صور من الإرجاء المعاصر
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه؛؛؛ أما بعد:
لما ظهر الإرجاء
في الأمة؛ دخل فيه جماعة من العلماء والعباد والزهاد؛ أمثال عمرو بن مرة؛ قال
شعبة: "ما رأيت عمرو بن مرة في صلاة قط؛ إلا ظننت أنه لا ينفتل حتى يستجاب
له"، وقال عبدالملك بن ميسرة: "إني لأحسبه خير أهل الأرض"، وقال
مغيرة الضبي:"لم يزل في الناس بقية؛ حتى دخل عمرو بن مرة في الإرجاء؛ فتهافت
الناس فيه".
وطلق بن حبيب؛
قال ابن الأعرابي: "كان يقال: فقه الحسن، وورع ابن
سيرين، وحلم مسلم بن يسار، وعبادة طلق"، وقال أيوب السختياني:"ما رأيت
أحداً أعبد من طلق بن حبيب".
وعبدالعزيز بن أبي رواد؛ قال ابن المبارك: "كان من أعبد الناس"، وقال
يوسف بن أسباط: "مكث ابن أبي رواد أربعين سنة؛ لم يرفع طرفه إلى السماء"،
وقال شقيق البلخي: "ذهب بصر عبدالعزيز عشرين سنة، ولم يعلم به أهله، ولا ولده".
وإبراهيم بن طهمان؛ قال يحيى بن أكثم: "كان إبراهيم من أنبل الناس
بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم، وأوسعهم علماً".
والنعمان بن ثابت؛ قال أبو عاصم النبيل: "كان أبو حنيفة يسمى الوتد؛
لكثرة صلاته"، وقال عبدالحميد الحماني: "صحبت أبا حنيفة ستة أشهر؛ فما
رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند السحر"،
وغيرهم كثير.
فاغتر كثير من
الناس بهم؛ فوقعوا في الإرجاء متابعة لهم، ومن يومئذ انتشر الإرجاء في الأمة، وما
زال فيها إلى اليوم.
وقد عرف
الأئمة خطر هذه البدعة الخبيثة؛ فحذروا منها، وشددوا في ذمها، وذم أهلها؛ من ذلك؛
قول سعيد بن جبير: "مثل المرجئة مثل الصابئين"، وقال إبراهيم النخعي:
"تركت المرجئة الدين أرق من ثوب سابري"، وقال الأوزاعي: "كان يحيى
وقتادة؛ يقولان: ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء".
وقد انتشر
الإرجاء في زماننا هذا انتشاراً عجيباً؛ حتى عند بعض من يدعي السلفية، وينتحل
العلم الشرعي؛ فسمعنا ما لم يكن يخطر على بال، ولا يدور في خيال؛ من ذلك:
1-
عدم تكفير من
كفره الله، ورسوله، أو التوقف في تكفيره.
كاليهودي،
والنصراني، والوثني، والبوذي، والشيوعي، وغيرهم من الكفار الأصليين. أو المسلم
الذي تلبس بناقض من نواقض الإسلام؛ بأن صرف شيئاً من العبادة لغير الله، أو أنكر
معلوماً من الدين بالضرورة، أو سب الله ورسوله، أو استحل حراماً، أو استهزأ
بالدين، أو شك في كفر اليهود والنصارى، وغيرها من النواقض التي من أتى بناقض منها؛ حُكم عليه بالكفر.
قال عياض: "ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة
المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده،
واعتقد إبطال كل مذهب سواه؛ فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك"اهـ (الشفا
2/610)
وقال ابن المقري: "من شك في كفر اليهود والنصارى،
وطائفة ابن عربي؛ فهو كافر. قال الألوسي: وهو أمر ظاهر، وحكم باهر. وأما من توقف؛
فليس بمعذور في أمره؛ بل توقفه سبب كفره"اهـ (جلاء العينين ص 88)
وقال
ابن تيمية: "اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام"اهـ
(مجموع الفتاوى 35/201)
وقال
محمد بن عبدالوهاب: "اعلم أن نواقض الإسلام؛ عشرة نواقض.. الناقض الثالث: من لم
يكفر المشركين؛ أو شك في كفرهم؛ أو صحح مذهبهم؛ كفر"اهـ (الدرر السنية 2/361)
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "من لم يفرق بين اليهود
والنصارى، وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة" فهو
كافر"اهـ (فتاوى اللجنة 1/782)
وسئل ابن باز
عن حكم من يصر على عدم تكفير تارك الصلاة، أو تكفير من يأتي بأفعال شركية؛ مثل: (الذبح؛
النذر؛ المدد)، ويقول: إن هذا العمل شرك، ولكن فاعله لا يجوز أن نطلق عليه كلمة الكفر
بعينه؟
فقال
- بعد أن بين الأدلة على كفرهما -: "والأدلة في ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، ومن
لم يكفر الكافر فهو مثله؛ إذا أقيمت عليه الحجة، وأبين له الدليل"اهـ (مجموع فتاوى
ابن باز 7/412-414)
وقال: "كل من أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ أبطل هذه
الكلمة (يعني: لا إله إلا الله) لأن هذه الكلمة؛ إنما تنفع أهلها إذا عملوا بها,
واستقاموا عليها؛ فأفردوا الله بالعبادة وخصوه بها، وتركوا عبادة ما سواه، واستقاموا
على ما دلت عليه من المعنى؛ فأطاعوا أوامر الله، وتركوا نواهي الله، ولم يأتوا
بناقض ينقضها"اهـ (مجموع فتاوى ابن باز4/20)
وقال: "كل من أتى ناقضاً من نواقض الإسلام؛ يكون
مشركاً شركاً أكبر"اهـ (مجموع فتاوى ابن باز 28/368)
2-
إطلاق عدم
تكفير من وقع في مكفر؛ إلا بعد قيام الحجة (تكفير المعين).
