل؛ لا يعلم له ناصراً إلا الله).
2 ثم لا أدري من أي شيء أعجب من بعد هذا؛ من هؤلاء المستمعين الطلاب الذين حضروا هذه المحاضرة؛ فإن كانوا جهالاً فهذا شيء عظيم. وإن كانوا يعلمون ما وقع فيه المحاضر من الأخطاء السالفة الذكر - لا أقول يذبوا عن عرضي؛ لا أطالبهم بهذا، بل يدفع الله عز وجل؛ فإني جعلته لي في أمري كله - ولكن يذبون عن عِرْض السُنَّة، ويبينون خطأ المحاضر، وهذه فائدة التلامذة الصالحين؛ أنهم ينتقون من حديث الشيخ، وينبهونه على أخطائه؛ فكل إنسان معرض للخطأ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)؛ فإذا لم يكن التلاميذ ينبهون الشيخ: من ينبهه؟!
فإن كانوا على جهل فهذا شيء عظيم: أن يكونوا على جهل بعد هذه الأوقات التي أنفقوها! أن يكونوا على جهل وهم يزعمون أنهم يجلسون مجالس العلم.
وإن كانوا على علم، والله آفة عظيمة ما نخشى على المشايخ إلا من أمثالها أن يكون طالب علم يرى على المحاضر شيئاً ولا ينصحه فهذا شيء عظيم، وهذا خلاف الحق الذي هو واجب على هذا الطالب الذي استفاد من علم شيخه فكان أقل ما ينبغي عليه؛ هو أن يدرس قبل أن يأتي إلى الشيخ، يدرس الأبواب دراسة جيدة ثم يستمع وينصت إلى الشيخ وينبه الشيخ بسؤال بلطف على ما وقع فيه.
3 وما أدري من أي شيء أعجب؟! من هؤلاء الذين سجلوا مثل هذه الأمور؟ لا أقول بنياتهم السيئة في إفراد الطعن فيَّ في شريط، والتشهير بي؛ فذلك بيني وبينهم عند الله عز وجل؛ لا أخاصمهم إلى مَنْ دون الله عز وجل.
ولكن الدين؛ كيف مر على هؤلاء المسجلين وفيهم طلاب علم؟ كيف يمر عليهم هذا، ولا ينبهون المحاضر إلى شناعاته؟
إن كانوا جهلاء؛ فهذا شيء عظيم أن يجهلوا من الدين مثل هذا، وإن كانوا يعلمون؛ فهذا شيء عظيم من الغش والخيانة لشيخهم الذي جلسوا أمامه ليستفيدوا منه، وهذا غش وخيانة للدين الذي أُمِروا ألا ينشروا على الناس منه إلا الحق، وأن ينفوا عنه الخطأ والزلل والزيغ والخطل والبدعة.
ولا أقول شيئاً آخر إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.
وعلى كل حال فإن للمحاضر بلايا كثيرة؛ ذكرت بعضها في (القول الجلي)؛ فإن عاد المحاضر عن هذه الأخطاء وجهر بالحق، وذلك الظن في كل من يريد الحق فنزغ الشيطان بينه وبين إخوته؛ فإن عاد؛ فقولتي قولة نبي الله يوسف صلى الله على نبينا وعليه وسلم التي ذكرها الله عنه جل وعلا في القرآن: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) بشرط ألا يعودوا إلى مثلها، وأن يجهروا بخطأهم فيها، وأن يرجعوا من قريب قبل أن يستحكم الفساد؛ فإن فتنة هذا الفساد الذي أحدثوه فتنة عظيمة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأذكّر هؤلاء جميعاً بما رواه ابن المبارك وغيره، وله طرق؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمكر ولا تُعِنْ ماكراً؛ فإن الله تعالى يقول: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)، ولا تبغ ولا تُعِنْ باغياً، فإن الله عز وجل يقول: (إنما بغيكم على أنفسكم)، ولا تنكث ولا تُعِنْ ناكثاً؛ فإن الله عز وجل يقول: (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه).
أقول قد رضيت الله تعالى رباً وهو أحكم الحاكمين وحسبنا الله ونعم الوكيل. وسبحانك اللهم وبحمدك؛ أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا فيك، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.



يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة