منهج السلف في التعامل مع أخطاء العلماء - 9 -
نعيم بن حماد الخزاعي
الإمام، العلامة، الحافظ, الفقيه، صاحب التصانيف؛ نعيم بن حماد بن معاوية
بن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك؛ أبو عبدالله الخزاعي؛ المروزي؛ الأعور؛ الفارض؛
نزيل مصر.
روى عن: إبراهيم بن طهمان، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وأبي حمزة
السكري، وعيسى بن عبيد الكندي، وعبدالله بن المبارك، والفضل بن موسى السيناني، ونوح
بن أبي مريم، وهشيم بن بشير، ومعتمر بن سليمان، وخارجة بن مصعب، وجرير بن
عبدالحميد، وحاتم بن إسماعيل، وحفص بن غياث، وخارجة بن مصعب الخراساني، ورشدين بن سعد، وروح
بن عبادة، وصالح بن قدامة، وضمرة بن ربيعة، وعبدالله بن إدريس، وعبدالله بن وهب،
وعبدالرزاق بن همام، وعبدالسلام بن حرب الملائي، وعبدالعزيز بن محمد الدراوردي،
وعبدالوهاب الثقفي، وعبدة بن سليمان، وعقبة بن علقمة البيروتي، وعيسى بن عبيد
الكندي، وعيسى بن يونس، ومحمد بن شعيب بن شابور، ومحمد بن فضيل، ووكيع بن الجراح،
والوليد بن مسلم، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سليم الطائفي، وأبي بكر بن عياش،
وأبي داود الطيالسي، وأبي معاوية الضرير، ونوح بن قيس، ويحيى بن حمزة، وبقية بن
الوليد، وخلق.
روى عنه: يحيى بن معين، ومحمد بن يحيى الذهلي، وعبدالله بن عبدالرحمن
الدارمي، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم الرازي، ويعقوب الفسوي، وأحمد بن يوسف
السلمي، وأحمد بن منصور الرمادي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومحمد بن إسحاق
الصاغاني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، والحسن بن علي الحلواني، وصالح بن مسمار
المروزي، ومحمد بن عبدالملك بن زنجويه، ومحمد بن عوف الطائي الحمصي، وعلي بن داود
القنطري، وعبدالعزيز بن منيب، وعبيد بن شريك البزار، ومحمد بن إسماعيل الترمذي،
وبكر بن سهل الدمياطي، وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب. وخلق.
من أقوال أهل العلم فيه:
1-
قال أحمد: "جاءنا نعيم، ونحن على باب هشيم، نتذاكر المقطعات؛ فقال:
جمعتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فعنينا بها من يومئذ. وكان نعيم كاتباً
لأبي عصمة نوح بن أبي مريم. وكان أبو عصمة شديد الرد على الجهمية، ومنه تعلم نعيم
بن حماد".
2-
وقال: "قدم علينا نعيم بن حماد؛ فصحبنا على طلب المسند".
3-
وقال يوسف بن عبدالله الخوارزمي: "سألت أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد؛
فقال: لقد كان من الثقات".
4-
وقال ابن معين: "نعيم صدوق؛ رجل صدق؛ أنا أعرف الناس به؛ كان رفيقي
بالبصرة؛ كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث".
5-
وقال: "حضرنا نعيم بن حماد بمصر؛ فجعل يقرأ كتاباً من تصنيفه؛ فقرأ
ساعة؛ ثم قال: حدثنا ابن المبارك عن ابن عون بأحاديث. فقلت له: ليس هذا عن ابن
المبارك. فغضب، وقال: ترد علي؟ فقلت: إي والله أرد عليك؛ أريد زينك. فأبى أن يرجع؛
فلما رأيته هكذا لا يرجع؛ قلت: لا والله؛ ما سمعت أنت هذا من ابن المبارك قط، ولا
سمعها ابن المبارك من ابن عون قط. فغضب، وغضب من كان عنده من أصحاب الحديث، وقام
نعيم فدخل البيت؛ فأخرج صحائف؛ فجعل يقول، وهي بيده: أين الذين يزعمون أن يحيى بن
معين ليس أمير المؤمنين في الحديث؟ نعم يا أبا بكر زكريا؛ غلطت، وكانت صحائف؛
فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك؛ عن ابن عون، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن
عون؛ غير ابن المبارك".
6-
وقال العجلي: "صدوق ثقة".
7-
وقال أبو داود: "عند نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي صلى الله عليه
وسلم؛ ليس لها أصل".
8-
وقال النسائي: "مروزي ضعيف".
9-
وقال أبو علي النيسابوري: "سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حمـاد، وتقدمه
في العلم، والمعرفة، والسنن؛ ثم قيل له في قبـول حـديثه؛ فقـال: قـد كثر تفـرده عن
الأئمـة المعروفين بأحـاديث كثـيرة؛ فصار في حـد من لا يحتـج به".
10- وقال مسلمة بن قاسم: "كان صـدوقًا، وهو كثير الخطأ،
وله أحاديث منكرة في المـلاحم انفـرد بها".
11- وقال ابن السمعاني: "كان يهم ويخطئ، ومن ينجو من
ذلك؛ ثبت في المحنة".
12- وقال صالح بن محمد الأسدي: "كان
نعيم يحـدث من حفظه، وعنده مناكير كثيرة لا
يتابع عليها، وسمعت يحيى بن معين سئل عنه؛ فقال: ليس في الحديث بشيء،
ولكنه كان صاحب سنة".
13- وقال العباس بن مصعب: "نعيم بن حماد؛ وضع كتباً في
الرد على أبي حنيفة، وناقض محمد بن الحسن، ووضع ثلاثة عشر كتاباً في الرد على
الجهمية، وكان من أعلم الناس بالفرائض".
14- وقال صالح بن مسمار: "سمعت نعيم بن حماد؛ يقول: أنا
كنت جهمياً؛ فلذلك عرفت كلامهم؛ فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل".
15- وقال ابن عدي: "قال لنا ابن حماد؛ يعني أبا بشر
محمد بن أحمد بن حماد الدولابي: نعيم بن حماد يروي عن ابن المبارك؛ ضعيف. قاله
أحمد بن شعيب. قال ابن حماد: وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة، وحكايات
عن العلماء في ثلب أبي حنيفة كذب. قال ابن عدي، وابن حماد: متهم فيما يقوله
لصلابته في أهل الرأي".
16- وقال: "وكان ممن
يتصلب في السنة، ومات في محنة القرآن في الحبس".
17- وقال الدارقطني: "إمام في السنة كثير الوهم".
18- وقال ابن حبان: "ربما أخطأ،
ووهم".
19- وقال الخطيب: "يقال: نعيم أول من جمع المسند، وصنف".
20- وقال الذهبي: "أحد الائمة الأعلام؛ على لين في
حديثه".
21-
وقال: "وكان شديداً على الجهمية".
22-
وقال: "كان
من أوعية العلم، ولا يحتج به".
23-
وقال: "نعيم
من كبار أوعية العلم؛ لكنه لا تركن النفس إلى رواياته".
24-
وقال ابن حجر:
"ثبتت عدالته، وصدقه، ولكن في حديثه أوهام معروفة".
25- وقال محمد بن سعد: "نزل نعيم مصر؛ فلم يزل بها حتى
أشخص في خلافة أبي إسحاق؛ يعني المعتصم؛ فسئل عن خلق القرآن؛ فأبى أن يجيب فيه
بشيء مما أرادوه عليه؛ فحبسه بسامراء؛ فلم يزل محبوساً حتى مات في السجن؛ في سنة
ثمان وعشرين، ومئتين"..
26- وقال نفطويه: "كان مقيداً محبوساً لامتناعه من
القول بخلق القرآن؛ فجر بأقياده؛ فألقي في حفرة، ولم يكفن، ولم يصل عليه".
27- وقال أبو بكر الطرسوسي: "أخذ سنة ثلاث أو أربع
وعشرين؛ فألقوه في السجن، ومات في سنة سبع وعشرين، وأوصى أن يدفن في قيوده، وقال:
إني مخاصم".
28- وقال إبراهيم بن أسباط بن السكن: "لما حمل نعيم بن
حماد للمحنة؛ كبل بالحديد، وحبس؛ فاجتمع القوم يقولون: من يناظره؟ فاتفقوا على ابن
عوف، وكان متكلمهم؛ فلما أصبحوا؛ ركب ابن عوف، واتبعه أصحابه إلى السجن؛ فأخرج
نعيم بن حماد؛ فقال له ابن عوف: أقول، أو تقول. قال: أقول. قال: قل: قال: أخبرني
عن هذه المقالة التي دعوتم الناس إليها؛ هو رأيك؟ قال: نعم. ورأي الخليفة؟ قال:
نعم. قال: فإن رجع الخليفة؛ ترجع أنت عنها؟ قال: نعم. قال: قم؛ فإنك بلا دين؛ دينك
دين الملك. قال: فتفرقوا؛ فأقبل أصحابه عليه؛ قالوا: فضحتنا؛ قطعك بكلمة واحدة".
ما أخذه أهل العلم على نعيم:
كان نعيم بن حماد معروفاً بالإمامة في السنة، والتصلب فيها، وأقواله
ومواقفه تدل على ذلك؛ منها:
قال: "من ترك حديثاً معروفاً؛ فلم يعمل به، وأراد
له علة أن يطرحه؛ فهو مبتدع".
وقال: "من شبه الله بشيء من بخلقه؛
فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه؛ فقد كفر؛ فليس ما وصف الله به نفسه، ورسوله؛
تشبيه".
وقال: "حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه، ويترك
التفكر في الرب تبارك وتعالى، ويتبع حديث النبي صلى الله عليه وسلم «تفكروا في
الخلق ولا تتفكروا في الخالق».
وقال: "{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ لا يشبهه شيء من الأشياء".
وقال: "حدثني ابن أبي العريان؛ عن أبيه؛ قال: قدم علينا حماد بن أبي
سليمان البصرة؛ فأتيته مع الناس فدنوت منه؛ قلت: أمؤمن أنت؟ قال: نعم. قلت: حقاً؟
قال: حقاً. فدنوت منه؛ فجعلت أتمسح به؛ فقال لي: أمجنون أنت؟ قلت: رأيت مؤمناً حقاً؛
فأحببت أن أتمسح به. وقلت له: ما كان معلمك إبراهيم؛ يقول؟ قال: كان ذاك شاكاً
مثلك".
وقال: "رآني ابن المبارك مع رجل من أهل الأهواء؛ فما كلمني؛ فلما كان
في غد؛ رآني فأخذ بيدي؛ ثم أنشأ يقول:
يا طالب العلم صارم كل بطال ... وكل غاو إلى الأهواء ميال
إن القرآن كلام الله تعرفه ... ليس القرآن بمخلوق ولا بال
لو أنه كان مخلوقاً لغيره ... ريب الزمان إلى موت وإبطال
وكيف يبطل ما لا شيء يبطله ... أم كيف يبلى كلام الخالق العالي
وقال أحمد بن منصور الرمادي: "سألت نعيم بن حماد عن قول الله تعالى:
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}؛ ما معناها؟ فقال: معناها أنه لا يخفى عليه
خافية بعلمه؛ ألا ترى أنه قال في كتابه {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ
إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى
مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرُ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ}".
وقال زكريا بن يحيى بن حمدويه: "سمعت رفيق نعيم بن حماد؛ يقول: لما صرنا
إلى العراق، وحبس نعيم بن حماد؛ دخل عليه رجل في السجن من هؤلاء؛ فقال لنعيم: أليس
الله قال: {لا تدركه الْأَبْصَارُ وَهُوَ يدرك الْأَبْصَارَ}؛ فقال نعيم: بلى ذاك في
الدنيا. قال: وما دليلك؟ فقال نعيم: إن الله هو البقاء، وخلق الخلق للفناء؛ فلا يستطيعون
أن ينظروا بأبصار الفناء؛ إلى البقاء؛ فإذا جدد لهم خلق البقاء؛ نظروا بأبصار البقاء
إلى البقاء".
وقال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: "كنا عند نعيم بن حماد جلوساً؛
فقال نعيم للمزني: ما تقول في القرآن؟ فقال: أقول: إنه كلام الله. فقال غير مخلوق؟
فقال: غير مخلوق. قال: وتقول: إن الله يرى يوم القيامة؟ فقال: نعم. قال: فلما
افترق الناس؛ قام إليه المزني؛ فقال: يا أبا عبدالله شهرتني على رؤوس الناس. فقال:
إن الناس قد أكثروا فيك؛ فأردت أن أبرئك".
وقال البخاري: "بيَّن نعيم بن حماد؛ أن كلام الرب ليس بخلق، وأن العرب
لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل؛ فمن كان له فعل فهو حي، ومن لم يكن له فعل فهو
ميت، وأن أفعال العباد مخلوقة؛ فضيق عليه حتى مضى لسبيله، وتوجع أهل العلم لما نزل
به، وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيماً، ومن نحا نحوه؛ ليس بمفارق، ولا مبتدع؛
بل البدع والرئيس بالجهل بغيرهم أولى؛ إذ يفتون بالآراء المختلفة؛ مما لم يأذن به
الله".
وقال ابن أبي حاتم:
"وجدت في كتاب نعيم بن حماد؛ قال: يقال للجهمية:
أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه: {لِمَنِ الْمُلْكُ اليوم}؛ فلا يجيبه
أحد؛ فيرد على نفسه {لِلَّهِ الواحد القهار}، وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم؛
أفهذا مخلوق؟".
وقال: "ذكر
نعيم بن حماد؛ أن الجهمية قالوا: إن أسماء الله مخلوقة لأن الاسم غير المسمى،
وادعوا أن الله كان، ولا وجود لهذه الأسماء؛ ثم خلقها؛ ثم تسمى بها. فقلنا لهم: إن
الله قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأعْلَى}، وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}؛ فأخبر أنه
المعبود، ودل كلامه على اسمه بما دل به على نفسه؛ فمن زعم أن اسم الله
مخلوق؛ فقد زعم أن الله أمر نبيه أن يسبح مخلوقاً".
وقال: "احتج بعض
المبتدعة؛ بقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} على أن القرآن مخلوق؛
لأنه شيء، وتعقب ذلك نعيم بن حماد، وغيره من أهل الحديث؛ بأن القرآن كلام الله، وهو
صفته؛ فكما أن الله لم يدخل في عموم قوله: {كُلِّ شَيْءٍ} اتفاقاً؛ فكذلك صفاته، ونظير
ذلك قوله تعالى: {ويحذركم اللَّهُ نَفْسَهُ}؛ مع قوله تعالى: {كل نَفْسٍ ذائقة
الْمَوْتِ}؛ فكما لم تدخل نفس الله في هذا العموم اتفاقاً؛ فكذا لا يدخل القرآن".
وقال: "إذا فسدت الجماعة؛ فعليك بما كانت عليه
الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ".
وقال: "إذا
رأيت العراقي يتكلم في أحمد؛ فاتهمه
في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق؛ فاتهمه، وإذا رأيت
البصري يتكلم في وهب بن جرير؛ فاتهمه في دينه".
إلا أنه أخذ
عليه؛ قوله: (لفظي بالقرآن مخلوق) وقد سئل عن ذلك؛ فأجاب بأنه لم يرد بهذا إلا
الاحتجاج على الجهمية الذين خبرهم، وعرفهم، ورد عليهم في ثلاثة عشر كتاباً.
كذا ظن رحمه
الله، وهو مخطئ في ذلك؛ فإن البدعة لا ترد ببدعة؛ لذا عندما بين له مغبة هذا
القول، وطلب منه الرجوع عنه؛ سرعان ما امتثل؛ فلم يعد إليه، وتاب منه.
روى الخلال عن
محمد بن عبدالله الرحبي؛ أنه قال: سمعت مؤملاً - يعني ابن أهاب - يقول: قلت لنعيم
بن حماد: ما حملك على هذه الكلمة؛ أن قلت: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: والله ما أرى
بها إلا الاحتجاج عليهم؛ فقلت: لا تعد. فقال: أنا أستغفر الله منها؛ ما أردت إلا
الاحتجاج بها". ([1])
ومع هذا؛ فلما
نما إلى علم الإمام أحمد؛ ما كان يقوله نعيم؛ ما كان منه إلا أن قال: (إن كان قال
ذلك؛ فلا غفر الله له في قبره).
قال الخلال:
"سمعت أبا بكر المروذي؛ يقول: أتيت أبا عبدالله ليلة في جوف الليل؛ فقال لي:
يا أبا بكر؛ بلغني أن نعيماً كان يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فإن كان قاله؛ فلا غفر
الله له في قبره".
قلت:
أحسن الإمام أحمد إذ علق دعاءه على نعيم؛ بثبوت ذلك عنه، وهذا
من ورعه وتثبته رحمه الله؛ أما نعيم فقد تراجع، والحمد لله.
والمقصود هنا:
بيان شدة السلف على المخالف كائناً من كان؛ فهذا نعيم على إمامته في السنة، وشدته
فيها، وثباته في المحنة، ورده على الجهمية؛ لما قال كلمة تحتمل حقاً، وباطلاً،
وبحسن قصد؛ دعا عليه أحمد بألا يغفر الله له؛ فلم يلتفت إلى تقدمه، ومكانته، وحسن
بلائه، وأصوله السنية، وقواعده السلفية، وهو ما يسمى بمنهج الموازنة، ولم يعتذر له
بالأعذار البدعية التي افترعتها المرجئة؛ كحسن القصد، وإقامة الحجة، وعدم تقصد
البدعة، والدعوة إليها، والتمحض فيها، والاجتهاد، والتأويل، والجهل، والخطأ، وقصد
المحادة، وحب السنة، والمنافحة عنها، واختلاف الزمان، وضعف السنة، وغربة أهلها؛
إلى آخر ما هنالك من بواطيلهم؛ بل حكم عليه بموجب قوله، وإن كان قد تحفظ بقوله: (إن
كان قاله).
هذا المنهج
الواضح في التعامل مع أخطاء أهل العلم؛ هو الذي نعتني به، ونحرص على إظهاره، وندعو
إلى إعماله، وقد سبقنا إلى ذلك: إمام الجرح والتعديل ربيع المدخلي قاتله الله.
فقد قال: "كان
السلف؛ إذا وقع المرء في عقيدة الإرجاء؛ أخرجوه عن دائرة أهل السنة، والجماعة، وإذا
وقع في عقيدة القدر .. بدعوه".
وقال: "لقد
بدع السلف عدداً من العلماء؛ كانوا من كبار أهل السنة؛ بسبب قولهم (لفظي بالقرآن
مخلوق) مع موافقتهم لأهل السنة؛ بأن القرآن كلام الله، ومخالفتهم لأهل البدع بأن
القرآن مخلوق، وهذه المسألة إنما هي جزئية".
وقال: "التعريف للمبتدع الذي جاء به الدكتور؛ لا أعرفه عن
أحد من أئمة الإسلام الذين واجهوا البدع والمبتدعين بعلم وعدل؛ بل رأيناهم يبدعون من
كان على أصول أهل السنة، ومنهجهم؛ ثم وقع في بدعة من البدع الواضحة؛ كبدعة القدر، أو
الرفض، أو بدعة الخوارج، أو المرجئة، أو القول بخلق القرآن، أو حتى التوقف في مسألة
القرآن؛ فيقول: القرآن كلام الله؛ ثم يتوقف عن قول أهل السنة: (غير مخلوق)، وسموهم
الواقفة".
