هل كفر الفوزان؟
بعض الناس ينازع، ويقول: إن الفوزان لم يقل: إنه لا يكفر بابا الفاتيكان، وإلا
للزمنا تكفيره؛ إنما قال: إنه لا يحكم له بالنار.
قلت:
الكبر والعناد والمراء من الصفات الذميمة، وهذه عادة متأصلة في الجهلاء،
وما أكثرهم في هذا الزمان؛ لذا فمن عادتي أني اختصر الكلام مع أمثال هؤلاء؛ فأقول:
أحياناً يناقشني إنسان في قول الألباني في مسألة الإيمان، وهل يكون مرجئاً
بهذا أم لا؟
فيقول: له كلام في الأدب المفرد، وفي تعليقه على الطحاوية، وفي الذب
الأحمد؛ يصرح فيه بأن الإيمان قول وعمل.
فأقول له: الموافقة في اللفظ لا تفيد؛ إنما الذي يفيد الموافقة في المعنى،
وقد بينت سابقاً أن جماعة من كبار الأشاعرة كانوا يقولون بقول السلف في الإيمان؛ لكنهم
يخالفونهم في الفهم والتطبيق، والألباني كذلك.
وكلامه الذي تحتج به كلام مجمل؛ فسره هو بما يبين مراده منه؛ فقال:
1-
"الذي فهمناه من أدلة الكتاب والسنة، ومن أقوال الأئمة من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين: أن ما جاوز العمل القلبي، وتعداه إلى ما يتعلق بالعمل البدني؛ فهو شرط
كمال، وليس شرط صحة"اهـ (موسوعة
الألباني في العقيدة 4/155)
2-
وقال:
"الأعمال الصالحة كلها شرط كمال
عند أهل السنة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في
النار مع تصريح الخوارج بتكفيرهم"اهـ (حكم تارك الصلاة ص 41)
3-
وقال:
"لا يوجد عندنا في الشريعة أبداً؛
نص يصرح ويدل دلالة واضحة؛
على أن من آمن بما أنزل الله؛ لكنه لم يفعل شيئاً مما
أنزل الله؛ فهذا كافر"اهـ (الهدى
والنور - الشريط 821)
4-
وقال:
"الدعاوى التي لا أصل لها، وهي أن الإيمان
يستلزم العمل؛ نحن نقول: الإيمان الكامل يستلزم العمل"اهـ (الهدى والنور - الشريط 830)
5-
وقال: "هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير تارك الصلاة؛ لكنهم
خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية المسلمين؛ في قولهم
بتكفير التارك للعمل"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة
4/56)
6-
وسئل: هل صحيح
أن من مات على التوحيد، وإن لم يعمل بمقتضاه؛ هل يكفر ويخلد مع الخالد الكافر في
نار جهنم؛ أم لا؟
فقال:
"السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل؛ فجعلوا العمل شرط كمال، ولم يجعلوه شرط
صحة خلافاً للخوارج"اهـ (الصحيحة
7/1/105)
7-
وقال: "أنا لا أعلم في حدود ما علمت - وفوق كل ذي علم عليم - أن
العلماء يفرقون بين الإيمان، والتصديق .. إذا أردنا من هذا الجانب أن نرد على
المرجئة، وكنا مخطئين في التفريق بين التصديق، والإيمان؛ ما يكون إلا خربنا بيوتنا
بأيدينا"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة 4/200)
8-
وقال: "وفي
الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود
في النار يوم القيامة، ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى
كالصلاة وغيرها .. ومثلها بقية الأركان؛ ليس بكافر؛ بل هو مسلم ناج من الخلود في
النار يوم القيامة؛ فاحفظ هذا فإنك قد لا تجده في غير هذا المكان"اهـ (الصحيحة
1/1/178)
فلم يترك لأحد مقالاً بعد أن بين مفهومه للعمل وأنه شيء زائد عن الإيمان،
وكما يقال: لا عطر بعد عروس.
على أنني سأقطع عليك طريق الجدل؛ فأقول: هب أن الألباني على عقيدة السلف في
الإيمان؛ فماذا أنت قائل في بدعه وضلالاته الأخرى، وهي واضحة صريحة لا تحتمل اللبس،
أو تقبل التأويل؟
1-
قال: "ليست المولاة في حد ذاتها كفراً؛ كفر ردة، ولكنه معصية كبيرة؛
فمن استحلها بقلبه؛ كالذي استحل الربا بقلبه، كلاهما ارتد عن الإسلام، ومن لم
يستحل بقلبه هذه المعصية أو تلك؛ فلا يزال في دائرة الإسلام"اهـ (موسوعة
الألباني في العقيدة 5/654)
2-
وقال: الكفر عمل قلبي، وليس عمل بدني"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة
4/488)
3-
وسئل: ما هو الفرق بين التولي، والولاية؟ وهل يحكم فيهما جميعاً على المعين
بالكفر؟
فأجاب: "لا؛ لا يحكم بالكفر، لأنه الكفر كما نذكر
دائماً وأبداً؛ ينقسم إلى كفر عملي، وكفر اعتقادي؛ فمن تولى الكفار عملاً؛ هو فاسق؛
أما من تولاهم عقيدة؛ فهو كافر"اهـ (الهدى والنور - الشريط 751)
4-
وقال: "التولي: هو كفر عملي؛ فإذا ما اقترن به كفر قلبي؛ فهو كفر يخرج
به عن الإسلام"اهـ (الهدى والنور - الشريط 672)
5-
وسئل:
"منافق يشتم الذات الإلهية لأي سبب، ويحب الكفار كأنهم إخوانه؛ هل نستطيع أن
نكفره؟
فقال:
"لا، ما نكفره إلا إذا استحل موالاة الكفار بقلبه"اهـ (الهدى والنور -
الشريط 439)
6-
وسئل: هل يعتبر ما يحمله غالب صوفية اليوم من المغالين في القبور والمقبورين
والصالحين من مظاهر شركية وأحوال فاسدة مخالفة للشرع؛ هل يعتبر هذا من الكفر العملي؟
فقال: "ليس هذا فقط؛ قد يكون كفر اعتقادي.
السائل: يعني أنه القصد بشكل عام؛ يعني لِما نرى عليه الجمهرة؛
هو قد يكون كما لعلكم ترون يعني والله أعلم؛ فأخشى أن أكون متسرعاً؛ يعني في هذا أنكم
ترون أن البعض يكون فيه هذا الأمر اعتقادياً.
الألباني: وهذا الذي قلته الآن.
السائل: فالقصد أنه بشكل عام لَما نرى عليه من أهلنا وعشيرتنا؛
يعني ممن حولنا من أهل بلدنا؛ لِما يأتونه من طواف أو تقبيل أو استغاثة بالمقبورين
والصالحين.
الألباني: ما أستطيع أن أعطي قاعدة عامة؛ قد يكون من هذا،
وقد يكون من هذا؛ قد يكون كفراً اعتقادياً، وقد يكون كفراً عملياً"اهـ (الهدى
والنور - الشريط 754)
7-
وقال: "إذا رأينا مسلماً؛ نعرف أنه مسلم؛ رأينا مسلماً داس المصحف؛ لا
شك هذا أمر منكر؛ لكن لا يجوز إلى إصدار الحكم بتكفيره حتى نتثبت أنه أولاً فعل
هذا الفعل وهو يريد إهانة المصحف، وهو عارف أن هذا الكتاب الذي يدوسه بقدمه هو
القرآن الكريم، فإذا كان عارفاً بأنه القرآن الكريم وقاصداً إهانته؛ فهذ كفره كفر
ردة"اهـ (الهدى والنور - الشريط 880)
8-
وقال: "التفريق بين كفر وكفر؛ أن ننظر في القلب؛ فإن كان القلب مؤمناً،
والعمل كافراً؛ فهنا يتغلب الحكم المستقر في القلب؛ على الحكم المستقر في العمل"اهـ
(موسوعة الألباني في العقيدة 4/488)
9-
وقال: "الكفر كفران؛ كفر عملي وكفر اعتقادي؛ الذي يخرج من الملة هو الكفر
الاعتقادي"اهـ (الهدى والنور - الشريط 56)
10- وقال: "الكفر قسمان: اعتقادي وعملي؛
فالاعتقادي: مقره القلب. والعملي: محله الجوارح. فمن كان عمله كفراً لمخالفته
للشرع، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به؛ فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر
الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبداً. وأما إذا كان مخالفاً لما وقر في
قلبه؛ فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله؛ فكفره كفر عملي فقط، وليس كفراً
اعتقادياً؛ فهو تحت مشيئة الله تعالى؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"اهـ (الصحيحة 6/112)
11- وقال: "الإعراض يكون كالكفر؛ إما أن يكون عملاً، وإما
أن يكون عملاً واعتقاداً؛ فإذا كان الإعراض فيه الاعتقاد؛ فهو الكفر الاعتقادي، وإذا
لم يكن فيه الاعتقاد؛ فهو كالكفر العملي"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة
5/678)
12- وقال: "يستحيل أن يكون الكفر العملي خروجاً عن الملة؛
إلا إذا كان الكفر قد انعقد في القلب"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة 4/488)
13- وقال:
"الكفر الذي يخرج من الملة؛ له علاقة بالقلب، وليس بالعمل"اهـ (الهدى
والنور - الشريط 238)
14- وقال: "ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه؛ هذه
حقيقة يجب أن نستحضرها حتى ما نكون من الخوارج الذين يبالغون في تكفير المسلمين بسبب
ارتكابهم لبعض الذنوب والمعاصي، وإن كان بحثنا ليس في الذنب والمعصية، وإنما هو في
الكفر؛ لكننا نفرق بين الكفر المقصود قلباً، وبين الكفر الذي لم يقصد قلباً، وإنما
قالباً وفعلاً؛ هذا ما أردت التذكير به"اهـ (الهدى والنور - الشريط 820)
15- وسئل: "هل يكون الكفر بالقلب فقط؛ أم أنه يكون بالقلب
واللسان والعمل؟ وبعبارة أخرى: هل يكون الكفر بالاعتقاد فقط؛ أم يكون بالاعتقاد والقول
والعمل؟
فقال: "هو الذي أفهمه في هذه المسألة؛ أن الأصل هو الكفر
القلبي؛ لكن هناك أقوال وأعمال قد تصدر من الإنسان تنبي عما وقر في قلبه من الكفر"اهـ
(الهدى والنور - الشريط 855)
16- وسئل: أنا فهمت منكم الآن؛ أنكم تقولون: الكفر يكون بالاعتقاد،
ويكون أيضاً، بالقول، ويكون أيضاً بالعمل؟
فقال: "لكن أقول من باب الإيضاح: أن هذا العمل يكون
دالاً على ما في القلب من الكفر؛ لماذا هذا العمل كان كفراً؟ لأنه دل على ما في القلب
من الكفر"اهـ (الهدى والنور - الشريط 856)
17- وقال: "من يسب الله عز وجل، أو يسب نبيه عليه السلام،
أو يسب الدين؛ الأمر يعود إلى القصد"اهـ (الهدى والنور - الشريط 880)
18- وسئل: شيخنا وردت بعض الآثار عند بعض الأئمة وعن بعض الصحابة
كخالد بن الوليد، وبعض الأئمة كالإمام أحمد؛ بكفر شاتم الله أو الرسول، واعتبروه كفر
ردة؛ فهل هذا على إطلاقه؟ نرجو الإفادة.
فقال: "ما نرى ذلك على الإطلاق؛ فقد يكون السب والشتم
ناتجاً عن الجهل وعن سوء التربية، وقد يكون عن غفلة، وأخيراً: قد يكون عن قصد ومعرفة؛
فإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة؛ فهو الردة الذي لا إشكال فيه؛ أما إذا احتمل وجه
من الوجوه الأخرى التي أشرت إليها؛ فالاحتياط في عدم التكفير أهم إسلامياً من المسارعة
إلى التكفير"اهـ (الهدى والنور - الشريط 820)
19- وقال: "نحن نأخذ قاعدة ونستريح: الكفر المخرج عن الملة
يتعلق بالقلب؛ لا يتعلق باللسان"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة 5/706)
20- وقال: "(والشر ليس إليك)؛ أي لا
ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس من فعله تعالى؛ بل أفعاله عز وجل كلها خير؛
لأنها دائرة بين العدل، والفضل، والحكمة، وهذا كله خير لا شر فيه. والشر إنما صار
شراً؛ لانقطاع نسبته، وإضافته إليه تعالى"اهـ (موسوعة الألباني في العقيدة
6/362)
21- وقال:
"لا يجوز اعتقاد أن الله عز وجل يقعد على العرش، ولا نسبة الاستقرار عليه؛
لأنه لم يرد؛ فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل، وهذا يستلزم نسبة
الاستقرار عليه لله تعالى، وهذا مما لم يرد؛ فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز
وجل"اهـ (مختصر العلو ص 16)
22- وقال: "ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائراً؛
أن يفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد هذا؛ كما ذكره الذهبي عن غير واحد
منهم؛ بل غلا بعض المحدثين؛ فقال: لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً؛ أن الله يقعد
محمداً صلى الله عليه وآله وسلم على العرش، واستفتاني؛ لقلت له: صدقت، وبررت!"اهـ
(الضعيفة 2/255 - 256)
23- وقال:
"وخلاصة القول: إن قول مجاهد هذا، وإن صح عنه؛ لا يجوز أن يتخذ ديناً وعقيدة"اهـ (مختصر العلو
ص 18 المقدمة)
24- وقال: "الله قاعد على العرش، وباقي فراغ مقدار شبر
مشان يقعد عليه محمد عليه الصلاة والسلام، والله هذه مشكلة المشاكل، وأنا أول
الكافرين بها؛ أكيد بدكم تتصوروا أنه أكيد مثل هذه الضلالة؛ إنه ابن تيمية
بيتحملها وتنسب إليه، هذا خطأ لا يجوز"اهـ (الهدى والنور - الأشرطة 566، 567،
