عقيدة محمد أمان الجامي
نشر أحد أذناب المدخلي متكثراً؛ ثناء اللحيدان على
الجامي؛ حيث قال: "الرجل في عقيدته، وصلاحه وتقاه، وتحصيل العلم، وما يتصل من
ورائه؛ هو نعم الرجل"اهـ (المصدر: شبكة سحاب)
فرأيت أن أضع
بين يدي القراء؛ ما أعرفه عن الجامي؛ ليعلم القارئ أن اللحيدان أثنى على الرجل
تقليداً لغيره، وجرياً وراء الهمج الرعاع، وإلا فالجامي غارق في البدع والضلالات،
ويكفي أن من هو - عند المداخلة - أعلم منه بمنهج أهل السنة وبالرجال؛ وصفه بالعمالة؛
حيث رماه بذلك الألباني، والوادعي.
فالجامي رأس
ضلالة، ومن أثنى عليه؛ فهو أحد رجلين: إما أن يكون مثله في البدعة والضلالة؛ أو
يكون جاهلاً بحاله وقاله، ومن كان هذا شأنه؛ نقول له: من علم حجة على من لم يعلم،
والجرح المفسر المفصل مقدم على التعديل، والمثبت مقدم على النافي، وقد قال إمام
الجرح والتعديل - قاتله الله - فيمن يحتج بسكوت العلماء عن تبديع أحد الناس:
"الذين
ما بدعوه ينقسمون: أناس ما درسوا، وهم معذورون بعدم تبديعهم. وأناس درسوه،
ويدافعون عن الباطل؛ ناس درسوا، وعرفوا ما عنده من الباطل، وأبوا الا المحاماة عن
هذا المبتدع؛ فهؤلاء لا قيمة لهم؛ فهم أهل باطل وخداع. والساكتون لا حجة في سكوتهم.
والذين جرحوا وبينوا ما في هذا الإنسان من الجرح؛ يجب على المسلم أن يأخذ بالحق؛
لأن الحجة معهم ولو خالفهم من خالفهم"اهـ (مجموع الكتب والرسائل 14/378)
وتطبيقاً
لكلام هذا الإمام؛ هذه بعض أقوال الجامي الدالة على بدعته؛ حتى يعرف القارئ أن
الحجة معنا؛ فيجب عليه والحال كذلك؛ أن يأخذ بالحق الذي بيناه له، ويترك الباطل
الذي يتقلده المدخلي، وأزلامه.
قال الجامي: "الإسلام
الذي هو الاستسلام، والانقياد، والقيام بأعمال الجوارح عملاً وتركاً؛ الإيمان الذي
يشمل تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح على أصح قولي أهل العلم؛ أي عند
الجمهور. وقول بعضهم: إن الإيمان هو التصديق فقط. قول ضعيف ترده أدلة من الكتاب
والسنة؛ التصديق كما تقدم؛ من ادعى أنه مؤمن بقلبه؛ أي بالتصديق، ولكنه يرفض
التلفظ بالشهادتين؛ ليس بمسلم، ولا مؤمن، وإن تلفظ بالشهادتين، وترك الأعمال
اتكالاً على نطقه بالشهادتين، وعلى ما يزعم من التصديق؛ ليس بمؤمن؛ إما أنه ليس
بمؤمن أصلاً، أو ليس بمؤمن إيماناً كاملاً. هذا التحفظ سببه ما نسب إلى بعض الأئمة؛
كالإمام أبي حنيفة وأتباعه وأصحابه؛ بأن الإيمان هو التصديق، وفي رواية عنه:
التصديق، والتلفظ بالشهادتين"اهـ (شرح الأربعين النووية - الشريط الثاني)
وقال:
"الإيمان عند أهل السنة والجماعة، وعلى الأصح عند جمهور أهل السنة والجماعة؛
يتألف من هذه العناصر الثلاثة، وإنما قلت: جمهور أهل السنة والجماعة؛ لأن من أهل
السنة والجماعة من خالف الجمهور، وجعل الإيمان إما مجرد التصديق، أو التصديق
والقول معاً؛ كما عليه الإمام أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم، وكما سيأتي هنا. لا
تتعجل: يجب أن نفرق بين التعبيرين؛ مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب جمهور أهل السنة والجماعة؛
نحن هنا نعبر؛ نقول: الإيمان عند جمهور أهل السنة والجماعة: اعتقاد بالقلب وقول باللسان
وعمل بالجوارح، وعند بعضهم - وهو خطأ - الإيمان إما مجرد التصديق، أو التصديق
بالقول. والأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان؛ هذا الذي قاله الإمام أبو حنيفة النعمان،
وأصحابه، وأخطأوا في ذلك"اهـ (القول السامي في الرد على الجامي ص 36)
قلت:
الجامي رئيس شعبة العقيدة بقسم الدراسات العليا بالجامعة
الإسلامية (سابقاً)؛ يصحح مذهب المرجئة، ويجعل قولهم قولاً
لأهل السنة؛ فيقول: ((الإيمان عند جمهور أهل السنة والجماعة: اعتقاد بالقلب، وقول
باللسان، وعمل بالجوارح))، وليس كذلك ألبتة؛ بل هو إجماع أهل السنة؛ فمن آمن بقلبه،
ونطق بلسانه، ولم يعمل شيئاً قط بجوارحه؛ فليس بمسلم أصلاً؛ بل هو كافر مخلد في
النار؛ لا ينفعه تصديق القلب، ولا نطق اللسان.
قال الزهري:
"الإيمان قول وعمل قرينان؛ لا ينفع أحدهما إلا بالآخر"اهـ (مجموع
الفتاوى 7/295)
وقال سهل بن عبدالله التستري: "الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل؛ فهو
كفر"اهـ (الإبانة 2/814)
وقال الأوزاعي: "لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول
إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى
من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل،
وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه،
وصدق بعمله؛ فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف
بقلبه، ولم يصدق بعمله؛ لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين"اهـ
(الإبانة لابن بطة 2/807)
وقال الشافعي:
"وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ممن أدركناهم أن: الإيمان قول وعمل ونية،
ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"اهـ (شرح أصول الاعتقاد للالكائي 5/139)
وقال إسحاق بن راهويه: "إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات،
وصوم رمضان، والزكاة، والحجة، وعامة الفرائض من غير جحود لها؛ إنا لا نكفره؛ يرجأ
أمره إلى الله بعد إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك فيهم"؛ قال ابن رجب: أي: لا
شك فيهم في أنهم مرجئة"اهـ (فتح الباري 1/21)
وقال الحميدي: "وأخبرت أن أناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة
والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت؛
فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً؛ إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان يقر بالفرائض
واستقبال القبلة؛ فقلت : هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، وعلماء المسلمين"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 5/139- 140)
وقال ابن بطة: "اعلموا - رحمكم الله - أن الله عز وجل لم يثن على
المؤمنين، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم، والنجاة من العذاب الأليم، ولم
يخبرهم برضاه عنهم؛ إلا بالعمل الصالح، والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل والنية
بالإخلاص؛ حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة؛ لا ينفصل بعضها من
بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض؛ حتى صار الإيمان قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح،
ومعرفة بالقلب؛ خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين
بعقولهم"اهـ (الإبانة 2/779)
وقال: "فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه
وفرائضه؛ ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله
الفرية، وخالف كتاب الله، ونبذ الإسلام وراء ظهره، ونقض عهد الله وميثاقه"اهـ
(الإبانة 2/789)
وقال ابن تيمية: "وقد حذر العلماء من مرجئة الفقهاء أكثر من غيرهم؛
لما لفتنتهم من خطر يشتبه على كثير من المسلمين الذين يقولون: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه؛ كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن
قولهم مثل قول جهم؛ فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمناً إن لم يتكلم بالإيمان مع
قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم؛ لكنهم إذا لم
يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان؛ لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان؛ لزمهم
عمل الجوارح أيضاً فإنها
لازمة لها"اهـ (مجموع الفتاوى 8/124)
وقال: "من كان عقده الإيمان، ولا يعمل بأحكام الإيمان، وشرائع الإسلام؛
فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد"اهـ (مجموع الفتاوى 7/333)
وقال محمد بن
عبدالوهاب: "لا خلاف بين الأمة؛ أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم، واللسان
الذي هو القول، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر، واجتناب النواهي؛ فإن أخل
بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً؛ فإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به؛ فهو كافر معاند
كفرعون، وإبليس"اهـ (كشف الشبهات ص 21)
وقال: "وقولك: إن الإيمان محله القلب؛ فالإيمان - بإجماع السلف - محله القلب، والجوارح جميعاً"اهـ
(الرسائل الشخصية ص 122)
وقال: "لا بد في شهادة ألا إله إلا الله؛
من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع،
لم يكن الرجل مسلماً"اهـ (الدرر السنية 2/350)
وقال: "دين الله يكون على القلب بالاعتقاد وبالحب والبغض، ويكون على
اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام وترك
الأفعال التي تكفر، فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث؛ كفر وارتد"اهـ (الدرر
السنية 10/87)
وقال: "وأما كون لا إله إلا الله تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من
النار إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة؛ فلا إشكال في ذلك، وسر المسألة: أن الإيمان
يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله؛ بل هذا مذهب الخوارج؛ فالذي يقول:
الأعمال كلها من لا إله إلا الله. فقوله الحق، والذي يقول: يخرج من النار من
قالها، وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة فقوله الحق؛ السبب ما ذكرت لك من التجزي،
وبسبب الغفلة عن التجزي؛ غلط أبو حنيفة وأصحابه في زعمهم؛ أن الأعمال ليست من
الإيمان"اهـ (الرسائل الشخصية ص 96)
قال الجامي: "القرآن
الكريم عبارة عن رسالة بعثها الله عز وجل"اهـ (تصحيح المفاهيم ص 33)
قلت:
أهل السنة لا يقولون: القرآن حكاية عن كلام الله؛ كما هو قول الكلابية، أو
عبارة عن كلام الله؛ كما هو قول الأشاعرة الجهمية، ومرادهم من هذا؛ هو نفس مراد اللفظية الذين اشتد نكير
السلف عليهم؛ بل يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق؛ منه بدأ، وإليه يعود.
قال ابن بطة: "اعلموا رحمكم الله؛ أن صنفاً من الجهمية اعتقدوا بمكر
قلوبهم، وخبث آرائهم، وقبيح أهوائهم؛ أن القرآن مخلوق؛ فكنوا عن ذلك ببدعة
اخترعوها تمويها وبهرجة على العامة؛ ليخفى كفرهم، ويستغمض إلحادهم على من قل علمه،
وضعفت نحيزته؛ فقالوا: إن القرآن الذي تكلم الله به وقاله، فهو كلام الله غير
مخلوق، وهذا الذي نتلوه ونقرؤه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا؛ ليس هو القرآن الذي هو
كلام الله؛ هذا حكاية لذلك؛ فما نقرؤه نحن؛ حكاية لذلك القرآن
بألفاظنا نحن، وألفاظنا به مخلوقة، فدققوا في كفرهم، واحتالوا لإدخال الكفر على
العامة بأغمض مسلك، وأدق مذهب، وأخفى وجه، فلم يخف ذلك بحمد الله ومنه وحسن توفيقه؛
على جهابذة العلماء والنقاد العقلاء؛ حتى بهرجوا ما دلسوا، وكشفوا القناع عن قبيح
ما ستروه، فظهر للخاصة والعامة كفرهم وإلحادهم .. وكان بيان كفرهم بيناً واضحاً في
كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقد كذبهم القرآن والسنة بحمد
الله؛ قال الله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}، ولم يقل: حتى يسمع حكاية كلام الله.
وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}؛ فأخبر أن السامع إنما يسمع إلى القرآن، ولم يقل: إلى
حكاية القرآن. وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}، وقال عز
وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}، وقال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ
نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى
الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}، ولم يقل: إنا سمعنا حكاية قرآن عجب. وقال تعالى: {فَاقْرَءُوا
مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي
الْقُرْآنِ وَحْدَهُ}، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: من حكاية القرآن. ومثل هذا في القرآن كثير؛
من تدبره عرفه. وجاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة والتابعين،
وفقهاء المسلمين رحمة الله عليهم أجمعين؛ ما يوافق القرآن ويضاهيه، والحمد لله، بل
أكثرهم لا يعلمون؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن قريشاً منعتني أن أبلغ كلام
ربي». ولم يقل: حكاية كلام ربي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم
القرآن وعلمه» ولم يقل: من تعلم حكاية القرآن. وقال
«مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة؛ إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها
ذهبت». وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن
يناله العدو». وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ فنهى
أن يمس المصحف إلا طاهر؛ لأنه كلام رب العالمين؛ فكل ذلك يسميه الله عز وجل قرآناً،
ويسميه النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً، ولا يقول: حكاية القرآن، ولا حكاية كتاب
الله، ولا حكاية كلام الله. وقال عبدالله بن مسعود: إن هذا القرآن كلام الله فلا
تخلطوا به غيره. وقال عبدالله أيضاً: تعلموا كتاب الله واتلوه؛ فإن لكم بكل حرف
عشر حسنات. فهذا ونحوه في القرآن والسنن، وقول الصحابة والتابعين، وفقهاء المسلمين؛
ما يدل العقلاء على كذب هذه الطائفة من الجهمية الذين احتالوا ودققوا في قولهم: القرآن مخلوق. ولقد جاءت الآثار عن
الأئمة الراشدين وفقهاء المسلمين الذين جعلهم الله هداة للمسترشدين، وأنساً لقلوب
العقلاء من المؤمنين، مما أمروا به من إعظام القرآن وإكرامه، مما فيه دلالة على أن
ما يقرؤه الناس ويتلونه بألسنتهم؛ هو القرآن الذي تكلم الله به، واستودعه اللوح
المحفوظ، والرق المنشور؛ حيث يقول الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي
لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}، وقوله تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}"اهـ
(الإبانة 5/317-321)
وقال ابن تيمية: "لم يقل أحد من السلف: إن هذا القرآن عبارة عن كلام
الله، ولا حكاية له، ولا قال أحد منهم: إن لفظي بالقرآن قديم أو غير مخلوق؛ فضلاً
عن أن يقول: إن صوتي به قديم أو غير مخلوق؛ بل كانوا يقولون بما دل عليه الكتاب
والسنة؛ من أن هذا القرآن كلام الله، والناس يقرؤونه بأصواتهم، ويكتبونه بمدادهم،
وما بين اللوحين كلام الله، وكلام الله غير مخلوق"اهـ (مجموع الفتاوى 12/302)
قال الجامي:
"الحديث السادس: (خلق الله آدم على صورته) هذا هو الحديث الأخير من الأحاديث التي ساقها (محمود محمد طه) ليلبس بها
على الناس، وهو لم يذكر الحديث بتمامه، وإنما اقتصر على القدر الذي كان يظن أنه من
شواهده - كعادته المعروفة - ولذلك فاته المعنى الصحيح للحديث، ومرجع الضمير في
قوله: (على صورته) وتمام الحديث - بما فيه ذكر السبب - كالآتي: مر رسول الله صلى
الله عليه وسلم برجل يضرب ابنه أو غلامه في وجهه لطماً، ويقول: قبح الله وجهك،
ووجه من أشبه وجهك. فقال رسوله الله: (إذا ضرب أحدكم غلامه فليتق الوجه فإن الله
خلق آدم على صورته) ومعنى الحديث جد واضح، ومرجع الضمير ظاهر من ذكر سبب الحديث،
وتوضيح المعنى كالآتي: يقول صلى الله عليه وسلم؛ مؤدبا لأمته: إذا أراد أحدكم أن
يضرب من يجوز له ضربه - ضرب تأديب طبعاً - كالغلام، والولد، والزوجة، فليتق الوجه
ضرباً؛ احتراماً لأبي البشر آدم؛ لأن الله خلق وجه آدم
مشبهاً لوجه الإنسان المضروب، وهذا الذي يسميه علماء البلاغة بالتشبيه المقلوب. وإذا
كان المفروض تشبيه وجه الفرع بوجه الأصل، ولكنه جعل وجه الفرع كالأصل تنفيراً من
ضربه، وكان غرض صاحبنا من ذكر الحديث الاستدلال به على أن آدم فيه صفة من صفات
الرب؛ ظناً منه أن الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: (على صورته) راجعاً إلى
الله، ولقد علمت عدم صحة هذا الفهم؛ لمعرفتك المعنى الصحيح للحديث، ولله الحمد
والمنة"اهـ (المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية ص 12، وما بعدها)
قلت:
القول بأن الضمير يعود على المضروب، أو على آدم، أو على صورة الطين، أو على
غير ذلك مما فيه صرف للفظ الحديث عن ظاهره؛ هو قول الجهمية؛ فالضمير يعود على الله
سبحانه وتعالى؛ كما أجمع على ذلك أئمة السلف رحمهم الله، وليست هذه الصفة بأعجب
من بقية الصفات؛ فالواجب الإيمان بها، واستقبالها بالتسليم، والتصديق، وترك النظر.
قال عبدالله بن أحمد: "قال رجل لأبي: إن فلاناً يقول في حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)؛ فقال: على صورة الرجل؛ قال
أبي: كذب هذا؛ هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا؟!"اهـ (إبطال التأويلات 74)
وقال إسحاق بن منصور الكوسج: "قلت لأحمد: «لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته»؛
أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح. قال ابن راهويه: صحيح، ولا يدعه إلا
مبتدع، أو ضعيف الرأي"اهـ (الإبانة لابن بطة 197)
وقال أبو بكر المروذي: "قلت لأبي عبد الله: كيف تقول في حديث النبي
صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته»؟ قال: أما الأعمش؛ فيقول: عن حبيب
بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل
خلق آدم على صورة الرحمن»؛ فنقول كما جاء الحديث. وسمعت أبا عبد الله، وذكر له بعض
المحدثين؛ قال: خلقه على صورته؛ قال: على صورة الطين. فقال: هذا كلام الجهمية"اهـ
(الإبانة 196)
وقال أبو طالب: "سمعت أبا عبدالله؛ يقول: من قال: إن الله تعالى خلق
آدم على صورة آدم؛ فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟"اهـ (الإبانة
198)
وقال حمدان بن علي الوراق: "سألت أبا ثور عن قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته»؛ فقال: على صورة آدم. وكان هذا بعد ضرب أحمد بن
حنبل والمحنة؛ فقلت لأبي طالب: قل لأبي عبد الله. فقال أبو طالب: قال لي أحمد بن
حنبل: صح الأمر على أبي ثور؛ من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم؛ فهو جهمي، وأي
صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟"اهـ (طبقات الحنابلة 1/309)
وقال ابن
تيمية: "لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث
عائد إلى الله تعالى؛ فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث
كلها يدل على ذلك"اهـ (بيان تلبيس الجهمية 6/373)
وقال: "عود الضمير إلى غير الله؛ فهذا باطل من وجوه؛ أحدها: أن في
الصحيحين ابتداء إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً، وفي أحاديث أخر: إن
الله خلق آدم على صورته، ولم يتقدم ذكر أحد يعود الضمير إليه"اهـ (بيان تلبيس
الجهمية 6/423)
قال الجامي: "الأصل
الثالث للمعتزلة: القول بالمنزلة بين المنزلتين في مرتكب الكبيرة؛ أي أنه يخرج من
الإيمان ولا يدخل في الكفر، وهي منزلة وهمية؛ لأن القسمة ثنائية: إما الكفر، وإما
إيمان، ولا واسطة بينهما"اهـ (العقيدة الإسلامية وتاريخها ص 32)
قلت:
هذا
مذهب المرجئة الذين لا يفرقون بين الإسلام والإيمان، ويجعلونهما شيئاً واحداً؛ أما
أهل السنة فيقولون: الإسلام:
أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة،
وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، والإيمان: أن تؤمن باللّه،
وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره؛ كما في حديث جبريل
المشهور.
قال
أبو داود: "سمعت أحمد؛ قال له رجل: قيل لي:
مؤمن أنت؟ قلت: نعم؛ عليَّ في ذلك شيء؟ هل الناس إلا مؤمن، وكافر؟ فغضب أحمد،
وقال: «هذا كلام الإرجاء؛ قال الله عز وجل: }وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ{» "اهـ (السنة
للخلال 967)
وقال
ابن تيمية: "أما قوله: يجعلونه مسلماً ومؤمناً شيئاً واحداً؛ فهذا قول من
يقول: الدين والإيمان شيء واحد؛ فالإسلام هو الدين؛ فيجعلون الإسلام والإيمان
شيئاً واحداً، وهذا القول قول المرجئة؛ فيما يذكره كثير من الأئمة؛ كالشافعي وأبي
عبيد، وغيرهما"اهـ (مجموع الفتاوى 7/380)
قال الجامي:
"مهمة العقيدة أن تطلق الروح، وتخرجها من حجابها لكي ترى الله، وتتصل به
مباشرة، وبدون واسطة"اهـ (طريقة الإسلام في التربية ص 19)
وقال:
"لأنهم يستمدون قوتهم من قوة خالقهم؛ فهم من الله، وقوتهم من قوة الله"اهـ
(ص 12)
وقال:
"الروح هي تلك الطاقة الهائلة في كيان الإنسان، والركن المهم فيه، والعنصر
الأساسي في تكوينه، وهي التي يتم بطريقها اتصال الإنسان بربه وخالقه؛ لأنها من روح
الله التي أودعها قبضة من طين؛ فصار إنساناً {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ}"اهـ (ص 157)
قلت:
تكلم بنحو هذا
الكلام ابن قطب؛ فرماه المداخلة عن بكرة أبيهم بالقول بوحدة الوجود؛ أما الجامي
فالأمر معه يختلف؛ حيث الاعتذار، وحسن الظن؛ فضلاً عن كونه إمام القوم؛ لذا فقد نقل
هذا الكلام أحد الجامية، وأعقبه بقوله:
"الكلام
السابق ذكره؛ كان الشيخ متأثراً به، وعن حسن ظن؛ في سيد قطب وأخيه؛ فلما تبين له
ما هما عليه من مخالفة لمنهج السلف الصالح؛ بين وحذر منهما في غير ما موضع"اهـ
(صد عدوان الجاني فيما افتراه على الشيخ محمد أمان الجامي ص 8)
ثم شرع في نقل
كلام للجامي؛ يفند فيه شبهات ابن قطب، ويحذر من عقيدة وحدة الوجود، وأعقبها بقوله:
"وبعد هذا
الكلام الواضح الصريح من الشيخ رحمه الله، وموقفه من وحدة الوجود؛ لا أظن من له
أدنى مسكة من عقل يقول غير هذا؛ إلا إن
كان صاحب هوى؛ فهذا لا سبيل لنا إليه إلا أن يهديه الله، أو أن يقصم ظهره"اهـ
(ص 29)
ونسي الأحمق -
أو تناسى - أن زعيم الطائفة؛ لا يقول بحمل المجمل على المفصل؛ بل يرى أنه بدعة
ضلالة يراد بها الكيد لهذا الدين، والاعتذار لأهل الأهواء، والبدع.
قال ربيع المدخلي: "المؤاخذة
بالزلات هو منهج الاسلام؛ فالزاني يرجم إذا كان محصناً .. والمبتدع بالقدر أو
الرفض أو الخروج ونحوها؛ قد بدعه السلف الصالح، وضللوه"اهـ (شرح كتاب السنة
للبربهاري 1/237)
وقال: "داود
كان من كبار علماء الحديث، وله مؤلفات كثيرة في السنة، وإليه انتهت رياسة العلم في
بغداد، ومع هذا كله؛ لما قال القرآن محدث (أي مخلوق) بدعه أهل السنة، وما حمل كبار
أهل السنة مجمله على مفصله؛ لأنه كان سلفياً؛ كما يقوله غلاة المداهنين وغلاة
التمييع والتضييع. وجاء داود إلى الإمام أحمد معتذراً ومنكراً أنه قال بهذه
البدعة؛ فلم يصدقه، ولم يأذن له بالدخول عليه. فأين حمل المجمل على المفصل الذي
اخترعه أهل الأهواء؛ ثم كفوا عنه، وحمل رايته أدعياء السلفية وحماة البدع وأهلها
من غلاة التمييع؟ وهؤلاء أئمة السنة يؤلفون عشرات المجلدات في الجرح والتعديل، وهي
مليئة بجرح أهل البدع والضعفاء والكذابين، ولا تجد أثراً لهذا المنهج البدعي، ولم
يعارضهم لا أهل السنة ولا أهل البدع بهذا المنهج الباطل الذي اخترع في هذا العصر
للدفاع عن أهل الضلال. فإذا كان هذا المنهج يمثل العدل؛ فإنه يلزم عليه بأن سلفنا
الصالح من محدثين وفقهاء ومؤلفين في العقائد وغيرها كانوا أهل ظلم وغلو؛ حاشاهم ثم
حاشاهم، وكبت الله خصومهم المخالفين لمنهجهم وأصولهم وكافأهم بما يستحقون"اهـ
(جناية الحلبي على الإمام البخاري رحمه الله وتهويشه عليه)
وقال:
"من قال ببدعة كبرى، أو كتبها؛
بأن قال .. بـ الإرجاء .. أو دون شيئاً من ذلك في كتبه؛ لا يتعامل معه ومع بدعته أو
بدعه؛ كما يتعامل مع نصوص القرآن والسنة الواردة مورد التشريع؛ بالجمع بين أقواله المتعارضة،
أو البحث عن أيها الناسخ وأيها المنسوخ، أو الترجيح بين أقواله المتضاربة المتعارضة؛
خاصة في أبواب البدع الكبرى الواضحة .. فإنه يدان بعمله هذا، ويتحمل مسؤوليته، ولا
يربط بين ماضيه وحاضره، ولا يعبأ بما يناقض هذا الضلال، ولا يعامل انحرافه وضلاله معاملة
نصوص الرب تبارك وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"اهـ
(مجموع الكتب والرسائل
6/123)
قلت: والجامي
وقع في غير ما بدعة كبرى؛ كالإرجاء، والتجهم؛ لكن المداخلة قوم بهت؛ ينكرون ما
يعرفون، ويعرفون ما كانوا ينكرون؛ لذا فهم يتلونون طبقاً للمصلحة، وما تقتضيه
الظروف، والأحوال.
قال عون بن عبدالله: "إذا غلب الهوى على القلب؛ استحسن الرجل ما كان يتقبحه"اهـ (الشرح
والإبانة 353)
وقال الأوزاعي: "كنا نتحدث؛ أنه ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب ورعه"اهـ
(تاريخ دمشق 27/13)
على أن الروح ليست
قديمة أزلية؛ كما هو قول الزنادقة والملاحدة، وهو ما أرهص به الجامي؛ بل محدثة
مخلوقة مربوبة، وإضافتها إلى الله ليست إلا إضافة ملك، وتشريف.
قال ابن تيمية: "قالت الحلولية من النصارى وغلاة الشيعة والصوفية ومن
اتبعهم؛ ممن يقول بقدم الروح، وينتسب إلى أئمة المسلمين كالشافعي وأحمد وغيرهما؛
مثل طائفة من أهل جيلان وغيرهم: إضافة الروح إلى الله؛ كإضافة الكلام والقدرة
والكلام والقدرة؛ فكذلك الروح. وفي قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ
مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} دليل على أن روح العبد صفة لله قديمة.
وقالت النصارى: عيسى كلمة الله، وكلام الله غير مخلوق؛ فعيسى غير مخلوق. وقالت
الصابئة والجهمية: عيسى كلمة الله، وهو مخلوق، والقرآن كلام الله؛ فهو أيضاً
مخلوق. وهذه المواضع اشتبهت على كثير من الناس، وقد تكلم فيها الأئمة كأحمد بن
حنبل وغيره، وتكلموا في إضافة الكلام والروح، ومناظرة الجهمية والنصارى. وقد سئلت
عن ذلك من جهة الحلولية تارة، ومن جهة المعطلة تارة، والسائلون تارة من أهل القبلة،
وتارة من غير أهلها، وقد بسط جواب ذلك في غير موضع؛ لكن المقصود هنا أن الفارق بين
المضافين: أن المضاف إن كان شيئاً قائماً بنفسه، أو حالاً في ذلك القائم بنفسه؛
فهذا لا يكون صفة لله؛ لأن الصفة قائمة بالموصوف. فالأعيان التي خلقها الله قائمة
بأنفسها وصفاتها القائمة بها؛ تمتنع أن تكون صفات لله؛ فإضافتها إليه تتضمن كونها
مخلوقة مملوكة؛ لكن أضيفت لنوع من الاختصاص المقتضي للإضافة؛ لا لكونها صفة،
والروح الذي هو جبريل من هذا الباب؛ كما أن الكعبة والناقة من هذا الباب، ومال
الله من هذا الباب، وروح بني آدم من هذا، وذلك كقوله {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}"اهـ (بتصرف من مجموع
الفتاوى 17/150-151)
قال الجامي: "وتفسير المقام المحمود؛ أن الله يجلسه صلى الله عليه وسلم معه على عرشه؛ تفسير باطل لا يليق؛ أولاً: الأثر الذي يُنسب إلى مجاهد في معنى
الاستواء؛ إن الله مستو على عرشه؛ أي جالس على عرشه خطأ، وغير ثابت، ولو ثبت ما
قُبل"اهـ (شرح الواسطية؛ مفرغ ومنشور على الشبكة)
قلت:
اتفق أئمة
السلف الصالح رضوان الله عليهم من غير خلف بينهم؛ على تلقي تفسير مجاهد رحمه الله
للمقام المحمود، وهو أن الله عز وجل يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم معه على
العرش؛ بالقبول والتسليم، وأخذوا به كابراً عن كابر، وجيلاً عن جيل، وحدثوا به على
رؤوس الناس، ولا يعرف عن واحد منهم أنه أنكره، أو رده، أو طعن في متنه أو سنده؛ بل
هو عندهم حديث ثابت عن مجاهد؛ رواه عنه ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وجابر
بن يزيد، وأبو يحيى القتات، وغيرهم، وكانوا يمتحنون الناس به؛ حتى ظهر في حدود
السبعين ومئتين أحد الجهمية، وهو الترمذي الضال؛ فطعن فيه ورده؛ فحذر منه الأئمة، وردوا
عليه، وهجروه وجانبوه، ووصفوه بالتجهم، وألف أبو بكر المروذي رحمه الله وهو أجل
أصحاب الإمام أحمد كتاباً في ذلك؛ بعد أن استفتى مشايخ عصره؛ كأبي داود صاحب
السنن، وعبدالله بن أحمد، وإبراهيم الحربي، ومحمد بن بشر بن شريك النخعي، وغيرهم،
وممن كتب في ذلك أيضاً؛ أبو بكر الخلال رحمه الله؛ حيث خصص في كتابه (السنة) فصلاً
لهذه المسألة؛ ذكر فيه ما جاء عن أئمة السلف رحمهم الله بخصوصها، وإطباقهم على أن
من رد هذا الأثر؛ فهو جهمي.
قال ابن تيمية: "قد حدث العلماء
المرضيون، وأولياؤه المقبولون؛ أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه
على العرش معه؛ روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ في تفسير }عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَامًا مَحْمُودًا{، وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة
وغير مرفوعة، وقال ابن جرير: وهذا ليس مناقضاً لما استفاضت به الأحاديث؛ من أن
المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه؛ لا
يقول: إن إجلاسه على العرش منكر، وإنما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير
الآية منكر"اهـ (مجموع الفتاوى 4/374)
وقال: "يأخذ المسلمون جميع دينهم من الاعتقادات
والعبادات وغير ذلك من كتاب الله وسنة رسوله، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها،
وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح، فإن ما خالف العقل الصريح
فهو باطل، وليس في الكتاب
والسنة والإجماع؛ باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها
معنى باطلاً؛ فالآفة منهم لا من الكتاب، والسنة"اهـ (مجموع الفتاوى 11/490)
قال الجامي: "أخطأ الإمام أبو حنيفة؛
ففسر الإيمان بالتصديق والقول، وأخر الأعمال عن الدخول في مسمى الإيمان؛ لم يقل له
أحد من علماء المسلمين قديماً وحديثاً؛ بأنه مبتدع"اهـ (شرح الواسطية؛ مفرغ
ومنشور على الشبكة)
قلت:
هذا من جهله المركب، وإلا فأئمة السلف أجمعوا على تبديع أبي حنيفة،
وتضليله، وكانوا يسمونه: (أبو جيفة). وبعضهم كان يلعنه من فوق المنابر، وعلى رؤوس
الأشهاد.
قال أبو بكر بن أبي داود: "ما تقولون في مسألة اتفق عليها: مالك
وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان
الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر؛ لا تكون مسألة أصح
من هذه؛ فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد
15/516)
وقال: "الوقيعة
في أبي حنيفة إجماع من العلماء؛ لأن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه،
وإمام الكوفة الثوري وقد تكلم فيه، وإمام الحجاز مالك وقد تكلم فيه، وإمام مصر
الليث بن سعد وقد تكلم فيه، وإمام الشام الأوزاعي وقد تكلم فيه، وإمام خراسان
عبدالله بن المبارك وقد تكلم فيه؛ فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع الآفاق"اهـ
(الكامل لابن عدي 8/241)
وقال ابن حبان: "أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين في جميع الأمصار
وسائر الأقطار؛ جرحوه، وأطلقوا عليه القدح؛ إلا الواحد بعد الواحد"اهـ
(المجروحين 1127)
وقال ابن الجوزي: "اتفق الكل على الطعن فيه؛ ثم انقسموا على ثلاثة
أقسام: فقوم طعنوا فيه؛ لما يرجع إلى العقائد والكلام في الأصول. وقوم طعنوا في
روايته وقلة حفظه وضبطه. وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف الأحاديث
الصحاح"اهـ (المنتظم 8/131-132)
وقال: "وقد كان بعض الناس يقيم عذره، ويقول: ما بلغه الحديث، وذلك ليس
بشيء لوجهين: أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة. والثاني:
أنه كان إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عن قوله"اهـ (المنتظم
8/135)
وقال الخطيب: "قد سقنا عن أيوب السختياني، وسفيان الثوري، وسفيان بن
عيينة، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة؛ أخباراً كثيرة تتضمن تقريظ أبي حنيفة،
والمدح له، والثناء عليه. والمحفوظ عند نقلة الحديث عن الأئمة المتقدمين - وهؤلاء
المذكورون منهم - في أبي حنيفة خلاف ذلك، وكلامهم فيه كثير؛ لأمور شنيعة حفظت عليه؛
متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع؛ نحن ذاكروها بمشيئة الله .. أخبرني
محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي،
قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار في شهر جمادى الآخرة من
سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ذكر القوم الذين ردوا على أبي حنيفة: أيوب
السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو
عوانة، وعبدالوارث، وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن زريع، وعلي بن عاصم، ومالك بن
أنس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وأبو عبدالرحمن المقرئ، وسعيد بن عبدالعزيز،
والأوزاعي، وعبدالله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، ويوسف بن أسباط، ومحمد بن
جابر، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وحفص
بن غياث، وأبو بكر بن عياش، وشريك بن عبدالله، ووكيع بن الجراح، ورقبة بن مصقلة،
والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن
حبيب، وابن شبرمة"اهـ (تاريخ بغداد 15/502)
وقال: "وأما القول بخلق القرآن؛ فقد قيل: إن أبا حنيفة لم يكن يذهب
إليه، والمشهور عنه: أنه كان يقوله، واستتيب منه"اهـ (تاريخ بغداد 15/516)
وقال حرب الكرماني: "وأصحاب الرأي: وهم مبتدعة ضلال أعداء السنة
والأثر؛ يرون الدين رأياً وقياساً واستحساناً، وهم يخالفون الآثار، ويبطلون
الحديث، ويردون على الرسول، ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله إماماً يدينون
بدينهم، ويقولون بقولهم فأي ضلالة بأبين ممن قال بهذا أو كان على مثل هذا، يترك
قول الرسول وأصحابه، ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه، فكفى بهذا غياً وطغياناً ورداً"اهـ
(السنة 1)
وقال إسحاق بن عيسى الطباع: "سألت شريكاً عن أبي حنيفة؛ فقال: وهل
تلتقي شفتان بذكر أبي حنيفة؟"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 332)
وقال حماد بن
زيد: "سمعت أيوب وذُكر أبو حنيفة فقال: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم،
ويأبى الله إلا أن يتم نوره"اهـ (تاريخ بغداد 15/547)
وقال: "سمعت أيوب يقول: لقد ترك أبو حنيفة هذا الدين، وهو أرق من ثوب
سابري"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 254)
وقال منصور بن أبي مزاحم: "سمعت أبا علي العذري يقول لحماد بن زيد:
مات أبو حنيفة؛ قال: الحمد لله الذي كنس بطن الأرض به"اهـ (الحلية 6/259)
وقال إسحاق بن
عيسى الطباع: "سألت حماد بن زيد عن أبي حنيفة؛ فقال: إنما ذاك يعرف بالخصومة
في الإرجاء"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 304)
وقال: "كنا عند حماد بن زيد ومعنا وهب بن جرير؛ فذكرنا
شيئاً من قول أبي حنيفة؛ قال حماد بن زيد: اسكت ولا يزال الرجل منكم داحضاً في
بوله؛ يذكر أهل البدع في مجلس عشيرته؛ حتى يسقط من أعينهم؛ ثم أقبل علينا حماد؛
فقال: أتدرون ما كان أبو حنيفة؛ إنما كان يخاصم في الإرجاء؛ فلما تخوف على مهجته
تكلم في الرأي؛ فقاس سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض ليبطلها، وسنن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقاس"اهـ (حلية الأولياء 6/258)
وقال عبدالوارث بن سعيد: "جلست إلى أبي حنيفة بمكة؛ فذكر شيئاً؛ فقال
له رجل: روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كذا وكذا؛ قال أبو حنيفة: ذاك قول الشيطان.
وقال له آخر: أليس يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفطر الحاجم والمحجوم»؛
فقال: هذا سجع. فغضبت، وقلت: إن هذا مجلس لا أعود إليه، ومضيت وتركته"اهـ
(السنة لعبدالله 403)
وقال القاسم بن محمد: "سمعت إسحاق بن راهويه؛ يقول: كنت صاحب رأي؛
فلما أردت أن أخرج إلى الحج عمدت إلى كتب عبدالله بن المبارك، واستخرجت منها ما
يوافق رأي أبي حنيفة من الأحاديث، فبلغت نحو من ثلثمائة حديث، فقلت: أسأل عنها
مشايخ عبدالله الذين هم بالحجاز، والعراق، وأنا أظن أن ليس يجترئ أحد أن يخالف أبا
حنيفة؛ فلما قدمت البصرة جلست إلى عبدالرحمن بن مهدي، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت:
من أهل مرو؛ قال: فترحم على ابن المبارك، وكان شديد الحب له؛ فقال: هل معك مرثية
رثي بها عبدالله؟ فقلت: نعم، فأنشدته قول أبي تميلة يحي بن واضح الأنصاري: قال:
فما زال ابن المهدي يبكي، وأنا أنشده حتى إذا ما قلت: وبرأي النعمان كنت بصيراً
.. قال لي: اسكت قد أفسدت القصيدة. فقلت:
إن بعد هذا أبياتاً حساناً. فقال: دعها تذكر رواية عبدالله عن أبي حنيفة في
مناقبة! ما تعرف له زلة بأرض العراق إلا روايته عن أبي حنيفة، ولوددت أنه لم يرو
عنه، وأني كنت أفتدي ذلك بعظم مالي. فقلت: يا أبا سعيد لم تحمل على أبي حنيفة كل
هذا؟! لأجل هذا القول أنه كان يتكلم بالرأي، فقد كان مالك بن أنس، والأوزاعي،
وسفيان يتكلمون بالرأي! فقال: تقرن أبا حنيفة إلى هؤلاء! ما أشبه أبا حنيفة في
العلم إلا بناقة شاردة فاردة ترعى في وادي خصب، والإبل كلها في واد آخر. قال
إسحاق: ثم نظرت بعد فإذا الناس في أمر أبي حنيفة على خلاف ما كنا عليه بخرسان"اهـ
(الورع للمروذي 401)
وقال أبو زرعة الرازي: "كان أبو حنيفة جهمياً، وكان محمد بن الحسن