والتفريق
بين القول والقائل، والفعل والفاعل؛ دائماً وفي كل مسألة؛ بقطع النظر عن ظهورها، أو
خفائها، وهل هي من مسائل الشرك الأكبر أم لا؛ لذا امتنعوا عن تكفير المعين،
وقالوا: نقول: القول والفعل؛ كفر؛ لكن لا نكفر القائل والفاعل؛ حتى تقام عليهما
الحجة؛ فسب الله ورسوله؛ كفر؛ لكن الساب لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه.
قال
محمد بن عبدالوهاب: "الشخص المعين: إذا قال ما يوجب الكفر؛ فإنه لا يحكم بكفره؛
حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها
على بعض الناس، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة؛
فهذا لايتوقف في كفر قائله"اهـ (الدرر السنية 10/433)
وقال عبدالله أبا
بطين: "نقول في تكفير المعين: ظاهر
الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء؛ تدل على كفر من أشرك بالله؛ فعبد معه
غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا عام في كل واحد من المشركين.وجميع العلماء في كتب الفقه؛
يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: الشرك؛ فقالوا: إن من
أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبة أو ولداً كفر، ولم يستثنوا
الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه؛ كفر إجماعاً؛ لقوله
تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، ويذكرون أنواعاً
كثيرة مجمعاً على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره.ثم يقولون: فمن ارتد عن
الإسلام؛ قتل بعد الاستتابة؛ فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته؛ فالاستتابة بعد
الحكم بالردة، والاستتابة إنما تكون لمعين؛ ويذكرون في هذا الباب؛ حكم من جحد وجوب
واحدة من العبادات الخمس، أو استحل شيئاً من المحرمات؛ كالخمر والخنزير ونحو ذلك،
أو شك فيه؛ يكفر، إذا كان مثله لا يجهله. ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه؛ مما
ذكرنا بعضه؛ بل أطلقوا كفره، ولم يقيدوه بالجهل، ولا فرقوا بين المعين وغيره..ولما
قال بعض أهل البدع عند الشافعي: إن القرآن مخلوق؛ قال: كفرت بالله العظيم. وكلام
العلماء في تكفير المعين كثير"اهـ (الدرر 10/401-416)
وقال محمد بن إبراهيم: "مسألة تكفير المعين: من الناس
من يقول: لا يكفر المعين أبداً. ويستدل هؤلاء بأشياء من كلام ابن تيمية غلطوا في
فهمها، وأظنهم لا يكفرون إلا من نص القرآن على كفره كفرعون، والنصوص لا تجيء
بتعيين كل أحد؛ يدرس باب (حكم المرتد) ولا يطبق على أحد؛ هذه ضلالة عمياء، وجهالة
كبرى؛ بل يطبق بشرط؛ ثم الذين توقفوا في تكفير المعين: في الأشياء التي قد يخفى
دليلها؛ فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية؛ من حيث الثبوت والدلالة؛ فإذا أوضحت
له الحجة بالبيان الكافي؛ كفر؛ سواء فهم، أو قال: ما فهمت، أو فهم وأنكر؛ ليس كفر
الكفار كله عن عناد، وأما ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به، وخالفه؛ فهذا يكفر
بمجرد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف سواء في الأصول أو الفروع؛ ما لم يكن حديث عهد
بالإسلام. والقسم الثالث: أشياء تكون غامضة؛ فهذه لا يكفر الشخص فيها، ولو بعد ما
أقيمت عليه الأدلة، وسواء كانت في الفروع أو الأصول، ومن أمثلة ذلك: الرجل الذي
أوصى أهله أن يحرقوه إذا مات. وإمام الدعوة ألف مؤلفاً في مسألة تكفير المعين، وهو
المسمى:(مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)؛ بين ووضح أنه لا مناص من تكفير
المعين بشروطه الشرعية"اهـ (مجموع فتاوى الشيخ 1/73-75)
وسئل ابن باز: هل يجب على العامي أن
يكفر من قام كفره، أو قام فيه الكفر؟
فأجاب: "إذا ثبت عليه ما يوجب
الكفر كفّره؛ ما المانع؟ إذا ثبت عنده ما يوجب الكفر كفّره؛ مثل ما نكفر أبا جهل وأبا
طالب وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، والدليل على كفرهم أن الرسول صلى الله عليه
وسلم قاتلهم يوم بدر. فقال السائل: يا شيخ العامي يمنع من التكفير؟ فأجاب
الشيخ قائلاً: العامي لا يكفِّر إلا
بالدليل؛ العامي ما عنده علم؛ هذا المشكل، لكن الذي عنده: علم بشيء معين؛ مثل من
جحد تحريم الزنا؛ هذا يكفر عند العامة والخاصة، هذا ما فيه شبهة، ولو قال واحد: إن
الزنا حلال، كفر عند الجميع هذا ما يحتاج أدلة، أو قال: إن الشرك جائز يجيز للناس
أن يعبدوا غير الله؛ هل أحد يشك في هذا؟ هذا ما يحتاج أدلة، لو قال: إن الشرك
جائز؛ يجوز للناس أن يعبدوا الأصنام والنجوم والجن كفر؛ التوقف يكون في الأشياء
المشكلة التي قد تخفى على العامي"اهـ (شرح كشف الشبهات ص 34)
3-
عدم تكفير تارك
جنس عمل الجوارح.
أجمع
السلف على كفر من ترك أعمال الجوارح، ولم يأت بشيء منها؛ مع بقائه زمناً، ولا مانع
يمنعه من العمل، وأنه خالد في النار أبد الآباد.
أما
المرجئة؛ فلا يكون المسلم كافراً عندهم، ولو ترك أعمال الجوارح من صلاة وصيام
وزكاة وحج، وغيرها من الأعمال الظاهرة؛ مع كونهم يقولون: الإيمان قول وعمل، ولكنهم
يعنون بالعمل؛ عمل القلب، أما عمل الجوارح؛ فهو من الإيمان الواجب، أو المستحب؛ لا
يدخل في أصل الإيمان.
قال سفيان بن
عيينة: "والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على
ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً؛ بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء؛ لأن
ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر؛ هو
كفر"اهـ (السنة لعبدالله ابن أحمد 280)
وقال ابن تيمية: "لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب
في الإيمان؛ لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان؛ لزمهم عمل الجوارح أيضاً؛ فإنها
لازمةً لها"اهـ (مجموع الفتاوى 8/124)
وقال: "وإخراجهم العمل عن مسمى الإيمان؛ يشعر أنهم
أخرجوا أعمال القلوب أيضاً، وهذا باطل قطعاً؛ فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه
بقلبه وبدنه؛ فهو كافر قطعاً بالضرورة، وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطئوا
أيضاً؛ لامتناع قيام الإيمان من غير حركة بدن"اهـ (مجموع الفتاوى 7/240)
وقال: "من يتكلم بالإيمان، ولا يعمل به لايكون قلبه
مؤمناً"اهـ (مجموع الفتاوى 14/121)
وقال: "وإن قالوا: إنه لا يضره ترك العمل؛ فهذا كفر
صريح؛ وبعض الناس يحكي هذا عنهم، وأنهم يقولون: إن الله فرض على العباد فرائض، ولم
يرد منهم أن يعملوها، ولا يضرهم تركها، وهذا قد يكون قول الغالية الذين يقولون: لا
يدخل النار من أهل التوحيد أحد؛ لكن ما علمت معيناً أحكي عنه هذا القول، وإنما الناس
يحكونه في الكتب ولا يعينون قائله، وقد يكون قول من لا خلاق له"اهـ (مجموع
الفتاوى 7/181)
وقال: "من كان عقده الإيمان، ولا يعمل بأحكام
الإيمان، وشرائع الإسلام؛ فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد"اهـ (مجموع
الفتاوى 7/333)
وكذلك طائفة من المرجئة يقولون: الإيمان قول وعمل. ويعنون
بالعمل؛ قول اللسان، ويقولون: أليس إذا قال فقد عمل؛ فيجعلون قول اللسان عملاً.
قال ابن رجب: "وقد كان طائفة من المرجئة يقولون:
(الإيمان قول وعمل) موافقة لأهل السنة؛ ثم يفسرون العمل بالقول، ويقولون: هو عمل
اللسان. وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول عن شبابة بن سوار، وأنكره عليه، وقال: هو
أخبث قول. ما سمعت أن أحداً قال به، ولا بلغني. يعني أنه بدعة لم يقله أحد ممن
سلف"اهـ (فتح الباري 1/113)
وقال أبو بكر
الأثرم: "سمعت أبا عبدالله، وقيل له: شبابة؛ أي شيء تقول فيه؟ فقال: شبابة
كان يدعو إلى الإرجاء؛ قال: وقد حكي عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل؛ ما سمعت
أحداً عن مثله؛ قال: قال شبابة: إذا قال فقد عمل؛ قال: الإيمان قول وعمل كما
يقولون: فإذا قال؛ فقد عمل بجارحته أي بلسانه؛ فقد عمل بلسانه حين تكلم؛ ثم قال
أبو عبدالله: هذا قول خبيث؛ ما سمعت أحداً يقول به، ولا بلغني"اهـ (السنة للحلال رقم 982)
4-
عدم تكفير عباد
القبور.
عباد القبور لا يشك في كفرهم من شم رائحة الإيمان. وقد
كذب المرجئة المعاصرون؛ على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أئمة
الدين؛ لما نشروا بين الشباب؛ أن المسألة خلافية؛ كما يروج لذلك ربيع المدخلي،
وأذنابه؛ بل إجماعية. والخلاف ليس في كفر عباد القبور؛ بل فيمن لم يكفرهم، وفي
الدرر (9/291) "من لم يكفر المشركين من الدولة التركية، وعباد القبور؛ كأهل
مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدل سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم بالبدع؛ فهو كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم، ويحب
الإسلام والمسلمين؛ فإن الذي لا يكفر المشركين، غير مصدق بالقرآن؛ فإن القرآن قد
كفر المشركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم".
قال محمد بن عبدالوهاب: "الأدلة على تكفير المسلم
الصالح؛ إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين، ولو لم يشرك، أكثر من
أن تحصر؛ من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم"اهـ (الدرر السنية
10/8-9)
وقال
إسحاق بن عبدالرحمن: "فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعى العلم والدين، وممن هو
بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ أن من أشرك بالله، وعبد الأوثان؛ لا يطلق عليه
الكفر والشرك بعينه، وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك؛ سمع من بعض الإخوان؛ أنه أطلق
الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم، واستغاث به؛ فقال له الرجل: لا
تطلق عليه حتى تُعَرِّفه .. إلى أن قال: وقد استوحشوا، واستُوحِشَ منهم بما أظهروه
من الشبهة، وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين، وعند التحقيق لا
يُكفرون المشرك إلا بالعموم، وفيما بينهم يتورعون عن ذلك؛ ثم دبت بدعتهم وشبهتهم؛
حتى راجت على من هو من خواص الإخوان، وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول، وعدم
الاعتناء بها، وعدم الخوف من الزيغ.. إلى أن قال: وذلك أن بعض من أشرنا إليه؛ قال:
نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها، ومن فيها: فعلك هذا شرك، وليس هو بمشرك.
فانظر ترى، واحمد ربك، واسأله العافية"اهـ (فتاوى الأئمة النجدية 3/116)
وقال
أبا بطين: "أعظم أنواع الكفر؛ الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع
المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك؛ كما أن من زنى؛ قيل: زان. ومن رابى؛
قيل: فلان مراب"اهـ (الدرر 10/417)
وقال عبدالله وإبراهيم ابنا الشيخ عبداللطيف، وسليمان بن
سحمان: "القبوريون لا يشك في كفرهم من شم رائحة الإيمان، وقد ذكر شيخ
الإسلام، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله؛ في غير موضع: أن نفي التكفير بالمكفرات
قوليها وفعليها؛ فيما يخفى دليله،ولم تقم الحجة على فاعله، وأن النفي يراد به نفي
تكفير الفاعل، وعقابه قبل قيام الحجة عليه، وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع
بين الأمة، وأما دعاء الصالحين، والاستغاثة بهم، وقصدهم في الملمات والشدائد؛ فهذا
لا ينازع مسلم في تحريمه، والحكم بأنه من الشرك الأكبر"اهـ (الدرر السنية
4/409)
وقال ابن باز: "القاعدة أن من صرف العبادة، أو
بعضها لغير الله من أصنام أو أوثان أو أموات أو غيرهم من الغائبين؛ فإنه مشرك شركاً
أكبر، وكذلك الحكم فيمن جحد ما أوجب الله، أو ما حرم الله مما هو معلوم من الدين
بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون، فهذا يكون كافراً، ومشركاً شركاً أكبر"اهـ
(مجموع فتاوى ابن باز 28/368)
وسئل: إنني من صعيد مصر، وأقيم في قرية صغيرة تكثر فيها
المعتقدات الفاسدة في أصحاب القبور، والأضرحة، والمقامات، ويهتفون بأسمائهم عند
الشدائد، ويلجئون إليهم عند الملمات، وينذرون لهم النذور، ويعتقدون فيهم النفع
والضر، ويحلفون بأسمائهم؛ فهل تصح الصلاة خلف إمام مسجد يعتقد في تلك القبور،
ويعتقد النفع والضر في أصحابها، ويهتف بأسمائهم، وهو أيضاً يحلف بغير الله، وهل
تصح صلاة الجمعة خلفه، ولو لم يوجد من يصلى خلفه غيره؛ إلا من هو مثله؛ فهل صلاة
الفرد تكون في مثل هذه الحالة أفضل، أم الصلاة خلفه، وهل يعذر أولئك القبوريين
بجهلهم؛ أم لا يعذرون؛ فالجاهل منهم يحكم عليه بالإسلام، أم يحكم عليه بالكفر، وهل
يصلى على ميتهم، ويدفن في مقابر المسلمين أم لا؟ أجيبوني عن هذه القضايا؛ جزاكم
الله خيراً.
فأجاب: "هذا سؤال عظيم، وله شأن كبير؛ لأنه يتعلق
بالكفر والإيمان، والإسلام والشرك؛ فهؤلاء الذين ذكرت أيها السائل عقيدتهم
وأعمالهم؛ هؤلاء يعتبرون كفاراً مشركين وثنيين"اهـ (فتاوى نور على الدرب
2/380)
وسئل:
بعض المعاصرين ذكروا أن من قال الكفر، أو فعل الكفر؛ فلا يكفر حتى تقام عليه
الحجة، وأدرجوا عباد القبور في هذا.
فأجاب:
"هذا من جهلهم؛ عباد القبور كفار، واليهود كفار، والنصارى كفار، ولكن عند
القتل؛ يستتاب؛ فإن تاب، وإلا قتل.
السائل:
ولكن مسألة قيام الحجة؟
فقال:
بلغهم القرآن {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ}؛
القرآن
بلغهم بين المسلمين }وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ{؛ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ{؛ قد بلغ الرسول، وجاء القرآن،
وهم بين أيديهم يسمعونه في الإذاعات، وفي كل شيء، ولايبالون، ولا يلتفتون، ولو جاء
أحد ينذرهم وينهاهم؛ آذوه؛ نسأل الله العافية"اهـ (من شرحه لكشف الشبهات - تسجيلات
البردين)
وقالت
اللجنة الدائمة: "لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور؛ أن
يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم؛ حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقفهم
عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل
تكفيرهم"اهـ (فتاوى اللجنة 2/151)
وسئل:
في فتاواكم، وبخاطبكم المؤرخ بتاريخ: 20/5/1408هـ والمرقم برقم (1043) وهي: (ولذا
يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا
إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم
لهم له شبهة، وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين، مثل
تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود).
فقد
فهم بعضنا: أن الحجة تقام على الإخوة الموحدين لوقوعهم في شبهة عدم تكفير عباد
القبور ظناً منهم أن عباد القبور تقام عليهم الحجة قبل تكفيرهم.
وفهم
البعض الآخر: أن معنى حتى تقام الحجة عليهم، أي: متى تقام الحجة على القبوريين؟
وليس معناه إقامة الحجة على طائفة الموحدين الذين يقرون عباد القبور بالجهل، أو الذين
يعذرون عباد القبور بالجهل.
فالرجاء
يا سماحة الشيخ عبدالعزيز، وأستحلفك بالله الذي لا إله غيره أن توضح لنا هذا الأمر؛
هل الذي تقام عليه الحجة؛ هم عباد القبور، أو الموحدين الذي يعذرون عباد القبور؟
جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"المقصود أن الموحد المؤمن الذي توقف عن تكفير بعض عباد القبور؛ لا يقال: إنه
كافر؛ لأنه لم يكفر الكافر، ولكن يتوقف في تكفيره؛ حتى يبين له وتزول الشبهة؛ أن
هؤلاء الذين يعبدون القبور، ويستغيثون بالأموات كفار؛ لأن الذين عبدوا القبور من
أهل الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبله؛ كانوا كفاراً إلا من كان من
أهل الفترة الذين لم تبلغهم الحجة؛ فهؤلاء أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى؛ أما
الذين بلغتهم الحجة؛ فهم كفار، وإن كانوا في نفس الأمر لم يفهموا ولم يتبينوا؛ أن
ما هم عليه كفر؛ فإذا كان الموحد الذين عرف الدين، وعرف الحق؛ توقف عن تكفير بعض
هؤلاء الذين يعبدون القبور؛ فإنه لا يُكَفَّر حتى تبين له الحجة، وتزول الشبهة
التي من أجلها توقف، والمقصود هو أنه لا يُكفَّر الموحد الذي توقف عن تكفير عباد
الأوثان؛ حتى تقوم عليه الحجة هو، وحتى يُبين له أسباب كفرهم، وحتى تتضح له أسباب
كفرهم. هذا المقصود؛ لأنه قد يتوقف يحسب أنهم ليسوا بكفار؛ فإذا بُين له ذلك،
واتضح له ذلك؛ صار مثل من لم يكفر اليهود والنصارى"اهـ (من موقع الشيخ على الشبكة)
5-
عدم تكفير تارك
الصلاة.
ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه؛ نقل الإجماع على هذا؛
عبدالله بن شقيق العقيلي، وأيوب السختياني، وإسحق بن راهويه، وهو إجماع ثابت غير
منخرم، وما جاء عن بعض السلف؛ من عدم تكفير تارك الصلاة؛ فبعضه لا يثبت، وبعضه يخالف
الإجماع المتقدم؛ فلا عبرة به.
وقد ذكر محمد بن نصر إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة؛
بعد إكفار الله له، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الخلاف حادث؛ جاء بعد إجماع
الصحابة على كفره. فقال: "قد ذكرنا في كتابنا هذا ما دل عليه كتاب الله تعالى،
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من تعظيم قدر الصلاة وإيجاب الوعد بالثواب لمن قام
بها والتغليظ بالوعيد على من ضيعها، والفرق بينها وبين سائر الأعمال في الفضل وعظم
القدر؛ ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها،
وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها؛ ثم جاءنا عن الصحابة رضي
الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك؛ ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك
في تأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في
إكفار تاركها وإيجاب القتل على من امتنع من إقامتها.. ثم نقل عن الإمام إسحاق بن
راهويه؛ قوله: ولقد جعلوا للصلاة من بين سائر الشرائع كالإقرار بالإيمان لمن يعرف
إقراره، وذلك بأنهم بأجمعهم قالوا: من عرف بالكفر ثم رأوه مصلياً الصلاة في وقتها
حتى صلى صلوات ثم مات ولم يعلموا منه إقراراً باللسان؛ أنه يحكم له بحكم الإيمان،
ولم يحكموا له في صوم رمضان، ولا في الزكاة، ولا في الإحرام بالحج بمثل ذلك؛ فمن
كان موقع الصلاة من بين سائر الفرائض عنده كذلك أن يصير الكافر بصلاته خارجاً من
كفره ولم ير المؤمن بتركه الصلوات عمره كافراً إذا لم يجحد بها فقد أخطأ وصار
ناقضاً لقوله بقوله.قال إسحاق: واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يكون
عليكم أئمة يؤخرون الصلاة عن ميقاتها حتى يخنقوها إلى شرق الموتى فمن أدرك ذلك
فليصل الصلاة لوقتها، ويجعل صلاته معهم سبحة). قالوا: لو كان القوم بتضييعهم الوقت
كافراً لم يجز للمقتدي أن يقتدي بهم، وإن كان متطوعاً؛ إذا كان الإمام كافراً.
وقالوا: هذا يدل على أن الترك؛ الجحود. وأخطأوا التأويل؛ لأن الأئمة لم يؤخروا
الجمعة إلى غروب الشمس؛ إنما كانوا يؤخرونها عن أول الوقت، ويقرؤون كتبهم ويدعون
في ذلك أنهم مشغولون بأمر الأمة، وأن ذلك عذر لهم فهم متأولون، وليس في تأخير
الأئمة الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بيان أنهم كانوا يؤخرونها إلى غروب
الشمس وطلوع الفجر؛ إنما كانوا يؤخرونها عن الوقت الذي وقت النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا ينبغي لأحد أن يكفر أحدا بترك الصلاة حتى يصير
الترك إلى ما وصفنا من غروب الشمس وطلوع الفجر لأن ما دونهما مختلف فيه، ولا يجوز
التكفير إلا بإجماع أهل العلم على ذهاب الوقت. قال إسحاق: واجتمع أهل العلم على أن
إبليس إنما ترك السجود لآدم عليه الصلاة والسلام لأنه كان في نفسه خيراً من آدم
عليه السلام؛ فاستكبر عن السجود لآدم؛ فقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ
نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}؛ فالنار أقوى من الطين؛ فلم يشك إبليس في أن الله
قد أمره، ولا جحد السجود؛ فصار كافراً بتركه أمر الله تعالى واستنكافه أن يذل لآدم
بالسجود له، ولم يكن تركه استنكافاً عن الله تعالى ولا جحوداً منه لأمره؛ فاقتاس
قوم ترك الصلاة على هذا. قالوا: تارك السجود لله تعالى وقد افترضه عليه عمداً، وإن
كان مقراً بوجوبه أعظم معصية من إبليس في تركه السجود لآدم؛ لأن الله تعالى افترض
الصلوات على عباده اختصها لنفسه؛فأمرهم بالخضوع لهم بها دون خلقه؛ فتارك الصلاة
أعظم معصية، واستهانة من إبليس حين ترك السجود لآدم عليه السلام؛ فكما وقعت
استهانة إبليس وتكبره عن السجود لآدم موقع الحجة؛ فصار بذلك كافراً؛ فكذلك تارك
الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. قال إسحاق: وقد كفي أهل العلم مؤنة
القياس في هذا عن ما سن لهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده؛ جعلوا حكم
تارك الصلاة عمداً؛ حكم الكافر. قال إسحاق: ولقد قال قوم من أهل العلم: إذا ترك
الرجل الصلاة متعمداً حتى يذهب وقتها لم يكن كافراً؛ حتى يموت على تركها؛ فحينئذ
تبين كفره؛ لأن إبليس لم يسجد لله السجدة التي أمره بها بعد تركه إياها، فكذلك
تارك الصلاة إذا ثبت على تركها حتى يموت. قال إسحاق: وهذا القول قريب من قول
الطائفة التي رأت الترك الجحد، وكيف يتربص بشيء يكون به كافراً بعد زمان، ولا
يتبين كفره إلا بموته؛ فلئن كان كافراً بتركها؛ فقد كفر حين تركها، وإلا فإن الموت
لا يحقق لأحد كفراً، ولا إيماناً إلا ما تقدم من فعله.قال: ويلزم قائل هذا أن قاد
كلامه قولاً قبيحاً؛ أن يقول: إن إبليس لو سجد السجدة التي تركها قبل أن يلقى الله
أنه لم يزل مؤمناً من حين ترك السجود إلى أن سجد وندم؛ فليس هذا بقول.قال إسحاق:
وهذا إنما احتج؛ كنحو من رأى الترك؛ الجحود. فاحتج لنفسه أن إبليس ترك السجود لآدم
تكبراً عن السجود الذي أمره الله تعالى، والتكبر عن أمر الله تعالى رد على الله؛
فمن تكبر عن أمر الله وصغَّر، فقد جحده؛ فإنما يكفر تارك الصلاة عمداً إذا تركها
على هذه الجهة؛ على التصغير لأمر الله تعالى، والتكبرعنه"اهـ (تعظيم قدر
الصلاة ص 562-570)
وقال
أبو داود في سننه: ]باب في رد الإرجاء[ وأورد حديث: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
وقال ابن رجب: "كثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير
تارك الصلاة. وحكاه إسحاق ابن راهويه؛ إجماعاً منهم؛ حتى إنه جعل قول من قال: لا
يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة. وكذلك قال سفيان بن عيينة:
المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء، لأن ركوب
المحارم متعمداً من غير استحلال؛ معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر؛ هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلي الله عليه
وسلم، ولم يعملوا بشرائعه. وروي عن عطاء ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال:
الصلاة فريضة، ولا أصلي، فقالا: هو كافر. وكذا قال الإمام أحمد.ونقل حرب عن إسحاق؛
قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات
وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض؛ من غير جحود لها؛ لا نكفره؛ يرجى أمره
إلى الله بعد؛ إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك فيهم؛ يعني في أنهم مرجئة"اهـ
(فتح الباري 1/25)
وقال
ابن عثيمين: "الكتاب والسنة
كلاهما يدل على كفر تارك الصلاة؛ الكفر الأكبر المخرج عن الملة.
أولاً: من الكتاب: قال تعالى في سورة التوبة: {فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين}
وقال في سورة مريم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}؛
فوجه الدلالة من الآية الثانية - آية سورة مريم - أن الله قال في المضيعين للصلاة
المتبعين للشهوات: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}؛ فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة
واتباع الشهوات غير مؤمنين. ووجه الدلالة من الآية الأولى - آية سورة التوبة - أن
الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط:أن يتوبوا من الشرك
- أن يقيموا الصلاة - أن يؤتوا الزكاة. فإن تابوا من الشرك, ولم يقيموا الصلاة,
ولم يؤتوا الزكاة, فليسوا بإخوة لنا. وإن أقاموا الصلاة, ولم يؤتوا الزكاة, فليسوا
بإخوة لنا. والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية؛ فلا تنتفي
بالفسوق والكفر دون الكفر.ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القتل: {فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ}؛ فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول؛ مع أن القتل عمداً من أكبر
الكبائر، لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ
عَذَاباً عَظِيماً}؛ ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا
اقتتلوا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا}, إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُم}؛ فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين
المقتتلتين, مع أن قتال المؤمن من الكفر، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه
البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سباب
المسلم فسوق, وقتاله كفر)؛ لكنه كفر لا يخرج من الملة, إذ لو كان مخرجاً من الملة
ما بقيت الأخوة الإيمانية معه. والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية
مع الاقتتال. وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة؛ إذ لو كان فسقاً أو
كفراً دون كفر؛ ما انتفت الأخوة الدينية به؛كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله. فإن
قال قائل: هل ترون كفر تارك إيتاء الزكاة؛ كما دل عليه مفهوم آية التوبة؟ قلنا:
كفر تارك إيتاء الزكاة قال به بعض أهل العلم, وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد
رحمه الله تعالى.ولكن الراجح عندنا أنه لا يكفر؛ لكنه يعاقب بعقوبة عظيمة؛ ذكرها
الله تعالى في كتابه, وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته, ومنها ما في حديث
أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع الزكاة, وفي
آخره: (ثم يرى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار) وقد رواه مسلم بطوله في: باب:
إثم مانع الزكاة.وهو دليل على أنه لا يكفر، إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى
الجنة. فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة؛ لأن المنطوق مقدم على
المفهوم كما هو معلوم في أصول الفقه.
ثانياً: من السنة:
1- قال صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الشرك
والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبدالله؛ عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
2- وعن بريده بن الحصيب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم, يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد
كفر). رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. والمراد بالكفر هنا: الكفر
المخرج عن الملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلاً بين المؤمنين
والكافرين, ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام؛ فمن لم يأت بهذا العهد؛ فهو
من الكافرين.
3- وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها؛ أن النبي
صلى الله عليه وسلم؛ قال: (ستكون أمراء, فتعرفون وتنكرون؛ فمن عرف برئ, ومن أنكر
سلم, ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا).
4- وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عوف بن مالك رضي الله
عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم,
ويصلون عليكم وتصلون عليهم, وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم, وتلعنونهم ويعلنونكم.
قيل: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة).
ففي هذين الحديثين الأخيرين؛ دليل على منابذة الولاة
وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة, ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا
أتوا كفراً صريحاً؛ عندنا فيه برهان من الله تعالى؛ لقول عبادة بن الصامت رضي الله
عنه: ؛دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه؛ فكان فيما أخذ علينا؛ أن
بايعنا على السمع والطاعة؛ في منشطنا ومكرهنا, وعسرنا ويسرنا, وأثرة علينا, وألا
ننازع الأمر أهله. قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان). وعلى
هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ منابذتهم وقتالهم
بالسيف؛ كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو
أنهمؤمن, وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد؛ شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمداً رسول الله, وثواب ذلك, وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن
يترك الصلاة, وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة, وإما عامة
فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة؛ لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة, والخاص مقدم على
العام.
فإن قال قائل: ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر
تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها؟
قلنا: لا يجوز ذلك؛ لأن فيه محذورين:
الأول: إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع، وعلق الحكم به.فإن
الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود، ورتب الأخوة في الدين على إقام
الصلاة؛ دون الإقرار بوجوبها؛ فلم يقل الله تعالى: فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة.
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة.
أوالعهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة؛ فمن جحد وجوبها فقد كفر. ولو كان
هذا مراد الله تعالى ورسوله؛ لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن
الكريم؛ قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ
شَيْءٍ}، وقال تعالى مخاطباً نبيه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم}.
الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم؛ فإن
جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه؛ سواء صلى أم ترك؛ فلو
صلى شخص الصلوات الخمس، وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط, وأركان, وواجبات,
ومستحبات, لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه؛ لكان كافراً مع أنه لم يتركها. فتبين
بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها غير صحيح, وأن الحق أن تارك
الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة, كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في
سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تشركوا بالله شيئاً, ولا تتركوا الصلاة عمداً, فمن تركها عمداً متعمداً فقد
خرج من الملة). وأيضاً: فإننا لو حملناه على ترك الجحود؛ لم يكن لتخصيص الصلاة في
النصوص فائدة؛ فإن هذا الحكم عام في الزكاة, والصيام, والحج؛ فمن ترك منها واحداً
جاحداً لوجوبه كفر إنكان غير معذور بجهل. وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل
السمعي الأثري؛ فهو مقتضى الدليل العقلي النظري. فكيف يكون عند الشخص إيمان مع
تركه للصلاة التي هي عمود الدين, والتي جاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل
مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها، وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل
مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها؟ فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع
التارك.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن يراد بالكفر في تارك الصلاة
كفر النعمة لا كفر الملة؟ أو أن المراد به كفر دون الكفر الأكبر؟ فيكون كقوله صلى
الله عليه وسلم: (اثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النسب،والنياحة على الميت)،
وقوله: (سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر)، ونحو ذلك.
قلنا: هذا الاحتمال والتنظير له لا يصح لوجوه:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة حداً
فاصلاً بين الكفر والإيمان, وبين المؤمنين والكفار. والحد يميز المحدود، ويخرجه عن
غيره؛ فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر.
الثانى: أن الصلاة ركن من أركان الإسلام؛ فوصف تاركها
بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام؛ لأنه هدم ركناً من أركان الإسلام,
بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفر.
الثالث: أن هناك نصوصاً أخرى دلت على كفر تارك الصلاة
كفراً مخرجاً من الملة؛ فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق.
الرابع: أن التعبير بالكفر مختلف.
ففي ترك الصلاة قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر)؛
فعبر بـ "أل" الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر؛ بخلاف كلمة
"كفر" منكراً، أو كلمة "كفر" بلفظ الفعل؛ فإنه دال على أن هذا
من الكفر، أو أنه كفر في هذه الفعلة، وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط
المستقيم ص 70 طبعة السنة المحمدية) على قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في
الناس هما بهم كفر) قال: "فقوله: "هما بهم كفر" أي هاتان الخصلتان
هما كفر قائم بالناس؛ فنفس الخصلتين كفر؛ حيث كانتا من أعمال الكفر، وهما قائمتان
بالناس؛ لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافراً الكفر المطلق؛
حتى تقوم به حقيقة الكفر؛ كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها
مؤمناً؛ حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته. وفرق بين الكفر المعرف باللام؛ كما في
قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة)،
وبين كفر منكر في الإثبات" انتهى كلامه.
فإذا تبين أن تارك الصلاة بلا عذر كافر كفراً مخرجاً من
الملة بمقتضى هذه الأدلة؛ كان الصواب فيما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وهو أحد
قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ
خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات}، وذكر ابن القيم في كتاب
الصلاة؛ أنه أحد الوجهين في مذهب الشافعي, وأن الطحاوي نقله عن الشافعي نفسه. وعلى
هذا القول؛ جمهور الصحابة؛ بل حكى غير واحد إجماعهم عليه. قال عبدالله بن شقيق:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما، وقال إسحاق بن راهويه الإمام المعروف: صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن
النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا؛ أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى
يخرج وقتها كافر. وذكر ابن حزم أنه قد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل
وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة؛ قال: "ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من
الصحابة"؛ نقله عنه المنذري في الترغيب والترهيب، وزاد من الصحابة: عبدالله
بن مسعود, وعبدالله بن عباس, وجابر بن عبدالله, وأبا الدرداء رضي الله عنهم. قال: ومن
غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه, وعبد الله بن المبارك, والنخعي,
والحكم بن عتيبة, وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي, وأبو بكر بن أبي شيبة،
وزهير بن حرب وغيرهم"اهـ (حكم تارك الصلاة ص 5-17)
والقول بأن تكفير تارك الصلاة؛ مسألة خلافية؛ فتح الباب
أمام المرجئة لنشر تلك البدعة الخبيثة (عدم تكفير تارك جنس العمل) والتشبث بها،
والاستطالة على أهل السنة بسببها؛ فقالوا: إذا كان تارك الصلاة، وهي أعظم الأعمال؛
لا يكفر - على قول - فمن باب أولى؛ لا يكفر من ترك غيرها من الأعمال.
وكنا نرد عليهم هذه الشبهة - ويا لها من شبهة - بأن من يقول
من السلف بعدم كفر تارك الصلاة؛ يشترط عملاً آخر واجباً بشريعة الإسلام؛ لا لأنه
لا يرى كفر تارك جنس أعمال الجوارح بالكلية.
وهذا ضعيف، وإلا فكيف يشترط عملاً واجباً غير الصلاة؛
التي هي أوجب الواجبات، وأعظم الأركان بعد الشهادتين؟!
]تنبيه[ تارك الصلاة كفر لتركه الصلاة؛ فإذا صلى؛ عاد
للإسلام.
قال
ابن تيمية: "قال الإمام أحمد: (إذا قال لا أصلى؛ فهو كافر.. ) لأن هذا كفره
بترك الفعل، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أن من كفره بترك الإقرار؛ إذا أتى
بالإقرار عاد إلى الإسلام"اهـ (شرح العمدة 2/91-92)
أما
ما يحكى عن الشافعي وأحمد رحمهما الله؛ من أنهما تناظرا في تارك الصلاة، وأن
الشافعي قال لأحمد: أتقول إنه يكفر - أي تارك الصلاة -؟قال: نعم؛ فقال الشافعي:
إذا كان كافراً؛ فبم يسلم؟ قال أحمد: يقول لا إله إلا الله؛ محمد رسول الله؛ قال
الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه؛ قال أحمد: يسلم بأن يصلي؛فقال
الشافعي: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها؛ فانقطع الإمام أحمد.
فهذه
قصة باطلة عاطلة لا تصح عنهما؛ لا سنداً، ولا متناً.
6-
عدم تكفير
الحاكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام.
رغم
أن الإجماع منعقد على كفره؛ فمن ترك الحكم بغير ما أنزل الله، واتبع نظاماً غير
نظام الله، وتشريعاً غير تشريعه؛ فهو مشرك بالله؛ كافر به؛ قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{.
قال
ابن كثير: "من ترك الشرع المحكم
المنزل على محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وتحاكم إلى غيره من الشرائع
المنسوخة؛ كفر؛ فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع
المسلمين"اهـ (البداية والنهاية 13/119)
وقال محمد بن إبراهيم: "إن من الكفر الأكبر
المستبين؛ تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى
الله عليه وسلم؛ ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين؛ لقول الله عز وجل: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{"اهـ (فتاوى الشيخ (12/284)
وقال الشنقيطي: "كل من اتبع تشريعاً غير التشريع
الذي جاء به سيد ولد آدم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؛ فاتباعه لذلك
التشريع المخالف كفر بواح؛ مخرج عن الملة الإسلامية"اهـ (أضواء البيان 3/40)
وقال: "الذين
يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على لسان أوليائه؛ مخالفة لما شرعه الله
جل وعلا على ألسنة رسله؛ لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه
عن نور الوحي"اهـ (بتصرف من أضواء البيان 3/259)
7-
عدم تبديع
المبتدع.
رغم
ظهور بدعته، وعدم خفائها، وإرجاء أمره إلى الله، وعدم الحكم عليه بالبدعة، وإن كان
ثمة تبديع؛ فعلى بعض المعاصرين فحسب؛ ممن لم يقل بأقوالهم، وينهج نهجهم؛ أما
المبتدعة الماضون؛ فيفخمون أمرهم، ويعظمون شأنهم، ولسان حالهم يقول: لا يضر مع
الإيمان ذنب، ولا يضر مع العلم بدعة.
فأغلقوا
باب التبديع، وردوا كلام أئمة أهل السنة؛ في تبديع أمثال هؤلاء.
وتبديع
كل من وقع في بدعة ظاهرة لا خلاف فيه؛ بل لا خلاف في تبديع من لم يبدعه؛ بعد معرفة
حاله.
قال
ابن عون: "من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع"اهـ (الإبانة
2/273)
وقال
يحيى بن سعيد القطان: "لما قدم سفيان الثوري البصرة؛ جعل ينظر إلى أمر الربيع
بن صبيح، وقدره عند الناس؛ سأل: أي شيء مذهبه ؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة؛ قال: من
بطانته؟ قالوا: أهل القدر؛ قال: "هو قدري"اهـ (الإبانة 2/453)
وقال
أبو داود: "قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من
أهل البدع؛ أترك كلامه ؟ قال: لا، أو تُعْلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة؛ فإن
ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به؛ قال ابن مسعود: المرء بخدنه"اهـ (طبقات الحنابلة
1/260)
وقال
ابن تيمية: "ومن كان محسناً للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم؛ عُرف حالهم؛
فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم"اهـ (مجموع
الفتاوى 2/132-133)
وقال عتبة الغلام: "من لم يكن معنا فهو علينا"اهـ (الإبانة 2/437)
وقال عتبة الغلام: "من لم يكن معنا فهو علينا"اهـ (الإبانة 2/437)