هشام البيلي أحمق جهول
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فلما تسلط ابن
رسلان وعصابته على البيلي، وحكموا عليه بأنه حدادي؛ هرع إلى التزلف إلى زعيم
الطائفة ربيع المدخلي، وتقديم القرابين له حتى يرضى عنه، وأعظم القرابين؛ أن يطعن
في (محمود الحداد) الذي أقض مضجع المدخلي، وكشف عواره، وهتك أستاره، وأبان عن جهله،
وسوء خلقه.
لا سيما،
والكلام في الحداد لا يحتاج إلى كبير عناء؛ فليس إلا ذكر اسمه، والحط من شأنه،
وترديد افتراءات المدخلي، وكذباته؛ لكن حتى هذه لم يفلح البيلي فيها؛ فقد أبان في
رده هذا المزعوم؛ عن جهل فاضح، وتعالم واضح؛ حتى أداه ذلك إلى التعرض لمقام
الصحابة؛ فوقع في شر أعماله، وهذا جزاء من يتلاعب بدينه، وينافق بعمله، ويتجنى على
غيره. والخسيس من باع دينه بدنياه، وأخس منه من باع دينه بدنيا غيره.
سئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء. قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد.
قيل له: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه"اهـ (تاريخ دمشق 34/318)
"ولست
أعجب منه فيما أوتيه من الجهل؛ لأنه اللائق به لسوء العقد، وعدم الفضل، وإنما أعجب
من تيوس سمعوا منه، وحكوه، وجهال كتبوه عنه، ورووه؛ ولكن لكل ساقطة لاقطة، وعلى
قدر الوجه تكون الماشطة".
قال هذا
الجهول ما معناه: "محمود الحداد طرد
من المملكة، وهذا الرجل يضحك على الناس بقوله: أنا أثري؛ أنا أتبع الدليل. ومن وقع
في خطأ يخرجه من السنة كلها، وهذا المنهج يسقطه هو نفسه؛ لأنه إما أن يكون معصوماً،
أو يقر بأنه يخطئ؛ فإن قال: أنا معصوم؛ فقد خرج من الإسلام لادعائه النبوة، وإن أقر
بأنه يخطئ؛ فلا فرق بين الخطأ، والانحراف؛ فيكون منحرفاً. ويلزمه أيضاً على هذا
المنهج أن يخرج علياً ومعاوية وعائشة وكل من أخطأ من أئمة السنة؛ من السنة، وإلا فلماذا
يبقي معاوية، ويخرج فلاناً، وفلاناً، والخطأ واحد، والقاعدة واحدة؟ لقد حكم علماء
العصر - كلهم - على هذا الرجل بالضلال، والانحراف؛ يتهمون ابن تيمية بالتمييع؛
يقولون: ابن تيمية مميع. وهذا فيه إزراء بسبع مئة سنة. ويقولون في أبي حنيفة
كلاماً يكاد يخرجونه من ملة الإسلام؛ أما ابن حجر؛ فتحرق كتبه؛ هذا محمود الحداد
يقول هذا؛ يقول: ابن حجر تحرق كتبه. من من العلماء؛ قال: تحرق؟ هذا الشوكاني يقول:
لا هجرة بعد الفتح. والصنعاني، وابن عبدالوهاب، وابن باز. هذا محمود الحداد في
أخصر صورة، ولكن هو له صور كثيرة، ومتنوعة"اهـ
قلت:
فلنتأمل كلام هذا الجهول المخذول؛ لنرى مبلغ علمه.
قال هذا المخذول:
"محمود الحداد طرد من المملكة".
قلت:
أولاً: الذي طرده هو فالح الحربي عميل المباحث؛ بإيعاز من المدخلي.
ثانياً: هل سألت نفسك؛ لماذا طرد؟!