جهمياً، وكان أبو يوسف سليماً من التهجم"اهـ (تاريخ بغداد 2/561)
وقال: "كان أهل الري قد افتتنوا بأبي حنيفة، وكنا أحداثاً نجري معهم،
ولقد سألت أبا نعيم عن هذا، وأنا أرى أني في عمل! ولقد كان الحميدي يقرأ كتاب
الرد، ويذكر أبا حنيفة، وأنا أهم بالوثوب عليه، حتى من الله علينا، وعرفنا ضلالة
القوم"اهـ (سؤالات البرذعي 2/753)
وقال أحمد بن حنبل: "أما أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن؛ فكانا مخالفين للأثر، وهذان
لهما رأى سوء"اهـ (تاريخ بغداد 2/561)
وقال: "ما قول أبي حنيفة والبعر عندي؛ إلا
سواء"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال: "أصحاب أبي حنيفة؛ لا ينبغي أن يروى عنهم شيء"اهـ (العلل
5332)
وقال أبو بكر الأعين: "سمعت أحمد بن حنبل؛ يقول: «لا تكتب عن أحد منهم
ولا كرامة لهم»؛ يعني أصحاب أبي حنيفة"اهـ (الكامل 1658)
وقال عبدالله بن أحمد: "حدثني أبي؛ ثنا شعيب بن
حرب؛ قال: سمعت سفيان الثوري؛ يقول: «ما أحب أن أوافقهم على الحق»؛ قلت لأبي رحمه
الله: يعني أبا حنيفة؟ قال: «نعم؛ رجل استتيب في الإسلام مرتين»؛ يعني أبا حنيفة؛
قلت لأبي رحمه الله: كأن أبا حنيفة المستتيب؟ قال: «نعم»"اهـ (السنة 264)
وقال إسحاق بن منصور الكوسج: "قلت لأحمد بن حنبل: يؤجر الرجل على بغض
أبي حنيفة، وأصحابه؟ قال: «إي والله»"اهـ (السنة لعبدالله 228)
وقال الأثرم:
"رأيت أبا عبدالله مراراً؛ يعيب أبا حنيفة، ومذهبه"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال أحمد بن الحسن الترمذي: "سمعت أحمد بن حنبل؛ يقول: أبو حنيفة
يكذب"اهـ (الضعفاء للعقيلي 1876)
وقال المروذي:
"سألت أبا عبدالله؛ عن أبي حنيفة، وعمرو بن عبيد؛ فقال: «أبو حنيفة أشد على
المسلمين من عمرو بن عبيد؛ لأن له أصحاباً»"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال الحسين بن الحسن المروزي: "سألت أحمد بن حنبل؛ فقلت: ما تقول في
أبي حنيفة؟ فقال: «رأيه مذموم، وحديثه لا يذكر»"اهـ (الضعفاء للعقيلي 1876)
وقال محمد بن يوسف البيكندي: "قيل لأحمد بن حنبل؛ قول أبي حنيفة:
الطلاق قبل النكاح؟ فقال: مسكين أبو حنيفة؛ كأنه لم يكن من العراق؛ كأنه لم يكن من
العلم بشيء؛ قد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وعن نيف وعشرين
من التابعين؛ مثل: سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاووس، وعكرمة، كيف
يجترئ أن يقول: تطلق؟"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال بشر بن الفضل: "قلت لأبي حنيفة: نافع عن ابن عمر أن النبي عليه
السلام؛ قال (البيعان بالخيار مالم يفترقا الا بيع الخيار)؛ قال: هذا رجز. فقلت:
قتادة عن أنس أن يهودياً رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي عليه السلام رأسه بين
حجرين؛ فقال: هذا هذيان"اهـ (الانتقاء ص 151-152)
وقال محمد بن منصور الجوار: "رأيت الحميدي يقرأ كتاب الرد على أبي
حنيفة في المسجد الحرام؛ فكان يقول: قال بعض الناس كذا. فقلت له: فيكف لا تسميه؟
قال: أكره أن أذكره في المسجد الحرام"اهـ (المجروحين 1127)
وقال إبراهيم
الحربي: "الصغير إذا أخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة
والتابعين؛ فهو كبير, والشيخ الكبير إن أخذ بقول أبي حنيفة، وترك السنن؛ فهو
صغير"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 1/95)
وقال: "وضع أبو حنيفة أشياء في العلم؛ مضغ الماء أحسن منها، وعرضت يوماً شيئاً من
مسائله على أحمد بن حنبل؛ فجعل يتعجب منها؛ ثم قال: كأنه هو يبتدئ الإسلام"اهـ
(تاريخ بغداد 15/558)
وقال يوسف بن
أسباط: "كان أبو حنيفة مرجئاً, وكان يرى السيف, وولد على غير الفطرة"اهـ
(الضعفاء للعقيلي 1876)
وقال شعبة:
"كف من تراب خير من أبي حنيفة. قال حماد: وسمعت شعبة يلعن أبا حنيفة"اهـ
(الضعفاء للعقيلي 1876)
وقال عمرو بن علي
الفلاس: "أبو حنيفة النعمان بن ثابت صاحب الرأي؛ ليس بالحافظ؛ مضطرب الحديث؛
واهي الحديث، وصاحب هوى"اهـ (تاريخ بغداد 15/573)
وقال عبدالله
بن إدريس: "كان أبو حنيفة ضالاً مضلاً, وأبو يوسف فاسقاً من الفاسقين"اهـ
(الضعفاء للعقيلي 2071)
وقال:
"أما أبو حنيفة؛ فضال مضل"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال أبو إسحاق الفزاري: "حدثت أبا حنيفة بحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم في رد السيف؛ فقال: هذا حديث خرافة"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد
322)
وقال: "كان أبو حنيفة يقول: إيمان إبليس وإيمان أبي بكر الصديق رضي
الله عنه واحد؛ قال أبو بكر: يا رب. وقال إبليس: يا رب"اهـ (السنة لعبدالله
بن أحمد 371)
وقال:
"كان أبو حنيفة مرجئاً يرى السيف"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 325)
وقال: "لما قتل أخي جئت الكوفة؛ فسألت عن أخي؛ فقالوا: استفتى أبا
حنيفة في الخروج مع إبراهيم فأفتاه؛ فقلت له: تفتي أخي بالخروج معه؟ - يعني
إبراهيم - فقال: نعم، وهو خير منك"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 367)
وقال: "قال لي أبو حنيفة: مخرج أخيك أحب إلي
من مخرجك. قال خلف: وكان الفزاري خرج إلى المصيصة، وخرج أخوه مع إبراهيم حين خرج
بالبصرة في الفتنة"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 373)
وقال:
"سمعت سفيان الثوري والأوزاعي؛ يقولان: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على هذه
الأمة من أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/530)
وقال الأوزاعي: "ما ولد مولود في الإسلام أضر
على الإسلام من أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال محمد بن كثير المصيصي: "ذكر الأوزاعي
أبا حنيفة؛ فقال: هو ينقض عرى الاسلام عروة عروة"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد
246)
وقال سليمان بن حسان الحلبي: "سمعت الأوزاعي
ما لا أحصيه؛ يقول: عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام؛ فنقضها عروة عروة"اهـ
(تاريخ بغداد 15/444)
وقال مؤمل بن إسماعيل: "سألت سفيان بن عيينة؛
قلت: يا أبا محمد؛ تحفظ عن أبي حنيفة شيئاً؟ قال: لا، ولا نعمة عين"اهـ
(تاريخ بغداد 15/573)
وقال عبدالله بن المبارك: "ذكرت أبا حنيفة عند الأوزاعي، وذكرت علمه
وفقهه؛ فكره ذلك الأوزاعي، وظهر لي منه الغضب؛ وقال: تدري ما تكلمت به؟ تطري رجلاً
يرى السيف على أهل الاسلام. فقلت: إني لست على رأيه ولا مذهبه؛ فقال: قد نصحتك فلا
تكره. فقلت: قد قبلت"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 382)
وقال: "كتبت عن أبي حنيفة أربع مائة حديث؛ إذا رجعت إلى العراق إن شاء
الله محوتها"اهـ (تاريخ بغداد 15/573)
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: "حدثنا أبو بكر الأعين؛ عن الحسن بن
الربيع؛ قال: ضرب ابن المبارك على حديث أبي حنيفة قبل أن يموت بأيام يسيرة"اهـ
(تاريخ بغداد 15/573)
وقال إبراهيم بن شماس السمرقندي: "حدثنا عبدالله بن المبارك بالثغر عن
أبي حنيفة؛ قال: فقام إليه رجل يكنى أبا خداش؛ فقال: يا أبا عبدالرحمن لا ترو لنا
عن أبي حنيفة؛ فانه كان مرجئاً؛ فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك، وكان بعدُ إذا جاء
الحديث عن أبي حنيفة ورأيه؛ ضرب عليه ابن المبارك من كتبه، وترك الرواية عنه، وذلك
آخر ما قرأ على الناس بالثغر؛ ثم انصرف ومات. قال: وكنت في السفينة معه لما انصرف
من الثغر، وكان يحدثنا؛ فمر على شيء من حديث أبي حنيفة؛ فقال لنا: اضربوا على حديث
أبي حنيفة؛ فإني قد خرجت على حديثه ورأيه؛ قال: ومات ابن المبارك في منصرفه من ذلك
الثغر؛ قال: وقال رجل لابن المبارك، ونحن عنده: إن أبا حنيفة كان مرجئاً يرى السيف؛
فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 348)
وقال عبدة: "سمعت ابن المبارك، وذكر أبا حنيفة؛ فقال رجل: هل كان فيه
من الهوى شيء؟ قال: نعم؛ الإرجاء"اهـ (تاريخ بغداد 15/502)
وقال عبدالله
بن يزيد المقرئ: "كان والله أبو حنيفة مرجئاً، ودعاني إلى الإرجاء فأبيت
عليه"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 386)
وقال محمد بن
عبدالوهاب: قلت لعلي بن عثام: أبو حنيفة حجة؟ فقال: لا للدين، ولا للدنيا"اهـ (تاريخ بغداد 15/544)
وقال أبو مسهر:
"كان أبو حنيفة رأس المرجئة"اهـ (تاريخ بغداد 15/502)
وقال: "كانت الأئمة تلعن أبا فلان على هذا المنبر، وأشار إلى
منبر دمشق. قال الفرهياني: وهو أبو حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 558)
وقال أبو
عوانة: "كان أبو حنيفة مرجئاً يرى السيف. فقيل له: فحماد بن أبي سليمان؟ قال:
كان أستاذه في ذلك"اهـ (تاريخ بغداد 15/530)
وقال عبدالله
بن عون: "ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد
15/444)
وقال: "نبئت أن فيكم صدادين يصدون عن سبيل الله؛ قال سليمان بن حرب:
وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال مالك بن