وقال:
"لقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف؛ فيسقطه أئمة السلف،
والحديث؛ فهل هم هدامون؛ مفسدون؛ أعداء الدعوة السلفية؟".
وقال: "موقف الإمام أحمد، وأهل الحديث في زمانه؛ من أناس كانوا
أئمة في العلم والدين، ومن أهل الحديث؛ وقعوا فيما يسميه أبو الحسن زلة، أو زلات، وقام
عليهم أهل السنة، ووسموهم بالبدع، والضلال".
وقال:
"فهذا داود كان من كبار علماء الحديث، وله مؤلفات كثيرة في السنة، وإليه
انتهت رياسة العلم في بغداد، ومع هذا كله؛ لما قال القرآن محدث (أي مخلوق) بدعه
أهل السنة، وما حمل كبار أهل السنة مجمله على مفصله؛ لأنه كان سلفياً؛ كما يقوله
غلاة المداهنين، وغلاة التمييع، والتضييع. وجاء داود إلى الإمام أحمد معتذراً،
ومنكراً أنه قال بهذه البدعة؛ فلم يصدقه، ولم يأذن له بالدخول عليه؛ فأين حمل
المجمل على المفصل الذي اخترعه أهل الأهواء؛ ثم كفوا عنه، وحمل رايته أدعياء
السلفية وحماة البدع وأهلها من غلاة التمييع؟ وهؤلاء أئمة السنة يؤلفون عشرات
المجلدات في الجرح والتعديل، وهي مليئة بجرح أهل البدع والضعفاء والكذابين، ولا
تجد أثراً لهذا المنهج البدعي، ولم يعارضهم لا أهل السنة، ولا أهل البدع بهذا
المنهج الباطل الذي اخترع في هذا العصر للدفاع عن أهل الضلال؛ فإذا كان هذا المنهج
يمثل العدل؛ فإنه يلزم عليه بأن سلفنا الصالح من محدثين وفقهاء ومؤلفين في العقائد
وغيرها؛ كانوا أهل ظلم وغلو؛ حاشاهم ثم حاشاهم، وكبت الله خصومهم المخالفين
لمنهجهم، وأصولهم، وكافأهم بما يستحقون".
وقال: "أئمة السلف حكموا على عموم الخوارج والقدرية والشيعة؛ بالبدعة،
ولو لم يكن عندهم فلسفة أو محادة؛ لأنهم خالفوا الكتاب والسنة، وأحدثوا في الدين ما
ليس فيه بأفهامهم الفاسدة؛ لا لقصدهم المحادة، ولو قصد المبتدع المحادة لله، ومعاندته؛
لكفر، ولكن السلف لم يكفروهم لأنهم متأولون، وعندهم شبه".
وقال: "إنه
ليفهم من قول الدكتور إبراهيم: (أهل البدع الذين يخالفون عقيدة أهل السنة ومنهجهم
في الاستدلال والتعليم والتدريس والدعوة إلى الله، واتبعوا الأهواء ولم يتأسوا
بعلماء أهل السنة بل يتنقصونهم ويغمزونهم ويتفضلون عليهم، هؤلاء مبتدعة ضلال) يفهم
من هذا التعريف الطويل الذي قرره هنا ص 39، وأكد هذا التقرير في فهرس الموضوعات ص
48 حيث نقله بنصه، وفصه؛ أن الرجل أو الجماعة لا يحكم عليه أو عليها؛ بالبدعة
والضلال؛ إلا إذا اجتمعت فيه أو فيهم؛ كل هذه الأمور. وهذا تعريف، وتقرير عجيب؛
مخالف لأصول، ومنهج أهل السنة والجماعة، وأحكامهم .. السلف لا يشترطون للتبديع
اجتماع الصفات التي سردها الدكتور إبراهيم؛ فهم يبدعون؛ بل يكفرون؛ بمفردة واحدة
من مفردات العقائد؛ فقد كفروا غلاة القدرية بضلالهم في عقيدة القدر، ونفيهم لعلم
الله السابق بما سيعمله العباد، وأن الأمر أنف، وأول من كفرهم بهذا المعتقد؛
عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وأعلن براءته منهم، وأنهم منه براء".
وقال:
"إذا كنا نؤمن أن الإسلام صالح لكل زمان، ومكان؛ فما فهمه السلف من الإسلام
من كتاب الله، وسنة الرسول، وطبقوه على أهل البدع في عهدهم؛ فهذا يصلح في كل زمان،
ومكان إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها؛ ما دام قائماً على الإسلام، وما دمنا
نؤمن بصلاحية الإسلام؛ فإن أحكامه التي نزلت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في
المؤمنين، وفي الكفار، وفي المنافقين، وفي المخطئين؛ هي صالحة لكل زمان، ومكان؛
لأن هذا دين الله الخالد الصالح لكل زمان ومكان كما نؤمن بذلك، وصالح للتطبيق على
اليهود، وعلى النصارى، وعلى الشيوعيين، وعلى الروافض، والخوارج، والمعتزلة، وكل من
يمت إليهم بسبب؛ السلف عرفتم منهجهم؛ أنا مثلت بإمام من أئمة السنة: يعقوب بن
شيبة؛ صاحب المسند المعلم الذي لم يكتب مثله؛ كما يشهد الذهبي، وغيره؛ هذا الرجل
وقع في بدعة؛ الآن لا تعد عندنا شيئاً؛ لكن لضعفنا، ولهوان الإسلام، وعقائده،
وشرائعه وشعائره؛ على كثير من الناس؛ الآن يهونون من شأن السنة، ويحامون عن البدع،
وأهلها؛ مع الأسف وجدت مناهج من هذا الشكل الرديء، والعياذ بالله؛ طرحت بدل
الإسلام الحق؛ هذا يعقوب بن شيبة توقف في القرآن؛ مخلوق أو غير مخلوق؛ ما يدري؛ أيش
قيمته عند أحمد، وأهل الحديث في عصره؛ قال أحمد: مبتدع ضال، ووافقه أهل
الحديث".
وقال: "المؤاخذة بالزلات هو منهج الاسلام؛
فالزاني يرجم إذا كان محصناً .. والمبتدع بالقدر، أو الرفض، أو الخروج، ونحوها؛ قد
بدعه السلف الصالح، وضللوه".
وقال:
"فإذا كان هذا المنهج حق (أي: منهج الموازنات)؛ فإن أفجر الناس وأظلمهم على
هذا المنهج: مالك، وسعيد بن المسيب، وقبله ابن عباس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي،
والثوري، وابن عيينة، والحمادان، والبخاري، ومسلم .. إلى آخره؛ كلهم أفجر الناس،
وكتب الستة كلها قامت على الفجور والكذب والظلم؛ أنا ما أعرف مكيدة أخبث من هذه
المكيدة على الإسلام؛ بل إن رسول الله على رأس هؤلاء؛ فرأس الظالمين رسول الله؛
لأنه ما عنده ميزان".
وقال:
"الشاهد أن مذهب الموازنات الذي اخترع في هذه الأيام
القريبة، وألفت فيه عدد من الكتب؛ منهج مفتعل؛ لا أساس له من الإسلام".
وقال: "السلف
لا يعرفون هذا المنهج، ولا يحابون أهل سنة، ولا أهل بدع".
[1] - وهذا يؤيد
ما ذكره عنه مسلمة بن قاسم في (الصلة)؛ حيث قال في ترجمته: "له مذهب سوء في
القرآن؛ كان يجعل القرآن قرآنين؛ فالذي في اللوح المحفوظ؛ كلام الله تعالى، والذي
بأيدي الناس مخلوق".