568، 569 كاملة)
25- وقال: "لا تلازم إطلاقاً بين إثبات صفة العلو لله عز وجل على المخلوقات كلها، وبين
أن يكون هو في مكان .. لا أحد من المسلمين يقول: إن الله في مكان؛ إلا المنحرفين
عن الكتاب والسنة"اهـ (موسوعة الألباني
في العقيدة 6/540)
26- وقال: "روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال: «إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: لا
ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا». الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون
أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح! تعالى الله عما
يقول الظالمون علواً كبيراً، وهذا المعنى يكاد يكون صريحاً في الحديث؛ فإن
الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك. وأنا أعتقد أن أصل هذا
الحديث من الإسرائيليات، وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار؛
فهذا يؤيد ما ذكرته، وذكر أبو نصر أيضاً؛ أنه روي موقوفاً عن عبدالله بن عباس وكعب
بن عجرة؛ فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من
الإسرائيليات؛ ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وجملة
القول أن هذا الحديث منكر جداً عندي، ولقد قف شعري منه حين وقفت عليه"اهـ (الضعيفة
2/177-178)
27- وقال: "وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول
لها، وأنه ما من مخلوق إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى ما لا بداية له؛ بحيث لا
يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق؛ فالحديث يبطل هذا القول، ويعين أن القلم هو أول
مخلوق؛ فليس قبله قطعاً أي مخلوق، ولقد أطال ابن تيمية الكلام في رده على
الفلاسفة؛ محاولاً إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه
العقول، ولا تقبله أكثر القلوب؛ فذلك القول منه غير مقبول؛ بل هو مرفوض بهذا الحديث،
وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية هذا المولج؛ لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة، وعلم
الكلام"اهـ (الصحيحة 1/258)
28- وقال: "لقد أساء الشيخ التويجري إلى العقيدة، والسنة
الصحيحة معاً؛ بتأليفه الذي أسماه (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)؛
فإن العقيدة لا تثبت إلا بالحديث الصحيح"اهـ (صحيح الأدب المفرد ص 270-271)
29- وقال: "مسألة خلق القرآن صحيح أنها خطأ بلا شك؛ لكن
أين الدليل (أي: على أنها كفر أكبر) علماء السلف الصحابة الأولون ما تكلموا في هذه
القضية؛ لكن لما خرجت المعتزلة بهذه العقيدة الباطلة المنحرفة طبعاً عن الأدلة
الشرعية فقالوا: إن كلام الله مخلوق؛ اضطر علماء السنة وبخاصة منهم علماء الحديث
أن يقابلوا هذا القول بنقيضه، وهو الصفة، وأن يقولوا: كلام الله صفة من صفاته ولا
يُعقل أن يكون مخلوقاً؛ لكن هذا أشبه شيء بما يسمى بعلم الكلام، ولنقل عبارة أخرى
أشبه شيء بالفلسفة؛ من يفهم أن هذه صفة؟ والصفة تبع للذات، والذات قديمة، والصفات
قديمة؛ فيلزم منه أن الكلام ليس مخلوقاً؛ لأن هذا صفة للخالق"اهـ (موسوعة
الألباني في العقيدة 7/873)
30- وقال في تعليقه على قول الطحاوي (ولا نكفر أحداً بذنب عمله
ما لم يستحله): "قلت: يعني استحلالاً قلبياً اعتقادياً، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه
عملياً أي مرتكب لـه ، ولذلك لا بد من التفريق بين المستحل عملاً لا اعتقاداً؛ فهو
مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله لـه ثم ينجيه بإيمانه"اهـ (موسوعة
الألباني في العقيدة 4/224)
31- وسئل: هل يصح تكفير الشيعة عامتهم، أم فرق خاصة منهم؟
فقال: نحن نقول دائماً وأبداً: لا يجوز في شرع الله تبارك
وتعالى؛ تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا؛ ذلك لأن أي طائفة
قد يكون فيهم من لم يستحق أن يوجه إليه التكفير لعذر أو لآخر، كما أنه قد يوجد فيهم
من يستحق التكفير؛ ولذلك فلا يجوز بوجه من الوجوه أن يقال: الشيعة - مثلاً - كلهم كفار؛
أو الزيدية مثلاً، أو الخوارج أو الإباضية أو غير هذه الفرق التي كانت قديماً، ولا
يزال شيء من آثارها موجودة حتى يومنا هذا. هذا أولاً. وخلاصة ذلك: لا يجوز التكفير
بالجملة، وإنما لابد من التفصيل"اهـ (الهدى والنور - الشريط 574)
32- وسئل: إمام مسجد يدعو إلى بدعة شركية ومكفرة، هل يجوز الصلاة
خلفه علماً بأن المسجد قريب من مقر عمل هذا السائل، ولا يوجد مسجد آخر قريب؟
فقال: "المسألة فيها تفصيل: إن كان هذا الإمام قد أقيمت
عليه حجة الله من كتاب الله ومن حديث رسول الله على أن ما هو فيه شرك وكفر بالله ورسوله
ثم لم يرتدع؛ فلا تصح الصلاة خلفه؛ أما إن كان ككثير من هؤلاء الناس الذين يعيشون في
جاهلية، وليس هناك مع الأسف الشديد من يبلغهم حكم الله عز وجل؛ فحينذاك في رأيي أن
الصلاة؛ جائزة لأننا لا نستطيع أن نكفره، وأن نخرجه من الملة ما دام أننا لم نقم عليه
الحجة"اهـ (فتاوى الإمارات
2/00:51:31)
33- وسئل: الجاهل الذي يقصد بجهله الكفر؛ هذا أظنه الذي لا يعذر
بجهله؛ أليس كذلك؟ الألباني: يقصد الكفر؟
السائل: الجاهل الذي قصد بجهله إرادة الكفر؛ هذا أظنه لا
يعذر بجهله؟
الألباني: نعم، لكن ظنك سابق لأوانه؛ إلا بعد أن تتأمل في
الكفر الذي قصده هذا الجاهل، هل هو يعلم أنه كفر شرعاً؟
السائل: يعلم نعم.
الألباني: هه، بهذا القيد ممكن، أما بدون قيد ما يكفر، وحينئذ
لا فرق بينه وبين؛ يعني: حينئذ يكون سؤالك ولا مؤاخذة شكلي محض؛ لأنه إن كان يعلم أن
هذا الكفر كفر شرعاً؛ يعلم فهو والعالم سواء، ولذلك أنا خشيت أن تطلق عليه الكفر، وهو
يجهل مع أنه قاصد الكفر لكنه يجهل أنه كفر شرعاً فحينئذ نقول: أن هذا لا يكفر، لكن
إذا كان عالماً فلا فرق إذاً بينه، وقد وصفته بأنه جاهل وبين غيره، وقد وصفته بأنه
عالم؛ لأنه اشترك كلاهما في معرفة أن هذا الكفر هو كفر شرعاً؛ فإذاً لا عذر لهذا"اهـ
(سلسلة الهدى والنور - الشريط 830)
34- وقال: "لا شك أن الإباضية وكل من دان برأيهم وبعقيدتهم
في أن كلام الله عز وجل مخلوق، ومن ذلك هذا القرآن المعجز مخلوق، وكذلك من نفى إنكار
رؤية المؤمنين لرب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا
شك أن هؤلاء المنكرين لكون القرآن كلام الله حقيقة وليس مخلوقاً، وأن الله عز وجل يمتن
على عباده المؤمنين فيتجلى لهم يوم القيامة، ويوم يدخل المسلمون الجنة، هذا الإنكار
فيه ضلال واضح جداً، وأما أن هذا الضلال كفر؛ ردة عن الدين أو لا؟ نقول: من تبينت له
الحجة ثم أنكرها فهو كافر مرتد عن دينه؛ لكن من أنكر ذلك فهو في ضلال، ونحن لا يهمنا
أن نقول: فلان من الناس أو الطائفة الفلانية من الناس هم كفارح حسبنا أن نقول: هم ضلال؛
لأن المقصود هدايتهم وأن يعرفوا أنهم على خطأ وعلى ضلال حتى يعودوا إلى الصواب"اهـ
(الهدى والنور - الشريط 310)
35- وسئل
عن قول الإمام أحمد: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي)؟
فقال:
"هذا من باب التحذير، وليس من باب الاعتقاد"اهـ (الهدى والنور - الشريط
666)
36- وقال: "فلو قال قائل بأن
الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض
قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا كما تقدم بيانه"اهـ (حكم تارك
الصلاة ص 42)
37- وقال: "الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ يقول: «نهيت
عن قتل المصلين»؛ فهذا الذي رأيته يصلي ومع ذلك سب الله والرسول؛ هذا يجب أن ينصح؛
فإذا نصحته تبين لك هل صلاته عن عقيدة أم عن نفاق؛ فإذا قال لك كما قلنا بالنسبة لبعض
المصلين حينما ينصحون أن يصلوا؛ يقول لك: الله يتوب عليك؛ أيضاً هذا الذي سب الله ورسوله
نصحته؛ قال: الله يلعن الشيطان؛ استغفر الله؛ ماذا تقول فيه؟ هل كان كفره عن قصد وعن
قلب، أم كان كفره عن لفظ وليس عن قلب"اهـ (الهدى والنور - الشريط 634)
38- وسئل: ما حكم سب الدين؟
فقال: "حرام، ومن استحل ذلك بقلبه؛ فهو كُفر"اهـ
(الهدى والنور – الشريط 192)
39- وسئل: ما حكم الذي يسب الدين؟
فقال: "إما كافر، أو فاسق".
