حرمة المشاركة
في الانتخابات
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فمن ثمار
الديمقراطية الكافرة؛ إنشاء مجالس نيابية يناط بها التشريع، وسن القوانين التي
تحاد الله، ورسوله.
ومع ذلك؛ فقد
ظنت طائفة من الناس - يتقفرون العلم ويدعون الإصلاح - أن
هذه المجالس بمثابة مجالس الشورى في الإسلام؛ فمن
ثم قالوا: بوجوب المشاركة فيها عن طريق الانتخابات؛ ترجيحاً للمصلحة، ودرءاً
للمفسدة، أو تقليلها؛ وحتى لا يستحوذ عليها؛ العلمانيون والنصارى والملحدون، ومن
على شاكلتهم.
وهذا ظن باطل
وقول عاطل لعدة أمور؛ منها:
1-
أنه لا يوجد
في الإسلام مجلس للشورى
بالصورة المعروفة اليوم؛ إنما هم جماعة من أهل العلم والفضل - أهل الحل والعقد - يختارهم
الحاكم، ويجعلهم من خاصته، ويستشيرهم إذا
نزلت بالمسلمين نازلة،لا يوجد نص من كتاب الله، أو من سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم؛ يفصل فيها، ويجليها. أما هذه المجالس؛ فقد أسست على مشاركة الله في حكمه،
ومنازعته في أمره ونهيه؛ يناقش أعضاؤها - من سفلة الناس وسقطهم - قطعيات الدين؛
فيصوتون على أمر محرم؛ رأى المجلس جوازه للمصلحة العامة؛ أو العكس؛ فيبيحون الخمور
- مثلاً - بحجة تنشيط السياحة، والاختلاط والسفور بحجة احترام الحريات الشخصية،
ومساواة الكافر بالمسلم بحجة المواطنة وعدم التمييز، والربا بحجة تقوية الاقتصاد، والعري
والعهر بحجة احترام الفن والارتقاء بالذوق العام، وهكذا.
2-
أن مرجعية أهل
الحل والعقد (مجلس الشورى) في النظام الإسلامي؛ هي الشريعة الإسلامية؛ بينما مرجعية
هذه المجالس؛ الدساتير الوضعية.
3-
أن رأي المجلس
(الاعتباري) في النظام الإسلامي؛ غير ملزم؛
خلافاً لرأي الأغلبية في المجالس النيابية- في النظم الديمقراطية - حيث يصبح اتفاق
الأغلبية قانوناً ملزماً للحاكم، والمحكومين.
4-
أن الانتخابات فضلاً عن
قيامها من الأساس على نظام بدعي شركي؛ تعتورها جملة من المحرمات؛ منها: أنها تقوم
على انتخاب أفراد، وأحزاب.والأفراد: فيهم المسلم، والكافر، والعالم، والجاهل،
والبر، والفاجر، والعاقل، والسفيه، والشريف، والوضيع. والأحزاب ليست من دين
المسلمين؛ قال تعالى: }وَلَا
تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{، والاختلاط المحرم، ومساواة الرجل بالمرأة،
والمسلم بالكافر، والتصوير المحرم، والشائعات والطعونات والرشاوي، والحيل المحرمة،
والكذب، والغش، والتدليس، وإضاعة الأموال، والتباغض والتشاحن، وما إلى ذلك.
وهذا كله؛ ليس
من الإسلام في شيء؛ حتى يقال: إنه من وسائل الإصلاح؛ فإن الإصلاح لا يكون إلا بالوسائل
المشروعة - والانتخابات ليست منها قطعاً -، ولن يصلح أمر هذه الأمة؛ إلا بما صلح
به أولها؛ فليتق الله في نفسه، وفي المسلمين؛ من يزعم إن الإصلاح في مثل هذه
البوائق، وإلا فأين كلامهم فيما مضى، وقد كانوا يحرمون هذه الأمور برمتها، ويرون
أنها من المهالك؟! بل ويكفرون النظم الحاكمة من أجلها!!
وأعجب من ذلك؛
من تشبث بكلام لبعض العلماء المعاصرين؛ يجوز فيه المشاركة في مثل هذه الأمور التي
ما عرفها المسلمون، وما دخلت بلادهم إلا من الغرب الكافر؛ ليسوغ له القول بأنها
مسألة خلافية؛ فليت شعري هل صار كلام العلماء - وإن بلغوا شأواً - حجة بنفسه؟! إن
العلماء يحتج لهم لا بهم؛ فالحجة ليست في أقوالهم؛ إنما الحجة في الكتاب، والسنة،
وإجماع سلف الأمة.
والله تعالى
لم يتعبدنا إلا بأمره ونهيه،وأمرنا عند الاختلاف أننتراد إليه؛ قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْفِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{.
قال محمد بن
عبدالله بن عبدالحكم رحمه الله: "سألت عبدالملك بن الماجشون عن مسألة؛
فأجابني؛ فقلت: الحجة؟ قال: لأن مالكاً قال: كذا،وكذا. فقلت في نفسي: هيهات؛ أسألك
عن الحجة، وتقول: قال معلمي! وإنما الحجة عليك، وعلى معلمك"اهـ (تاريخ دمشق
54/237)
أما استدلالهم
بحلف الفضول، ودخول النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ فإن حلف الفضول؛ كان لنصرة المظلوم،
ورد المظالم؛ ليس إلا؛ فليس فيه قسمعلى احترام اللات والعزى، ولا على الولاء لقريش،
ولا على التشريع من دون الله والالتزام به، ولا كان فيه شرك أو معصية؛ خلافاً لهذه
المجالس الشركية؛ التي يلزم داخلها القسم على احترام الدستور، والديمقراطية، والتعددية
الحزبية، وإرادة الشعب، والحريات العامة؛ فضلاً عن أن الولاء فيها يكون للدولة
ومؤسساتها.
فهؤلاء متلاعبون
متلونون؛ فما كان كفراً ومنكراً بالأمس؛ صار واجباً اليوم؛ فالله المستعان على ما
يصفون.
فالواجب على
المسلمين ألا يغتروا بنعيق هؤلاء، وأن يتبرأوا منهم، ومن أقوالهم وأفعالهم ومن كل
ما يخالف شرع الله، ولا يلتفتوا إليهم، وليعتبروا بتخبطهم وتنقلهم؛ مع أن دين الله
واحد؛ فعلى من يريد النجاة والسلامة من هذه الفتن التي جعلت الحليم حيراناً؛ أن
يلتزم شرع ربه في جميع شؤونه، ويعتز بدينه، ويستمسك بغرز سلفه، وأن يعلم أن ما لم
يكن يومئذ ديناً؛ فلا يصح اليوم أن يكون ديناً.
والله
أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.