ابن تيمية مرة أخرى
الغلو في ابن تيمية والتمحل له في أخطاء واضحة وضوح الشمس هو سمة
المعاصرين؛ فهذا المدخلي يصفه بأنه أعلم من أئمة السلف: الثوري والأوزاعي والشافعي
وابن المبارك.
وكثير من المعاصرين ينزلون كلامه منزلة نصوص الكتاب والسنة فيحتجون بها
ويحاكمون خصومهم إليها؛ كعلي الحلبي الذي احتج بكلامه في الإيمان ليمرر إرجاءه،
وكسلمان العودة الذي تترس بكلامه في الموازنات ليدافع عن إخوانه المبتدعة؛ حتى
احتج بكلامه في عدم تكفير الرافضة.
ولم يكن أمام الغيورين - لجهلهم بحاله - إلا البحث عن مخارج لكلامه؛ كما كنت
أفعل أنا وغيري، وإلا فلو كانت لنا يومئذ دراية بمنهج السلف؛ لقلنا: ابن تيمية لم
ينزل من السماء؛ فالحجة ليست في كلامه ولا كلام غيره؛ بل في الكتاب والسنة وإجماع
سلف الأمة.
لكننا لم نفعل هذا؛ مع أن المبتدعة يحتجون علينا بكلامه في الأسماء
والأحكام وفي الموازنات وفي اعتذاره لرؤوس أهل البدع وفي غير ذلك من المسائل التي
خالف فيها منهج السلف؛ لأننا كنا نرزح تحت وطأة الجهل وربقة التقليد؛ فابن تيمية
هو شيخ الإسلام وعلم الأعلام ولا يعرف له خطأ في الأصول! كما قال ابن باز وغيره من
أعضاء اللجنة.
ومن هؤلاء المعاصرين الذين لا يعدلون بابن تيمية أحداً ويرونه جاوز
القنطرة؛ شاب دائم التكلف له والدفاع عنه وتوجيه كلامه الواضح البطلان حتى يتمشى
مع أصول أهل السنة.
وقد تطرق في آخر كتاباته إلى مسألة فناء النار وأن ابن تيمية لا يقول بها؛
مع أنها مسألة طويلة الذيل لا تتحرر بمثل هذه الصورة التي تناولها بها.
ومع هذا وحتى نقطع عليه طريق اللجاج؛ فإننا نقول له:
إن أقل أحوال ابن تيمية أنه حكى خلافاً في مسألة مجمع عليها، ومهما يكن من
شيء فإن قدر أن يعتذر له في هذه المسألة كما فعل غير واحد قبله؛ فماذا هو قائل في
موقفه من قضاة الجهمية من نفاة العلو والحلولية، وهو يقول لهم: أنا لو وافقتكم كنت
كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال.
وهل يستطيع الاعتذار عن موقفه من داعية الشرك والضلالة علي
البكري الذي رماه بالكفر والزندقة والمروق من ملة الإسلام، ولم يكتف بهذا حتى استعدى
عليه الدولة وطالبها بقتله بعد أن أفتى لهم أن دمه حلال؟
لقد شفع فيه ابن
تيمية لدى السلطان حتى عفا عنه، وهكذا صنع مع نصر المنبجي وابن مخلوف وغيرهما من رؤوس
البدعة والضلالة في عصره؛ حتى إنه قال للسلطان وقد أراد قتلهم: إذا قتلت هؤلاء لا
تجد مثلهم في دولتك.
وهل يستطيع أن
يعتذر له وهو يقول عن الرافضة: إن كثيراً منهم ليسوا منافقين، ولا كفاراً، بل
بعضهم له إيمان، وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب
ذنب يرجى له مغفرة الله، وفيهم المتعبد المتورع الزاهد.
هذا قوله في
الرافضة؛ أما المعتزلة: فيعذرون بالخطأ في اجتهادهم، ومن عادهم وكفرهم؛ فهو ظالم لنفسه.
كذا يقول ويقرر.
فهذا هو منهج
ابن تيمية الذي لا يكفر أحداً من الأمة؛ كما نقل ذلك عنه تلميذه وصاحبه الذهبي.