هل طرد لجريمة أخلاقية؛ أم طرد لأنه يبدع ابن حزم، والنووي، وابن حجر، والشوكاني،
وأضرابهم؟
هذا هو السبب الحقيقي لطرده؛ فطرده شرف له، وسبة في وجوه من طردوه، وعار
عليهم، وما أشبههم بقوم لوط عليه السلام؛ لما قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ
قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
فالرجل لم يحدث حدثاً، ولم ينقض أصلاً؛ بل غاية ما فعله أنه
بدع من أجمع السلف على تبديع أمثاله؛ لكن النوكى غاظهم أن يتكلم الحداد في أئمتهم،
وقد نشأوا على تقديسيهم، وتعظيمهم؛ فمن ثم أبعدوه.
فأنت جئت تذمه؛ فمدحته من حيث لا تدري، وإلا فلو كنت تعقل؛
لذممت من سعى في طرده؛ فإنه عدو للسنة؛ ناصر للبدعة؛ مجادل عن أصحاب الأهواء.
قال المخذول:
"وهذا الرجل يضحك على الناس بقوله: أنا أثري؛ أنا أتبع الدليل. ومن وقع
في خطأ يخرجه من السنة كلها، وهذا المنهج يسقطه هو نفسه؛ لأنه إما أن يكون معصوماً،
أو يقر بأنه يخطئ؛ فإن قال: أنا معصوم؛ فقد خرج من الإسلام لادعائه النبوة، وإن أقر
بأنه يخطئ؛ فلا فرق بين الخطأ، والانحراف؛ فيكون منحرفاً".
قلت:
أولاً: يلزمك أن تأتي بهذا الكلام للحداد؛ مكتوباً، أو مسجلاً؛ فإن لم تفعل،
ولن تفعل؛ فأنت مفتر كذاب.
ثانياً: الحداد لم يقل هذا قط؛ إنما قال - كما هو إجماع أهل السنة - كل من
وقع في بدعة واضحة يبدع، وهذا ما يقوله شيخك الضخم في العلم؛ ربيع المدخلي؛ فقد
قال:
"إن هذا التعريف
للمبتدع الذي جاء به الدكتور؛ لا أعرفه عن أحد من أئمة الإسلام الذين واجهوا البدع
والمبتدعين بعلم، وعدل؛ بل رأيناهم يبدعون من كان على أصول أهل السنة ومنهجهم؛ ثم
وقع في بدعة من البدع الواضحة؛ كبدعة القدر أو الرفض أو بدعة الخوارج أو المرجئة
أو القول بخلق القرآن. أو حتى التوقف في مسألة القرآن"اهـ (كشف زيف التصوف
وبيان حقيقته وحال حملته ص 136)
وقال: "من
وقع في بدعة؛ فعلى أقسام: القسم
الأول: أهل البدع؛ كالروافض، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والصوفية
القبورية، والمرجئة، ومن يلحق بهم كالإخوان، والتبليغ، وأمثالهم؛ فهؤلاء لم يشترط
السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة؛ فالرافضي يقال عنه: مبتدع.
والخارجي يقال عنه: مبتدع. وهكذا؛ سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا. القسم الثاني: من
هو من أهل السنة، ووقع في بدعة واضحة؛ كالقول بخلق القرآن، أو القدر، أو رأي
الخوارج، وغيرها؛ فهذا يبدع، وعليه عمل السلف"اهـ (موقع الرسمي - قسم الفتاوى)
فما رأيك في هذا الكلام الذي قرره شيخك، والذي هو نفس كلام الحداد؛ هل تقر
به، أم سترمي شيخك الضخم بالحدادية؟
أما المسائل الاجتهادية؛ فهذه لا يخرج بها المرء من السلفية، وهذا هو قول
أهل السنة، وهو ما يقول به الحداد؛ لا كما زعمت أيها الكذاب.
قال المخذول:
"ويلزمه أيضاً على هذا المنهج أن يخرج علياً، ومعاوية، وعائشة، وكل من
أخطأ من أئمة السنة؛ من السنة، وإلا فلماذا يبقي معاوية، ويخرج فلاناً، وفلاناً،
والخطأ واحد، والقاعدة واحدة؟".
قلت:
أولاً: هذا
الكلام لا يصدر إلا من رجل لا يدري ما يخرج من رأسه، وإلا فقد كان في غنى عن ذكر
هؤلاء السادة؛ لكن الحماقة أعيت من يداويها.
وقد سبقه إلى ذلك الكرابيسي؛ لما قال: (إن
قلتم: إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج؛ فهذا ابن الزبير قد خرج). ([1])
قال الإمام
أحمد لما قرئ عليه هذا الكلام: "هذا قد جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا
به؛ حذروا عن هذا، ونهى عنه".
فيا فرح الرافضة
بكلام البيلي.
ثانياً:
الصحابة لا يقاس عليهم غيرهم.
ثالثاً: هات
لي رجلاً واحداً بدعه الحداد لم يتلبس ببدعة واضحة؟
أما شيخك
فيبدع بغير مبدع، ومع هذا تصفه بأنه شيخ الجرح والتعديل؛ كما هو مسجل على صدر
موقعك.
فأي الرجلين
أولى وأحق بالنكير؛ الحداد؛ أم شيخك؟
قال أبو مسهر: "أف لدنيا ليست تواتيني **** إلا بنقضي لها عرى ديني"اهـ
(تاريخ دمشق 35/303)
فالمدخلي ليس بنافعك؛ لا في الدنيا، ولا في الآخرة، وقد جربت، ولكنك ذليل.
قال المخذول:
"لقد حكم علماء العصر - كلهم - على هذا الرجل بالضلال، والانحراف".
قلت:
أولاً: اتق الله؛ فإن الظلم ظلمات.
ثانياً: من أين جئت بهذا الاستقراء؟ ومن هم علماء العصر هؤلاء؟ أهم كسير،
وعوير، وثالث ما فيه خير؛ أم ماذا؟
ثالثاً: الذي يمدح كبار أئمة الضلال، ويثني عليهم، ويصفهم بالإمامة؛ ليس
عالماً؛ فضلاً عن أن يكون سلفياً؛ بل هو ضال مضل؛ جاهل لا يدري شيئاً عن منهج
السلف الصالح، وإن حصل بعض العلوم.
أقول هذا: لأني رأيتك تستشهد بالشوكاني، والصنعاني، ولعلك لم تقرأ لهما
شيئاً؛ إنما مدحتهما لأنك رأيت من قبلك يصنعون هذا. أمر فعلوه فقلدتهم، وشيء قالوه
فتبعتهم؛ فأنت لست في العير، ولا في النفير؛ بل جاهل إمعة تهرف
بما لا تعرف، وإلا فلو طالعت شيئاً مما كتباه؛ فلن يسعك - إن كنت تغار على السنة
حقاً وتعرف شيئاً من سيرة السلف الصالح - إلا الحكم عليهما بالضلال.
ووالله إني ليتملكني العجب؛ عندما أرى من ينسب لعلم وسنة - وليس كذلك -
يدافع عن أقوام لم يدخلوا في السلفية أصلاً؛ فالشوكاني، والصنعاني: زيديان،
والنووي، وابن حجر: أشعريان.
وهذا غيض من فيض من جنايات المتأخرين على منهج السلف؛ حيث علموا الناس أن
هؤلاء أئمة، وأن القدح فيهم يرجع على صاحبه بالملامة والمذمة.
ينافحون عن رؤوس المبتدعة، ويطعنون فيمن يبين ضلالهم؛ بينما الإمام أحمد؛
يقول في داود بن علي، وهو خير من ملء الأرض من هؤلاء: "لا
تقبل قول العدو لله". (طبقات الحنابلة 1/58)
فهذه باختصار أيها البيلي؛ قصة التضليل الذي تواطأ عليه أئمتك وعلماء عصرك الذين
تحتج بهم.
رابعاً: هب أنهم علماء حقاً؛ فما هو مناط تبديعهم له؟ فإن العبرة بالدليل؛
لا بكثرة الجعجعة، والصياح، والتهويل.
قال المخذول:
"يتهمون ابن تيمية بالتمييع؛ يقولون: ابن تيمية مميع".
قلت:
وهل ذلك مما يخدش في سلفية القائل؛ فضلاً عن الحكم عليه بالانحراف.
أتانا
أن سهلاً ذم جهلاً .... علوماً ليس يدريهن سهل
علوماً
لو دراها ما قلاها .... لكن الرضا بالجهل سهل
الإنسان عدو ما يجهله، وأنت لا تعرف شيئاً عن أخطاء ابن تيمية؛ لأن من سبقك؛
علمك أنه فوق النقد.
ماذا لو أثبت لك صحة ما استنكرته؟
بل ماذا سيكون موقفك؛ لو أخبرتك أن هذا الكلام قال مثله، وأكثر منه؛ شيخك
الضخم؟
قال ربيع
المدخلي في شريط (لقاء طلبة العلم بالرس): "ما عندهم إلا ابن
تيمية والذهبي؛ لا يقولك: أحمد بن حنبل ولا ابن حبان ولا الشافعي ولا
مالك ولا أحمد؛ ما يستطيعون أن يأتوا بدليل، فتتبعوا هؤلاء الذين لهم كتابات
كثيرة، وجمَّعوا منها شبهات أضعاف
ملايين المرات من شبهات الجهمية
والمعتزلة والروافض والخوارج"اهـ
وقال في شريط (ندوة
وقفات في المنهج) وهو يتكلم
عن مخالفة ابن تيمية للسلف في مسألة الهجر: "هذا الكلام لشيخ الإسلام
رحمه الله؛ وجدنا في كلام السلف ما يخالفه .. ولا ينبغي لمسلم أن يتعلق بكلام إمام
لنصرة ما فيه من باطل؛ فكثير من أهل
الأهواء يتعلقون بكلام شيخ الإسلام هذا، ويشهرونه
سلاحاً في وجه من يدعوا إلى السنة"اهـ
وصدق وهو
الكذوب؛ فأهل البدع تتبعوا كتابات ابن تيمية، والذهبي، وجمَّعوا منها شبهات؛ لا
أقول: (أضعاف ملايين المرات من شبهات الجهمية،
والمعتزلة، والروافض، والخوارج) كما قال شيخك؛ بل أقول: يكفي أنهم احتجوا بكلامه،
وكلام ابن عبدالبر وابن القيم والذهبي وغيرهم من الخالفين المخالفين؛ فيما يعرف
بمنهج الموازنات الذي يحاربه المدخلي ويعمل به في آن واحد.
وكلام ابن
تيمية في الهجر؛ باطل، وقد تعلق به
أهل الأهواء،
وشهروه سلاحاً في وجه من يدعو إلى السنة.
هذا هو كلام
شيخك؛ فهل ستجهر بتبديعه؛ أم ستلتزم الصمت؟
أما ابن
تيمية؛ فسأكتفي بنقلين فقط؛ حتى ترعوي، وتعرف قدرك، ولا تتكلم فيما لا تحسنه.
قال: "وعبدالرحمن الأصم، وإن كان معتزلياً؛ فإنه من فضلاء
الناس وعلمائهم، وله تفسير. ومن تلاميذه إبراهيم بن إسماعيل بن علية، ولإبراهيم
مناظرات في الفقه وأصوله مع الشافعي وغيره"اهـ (منهاج السنة 2/570-571)
يقول هذا في الأصم الذي كان عن الحق أصم؛ في الوقت
الذي يقرر فيه الباقلاني، والجويني، وهما من أئمة الضلال؛ عدم اعتبار قوله فى الإجماع، أو في الخلاف.
فما الذي حمل ابن تيمية على ذلك؟
وكيف ساغ له أن يمدح هذا القدري المعتزلي الضال؟
وأين ذهب إجماع
السلف في قهر أهل البدع، وإذلالهم، والتحذير منهم، والنكاية فيهم؟
وأما ابن علية؛
فقد قال فيه الشافعي: "إن ابن علية ضال قد جلس عند باب الضوال يضل الناس".
وقال أحمد بن حنبل: "ضال مضلل". وقال سليمان بن حرب: "تجيء إلى من
ينبغي أن يقدم فيضرب عنقه؛ فتذكره". وقال العجلي: "إبراهيم
ابن علية؛ جهمي خبيث ملعون".
أما النقل الثاني؛ فهو قوله: "والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية
والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلباً
لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان
في النفوس من الوحشة، وبينت لهم أن الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى
الإمام أحمد رحمه الله ونحوه؛ المنتصرين لطريقه؛ كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه .. وأظهرت
ما ذكره ابن عساكر في مناقبه؛ أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن
القشيري؛ فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة"اهـ (مجموع الفتاوى
3/227-229)
فما رأيك أيها
البيلي في هذا الكلام؟
وماذا سيكون
موقفك؛ لو صدر هذا الكلام من غير ابن تيمية؟
وماذا لو قال
قائل: (والناس يعلمون أنه كان بين السلفيين والتبليغيين؛ وحشة،
ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلباً لاتفاق كلمتهم،
واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان في النفوس من
الوحشة)؟
قال المخذول:
"ويقولون في أبي حنيفة كلاماً يكاد يخرجونه من ملة
الإسلام".
قلت:
هذا ما تعلمته من القرون السبعة التي تحتج برجالها، وهي ليست سبعة؛ بل
عشرة.
والكلام في أبي حنيفة - أيها الجاهل - مكرمة، والمخالف مبتدع ضال، وقد كتبت
كثيراً في هذه المسألة، وبينت ضلال الخالفين فيها، وتنكبهم طريق السلف.
ولم يأت المبتدعة أمثالك إلا بولولة النساء، ولو أن رجلاً خالفكم في تبديع
ابن قطب مثلاً؛ لأقمتم الدنيا عليه؛ مع أن المبدع له واحد، وهو شيخك الضخم؛ فكيف
بمن يخالف، وعن عمد؛ إجماع أئمة السلف في تبديعهم لأبي حنيفة؛ كشيخك الضال الذي
قال: (إمامنا وقدوتنا رضي من رضي وسخط من سخط). ولجهله وجهل من معه من المداخلة
وغيرهم؛ ظنوا أن الكلام فيه منحصر في كتاب، أو كتابين؛ كالسنة لعبدالله بن أحمد،
وتاريخ بغداد للخطيب؛ فمن ثم يمكنهم طمس ما جاء فيهما؛ كما فعلوا قديماً.
وقد رددنا عليهم حينها، وبينا أن الكلام في أبي حنيفة ليس منحصراً في هذين
الكتابين؛ بل - على بحثي القاصر - هناك أكثر من خمسين كتاباً في العقيدة والفقه
والسير والتراجم والتأريخ والجرح والتعديل والعلل والسؤالات والآداب وغيرها؛
تناولته بالقدح، ونقلت كلام الأئمة فيه, ولا يمكن نفي هذا، أو طمسه، أو حتى تأويله؛
فكافكم خيانة للأمة، وعبثاً في تراثها، ولئن كنتم نزعتم الجزء الخاص به من كتاب
السنة؛ فماذا أنتم فاعلون في بقية الكتب؟ ألا قاتل الله الجهل، والتعصب.