مداخلة: طيب مثلاً عصبية؛
فقال: "فاسق".
مداخلة: ماذا عليه أن يعمل؟
فأجاب: "يتوب إلى الله عز وجل، ويعزم على أن لا يعود،
ولو أن هناك حكم إسلامي قائم يعملوا له كم عصاية يبطل هو وغيره"اهـ (الهدى والنور
- الشريط 664)
40- وسئل: بعض الناس لما يغضب يعني غضباً شديداً؛ مع أهله أو
مع أي واحد آخر؛ يسب الدين، أو يسب الرب؛ ما يكون الحكم عليه؟
فقال: "الحكم عليه: أنه إذا في حاكم مسلم ومتبني مذهب
من المذاهب التي ما يحققون ولا يدققون؛ يقطعون رأسه، وإن كان بعد التدقيق؛ فيجلدونه
ويحبسونه حتى يتربى، وثاني مرة ما يرجع يتكلم بهذه الكلمة، وهذا يعني أحسن أحواله"اهـ
(موسوعة الألباني في العقيدة 5/631)
وهذا غيض من فيض؛ فالكلام ليس في إرجاء الألباني، وإلا لهان الخطب؛ بل في
كونه عاش وهو جهمي ضال، ومات ولم يعرف دين الإسلام.
وسأسلك هذا المسلك مع الفوزان؛ فأقول:
أولاً: مما يكذب دعاوى المغفلين أو المتغافلين وينسفها من الأصل؛ ما ورد من
كلام الفوزان نفسه؛ فقد قال للسائل: "ما تدري
إنه مات على الكفر؛ ما تجزم؛ ما تجزم إنه مات على الكفر".
فالسائل يقول له: مات إمام الضلالة على الكفر، وهو يستدرك عليه؛ فيقول: وما
يدريك أنه مات على الكفر؟!
فكل من يفهم العربية، والفوزان يتكلم بها لا بغيرها؛ يفهم من كلامه أنه لا
يستطيع الجزم بكفر هذا الكلب، أو بعبارة أخرى: يشكك في كونه مات على الكفر.
ثانياً: إذا كفرنا الفوزان فلن ينثلم الإسلام.
ثالثاً: إن سلمنا بقولهم؛ فماذا سيقولون في عدم تكفيره لابن عربي؟
رابعاً: إن نجا - تنزلاً - من الكفر؛ فلن ينجو من البدعة، فأقواله في أبي
حنيفة والنووي وابن حجر لا تخطؤها عين، وهي صريحة لا تحتمل التأويل، ولا يمكن أن يُعتذر
عنها.
ولو قلنا - تنزلاً أيضاً - إنها موهمة ليست صريحة؛ فهو أيضاً مبتدع؛ فقد
قال ابن تيمية ناقلاً مذهب السلف: "فطريقة السلف والأئمة؛ أنهم يراعون
المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون
بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة
ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً،
وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورداً باطلاً بباطل".
خامساً: فإن نجا - تنزلاً أيضاً - من البدعة؛ فيبقى أنه ليس راسخاً، ويكون
القول بأنه: (بقية السلف) وأنه (علامة) وأنه (إمام) وأنه (جبل راسخ)؛ من الضلال
والإضلال.
فإن تنزلنا ثانية، وقلنا: أنه ليس كافراً ولا مبتدعاً ولا كاذباً متذبذباً
متلوناً متلاعباً؛ فما قول المجاملين على حساب دينهم؛ الجاهلين بحقيقة دين الإسلام؛
في جماعة من العلماء الفوزان أحدهم؛ لهم ولي أمر تحالف مع الصليبيين والزنادقة
العلمانيين لضرب عصابة مسلمة ترفع راية التوحيد، وتندد بالشرك، وتهدم المشاهد والأضرحة،
وتحكم بشريعة الإسلام؛ بالأسلحة الفتاكة لقتلهم، وسحلهم، والتشريد بهم؟
والقائل بأنهم خوارج أضل من حمار أهله؛ فإنهم لا يكفرون بالكبيرة، وليس ثم
إمام خرجوا عليه.
وعلى الفرض بأنهم خوارج؛ فهل يبيح هذا لولي أمرهم أن يتحالف مع إخوانه اليهود
والنصارى والمرتدين؛ لقتلهم، وسفك دمائهم؟
فالخوارج لا شك في إسلامهم، ولو كانوا كفاراً لكفرهم أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم؛ لكنهم لم يفعلوا ذلك؛ بل قال لهم علي رضي الله عنه: (لكم علينا ثلاث:
لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم
مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال).
ولمَّا قاتلهم لم يجهز على جريحهم، ولم يسب نساءهم،
ولم يغنم لهم مالاً.
قال مصعب بن سعد: "كنت أقرأ على أبي؛ حتى إذا بلغت هذه الآية {قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} الآية، قلت يا أبتاه أهم
الخوارج؟ قال: لا يا بني؛ اقرأ الآية التي بعدها {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}؛ قال: «هم المجتهدون من النصارى كان كفرهم بآيات
ربهم؛ بمحمد ولقائه»، وقالوا: ليس في الجنة طعام، ولا شراب. ولكن الخوارج هم
الفاسقون الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل
ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون"اهـ المستدرك (3401)
وقال طارق بن شهاب: "كنت عند علي؛ حين فرغ من قتال أهل النهروان؛ فقيل
له: أمشركون هم؟ قال: «من الشرك فروا»، فقيل: منافقون؟ قال: «المنافقون لا يذكرون
الله إلا قليلاً»، قيل: فما هم؟ قال: «قوم بغوا علينا فقاتلناهم»"اهـ المصنف
لابن أبي شيبة (37942) وتعظيم قدر الصلاة (591)، وانظر السنن الكبرى للبيهقي
(16722)
وقال أبو بردة: "كنت جالساً عند ابن زياد، وعنده عبدالله بن يزيد،
فجعل يؤتى برؤوس الخوارج؛ قال: وكانوا إذا مروا برأس؛ قلت: إلى النار. قال: فقال
لي: لا تفعل يا ابن أخي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون عذاب
هذه الأمة في دنياها»"اهـ شعب الإيمان للبيهقي (9361)
وقال الخلال: "أخبرني يوسف بن موسى؛ أن أبا عبدالله؛ قيل له: أكفر
الخوارج؟ قال: هم مارقة؛ قيل: أكفار هم؟ قال: «هم مارقة مرقوا من الدين»"اهـ
السنة (111)
وقال الخطابي: "أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة
من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا
متمسكين بأصل الإسلام"اهـ فتح الباري (12/300)
وقال ابن عبدالبر: "روى حكيم بن جابر، وطارق بن شهاب، والحسن، وغيرهم؛
عن علي بمعنى واحد؛ أنه سئل عن أهل النهروان: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا؛ قيل:
فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً؛ قيل: فما هم؟ قال: قوم
أصابتهم فتنة؛ فعموا فيها، وصموا، وبغوا علينا، وحاربونا، وقاتلونا فقتلناهم"اهـ
التمهيد (23/335)
وقال ابن المنذر: "لا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وجعلهم
كالمرتدين"اهـ المغني (8/525)
وقال ابن تيمية: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه
وسلم بقتالهم؛ قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق
على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي
طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة؛ بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم
يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين؛ فقاتلهم لدفع
ظلمهم وبغيهم؛ لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم"اهـ
مجموع الفتاوى (3/282)
وقال: "وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ علي بن أبي طالب، وغيره؛ لم
يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم، بل أول ما خرجوا عليه، وتحيزوا بحروراء، وخرجوا عن
الطاعة والجماعة،؛قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن لكم علينا أن لا
نمنعكم مساجدنا، ولا حقكم من الفيء. ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نحو
نصفهم، ثم قاتل الباقي، وغلبهم، ومع هذا لم يسب لهم ذرية، ولا غنم لهم مالاً، ولا
سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين، كمسيلمة الكذاب وأمثاله، بل كانت سيرة علي
والصحابة في الخوارج؛ مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي
ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام"اهـ منهاج
السنة (5/241)
وقال: "ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج؛ أنهم كانوا يصلون
خلفهم، وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة؛ يصلون خلف نجدة
الحروري، وكانوا أيضاً يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم، كما يخاطب المسلم المسلم، كما
كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في
البخاري، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء
بالقرآن كما يتناظر المسلمان، وما زالت سيرة المسلمين على هذا؛ ما جعلوهم مرتدين
كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه؛ هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم
في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم «شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من
قتلوه» في الحديث الذي رواه أبو أمامة؛ رواه الترمذي وغيره؛ أي أنهم شر على
المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم؛ لا اليهود ولا
النصارى; فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم؛ مستحلين لدماء المسلمين
وأموالهم، وقتل أولادهم؛ مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك؛ لعظم جهلهم وبدعتهم
المضلة، ومع هذا: فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان؛ لم يكفروهم، ولا
جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول، ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم
السيرة العادلة"اهـ منهاج السنة (5/247-248)
وليتهم بغوا عليه وعلى بلاده؛ لكان له في كلام بعض أهل البدع متنفس في جواز
الاستعانة بالكفار على البغاة؛ بل تطوع من تلقاء نفسه، فأنشأ كياناً لمحاربة
الإرهاب وضع فيه مئة مليون دولار من أموال المسلمين، وحث إخوانه الصهاينة
والصليبيين على المشاركة فيه، وحذرهم من مغبة التقاعس؛ فقد يهجم عليهم هؤلاء الإرهابيون
تحت ذاك الشعار البراق المسمى بالجهاد - وهو في الحقيقة حض على قتل الغير وإذكاء
للعصبية والكراهية الدينية - فيداهمونهم في عقر دارهم؛ فيقتلون رجالهم، ويسبون
نساءهم؛ وقال لهم متأسفاً متحسراً: ]أعتقد أن الأيام والسنين التي فاتت لن
تعود - إن شاء الله - كفى ما حصل من القتل
ومن العداوة ومن الإفراط في حقوق الغير، والحمد لله الذي سخركم من جميع الأديان،
لأن الأديان نقية، كلها منزلة من الرب عز وجل، ويحثنا الرب عز وجل على التآخي والتآليف[.
أقول: ليته بُغي عليه فاستعان بمن ينجده من أكفر الكفرة؛ لكنه عمد إلى
جماعة استحوذوا على فلاة من الأرض بعيدة عن أرضه؛ فأقاموا فيها دولتهم، وحكموا شرع
الله، وجاهدوا المشركين والمنافقين ومن بدأهم بالقتال ممن ينتحل الإسلام؛ فبارزها
بالعداوة والبغضاء، وأغرى دول الكفر على حربها؛ وساعدهم بما يستطيع، وظاهر
المشركين عليهم؛ كل هذا تحت شعار: الحرب على الإرهاب - الذي هو الإسلام - ومكافحة
الكراهية الدينية، وترسيخ المثل الديمقراطية.
وهو في هذا الحلف ليس رأساً له الكلمة والغلبة والظهور؛ بل هو نعل ينتعله
أسياده من كفرة اليهود والنصارى؛ يأمرونه فيأتمر، ويزجرونه فينزجر.
قال ابن حزم: "وصح أن قول الله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا
يختلف فيه اثنان من المسلمين"اهـ (المحلى 12/33)
وقال: "من سكن بأرض الهند، والسند، والصين، والترك، والسودان والروم،
من المسلمين، فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر، أو لقلة مال، أو لضعف
جسم، أو لامتناع طريق، فهو معذور.
فإن كان هناك محارباً للمسلمين معيناً؛ للكفار بخدمة، أو كتابة؛ فهو كافر"اهـ
(المحلى 12/125-126)
وقال ابن تيمية: "ولو قدر أن المسلمين ظلمة فسقة، ومظهرون لأنواع من
البدع التي هي أعظم من سب علي وعثمان، لكان العاقل ينظر في خير الخيرين وشر الشرين؛
ألا ترى أن أهل السنة، وإن كانوا يقولون في الخوارج والروافض وغيرهما من أهل البدع
ما يقولون، لكن لا يعاونون الكفار على دينهم، ولا يختارون ظهور الكفر وأهله على
ظهور بدعة دون ذلك"اهـ (منهاج السنة 6/375)
وقال: " وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين؛ مع كونهم يصومون ويصلون
ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين؛ فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً
للمسلمين"اهـ (مجموع الفتاوى 28/530-531)
وقال محمد بن عبدالوهاب: "اعلموا أن الأدلة
على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم
يشرك، أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم"اهـ
(الدرر 10/8-9)
وقال عبدالرحمن بن حسن: "إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعاً واختياراً،
أو أعانهم ببدنه وماله، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر"اهـ (الدرر 8/457)
وقال ابن باز: "أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على
المسلمين، وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة؛ فهو كافر مثلهم"اهـ (مجموع
الفتاوى 1/269)
فها هي فتاوى أهل العلم تنادي بكفر كهنتكم، وتحكم عليهم بالردة والمروق من
الإسلام؛ فالمسألة الآن تجاوزت الفوزان.