أنس: "الداء العضال: الهلاك في الدين، وأبو حنيفة من الداء العضال"اهـ
(الكامل في ضغفاء الرجال 8/237)
وقال: "ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة"اهـ
(تاريخ بغداد 15/444)
وقال: "كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس؛ في
الوجهين جميعاً: في الإرجاء، وما وضع من نقض السنن"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال أبو مصعب الأصم: "سئل مالك بن أنس عن قول عمر في العراق: بها
الداء العضال؛ قال: الهلكة في الدين، ومنهم: أبو حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد
15/444)
وقال الشافعي: "ما أعلم أحداً وضع الكتاب؛ أدل على عوار قوله من أبي حنيفة"اهـ
(تاريخ بغداد 15/444)
وقال: "ما شبهت رأي أبي حنيفة إلا بخيط السحارة؛ يمد كذا فيجيء أخضر،
ويمد كذا فيجيء أصفر"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال: سمعت مالك بن أنس، وقيل له: تعرف أبا حنيفة؟ فقال: نعم؛ ما ظنكم برجل
لو قال: هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب، وهي من خشب أو حجارة؟
قال أبو محمد: يعني: أنه كان يثبت على الخطأ، ويحتج دونه، ولا يرجع إلى الصواب إذا
بان له"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال
عبدالرحمن بن مهدي: "ما أعلم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي
أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال: "سمعت حماد بن زيد؛ يقول: سمعت أيوب،
وذكر أبو حنيفة؛ فقال: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}"اهـ (تاريخ
بغداد 15/444)
وقال عبدالرحمن بن عمر: "سمعت عبدالرحمن بن
مهدي، وذكر أبو حنيفة؛ فقال: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عَلِمٍ أَلَا
سَاءَ مَا يَزِرُونَ}"اهـ (الحلية 9/11)
وقال بندار:
"قلما كان عبدالرحمن بن مهدي يذكر أبا حنيفة؛ إلا قال: كان بينه وبين الحق
حجاب"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال أبو بكر
بن عياش: "سود الله وجه أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/544)
وقال: "يقولون: إن أبا حنيفة ضرب على القضاء؛
إنما ضرب على أن يكون عريفاً على طرز حاكة الخزازين"اهـ (تاريخ بغداد 15/544)
وقال سفيان
الثوري: "ما وُضع في الإسلام من الشر ما وضع أبو حنيفة؛ إلا فلان لرجل
صُلب"اهـ
(تاريخ بغداد 15/544)
وقال: "أبو حنيفة ضال مضل"اهـ (تاريخ
بغداد 15/544)
وقال
الفريابي: "سمعت الثوري ينهى عن مجالسة أبي حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال عبدالصمد
بن حسان: "لما مات أبو حنيفة؛ قال لي سفيان الثوري: اذهب إلى إبراهيم بن
طهمان؛ فبشره أن فتان هذه الأمة قد مات. فذهبت إليه فوجدته قائلاً؛ فرجعت إلى
سفيان؛ فقلت: إنه قائل. قال: اذهب فصح به؛ أن فتان هذه الأمة قد مات. قال الخطيب:
أراد الثوري أن يغم إبراهيم بوفاة أبي حنيفة؛ لأنه كان على مذهبه في
الإرجاء"اهـ (15/573)
وقال شريك بن
عبدالله: "لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خمار يبيع الخمر؛ كان خيراً من أن
يكون فيه من يقول بقول أبي حنيفة. وفي رواية: خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي
حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال: "إنما كان أبو حنيفة جرباً"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال:
"كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب الله عز وجل؛ قال الله تعالى: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ
دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وقال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}. وزعم
أبو حنيفة أن الإيمان لا يزيد، ولا ينقص، وزعم أن الصلاة ليست من دين
الله"اهـ (تاريخ بغداد
15/502)
وقال سلام بن
أبي مطيع: "كان أيوب قاعداً في المسجد الحرام؛ فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه؛
فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه؛ قال لأصحابه: قوموا لا يعدنا بجربه؛ قوموا؛ فقاموا
فتفرقوا"اهـ (تاريخ بغداد 15/544)
وقال أبو ربيعة فهد بن عوف: "سمعت حماد بن سلمة يكني أبا حنيفة: أبا
جيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/444)
وقال حنبل بن إسحاق: "سمعت الحميدي يقول لأبي حنيفة إذا كناه: أبو
جيفة؛ لا يكني عن ذاك، ويظهره في المسجد الحرام في حلقته، والناس حوله"اهـ
(تاريخ بغداد 15/444)
وقال يحيى بن
معين: "كان محمد بن الحسن كذاباً، وكان جهمياً، وكان أبو حنيفة جهمياً، ولم
يكن كذاباً"اهـ (تاريخ بغداد 15/573)
وقال محمد بن حماد المقرئ: "سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة؛ فقال:
وأيش كان عند أبي حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟"اهـ (تاريخ بغداد 15/573)
وقال عمر بن قيس: "من أراد الحق فليأت الكوفة فلينظر ما قال أبو حنيفة
وأصحابه؛ فليخالفهم"اهـ (تاريخ بغداد 15/558)
وقال تلميذه أبو يوسف القاضي: "كان أبو حنيفة يقول: لو أدركني النبي
لأخذ بكثير مني، ومن قولي، وهل الدين إلا الرأي"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد
399)
وقال: "أول من قال: القرآن مخلوق؛ أبو حنيفة"اهـ (تاريخ بغداد 15/516)
وقال سعيد بن
سالم: "قلت لأبي يوسف: سمعت أهل خراسان يقولون: إن أبا حنيفة جهمي مرجىء. قال
لي: صدقوا، ويرى السيف أيضاً"اهـ (تاريخ بغداد 15/530)
وقال: "سألت أبا يوسف، وهو بجرجان عن أبي حنيفة؛ فقال: وما تصنع به؟!
مات جهمياً"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد 231)
وقال: "قلت لأبي يوسف: أكان أبو حنيفة مرجئاً؟ قال: نعم؛ قلت: أكان جهمياً؟ قال:
نعم"اهـ (تاريخ بغداد 15/502)
وقال الحسن بن موسى الأشيب: "سمعت أبا يوسف؛ يقول: كان
أبو حنيفة يرى السيف؛ قلت: فأنت؟ قال: معاذ الله"اهـ (السنة لعبدالله بن أحمد
234)
والسؤال الآن للمداخلة:
ما حكم من يثني على رجل؛ بدعه ربيع المدخلي؟
لا شك أنكم ستُعمِلون فيه؛ قاعدة السلف المشهورة: (من يثني على المبتدع فهو
مثله).
فإذ ذلك كذلك؛ فما حكم من يدافع - لا أقول يثني - عن رجل أجمع أئمة السلف -
وليس المدخلي المرجئ الضال - على تبديعه؟
بل ويزيد جهالة على جهالة؛ فيحكم على من لزم غرز سلفه الصالح، واتبع سبيلهم؛
بأنه حدادي غال، وتكفيري ضال!
ألا قاتل الله المداخلة الجهال، والجامية الضلال.
قال الجامي: "الإمام أحمد كان يُحذر
تلاميذه من مجالسة الحارث المحاسبي؛ لأن مجالسة من عنده نوع من الابتداع؛ إما في
باب الأسماء والصفات، وإما في باب التصوف؛ يؤثر في من جالسه، وخصوصاً إذا كان يطلب
عليه العلم .. الحارث المحاسبي عالم جليل"اهـ (شرح الواسطية؛ مفرغ ومنشور على
الشبكة)
قلت:
لطالما ندد زعيم
الطائفة بمنهج الموازنات، وحذر منه، وبح صوته من أجل ذلك، وبين أنه دسيسة يراد
منها الطعن في السنة، والاعتذار لأهل البدع؛ حتى أخذته الحمية فأتى بخطل من القول؛
وأساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم؛
فقال: "إذا كان هذا المنهج حق؛ فإن أفجر الناس وأظلمهم على هذا المنهج: مالك،
وسعيد بن المسيب، وقبله ابن عباس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة،
والحمادان، والبخاري، ومسلم، وابن حبان؛ إلى آخره؛ كلهم أفجر الناس، وكتب الستة
كلها قامت على الفجور والكذب والظلم؛ أنا ما أعرف مكيدة أخبث من هذه المكيدة على
الإسلام؛ بل إن رسول الله على رأس هؤلاء؛ فرأس الظالمين رسول الله؛ لأنه ما عنده
ميزان"اهـ (شريط: من هم المرجئة)
فليت المدخلي
يوجه هذا الكلام لشيخه المتعالم الضال، ويحكم عليه بما حكم به على القائلين بهذا
المنهج؛ فقد شنع عليهم، وشرد بهم، وبدعهم، وجدعهم، وقبل ذلك فليوجه سهام نقده
للذهبي؛ فهو من كبار المؤصلين له.
قال في ترجمة ابن أبي دارم: "أبو بكر أحمد بن محمد الشيعي؛ الإمام،
الحافظ، الفاضل، أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن
السري بن أبي دارم التميمي، الكوفي، الشيعي، محدث الكوفة .. كان موصوفاً
بالحفظ والمعرفة إلا أنه يترفض، قد ألف في الحط على بعض الصحابة، وهو مع ذلك ليس
بثقة في النقل"اهـ (السير 15/577-578)
فالرافضي البليد؛ صار - عند الذهبي - إماماً؛ حافظاً؛ فاضلاً.
وقال في ترجمة علي بن حسين بن موسى؛ الملقب بالمرتضى: "العلامة،
الشريف .. كان من الأذكياء الأولياء، المتبحرين في الكلام والاعتزال، والأدب
والشعر؛ لكنه إمامي جلد"اهـ (17/588-589)
فصير الرافضي الجلد؛ شريفاً من الأولياء.
وهكذا ديدنه مع رؤوس البدع والضلال؛ بل الكفر والإلحاد؛ ككلامه في ترجمة
عمرو بن عبيد، وبشر المريسي، وابن تومرت، وغيرهم.
فهل نسمع منك كلمة في تبديعه؟ وهل تعمل لسانك السليط في تجديعه؟ أم أن
غيرتك - المزعومة - على السنة؛ لا تكون إلا على أمثال الحلبي والمأربي وعرعور
وغيرهم ممن ليسوا في العير، ولا في النفير.
قال الجامي:
"من صرف منها شيئاً لغير الله؛ فهو مشرك كافر؛ على التفصيل الذي تقدم؛ بعد أن
نفصل ما فيه التفصيل، وبعد أن نتأكد بأن الحجة قامت عليهم، وبأنهم شاقوا الله
ورسوله من بعد ما تبين لهم الحق، وقبل ذلك لابد من التريث في مسألة التكفير كما
تقدم"اهـ (شرح الأصول الثلاثة؛ مفرغ ومنشور على الشبكة))
وقال: "يجب على طلاب العلم اليوم؛ أن يصححوا هذه العقائد؛
العقائد المدخولة فيها كثير من الأخطاء؛ أخطاء منتشرة في عقيدة عوام المسلمين في
أكثر الأقطار الإسلامية يعيشون على هذه العقيدة؛ إذاً هم بحاجة إلى تصحيح عقائدهم،
وقبل أن تصحح عقائدهم، وقبل أن تقوم عليهم الحجة ببيان الحق؛ نرجو أن يعذروا؛
لأنهم يجهلون أن هذه الأنواع من العبادة، ويحسبون أن هذا العمل من محبة الصالحين،
ومن أنواع التوسل بالصالحين، وإنما يحكم على الإنسان بالكفر دون تردد؛ بالنسبة لمن
تبين له الحق (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى)
هؤلاء هم الذين يحكم عليهم بالكفر؛ أما الذين لم يخالفوا الله ورسوله بعد أن تبين
لهم الهدى، وبعد ما تبين لهم الحق، ولكن ظناً منهم أنهم على الحق، وأنهم على الهدى،
ولم يجدوا طلاب علم وعلماء يبينوا لهم ذلك؛ نرجو أن يعذروا"اهـ (شرح الأصول
الثلاثة؛ مفرغ ومنشور على الشبكة)
وقال:
"من لم يتبين له الهدى، وظن أن ما هو عليه هو الإسلام الذي جاء به رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وحالت بينه وبين الفهم الصحيح؛ شبه وجهل وإشكال على كلام
المشايخ والمنتسبين إلى العلم الذين لا يفرقون بين الشرك وبين التوحيد؛
نشأوا في تلك البيئة، وظنوا أن ما هم عليه هو الإسلام، ويسمعون من بعض المشايخ من
يقول: إن الذبح لغير الله والنذر للصالحين والطواف بأضرحتهم ودعائهم والاستغاثة
بهم؛ كل ذلك من محبة الصالحين، ولا يضر التوحيد، وليس بشرك، وظنوا أن هذا هو الحق؛
أمثال هؤلاء لابد أن يعذرون حتى ينتقلوا من تلك البيئة، ويفهموا عقيدة دين الإسلام
الفهم الصحيح"اهـ (شرح الأصول الثلاثة؛ مفرغ ومنشور على الشبكة)
وقال:
"حصل أحياناً شبه وضلالات حالت بين الناس، وبين فهم ذلك البيان؛ كالذي حصل
بعد أن نشأ علم الكلام بين المسلمين من عهد العباسيين إلى عهدنا هذا؛ التبس الأمر
عند كثير من الناس في باب الأسماء والصفات؛ ثم دخلت التصوف ووحدة الوجود بين
المسلمين، والتبس الأمر على كثير من الناس في باب العبادة؛ حصل خلط وعدم التفريق
بين حق الله تعالى، وحق رسوله عليه الصلاة والسلام، وحقوق الصالحين، وانحرف كثير
من الناس في باب العقيدة، وفي باب العبادة، وفي باب الأحكام؛ عن الجادة بسبب كثرة
الشبهات؛ حتى جهلوا ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ هل هؤلاء يعذرون حتى
يتبين لهم الحق؟ أم أنه يكفي مجرد إرسال الرسل وإنزال الكتب، وإن حصل ما حصل من
الشبه التي حالت بين كثير من الناس، وبين فهم ما جاء به الرسول عليه الصلاة
والسلام الذي يليق بعدل الله تعالى، والذي فهمه أهل التحقيق من علماء المسلمين؛ أن
من حصل له شيء من ذلك؛ يعذر؛ أما من تبين له الحق، وتبين له الهدى، وأبى إلا أن
يتبع غير سبيل المؤمنين بعد تبين الحق عناداً أو تعصباً لمألوفاته وتقاليده؛ هؤلاء
لا يعذرون، وأما قبل أن يتبين لهم الهدى، ويحسبون أن ما هم عليه هو الهدى من الشرك
والضلال ونفي الصفات؛ فهؤلاء يعذرون. لمعرفة هذه النقطة المهمة؛ عليكم أن ترجعوا
إلى كتب شيخ الإسلام، أو كتاب الشيخ ابن عثيمين (القواعد المثلى) بعد هذه المسألة،
وذكر المراجع من كتب شيخ الإسلام؛ لتتأكدوا من صحة هذا المذهب، وأنه المذهب الحق
إن شاء الله، وإن الناس يعذرون في أصول الدين وفروع الدين على حد سواء؛ ما لم
يتبين لهم الهدى، ويتبعوا بعد ذلك غير سبيل المؤمنين، والله أعلم، ولقد لخصت كذلك
هذا المعنى في كتاب (الصفات الإلهية) في الباب الخامس؛ لتنقلوا منه إلى المراجع
المذكورة هنا"اهـ (شرح الأصول الثلاثة؛ مفرغ ومنشور على الشبكة)
قلت:
القول بإعذار عباد القبور بجهلهم، أو قبل قيام الحجة عليهم، وتسميتهم
مسلمين؛ مما افترعه - في هذا العصر - المرجئة الضلال.
ووصف الشرك يثبت
قبل قيام الحجة؛ قال تعالى: {لَمْ
يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ
حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}، وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ}؛
فسماهم مشركين قبل أن تأتيهم البينة، وقبل أن
يسمعوا كلام الله؛ فكيف بمن بلغه القرآن، وبلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويعيش
بين ظهراني المسلمين؟
وكذلك حكم على الجهلة والمقلدين بالشرك، وسماهم مشركين،
ولم يعذرهم بجهلهم وتقليدهم؛ قال
تعالى: }قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ
مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ
أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ
رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ
لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ{، وقال تعالى: }وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ
فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً
فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ{، وقال تعالى: }وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا
سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة؛
فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه".
قال ابن القيم: "فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة؛ إلى اليهودية
والنصرانية والمجوسية، ولم يعتبر فى ذلك؛ غير المربى والمنشأ على ما عليه
الأبوان"اهـ (طريق الهجرتين ص 411)
وقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم؛ مثل
أوزار من اتبعه؛ لا ينقص من أوزارهم شيئاً".
قال ابن القيم: "وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم؛ إنما هو بمجرد
اتباعهم، وتقليدهم"اهـ (طريق الهجرتين ص 412)
وقال: "اتفقت الأُمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالاً
مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم؛ إلا ما يُحكى عن بعض أهل البدع؛ أنه لم يحكم لهؤلاء
بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة
المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام
المحدث فى الإسلام"اهـ (طريق الهجرتين ص 411)
وقال الطبري في تفسيره (18/128): "وقوله: }الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم
الدنيا على هدى واستقامة؛ بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم
الله به؛ بل على كفر منهم به، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ يقول: وهم يظنون أنهم
بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على
خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم
بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره؛ أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية؛
أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالاً، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم
ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين
زعموا؛ أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم؛ لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم
الذي أخبر الله عنهم؛ أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه؛ كانوا مثابين
مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة،
وأن أعمالهم حابطة"اهـ
وقال (12/388): "القول في تأويل قوله: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؛
يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة؛ إنما ضلوا عن سبيل الله،
وجاروا عن قصد المحجة؛ باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله وظهراء؛ جهلاً منهم
بخطأ ما هم عليه من ذلك؛ بل فعلوا ذلك، وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما
أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة؛ على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحداً على
معصية ركبها، أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها؛ فيركبها
عناداً منه لربه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل، وهو
يحسب أنه هاد، وفريق الهدى؛ فرق. وقد فرق الله بين أسمائهما، وأحكامهما في هذه
الآية"اهـ
وقال (21/605): "{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؛ يقول: ويظن
المشركون بالله؛ بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة؛ أنهم على الحق
والصواب"اهـ
وقال البغوي في تفسيره (3/225): "قوله عز وجل: {فَرِيقًا هَدَى} أي هداهم الله،
{وَفَرِيقًا حَقَّ} وجب {عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} أي: بالإرادة السابقة،
{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} فيه دليل على أن الكافر - الذي يظن أنه في
دينه على الحق - والجاحد، والمعاند؛ سواء"اهـ
وقال محمد بن
عبدالوهاب: "إذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان؛ ثم حدث منه قول أو فعل
أو اعتقاد يناقض ذلك؛ لم ينفعه قول لا إله إلا الله، وأدلة ذلك في
الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام أكثر من أن تحصر"اهـ (الدرر السنية 2/350)
وقال: "الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ
ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف؛ فلا يكفر حتى يعرّف. وأما
أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن؛ فمن بلغه فقد
بلغته الحجة"اهـ (مجموع الفتاوى 1/12)
وقال عبدالله
أبا بطين: "والجواب عن ذلك
كله: أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله
حجة بعد الرسل، وأعظم ما أرسلوا به، ودعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له،
والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره؛ فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله،
فمن الذي لا يعذر؟! ولازم هذه الدعوى: أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند؛ مع أن
صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله؛ بل لا بد أن يتناقض؛ فإنه لا يمكنه أن يتوقف
في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أو شك في البعث، أو غير ذلك من
أصول الدين، والشاك: جاهل. والفقهاء يذكرون في كتب الفقه؛ حكم المرتد: أنه المسلم
الذي يكفر بعد إسلامه؛ نطقاً أو فعلاً أو شكاً أو اعتقاداً، وسبب الشك الجهل.
ولازم هذا: أنا لا نكفر جهلة اليهود والنصارى، والذين يسجدون للشمس والقمر
والأصنام لجهلهم، ولا الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار؛ لأنا نقطع
أنهم جهال. وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى، أو شك في
كفرهم، ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال .. فالمدعي أن
مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهداً أو مقلداً أو جاهلاً؛ معذور؛ مخالف للكتاب والسنة
والإجماع بلا شك؛ مع أنه لابد أن ينتقض أصله؛ فلو طرد أصله كفر بلا ريب؛ كما لو توقف
في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك"اهـ (الدرر
12/69-73)
وقال: "وقولك: إن الشيخ تقي الدين وابن القيم؛ يقولان: إن من فعل هذه
الأشياء؛ لا يطلق عليه أنه كافر مشرك؛ حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية؛ من إمام أو
نائبه؛ فيصر; وأنه يقال: هذا الفعل كفر، وربما عذر فاعله؛ لاجتهاد، أو تقليد، أو
غير ذلك. فهذه الجملة التي حكيت عنهما؛ لا أصل لها في كلامهما. وأظن اعتمادك في
هذا؛ على ورقة كتبها داود، ونقل فيها نحواً من هذه العبارة؛ من اقتضاء الصراط
المستقيم للشيخ تقي الدين؛ لما قدم عنيزة المرة الثانية؛ معه هذه الورقة يعرضها
على ناس في عنيزة؛ يشبه بهذا، ويقول: لو سلمنا أن هذه الأمور التي تفعل عند القبور
شرك؛ كما تزعم هذه الطائفة؛ فهذا كلام إمامهم ابن تيمية الذي يقتدون به؛ يقول: إن
المجتهد المتأول، والمقلد، والجاهل، معذورون، مغفور لهم فيما ارتكبوه. فلما بلغني
هذا عنه؛ أرسلت إليه وحضر عندي، وبينت له خطأه، وأنه وضع كلام الشيخ في غير موضعه;
وبينت له: أن الشيخ إنما قال ذلك في أمور بدعية؛ ليست بشرك؛ مثل تحري دعاء الله
عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض العبادات المبتدعة .. فهذا كلامه في
الأمور التي ليست شركاً. وأما الشرك؛ فقد قال رحمه الله: إن الشرك لا يغفر، وإن
كان أصغر؛ نقل ذلك عنه تلميذه صاحب الفروع فيه، وذلك والله أعلم؛ لعموم قوله
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}؛ مع أن الشيخ رحمه الله؛
لم يجزم أنه يغفر لمن ذكرهم، وإنما قال قد يكون. وقد قال رحمه الله، في (شرح
العمدة) لما تكلم في كفر تارك الصلاة؛ فقال: وفي الحقيقة: فكل رد لخبر الله، أو
أمره؛ فهو كفر؛ دق أو جل؛ لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمراً يسيراً
في الفروع؛ بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين؛ من الأخبار والأوامر؛ يعني:
فإنه لا يقال: قد يعفى عنه. وقال رحمه الله، في أثناء كلام له في ذم أصحاب الكلام؛
قال: والرازي من أعظم الناس في باب الحيرة؛ له نهمة في التشكيك، والشك في الباطل
خير من الثبات على اعتقاده؛ لكن قل أن يثبت أحد على باطل محض؛ بل لا بد فيه من نوع
من الحق، وتوجد الردة فيهم كثيراً؛ كالنفاق؛ وهذا إذا كان في المقالات الخفية؛ فقد
يقال: لمتقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها. لكن يقع ذلك في طوائف منهم؛ في أمور
يعلم العامة والخاصة؛ بل اليهود والنصارى يعلمون؛ أن محمداً بعث بها، وكفر من
خالفها؛ مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة غيره؛ فإن هذا أظهر شعائر
الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، ومثل معاداة المشركين، وأهل الكتاب، ومثل
تحريم الفواحش، والربا والميسر، ونحو ذلك. وقولك: إن الشيخ يقول، إن من فعل شيئاً
من هذه الأمور الشركية؛ لا يطلق عليه أنه مشرك كافر؛ حتى تقوم عليه الحجة
الإسلامية؛ فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر، وعبادة غير الله، ونحوه من الكفر،
وإنما قال هذا في المقالات الخفية؛ كما قدمنا من قوله: وهذا إذا كان في المقالات
الخفية؛ فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها; فلم يجزم بعدم كفره، وإنما
قال: قد يقال"اهـ (الدرر السنية 10/386-389)
وقال: "نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام
جمهور العلماء؛ تدل على كفر من أشرك بالله؛ فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين
المعين وغيره؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وقال
تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا عام في كل واحد
من المشركين. وجميع العلماء في كتب الفقه؛ يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من
أنواع الكفر والردة: الشرك؛ فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل،
ومن زعم لله صاحبة أو ولداً كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن
استهزأ بالله أو رسله أو كتبه؛ كفر إجماعاً؛ لقوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، ويذكرون أنواعاً كثيرة مجمعاً على كفر صاحبها،
ولم يفرقوا بين المعين وغيره. ثم يقولون: فمن ارتد عن الإسلام؛ قتل بعد الاستتابة؛
فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته؛ فالاستتابة بعد الحكم بالردة، والاستتابة إنما
تكون لمعين; ويذكرون في هذا الباب؛ حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس، أو
استحل شيئاً من المحرمات؛ كالخمر والخنزير ونحو ذلك، أو شك فيه؛ يكفر، إذا كان
مثله لا يجهله. ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه؛ مما ذكرنا بعضه؛ بل أطلقوا كفره،
ولم يقيدوه بالجهل، ولا فرقوا بين المعين وغيره"اهـ (الدرر 10/401-402)
وقال حمد بن عتيق:
"قالوا - أي أهل السنة - إن المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه؛ إما نطقاً، وإما
فعلاً، وإما اعتقاداً؛ فقرروا أن: من قال الكفر كفر، وإن لم يعتقده، ولم يعمل به؛ إذا
لم يكن مكرهاً، وكذلك: إذا فعل الكفر كفر، وإن لم يعتقده، ولا نطق به، وكذلك: إذا شرح
بالكفر صدره"اهـ (الدفاع عن أهل السنة والاتباع ص 30)
وقال إسحاق بن
عبدالرحمن: "أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن، وماتوا على الجاهلية؛
لا يسمون مسلمين بالإجماع، ولا يستغفر لهم، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في
الآخرة"اهـ (رسالة تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة)
وقال عبداللطيف
بن عبدالرحمن: "مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله؛ جزم بكفر
المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا
لذلك فأعرضوا ولم يلتفتوا، ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل؛ فهو
عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل. وكلا النوعين لا يحكم
بإسلامهم، ولا يدخلون في مسمى المسلمين؛ حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه.
وأما الشرك فهو يصدق عليهم، واسمه يتناولهم. وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله؟
وقاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله، وبقاء الإسلام، ومسماه"اهـ (منهاج
التأسيس ص 99)
وقال الألوسي:
"وتسمية من عبد غير الله مسلماً؛ فهو إلى أن يعالج عقله؛
أحوج منه إلى أن يقام عليه الدليل"اهـ
(غاية الأماني 1/54)
وأخيراً: فإنني أذكر الجامية الضلال، والمداخلة الجهال:
بقول عمر رضي الله عنه.
قال: "من عرض نفسه للتهمة؛ فلا يلومن من أساء به الظن"اهـ (الزهد
لأبي داود 83)
وقال:
"لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، فقد
بُينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر"اهـ (شرح السنة للبربهاري 3)
وبقول عمر بن
عبدالعزيز رحمه الله.
قال: "لا
عذر لأحد في ضلالة ركبها يحسب أنها هدى"اهـ (السنة للمروزي 95)
وبقول الحسن البصري.
قال: "مر بي أنس بن مالك، وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه؛ فانطلقت
معه فدخلنا على الشيخ وهو مريض؛ فأبلغه عنه؛ فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيدالله
على فارس؟ ألم أستعمل رواداً على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبدالرحمن على الديوان
وبيت المال؟ فقال أبو بكرة: هل زاد على أن أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه
إلا مجتهداً. فقال الشيخ: اقعدوني؛ إني لا أعلمه إلا مجتهداً! وأهل حروراء قد
اجتهدوا؛ فأصابوا أم أخطأوا؟ قال أنس: فرجعنا مخصومين"اهـ (تهذيب الكمال
7/358)
وبقول حرب
الكرماني:
قال: "هذا
مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل
العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها؛ فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها،
أو عاب قائلها؛ فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة؛ زائل عن منهج السنة، وسبيل
الحق"اهـ (السنة 1)
وبقول ابن
قتيبة.
قال: "لا
يختلفون في هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها؛ نابذوه، وباغضوه، وبدعوه،
وهجروه"اهـ (تأويل مختلف الحديث ص 63- 64)
وبقول ابن أبي
زيد القيرواني.
قال:
"ومن قول أهل السنة: إنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة؛ لأن الخوارج
اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا؛ إذ خرجوا بتأويلهم عن الصحابة؛ فسماهم عليه الصلاة
والسلام (مارقين من الدين) وجعل المجتهد في الأحكام مأجوراً، وإن أخطأ"اهـ
(الجامع ص 121)
وبقول
السمعاني.
قال: "كل
ما كان من أصول الدين؛ فالأدلة عليها ظاهرة باهرة، والمخالف فيه معاند مكابر،
والقول بتضليله واجب، والبراءة منه شرع"اهـ (بتصرف من قواطع الأدلة 2/308)
وبقول ابن
البناء.
قال: "لا
يختلفون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها؛ نابذوه، وباغضوه، وبدعوه،
وهجروه"اهـ (المختار ص 103)
وبقول ابن تيمية.
قال: "طريقة السلف والأئمة؛ أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة
بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك
سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة؛ ردوا عليه، ومن تكلم
بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً؛ نسبوه إلى البدعة"اهـ (درء التعارض 1/254)
وبقول عبداللطيف
بن عبدالرحمن آل الشيخ.
قال:
"وأهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو
شركه أو فسقه؛ أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك"اهـ (عيون الرسائل 2/511)
وبكلام إمام الجرح والتعديل ربيع المدخلي.
قال: "وضع حسن الظن في غير موضعه؛ يجافي الحكمة، والشرع، والعقل"اهـ (مجموع
الكتب والرسائل 8/23)
وقال: "لقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على
عهد السلف؛ فيسقطه أئمة السلف والحديث؛ فهل هم هدامون مفسدون أعداء الدعوة
السلفية؟"اهـ (مجموع الكتب والرسائل 13/375)
وقال:
"لقد بدع السلف عدداً من العلماء كانوا من كبار أهل السنة؛ بسبب قولهم (لفظي
بالقرآن مخلوق) مع موافقتهم لأهل السنة بأن القرآن كلام الله، ومخالفتهم لأهل
البدع بأن القرآن مخلوق، وهذه المسألة؛ إنما هي جزئية"اهـ (بيان ما في نصيحة
إبراهيم الرحيلي من
الخلل ص 81)
وقال:
"السلف .. يبدعون؛ بل يكفرون؛ بمفردة واحدة من مفردات العقائد"اهـ (بيان
ما في نصيحة إبراهيم الرحيلي من
الخلل ص 80)
وقال: "أئمة الإسلام
الذين واجهوا البدع والمبتدعين بعلم وعدل .. رأيناهم يبدعون من كان على أصول أهل السنة
ومنهجهم؛ ثم وقع في بدعة من البدع الواضحة؛ كبدعة القدر، أو الرفض، أو بدعة الخوارج،
أو المرجئة، أو القول بخلق القرآن، أو حتى التوقف في مسألة القرآن"اهـ (مجموع
الكتب والرسائل
11/605)
وقال: "موقف الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه؛ من أناس كانوا
أئمة في العلم والدين ومن أهل الحديث؛ وقعوا فيما يسميه أبو الحسن زلة أو زلات، وقام
عليهم أهل السنة، ووسموهم بالبدع، والضلال"اهـ (مجموع
الكتب والرسائل
13/378)
وقال:
"كان السلف إذا وقع المرء في عقيدة الإرجاء؛ أخرجوه عن دائرة أهل السنة
والجماعة، وإذا وقع في عقيدة القدر .. بدعوه"اهـــ (مجموع الكتب والرسائل 14/168)