وأما تاريخ بغداد: فقد احتجوا بالآثار التي ذكرها الخطيب في مدح إمامهم،
وقدوتهم؛ مع أنه قال في نفس الترجمة: "قد سقنا عن أيوب السختياني، وسفيان الثوري،
وسفيان بن عيينة، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة؛ أخباراً كثيرة تتضمن تقريظ
أبي حنيفة، والمدح له، والثناء عليه. والمحفوظ عند نقلة الحديث عن الأئمة
المتقدمين - وهؤلاء المذكورون منهم - في أبي حنيفة خلاف ذلك، وكلامهم فيه كثير؛
لأمور شنيعة حفظت عليه؛ متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع؛ نحن ذاكروها
بمشيئة الله .. أخبرني محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن
محمد بن سلم الختلي، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار في
شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ذكر القوم الذين ردوا على أبي
حنيفة: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن
زيد، وأبو عوانة، وعبدالوارث، وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن زريع، وعلي بن عاصم،
ومالك بن أنس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وأبو عبدالرحمن المقرئ، وسعيد بن
عبدالعزيز، والأوزاعي، وعبدالله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، ويوسف بن أسباط،
ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي
ليلى، وحفص بن غياث، وأبو بكر بن عياش، وشريك بن عبدالله، ووكيع بن الجراح، ورقبة
بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول،
والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة"اهـ (تاريخ بغداد 15/502)
وهذا يؤيد ما رواه ابن الآبنوسي عنه؛ حيث قال: "كل من ذكرت فيه أقاويل
الناس من جرح أو تعديل؛ فالتعويل على ما أخرت"اهـ (تذكرة الحفاظ 3/315)
فما هو قولك أيها المتعالم؟
إن المرء ليأسى عند ما يرى من يدعي السلفية؛ يطعن في أئمة السلف من أجل هذا
الرجل الذي كانت الأئمة تلعنه على المنابر؛ في الوقت الذي يرى فيه بعض المبتدعة
يصرح بضلاله، وضلال من خالف في ذلك؛ فهذا الغماري على سبيل المثال؛ يقول: "تاريخ
بغداد من أنفس كتب الحديث، والتاريخ،
وتراجم العلماء, وقد كان الناس يشدون الرحلة لسماعه من المغرب إلى
المشرق, ومن أقصى بلاد الأندلس إلى العراق؛ فلما أكرم الله هذه الأمة بطبعه؛ قامت
مشيخة الأزهر تعارض في طبعه، وأوقفته
مدة؛ لأنه نقل في ترجمة أبي حنيفة كلام
أئمة السلف فيه بالأسانيد الصحيحة عنهم؛ فتعب أهل العلم والفضل تعباً عظيماً؛ حتى أقنعوا البهائم بأنه
لا ضرر في طبعه، وما أذنوا في ذلك حتى التزم طابعه بإعادة
طبع المجلد الثالث عشر الذي فيه ترجمة أبي حنيفة، ويطبع
معه بأسفل؛ الرد على الخطيب"اهـ
(جؤنة العطار ص 132)
وقال: "بل هذا أدل دليل على بعده عن الحق، وتوغله في الباطل، وعلى صدق
الأئمة فيما رموه به، وحذروا من بدعه وضلاله، ومن المحال أن تتفق كلمة أئمة السلف
الصالح على شيء لا أصل له؛ إذ لو جاز اتفاقهم على ذلك؛ لما ثبتت حجة الإجماع، ولا
صدق خبر .. فوالله ما اجتمعت كلمتهم على الذم والتحذير، والتقبيح والتنفير (منه)؛
حتى رأوا مثل هذا الباطل، والضلال المبين .. وأقسم بالله باراً غير حانث؛ أن لو
بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم مرة أخرى؛ فخاطبكم شفاهاً أن أبا حنيفة مخطئ؛
لكفرتم به، ولرددتم رسالته عليه"اهـ (بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري ص
55-59)
قال المخذول:
أما ابن حجر؛ فتحرق كتبه؛ هذا محمود الحداد يقول هذا؛ يقول: ابن حجر تحرق
كتبه. من من العلماء؛ قال: تحرق؟ هذا الشوكاني يقول: لا هجرة بعد الفتح.
والصنعاني، وابن عبدالوهاب، وابن باز. هذا محمود الحداد في أخصر صورة، ولكن هو له
صور كثيرة، وعديدة، ومتنوعة"اهـ
قلت:
أولاً: قلت لك آنفاً: اتق الله؛ فإن الظلم ظلمات، وإلا فهات لي من كلام
الحداد ما يؤيد دعواك.
ثانياً: هب أنه قاله، أو أمر به؛ فقد سبقه إلى ذلك أئمة السلف.
قال الفضل بن زياد: "بلغني عن سلام بن أبي مطيع؛ أنه جاء إلى أبي
عوانة؛ فاستعار منه كتاباً كان عنده فيه بلايا؛ مما رواه الأعمش؛ فدفعه إلى أبي
عوانة؛ فذهب سلام به فأحرقه؛ فقال رجل لأبي عبدالله: أرجو أن لا يضره ذلك شيئاً إن
شاء الله؟ فقال أبو عبدالله: يضره؟! بل يؤجر عليه إن شاء الله"اهـ (السنة
للخلال 1/511)
وقال حرب الكرماني: "سألت إسحاق يعني ابن راهويه؛ قلت: رجل سرق كتاباً
من رجل؛ فيه رأي جهم، أو رأي القدر؟ قال: يرمي به؛ قلت: إنه أخذ قبل أن يحرقه، أو
يرمي به؛ هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه؛ قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب؛ فيه رأي
الإرجاء، أو القدر، أو بدعة؛ فاستعرته منه؛ فلما صار في يدي أحرقته، أو مزقته؟
قال: ليس عليك شيء"اهـ (السنة للخلال 1/511)
وقد نقل ابن القيم جملة من أقوالهم، وقال: "والمقصود: أن هذه الكتب
المشتملة على الكذب والبدعة؛ يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتلاف آلات
اللهو والمعازف، وإتلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها،
كما لا ضمان في كسر أواني الخمر، وشق زقاقها"اهـ (الطرق الحكمية ص 277)
ثالثاً: أتعجب كيف ختم الله على قلوبكم وقلوب أئمتكم؛ فرحتم تمدحون رجلاً
عمد إلى أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل؛ فألحد فيه؟!
فليت شعري؛ كيف تنافحون عن رجل ينكر أن الله في العلو، ويحرف الصفات، ويقول
مخاطباً
النبي صلى الله عليه وسلم: فقل يا أحمد بن علي اذهب ***** إلى دار النعيم بلا شقاء.
لو كنا في
زمان السلف؛ لضربناكم بالجريد، والنعال؛ لكننا في زمان الخلف الذي صارت فيه البدعة
سنة، والسنة بدعة؛ فليس أمامنا، والحال كذلك؛ إلا أن نفوض أمرنا إلى الله؛ فهو
بصير بنا؛ عالم بحالنا. وعزاؤنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بدأ الدين
غريباً، وسيعود غريباً؛ فطوبى للغرباء".
فلله الأمر من قبل، ومن بعد.
وأخيراً: فهذا المخذول الجهول؛ يصدق عليه القول السائر: أراد إساءة فافتضح.
[1] - ابن الزبير لم يخرج؛ بل هو أمير المؤمنين؛ بويع له بالخلافة في سائر الأمصار؛ فخرج عليه مروان؛
ثم ابنه من بعده؛ قال ابن حزم: "مروان ما نعلم له جرحة؛ قبل خروجه على أمير
المؤمنين عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما". وقال ابن تيمية: "ثم إن
ابن الزبير لما جرى بينه وبين يزيد؛ ما جرى من الفتنة، واتبعه من اتبعه من أهل مكة
والحجاز وغيرهما، وكان إظهاره طلب الأمر لنفسه بعد موت يزيد، فإنه حينئذ تسمى
بأمير المؤمنين، وبايعه عامة أهل الأمصار إلا أهل الشام". وقال ابن كثير:
"استفحل
ابن الزبير بالحجاز، وما والاها، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة هناك، واستناب على
أهل المدينة أخاه عبيدالله بن الزبير .. ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير .. وبعث
ابنُ الزبير إلى أهل الكوفة عبدالرحمن بن يزيد الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بن
محمد بن طلحة بن عبيدالله على الخراج، واستوثق له المصران جميعاً، وأرسل إلى أهل
مصر فبايعوه، واستناب عليها عبدالرحمن بن جحدر، وأطاعت له الجزيرة، وبعث على
البصرة الحارث بن عبدالله بن ربيعة، وبعث إلى اليمن فبايعوه، وإلى خراسان فبايعوه،
وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع".