بدعة التفريق بين القول والقائل

بدعة التفريق بين القول والقائل
في تعليقه على تيسير العزيز الحميد - مطبوع ضمن الفوائد العلمية من الدروس البازية 2/46، وما بعدها - سئل ابن باز عن عباد القبور: ]هل ندعو هؤلاء على أنهم مسلمين الإسلام الصادق، أم ندعوهم على أنهم مشركون؟[
فأجاب: "تدعوهم على أن عملهم هذا شرك، وأن الواجب عليهم انتقالهم من العمى إلى توحيد الله، ويبين لهم أن هذه الأعمال شركية، وأن هذا كفر وضلال، والواجب على الداعية وعلى العلماء؛ أن يوضحوا لهم، ولا يحابوهم؛ فعليهم أن يوضحوا لهم أن هذا نفسه شرك صريح، وأن هذا فعل الجاهلية الأولى. وأما الحكم على شخص معين؛ فلان بن فلان أنه مشرك؛ فهذا محل بحث عند العلماء؛ هل تبينت الحجة له، وهل بلغته الحجة، وهل شبه عليه؟ وهذا بحث آخر، ولكن نفس أعمالهم شرك بلا شك"اهـ
وقال في (ص 49، وما بعدها): "لهذا ذهب جمع من أهل العلم؛ إلى أنه لا عذر لأحد في الوقوع في الشرك .. وقال آخرون: بل يعذر بالجهالة في عدم تكفيره بعينه؛ فلان بن فلان؛ حتى تقام عليه الحجة؛ فيقال: عملك كفر، أو دعوتك البدوي كفر وضلال وشرك، ولكي نحكم عليه بالردة؛ لا بد أن نبلغه هذا الشيء؛ فإن أصر وجب قتله مرتداً، وإن رجع إلى الحق فالحمد لله، ولكن اسم عمله: كفر، وشرك؛ فسواء دعا البدوي أو الحسين أو المرسي، أو فلاناً أو فلاناً؛ كان هذا ولا شك؛ كفر وضلال؛ أما أنت بنفسك يا فلان بن فلان؛ يا زيد بن عمرو؛ أو عمرو بن زيد؛ يا فلان بن فلان: أنت كافر؟! فلابد أن نقيم عليه الحجة، ونبين له؛ قال الله كذا؛ قال الرسول كذا؛ حتى يفهم أن عمله هذا شرك؛ فإذا أصر ولم يستجب إلى الدعوة، ولم يتب حينئذ؛ نحكم عليه بالردة، والقتل"اهـ
قلت:
بمثل هذه الفتاوى التي لا ذمام لها ولا خطام؛ ينتشر الجهل والضلال؛ حتى لا يحكم على أحد بعينه بالكفر، ولو كان متلبساً بالشرك؛ غارقاً فيه؛ بحجة التفريق بين القول والقائل، والفعل والفاعل، وكفر النوع وكفر العين، وغيرها من القواعد الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليس عند المفتين بذلك؛ إلا كلام ابن تيمية؛ فهو أول من تكلم بهذا.
وقبل النظر في كلامه، وبيان ما فيه؛ أود أن ألفت انتباه القارئ إلى أن كثيراً من المعاصرين مات، ولمَّا يعرف الرسوخ العلمي؛ خلافاً لما يدعيه بعض من يغلو فيهم، وينتصر لهم بالباطل، ويحيطهم بهالة زائفة. وإلا فليس براسخ أبداً؛ من جعل تكفير عباد القبور؛ مسألة خلافية؟
أو قال: إن المشرك لا يُحكم عليه بالكفر؛ بل يقال له: فعلك هذا شرك؛ أما أنت فلا تكفر إلا بعد توافر شروط التكفير فيك، وانتفاء موانعه عنك، ولو دعوت غير الله، ونذرت وذبحت لغير الله، وفعلت ما فعلت من أنواع الشرك.
قلت: وهل يجادل أحد في أن ما يفعله عباد القبور؛ من الشرك الذي حذر الله منه، وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم؟
إن الجهم بن صفوان وغلاة المرجئة لا يجادلون في هذا؛ فالشأن إذاً ليس في الحكم على فعله؛ فهو تحصيل حاصل؛ إنما الشأن في الحكم عليه هو.
وليس براسخ أبداً من لا يُدرى أول كلامه من آخره؛ فتارة يكفر عابد القبر؛ بل ويكفر من لا يكفره، وأخرى يعتذر له، ويقول: نقول: فعله هذا شرك؛ لكن هو لا يكون مشركاً إلا بعد إقامة الحجة عليه؛ فلعله يكون جاهلاً أو متأولاً إلى آخر ما افترعته المرجئة من الأعذار البدعية.
وليس براسخ أبداً؛ من يقول: "الأشاعرة من أهل السنة في غالب الأمور، ولكنهم ليسوا منهم في تأويل الصفات. وليسوا بكفار؛ بل فيهم الأئمة، والعلماء، والأخيار".
أو قال: "القاعدة الشرعية كما نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وغيره؛ أن العالم يمدح بما وافق فيه الكتاب والسنة، ويذم على ما خالف فيه الكتاب والسنة. وهذا الذي قاله رحمه الله؛ هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ فالأشاعرة وغيرهم؛ يمدحون على ما قالوه وكتبوه في نصر الحق في أبواب أصول الدين، وفي غيرها، ويذمون على ما أخطأوا فيه؛ إحقاقاً للحق، ورداً للباطل؛ حتى لا يشتبه الأمر على من قل علمه".
قلت: ما هو الحق الذي نصره الأشاعرة في أبواب أصول الدين؟
وهذه القاعدة - البدعية - من قال بها من أئمة السلف؟
وليس براسخ أبداً من قال: "المتأول لبعض الصفات - كالأشاعرة - لا يخرج بذلك عن جماعة المسلمين، ولا عن جماعة أهل السنة في غير الصفات، ولكنه لا يدخل في جماعة أهل السنة عند ذكر إثباتهم للصفات، وإنكارهم للتأويل".
ومن مكث دهراً من عمره يكفر من حكم بالقوانين، وجعلها شرعاً عاماً يتبع؛ ثم بعد ما دخلت عليه شبهة المرجئة؛ يفترع شرط الاستحلال؛ قائلاً: لا يكون كافراً إلا إذا استحل! ويطعن في إجماع ابن كثير بلا أدنى حجة.
إننا لا ننكر أن تتعدد أقوال العالم في المسألة الواحدة؛ لكن هذا فيما مورده الاجتهاد؛ أما مسائل الأصول فلا يسوغ الخلاف فيها؛ لأن القول فيها واحد.
وهكذا أيضاً كلامه في البدعة، والمبتدعة.
وفي مسمى الإيمان الذي تعلق به المرجئة.
وردوده على كبار المبتدعة المعاصرين، وطريقة تعامله معهم؛ لا تمت للمنهج السلفي بصلة. 
ويكفي قوله في هذه الفتوى؛ لتقف على مبلغ علمه، ورسوخه؛ فقد ذكر بأن الحكم على المعين بأنه مشرك؛ محل بحث عند العلماء!
فليت شعري من هم هؤلاء العلماء؟
هل هم أئمة السلف من الصحابة، والتابعين؛ أم أئمة الخلف من المرجئة، والمتهوكين؟
ليس بيننا وبينكم إلا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهج سلفنا الصالح؛ فدلونا على آية أو حديث، أو قول صاحب، أو قول تابع، أو قول إمام من أئمة المسلمين؛ يشير ولو أدنى إشارة إلى أن من دعا البدوي، أو الحسين، أو المرسي - كما هو نص كلامه - لا يحكم عليه بالشرك بعينه.
وإذا لم يكن مثل هذا مشركاً؛ فمن المشرك إذاً؟
ومن قوله أيضاً - في الفتوى السابقة - أنه لكي يُحكم عليه بالردة؛ لا بد أن تقام عليه الحجة؛ فإن أصر وجب قتله مرتداً.
ويكأن المشرك يقع في الشرك، وهو يعلم أنه شرك؛ فأين أنت من قول الله تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}، وقوله تعالى: }وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ{، وقوله تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا{، وقوله تعالى: }وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ{، وقوله تعالى: {فَهُمْ غَافِلُون}؟
قال الشيخ عبدالله أبا بطين: "مع أنا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور؛ إنما هو الجهل بحقيقتها؛ فلو علموا أنها كفر تخرج من الإسلام؛ لم يفعلوها"اهـ (الدرر 10/368)
وما معنى أنك لا تحكم عليه بالردة؛ إلا إذا أقمت عليه الحجة؟ 
هل معنى هذا؛ أنه قبل قيام الحجة يسمى مسلماً؟
إن كان كذلك؛ فأين أنت من قول الله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}؛ فسماهم مشركين قبل أن يأتيهم بالبينة، وهي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن: "أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة، والقرآن، وماتوا على الجاهلية؛ لا يسمون مسلمين بالإجماع"اهـ (تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ص 17)
قلت: فكيف بعد مجيء الرسول، ونزول القرآن؟
أيسمون (مسلمين)؟!
تالله إنها لإحدى الكبر!
قال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن: "هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح، وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول، والقرآن؛ نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب، والرسول"اهـ (تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ص 17)
لقد كنا ننقم على أكثر المعاصرين؛ عدم اطلاعهم على كتب السلف، واقتصارهم على كتب ابن تيمية، وابن القيم، وعلماء نجد؛ على ما فيها من مخالفات، ولو وقف الأمر عند هذا الحد؛ لكان هيناً بالنسبة لما ظهر بعدُ من حالهم؛ فقد اتضح أنهم لم يفهموها حق الفهم؛ هذا إن كانوا قد اطلعوا عليها بالفعل. أو أنهم فهموا كلامهم؛ لكنهم تنكبوه.
فقد بين علماء نجد؛ أن التفريق بين القول والقائل؛ إنما يكون في المسائل الخفية؛ أما مسائل التوحيد والرسالة، وما كان معلوماً من الدين بالضرورة؛ فلا يتأتى فيه هذا التفريق. وكلامهم في هذا كثير جداً؛ ككلام سليمان بن سحمان مثلاً؛ حيث قال:
"وهذا الرجل: قد أخذ بطريقة من يكفر بتجريد التوحيد، فإذا قلنا: لا يُعبد إلا الله، ولا يُدعى إلا هو، ولا يُرجى سواه، ولا يُتوكل إلا عليه، ونحو ذلك من أنواع العبادة، التي لا تصلح إلا لله، وأن من توجه بها لغير الله؛ فهو كافر مشرك؛ قال: ابتدعتم، وكفرتم أمة محمد؛ أنتم خوارج؛ أنتم مبتدعة؛ وأخذ من كلام شيخ الإسلام في أهل البدع؛ ما كتبه يعرض بأهل التوحيد. ولا يخفى ما قاله شيخ الإسلام فيمن أشرك بالله؛ قال: من جعل بينه وبين الله وسائط؛ يدعوهم، ويسألهم، ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعاً، وغاية ما موَّه به على الجهال من أن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر في أهل المقالات الخفية: أنها، وإن كانت كفراً فلا ينبغي أن يكفر صاحبها حتى تقوم علية الحجة. وهذا كلامه؛ قال: نفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة كفر، وإنكار أن يكون الله على العرش كفر، وما في معنى ذلك; فتكفير المعين من هؤلاء، بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار؛ لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا (بعد) أن تقوم الحجة التي يتبين بها أنهم مخطئون. فتأمل قوله: من هؤلاء; وتأمل قوله: بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار. وقوله: حتى تقوم عليه الحجة. فأراد بالكفار هنا المشركين؛ كما سيأتي تقريره في كلام هذا الشيخ، وغيره. ونحن بحمد الله قد خلت ديارنا من المبتدعة؛ أهل هذه المقالات، وقد صار الخلاف بيننا وبين كثير من الناس؛ في عبادة الأوثان، التي أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب بالنهي عنها، وعداوة أهلها؛ فندعو إلى ما دعت إليه الرسل، من التوحيد والإخلاص، وننهى عما نهت عنه من الشرك بالله، في ربوبيته، وإلهيته؛ كما قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}. والقرآن من أوله إلى آخره؛ في بيان هذا الشرك والنهي عنه، وتقرير التوحيد؛ كما قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الآيات. وهذا التوحيد هو من أصولنا بحمد الله، وكاتب الأوراق، يقول: هذا بدعة; نعم هو بدعة عند نحو القائلين: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ}؛ فانظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله الذي لا يقبل اللبس؛ فإنه لما ذكر من تقدمت الإشارة إليهم من أرباب المقالات؛ قال: وهذا إذا كان في المقالات الخفية؛ فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة؛ لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين الإسلام؛ بل اليهود، والنصارى، والمشركون، يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها؛ مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه، من الملائكة والنبيين، والشمس والقمر، والكواكب، والأصنام وغير ذلك؛ فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلاة، وإيجابه لها، وتعظيم شأنها، ومثل معاداة اليهود والنصارى، والمشركين والصابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش، والربا والميسر، ونحو ذلك; ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع؛ فكانوا مرتدين. انتهى كلامه رحمه الله. فتأمل قوله: ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين .. إلى آخره; والذين قال فيهم شيخ الإسلام: إنهم يكونون - بمخالفتهم لبعض الشرائع – مرتدين؛ هو الذي نقول به، وعليه أئمة الإسلام قاطبة؛ وهو الذي ينقم منا هذا الرجل، وأمثاله من المنحرفين عن التوحيد"اهـ (الدرر 10/513-516)
أما بالنسبة لكلام ابن تيمية؛ فقد تقدم أنه أول من أشار إلى مسألة التفريق بين القول والقائل، والفعل والفاعل؛ حيث قال:
"المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع؛ يقال: هي كفر. قولاً يطلق؛ كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله، ورسوله؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر؛ حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه"اهـ (مجموع الفتاوى 35/165)
ومع أن هذا إطلاق لا ينبغي، وهو من جملة ما أخذ عليه؛ إلا أنه بين مراده من هذا التفريق، ومتى يكون؛ فقال:
"وإذا كان في المقالات الخفية؛ فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال؛ لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها؛ لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين المسلمين؛ بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها؛ مثل: أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين وغيرهم؛ فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل: معاداة اليهود والنصارى والمشركين، ومثل: تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر، ونحو ذلك؛ ثم تجد كثيرا من رءوسهم وقعوا في هذه الأنواع؛ فكانوا مرتدين"اهـ (مجموع الفتاوى 18/54)
فتبين من كلامه؛ أن هذا التفريق - إن قلنا به - لا يكون إلا في المسائل الخفية؛ أما المكفرات الظاهرة، أو المعلومة من الدين بالضرورة؛ فالواقع فيها كافر بعينه.
وهذا ما فهمه علماء نجد - كما سبق بيانه - وما انفكوا يبينونه، ويقررونه في فتاويهم ورسائلهم، ويردون على من احتج بكلام ابن تيمية دون النظر إلى مأخذه.
قال عبدالله وإبراهيم أبناء الشيخ عبداللطيف، وابن سحمان: "مسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً؛ فيقال: من قال بهذا القول فهو كافر؛ لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس؛ كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء؛ فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية؛ من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة؛ فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً، ولا يحكم على قائله بالكفر؛ لاحتمال وجود مانع كالجهل، وعدم العلم بنقض النص، أو بدلالته؛ فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها؛ ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كثير من كتبه. وذكر أيضاً: تكفير أناس من أعيان المتكلمين؛ بعد أن قرر هذه المسألة؛ قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير; وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة؛ فهذا لا يتوقف في كفر قائله"اهـ (الدرر 10/432-433)
وقال الشيخ عبدالله أبا بطين: "فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية، والأمور الظاهرة؛ فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: قد يقال: إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها. ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة؛ بل قال: ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين. فحكم بردتهم مطلقاً، ولم يتوقف في الجاهل؛ فكلامه ظاهر في التفرقة بين الأمور المكفرة الخفية؛ كالجهل ببعض الصفات ونحوها؛ فلا يكفر بها الجاهل .. ومما يبين لك مراد الشيخ تقي الدين رحمه الله؛ ما ذكره في بعض كتبه بقوله: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله؛ فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك الأمر محرم عرف ذلك؛ فإن أصر صار مرتداً، وقال: من سب الصحابة أو واحداً منهم، واقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو نبي، أو أن جبريل غلط؛ فلا نشك في كفره؛ بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. وقال أيضاً: من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا؛ فلا ريب في كفر قائل ذلك؛ بل من شك في كفره فهو كافر. انتهى. فانظر تكفيره الشاك مع القطع بأن سبب الشك هو الجهل، وأطلق على من ذكر مع العلم القاطع بأن أكثر هؤلاء أو كلهم جهال؛ لم يعلموا أن ما قالوه كفر. وقال أيضاً: فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية؛ مثل أن يدعوه من دون الله؛ مثل أن يقول: يا فلان أغثني، أو ارحمني، أو انصرني، أو اجبرني، أو توكلت عليك، أو أنا في حسبك، أو أنت في حسبي، ونحو هذه الأقوال؛ التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله؛ فكل هذا شرك وضلال؛ يستتاب صاحبه؛ فإن تاب وإلا قتل. انتهى"اهـ (الدرر 10/355-358)
وقال: "وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد، والإيمان بالرسالة؛ فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها، وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل؛ مع أنا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور، إنما هو الجهل بحقيقتها؛ فلو علموا أنها كفر تخرج من الإسلام، لم يفعلوها"اهـ (الدرر 10/368)
وقال: "فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة؛ فلا يعذر في عدم الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر؛ فلا عذر له بعد ذلك بالجهل. وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم; ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون؛ فنعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم. وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك: هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنى ولا عدم تحريمه؛ وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن كان حاله هكذا، بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته، لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها. وقد أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لم يفهموا؛ فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً}، وقال: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؛ فبين الله سبحانه: أنهم لم يفقهوا، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا؛ بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار؛ كما في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}"اهـ (الدرر 10/365-366)
وذكر الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن في منهاج التأسيس (ص 315)؛ أن كلام ابن تيمية، وابن القيم "في كل موضع؛ فيه البيان الشافي: أن نفي التكفير بالمكفرات قولها، وفعلها؛ فيما يخفى دليله، ولم تقم الحجة على فاعله"اهـ
وقال أبا بطين: "المدعي أن مرتكب الكفر متأولاً، أو مجتهداً، أو مخطئاً، أو مقلداً، أو جاهلاً؛ معذور؛ مخالف للكتاب والسنة، والإجماع؛ بلا شك؛ مع أنه لا بد أن ينقض أصله؛ فلو طرد أصله؛ كفر بلا ريب، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك"اهـ (الدرر 12/72-73)
وقال: "واختيار الشيخ تقي الدين في الصفات؛ أنه لا يكفر الجاهل، وأما في الشرك ونحوه فلا؛ كما ستقف على بعض كلامه إن شاء الله تعالى، وقد قدمنا بعض كلامه في الاتحادية، وغيرهم، وتكفيره من شك في كفرهم. قال صاحب اختياراته: والمرتد من أشرك بالله، أو كان مبغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لما جاء به، أو ترك إنكار كل منكر بقلبه، أو توهم أن من الصحابة من قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر فرعاً مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم؛ كفر إجماعاً. ومن شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها؛ فمرتد، وإن كان مثله يجهلها؛ فليس بمرتد، ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله، فأطلق فيما تقدم من المكفرات، وفرق في الصفة بين الجاهل، وغيره"اهـ (الدرر 12/72-73)
وقال أيضاً: "نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء؛ تدل على كفر من أشرك بالله؛ فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين، وغيره؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا عام في كل واحد من المشركين. وجميع العلماء في كتب الفقه؛ يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: الشرك؛ فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل. ومن زعم لله صاحبة أو ولداً كفر، ولم يستثنوا الجاهل. ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه؛ كفر إجماعاً لقوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. ويذكرون أنواعاً كثيرة مجمعاً على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين، وغيره. ثم يقولون: فمن ارتد عن الإسلام؛ قتل بعد الاستتابة؛ فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته؛ فالاستتابة بعد الحكم بالردة، والاستتابة إنما تكون لمعين، ويذكرون في هذا الباب؛ حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس، أو استحل شيئاً من المحرمات؛ كالخمر والخنزير ونحو ذلك، أو شك فيه؛ يكفر إذا كان مثله لا يجهله. ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه؛ بل أطلقوا كفره، ولم يقيدوه بالجهل، ولا فرقوا بين المعين، وغيره، وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين. وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال: إن لله صاحبة أو ولداً، أو أن جبرائيل غلط في الرسالة، أو ينكر البعث بعد الموت، أو ينكر أحداً من الأنبياء؟ وهل يفرق مسلم بين المعين وغيره في ذلك، ونحوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينة فاقتلوه)، وهذا يعم المعين وغيره. وأعظم أنواع تبديل الدين: الشرك بالله بعبادة غيره؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الذنب أعظم؟ أي: عند الله؛ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)"اهـ (الدرر 10/401-403)
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: "وهذا صفة كلامه في المسألة؛ في كل موضع وقفنا عليه من كلامه؛ لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال؛ أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية، وصرح رضي الله عنه أيضاً: أن كلامه في غير المسائل الظاهرة؛ فقال في الرد على المتكلمين، لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيراً؛ قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية؛ فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها؛ لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها؛ مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم؛ فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل إيجابه للصلوات الخمس، وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش، والزنى والخمر والميسر; ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها؛ فكانوا مرتدين"اهـ (الدرر 9/405-406)
وقال في رسالته إلى أحمد بن عبدالكريم: "اذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه شخص رجلاً معه الراية؛ إلى من تزوج امرأة أبيه؛ ليقتله، ويأخذ ماله .. واذكر قوله في أعبد هذه الأمة، وأشدهم اجتهاداً (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد؛ أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة) واذكر قتال الصديق وأصحابه؛ مانعي الزكاة، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم. واذكر إجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردتهم؛ لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة .. وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي؛ مثل اعتقاد هؤلاء في عبدالقادر، وردتهم، وقتلهم  .. ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء؛ مع ادعائه الإسلام، وأفتوا بردته وقتله؛ لطال الكلام؛ لكن من آخر ما جرى؛ قصة بني عبيد، ملوك مصر وطائفتهم، وهم يدعون أنهم من أهل البيت، ويصلون الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين، وأجمع العلماء على كفرهم، وردتهم، وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب؛ يجب قتالهم، ولو كانوا مكرهين، مبغضين لهم .. واذكر كلامه في (الإقناع وشرحه) في الردة؛ كيف ذكروا أنواعاً كثيرة موجودة عندكم؛ ثم قال منصور: وقد عمت البلوى بهذه الفرق، وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد؛ نسأل الله العفو والعافية؛ هذا لفظه بحروفه. ثم ذكر قتل الواحد منهم، وحكم ماله؛ هل قال واحد من هؤلاء؛ من الصحابة إلى زمن منصور: إن هؤلاء يكفر أنواعهم؛ لا أعيانهم؟"اهـ (الدرر 10/67-69)
فبين رحمه الله؛ أن مسألة تكفير المعين مسألة معروفة؛ وأنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة؛ إذا كان هذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس؛ أما من يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة؛ فهذا لا يُتوقف في كفر قائله.
وقال حفيده عبدالرحمن بن حسن: "كل كافر قد أخطأ، والمشركون لا بد لهم من تأويلات، ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم؛ ينفعهم، ويدفع عنهم؛ فلم يُعذروا بذلك الخطأ، ولا بذلك التأويل؛ بل قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} الآية. فأين ذهب عقل هذا عن هذه الآيات، وأمثالها من الآيات المحكمات؟! والعلماء رحمهم الله تعالى سلكوا منهج الاستقامة، وذكروا باب حكم المرتد، ولم يقل أحد منهم أنه إذا قال كفراً، أو فعل كفراً، وهو لا يعلم أنه يضاد الشهادتين؛ أنه لا يكفر لجهله، وقد بين الله في كتابه أن بعض المشركين جهال مقلدون؛ فلم يدفع عنهم عقاب الله بجهلهم وتقليدهم؛ كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}؛ إلى قوله: {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}"اهـ (الدرر 11/478-479)
وقال عبدالله أبا بطين: "ما سئلت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر؛ إذا ارتكب شيئاً من المكفرات؟ فالأمر الذي دل الكتاب، والسنة، وإجماع العلماء عليه؛ أنه كفر؛ مثل: الشرك بعبادة غير الله سبحانه؛ فمن ارتكب شيئاً من هذا النوع أو حسنه؛ فهذا لا شك في كفره، ولا بأس بمن تحققتَ منه شيئاً من ذلك أن تقول: كفر فلان بهذا الفعل؛ يبين هذا: أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتداً كافراً، ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر، وحكمه أن يستتاب فإن تاب، وإلا قتل. والاستتابة إنما تكون مع معين، ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: إن القرآن مخلوق؛ قال: كفرت بالله العظيم. وكلام العلماء في تكفير المعين كثير. وأعظم أنواع الكفر الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك؛ كما أن من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى قيل: فلان مراب"اهـ (مجموعة الرسائل ص 523)
وقال محمد بن إبراهيم: "مسألة تكفير المعين: من الناس من يقول: لا يكفر المعين أبداً، ويستدل هؤلاء بأشياء من كلام ابن تيمية غلطوا في فهمها، وأظنهم لا يكفرون إلا من نص القرآن على كفره؛ كفرعون. والنصوص لا تجيء بتعيين كل أحد؛ يُدرس باب حكم المرتد، ولا يُطبق على أحد؟! هذه ضلالة عمياء، وجهالة كبرى؛ بل يطبق بشرط. ثم الذين توقفوا في تكفير المعين؛ في الأشياء التي قد يخفى دليلها؛ فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة؛ فإذا أوضحت له الحجة بالبيان الكافي كفر؛ سواء فهم، أو قال: ما فهمت، أو فهم، وأنكر؛ ليس كفر الكفار كله عن عناد. وأما ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وخالفه؛ فهذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف سواء في الأصول، أو الفروع ما لم يكن حديث عهد بالإسلام. والقسم الثالث: أشياء تكون غامضة؛ فهذه لا يكفر الشخص فيها، ولو بعد ما أقيمت عليه الأدلة، وسواء كانت في الفروع أو الأصول، ومن أمثلة ذلك: الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه إذا مات"اهـ (الفتاوى 1/73-74)




يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة