تعالم ربيع
المدخلي
قال ربيع:
"المنهج الحدادي يحتفي أهله
بالأحاديث الواهية، والمنكرة؛ ليشغبوا بها على جمهور أهل السنة السابقين واللاحقين؛
بل ليطعنوا فيهم".
قلت:
نحن الآن أمام منهجين:
منهج السلف الصالح: الذي يُسميه
ربيع بـ (المنهج الحدادي)، ويُسمي أتباعه بـ (الحدادية).
ومنهج الخلف الطالح: الذي يمثله (المداخلة)
نسبة لزعيمهم (ربيع المدخلي)؛ الذي تفرغ مؤخراً للطعن في المنهج السلفي، وتشويهه،
ورمي أتباعه بالتهم بالباطلة، ومنها هذه التهمة.
وقد علم الناس - ومنهم المدخلي -
أن السلفيين سابقاً - الحدادية حالياً - لا يقبلون الأحاديث الواهية والمنكرة؛
فضلاً عن الاحتفاء بها، ولا يشغبون على أهل
السنة؛ فضلاً عن الطعن فيهم؛ فهي فرية بلا مرية.
وإذ ذلك كذلك؛ فما الذي حمل
المدخلي عليها؟!
الذي حمله عليها؛ هو ما قرأه للمحققيْن
(مسلط رحمه الله، وعادل حفظه الله)؛ حيث قالا في معرض كلامهما عن حديث الأطيط:
"تنبيه: اعلم أن أغلب من
أعلَّ هذا الحديث من أهل السنة - وهم قليل - إنما أعلوه من جهة إسناده لا متنه؛
أما الكلام عن متنه، وما دل عليه من إثبات جلوس الرب تعالى؛ فلم يتعرض له فيما
أعلم؛ إلا الجهمية أعداء السنة والتوحيد. وإن من المؤسف أن يتوارد معهم على هذه
التهمة من ينسب نفسه للسنة والحديث؛ فيحكم على الحديث بأنه: (منكر)!! ثم لا يذكر
من سبقه إلى هذا الطعن من أهل السنة؛ مع كثرة من خرجه منهم في مصنفاتهم؛ فهل فطن
إلى ما لم يفطن إليه الأولون من أئمة السنة والتوحيد؛ على كثرة من رواه منهم فيما
صنفوه من التوحيد، والرد على الجهمية؟!". (إثبات الحد لله ص 154)
فعَلِم ربيع أنهما يريدان بكلامهما
هذا؛ الألباني القائل في ضعيفته
(866): "هو حديث منكر عندي"؟!
والمدخلي: يشق عليه جداً؛ الكلام
في شيخه في الإرجاء والتجهم؛ فمن ها هنا قال ما قال، وافترى ما افترى.
حديث الأطيط:
قال المدخلي:
"ولفظ ]الأطيط[؛ لم يرد في أي حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآثار
التي يذكر فيها هذا اللفظ؛ أعتقد أن أصلها هذا الأثر ونحوه من روايات كعب الأحبار،
والحمل فيه على كعب أكثر من الحمل على رواته .. فائدتان: الأولى: قال الذهبي رحمه
الله في كتاب العلو (1/414-416) معلقاً على كلمة الأطيط: (والأطيط الواقع بذات
العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل؛ فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعدّه
صفة لله؛ ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت - انتبه لقول الذهبي هذا في لفظ الأطيط
- وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره
وإقراره؛ فأما ما في إسناده مقال، أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله؛ فإننا لا
نتعرض له بتقرير؛ بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه
مما تواتر من علو الله فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب".
قلت:
أولاً: "احتج أهل السنة بحديث الأطيط، وساقوه في مصنفاتهم في السنة والاعتقاد؛
مساق القبول والاحتجاج.
وممن
احتج بهذا الحديث، وقَبِلَهُ، أو صرح بصحته من أهل العلم:
1-
البخاري.
2-
الدارمي.
3-
أبو
داود.
4-
ابن
خزيمة.
5-
أبو
عوانة.
6-
ابن بطة.
7-
ابن منده.
8-
السجزي.
9-
البغوي.
10- ابن الزاغوني.
11- الدشتي.
12- ابن تيمية.
13- ابن القيم.
14- الهيثمي.
15- محمد بن عبدالوهاب".
قال
الدشتي: "قد أخرج هذا الحديث عامة العلماء من أئمة المسلمين في كتبهم التي
قصدوا فيها نقل الأخبار الصحيحة، وتكلموا على توثقة رجاله، وتصحيح طرقه. وممن
رواه: الإمام أحمد بن حنبل، وأبو بكر الخلال، وصاحبه أبو بكر عبدالعزيز، وأبو
عبدالله بن بطة، وقد رواه أبو محمد الخلال في كتاب الصفات له، ورواه الدارقطني في
كتاب الصفات الذي جمعه، وضبط طرقه، وحفظ عدالة رواته .. وأخرجه أبو الحسن بن
الزاغوني في كتاب له .. وقد أخرجه شيخنا أبو عبدالله المقدسي في كتاب المسند
الصحيح، ورواه غيرهم من الأئمة والحفاظ، وأني لأورده إن شاء الله تعالى في كتاب
غير هذا بطرقه وأسانيده وكلام الأئمة في ثقة رجاله، وصحة رواته؛ على وجه لا سبيل
إلى دفعه ورده إلا بطريق العناد، ولا طعن في صحته إلا بطريق المكابرة".
(بتصرف من إثبات الحد لله ص 149-158)
فالحديث
صحيح ثابت؛ احتج به جبال العلم والسنة؛ قال أبو داود بعد أن أورد الحديث في باب
الرد على الجهمية والمعتزلة! عن عبدالأعلى بن حماد، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن
بشار، وأحمد بن سعيد الرباطي؛ عن وهب بن جرير؛ بإسناد أبي الأزهر ومعناه؛ قال:
"والحديث بإسناد أحمد بن سعيد؛ هو الصحيح؛ وافقه عليه جماعة منهم: يحيى بن
معين، وعلي بن المديني. ورواه جماعة عن ابن إسحاق؛ كما قال أحمد أيضاً، وكان سماع
عبدالأعلى، وابن المثنى، وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني".
ثانياً: من أعلَّ (من أهل السنة) هذا الحديث؛ أعلَّه من جهة إسناده؛ لا متنه،
وإلا فالجميع متفقون على قبول معناه!
قال البغوي:
"الواجب فيه وفي أمثاله: الإيمان بما جاء في الحديث، والتسليم، وترك التصرف
فيه بالعقل". (شرح السنة 1/177)
وقال ابن
بطة: "ثم الإيمان والقبول والتصديق بكل ما روته العلماء ونقله الثقات أهل
الآثار؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلقاها بالقبول ولا ترد بالمعاريض؛ ولا
يقال: لم وكيف؟ ولا تحمل على المعقول، ولا تضرب لها المقاييس، ولا يعمل لها التفاسير
إلا ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رجل من علماء الأمة؛ ممن قوله شفاء
وحجة؛ مثل: أحاديث الصفات والرؤية، ومثل ما روي أن الله عز وجل يضع السموات على
إصبع، والأرضين على إصبع، وأن الله عز وجل يضع قدمه في النار فتقول: قط قط. وقلوب
العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وأن الله عز وجل على العرش، وللعرش أطيط كأطيط
الرحل الجديد، وأن الله عز وجل أخذ الذرية من ظهر آدم بيده اليمنى وكلتا يديه يمين
مباركة؛ فقال: هذه لهذه، ولا أبالي. ولا يقبح الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته. وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي في صورة كذا. قد روى هذه الأحاديث؛ الثقات من
الصحابة والسادات من العلماء من بعدهم؛ مثل: ابن عمر، وعائشة، وأبي هريرة، وابن
عباس، وجرير بن عبدالله، وأنس بن مالك، وغيرهم. وأن الله تبارك وتعالى ينزل كل
ليلة إلى سماء الدنيا؛ لا يقال لهذا كله: كيف ولا لم؟ بل تسليمها للقدرة، وإيماناً
بالغيب؛ كل ما عجزت العقول عن معرفته؛ فالعلم به وعين الهداية؛ فيه الإيمان به،
والتسليم له، وتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قاله؛ هو أصل العلم، وعين
الهداية؛ لا تضرب لهذه الأحاديث وما شاكلها؛ المقاييس، ولا تعارض بالأمثال،
والنظائر". (الشرح والإبانة ص142-143)
وقال ابن
تيمية: "وهذا الحديث قد يطعن فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصاراً للجهمية،
وإن كان لا يفقه حقيقة قولهم وما فيه من التعطيل، أو استبشاعاً لما فيه من ذكر
الأطيط؛ كما فعل أبو القاسم المؤرخ. ويحتجون بأنه تفرد به محمد بن إسحاق عن يعقوب
بن عتبة عن جبير؛ ثم يقول بعضهم: ولم يقل ابن إسحاق حدثني؛ فيحتمل أن يكون منقطعاً,
وبعضهم يتعلل بكلام بعضهم في ابن إسحاق؛ مع إن هذا الحديث وأمثاله, وفيما يشبهه في
اللفظ والمعنى؛ لم يزل متداولاً بين أهل العلم خالفاً عن سالف, ولم يزل سلف الأمة
وأئمتها يروون ذلك رواية مصدق به راد به على من خالفه من الجهمية متلقين لذلك
بالقبول؛ حتى قد رواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه في التوحيد
الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بأحاديث الثقات المتصلة الإسناد؛ رواه عن
بندار كما رواه الدرامي وأبو داود سواء، وكذلك رواه عن أبي موسى محمد بن المثنى
بهذا الإسناد مثله سواء؛ فقال: حدثنا محمد بن بشار؛ ثنا وهب يعني بن جرير؛ ثنا
أبي: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة، وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم
عن أبيه عن جده؛ قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي؛ فقال: يا رسول الله
جُهِدت الأنفس وجاعت العيال ونُهِكَت الأموال وهَلَكَت الأنعام فاستسق لنا؛ فإنا
نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك
أتدري ما تقول؟! فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في
وجوه أصحابه؛ ثم قال: (ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من جميع خلقه؛ شأن الله
أعظم من ذلك؛ ويحك أتدري ما الله؟ إن الله على عرشه، وعرشه على سمواته، وسمواته
على أرضه هكذا، وقال بأصابعه مثل القبة، وأنه لَيَئِط به أَطِيطَ الرَّحْل
بالرَّاكب). قال ابن خزيمة قرئ على أبو موسى وأنا أسمع؛ أن وهباً حدثهم بهذا
الإسناد مثله سواء. وممن احتج به الحافظ أبو محمد بن حزم في مسألة استدارة الأفلاك؛
مع أن أبا محمد هذا من أعلم الناس؛ لا يقلد غيره، ولا يحتج إلا بما تثبت عنده صحته،
وليس هذا الموضع. وهؤلاء يحتجون في معارضة ذلك من الحديث بما هو عند أهله من الرأي
السخيف الفاسد الذي يحتج به قياسوا الجهمية؛ كاحتجاج أبي القاسم المؤرخ في حديث
أملاه في التنزيه؛ بحديث أسنده عن عوسجة، وهذا الحديث مما يعلم صبيان أهل الحديث
أنه كَذِب مختلق، وأنه مفترى، وأنه لم يروه قط عالم من علماء المسلمين المقتدى بهم
في الحديث، ولا دونوه في شيء من دواوين الإسلام، ولا يستجيز أهل العلم والعدل منهم
أن يورد مثل ذلك إلا على بيان أنه كذب؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه
وسلم؛ أنه قال: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين). فمن رد تلك
الأحاديث المتلقاة بالقبول، واحتج في نقضها بمثل هذه الموضوعات؛ فإنما سلك سبيل من
لا عقل له ولا دين، وكان في ذلك ممن يتبع الظن وما تهوى النفس، وهو من المقلدين
لقوم لا علم لهم بحقيقة حالهم؛ كما قال تعالى: }وَمَا
تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ
مِنْهُ مُرِيبٍ{، وروى أيضاً عثمان بن سعيد؛ قال: ثنا عبدالله بن
رجاء؛ ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة؛ قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم؛ فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة. فعظَّم الرب، وقال: (إن كرسيه وسع السموات
والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، ومد أصابعه الأربعة،
وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله). وقال أيضاً موسى بن إسماعيل:
ثنا حماد، وهو ابن سلمة؛ عن الزبير أبي عبدالسلام؛ عن أيوب بن عبدالله الفهري؛ أن
ابن مسعود؛ قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار؛ نور السموات من نور وجهه، وإن
مقدار كل يوم من أيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة؛ فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول
النهار؛ فينظر فيها ثلاث ساعات؛ فيطلع فيها على ما يكره؛ فيغضبه ذلك؛ فأول من يعلم
بغضبه الذين يحملون العرش؛ يجدونه يثقل عليهم؛ فيسبحه الذين يحملون العرش،
وسرادقات العرش والملائكة. وأصحاب هذا القول؛ فيستشهدون بما روي عن طائفة في تفسير
قوله تعالى: }تَكَادُ
السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ{. قال عثمان بن سعيد في رده على الجهمية: حدثنا
عبدالله بن صالح المصري؛ قال: حدثني الليث، وهو ابن سعد؛ حدثني خالد بن يزيد؛ عن
سعيد بن أبي هلال؛ أن زيد بن أسلم؛ حدثه عن عطاء بن يسار؛ قال: أتى رجل كعباً، وهو
في نفر؛ فقال: يا أبا إسحاق: حدثني عن الجبار. فأعظم القوم قوله؛ فقال كعب: دعوا
الرجل؛ فإن كان جاهلاً تعلم، وإن كان عالماً ازداد علماً؛ ثم قال كعب: أخبرك أن
الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن؛ ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء
الدنيا والأرض، وكثفهن مثل ذلك وجعل بين كل أرضين كما بين السماء الدنيا والأرض،
وكثفهن مثل ذلك؛ ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط
الرحل العلا في أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن. وهذا الأثر، وإن كان هو رواية
كعب؛ فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب، ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة,
ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها؛ لا يصدقها ولا يكذبها؛
فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده؛ هم من أجل الأئمة, وقد حدثوا به هم وغيرهم، ولم
ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن؛ فلو كان هذا القول منكراً في دين
الإسلام عندهم؛ لم يحدثوا به على هذا الوجه. وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي
فيما خرجه من أحاديث الصفات, وقد ذكره من طريق السنة عبدالله بن أحمد بن حنبل؛
حدثني أبي ثنا أبو المغيرة؛ حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان؛ عن أبيها خالد بن
معدان؛ أنه كان يقول: إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا
قام المشركون؛ حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش. قال القاضي: وذكر أبو بكر
بن أبي خيثمة في تاريخه بإسناده؛ حدثنا عن ابن مسعود، وذكر فيه: (فإن مقدار كل يوم
من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة؛ فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم؛
فينظر فيه ثلاث ساعات؛ فيطلع منها على ما يكره؛ فيغضبه ذلك؛ فأول من يعلم بغضبه
الذي يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش). وذكر الخبر. اعلم
أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره, وأن ثقله يحصل بذات الرحمن؛ إذ ليس في ذلك ما
يحيل صفاته. قال - على طريقته في مثل ذلك - لأنا لا نثبت ثقلاً من جهة المماسة
والاعتماد والوزن؛ لأن ذلك من صفات الأجسام ويتعالى عن ذلك, وإنما نثبت ذلك صفة لذاته؛
لا على وجه المماسة كما قال الجميع: إنه عال على الأشياء؛ لا على وجه التغطية لها،
وإن كان في حكم الشاهد؛ بأن العالي على الشيء يوجب تغطيته. قال: وقيل أنه تتجدد له
صفة يثقل بها على العرش، ويزول في حال كما تتجدد له صفة الإدراك عند خلق المدركات،
وتزول عند عدم المدركات. فإن قيل: ذلك محمول على ثقل عظمته وهيبته في قلوبهم وما
يتجدد لهم في بعض الأحوال من ذكر عظمته وعزته كما يقال: الحق ثقيل مر، وليس المراد
به ثقل الأجسام، وقال سبحانه إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً؛ قال القاضي: قيل: هذا
غلط؛ لأن الهيبة والتعظيم مصاحب لهم في جميع أحوالهم، ولا يجوز مفارقتها لهم،
ولهذا قال سبحانه: }يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ{, وما ذكره من قول القائل: الحق ثقيل وكلام فلان ثقيل؛ فإنما لم
يحمل على ثقل ذات لأنها معاني والمعاني لا توصف بالثقل والخفة وليس كذلك هنا؛ لأن
الذات ليست معاني ولا أعراضاً؛ فجاز وصفها بالثقل. وأما قوله تعالى {إِنَّا
سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}؛ فقد فسره أهل النقل: أن المراد به ثقل
الحكم, ولأن الكلام ليس بذات. قال: فإن قيل يحمل على إنه يخلق في العرش ثقلاً على
كواهلهم, وجعل لذلك إمارة لهم في بعض الأحوال إذا قام المشركون. قيل: هذا غلط؛
لأنه يفضي أن يثقل عليهم بكفر المشركين, ويخفف عنهم بطاعة المطيعين, وهذا لا يجوز
لما فيه من المؤاخذة بفعل الغير, وليس كذلك إذا حملناه على ثقل الذات؛ لأنه لا
يفضي إلى ذلك؛ لأن ثقل ذاته عليهم تكليف لهم، وله أن يثقل عليهم في التكليف ويخفف.
قلت المقصود هنا: التنبيه على أصل كلام الناس في ذلك". (بيان تلبيس الجهمية 3/254-274)
وقال: عبداللطيف بن عبدالرحمن آل
الشيخ: "وهذا الحديث لا يستطيع سماعه الجهمي، ولا
يؤمن به إلا أهل السنة والجماعة الذين عرفوا الله بصفات كماله، وعرفوا عظمته، وأنه
لا يليق به غير ما وصف به نفسه من استوائه على عرشه، ونزهوه أن يستوي على ما لا
يليق بكماله وقدسه من سائر مخلوقاته". (عيون المسائل 2/546)
فالأمر كما أشار المحققيْن (مسلط،
وعادل)؛ أنه لا أحد من أهل السنة؛ سبق - الألباني وربيع - إلى الطعن في هذا
الحديث، ولم يقف شعر أحد منهم؛ كما قف شعر الألباني! فهل فطن - الألباني وربيع -
إلى ما لم يفطن إليه الأولون من أئمة السنة والتوحيد؛ على كثرة من رواه منهم فيما
صنفوه من التوحيد، والرد على الجهمية؟!
ثالثاً: قال المدخلي: "أما السلف المكفرون لتارك
الصلاة؛ فإنهم يحترمون إخوانهم غير المكفرين له، ويعتبرونهم من أهل السنة،
ويعتبرون علماءهم من أعلام السنة، ولا يرمونهم بالإرجاء؛ حاشاهم أن يفعلوا ذلك؛
كيف وهم يعلمون أن إخوانهم مجتهدون، ولهم أدلتهم وبراهينهم
على ما ذهبوا إليه".
وأقول:
أما السلف المضعفون للحديث؛ فإنهم يحترمون إخوانهم المصححين
له، ويعتبرونهم من أهل السنة، ويعتبرون علماءهم
من أعلام السنة، ولا يرمونهم بالحدادية؛ حاشاهم أن يفعلوا ذلك؛ كيف وهم
يعلمون أن إخوانهم مجتهدون،
ولهم أدلتهم وبراهينهم على ما ذهبوا إليه.
وقال: "إن
المخالفين لمن يكفر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً؛ كثيرون، وفيهم أئمة عظماء من فقهاء
ومحدثين، ولهم أدلتهم الكثيرة، وهم مجتهدون؛ فلخلافهم مكانته واعتباره، ومن هنا
لا تجد الطرفين إلا يحترم بعضهم بعضاً، ويوقر بعضهم بعضاً؛ لأن اختلاف الطرفين
قائم على الأدلة من الكتاب والسنة، وليس قائماً على الأهواء؛ كما هو
الشأن في مخالفات أهل البدع لأهل السنة؛ فافهم هذا، وقف عند
حدك".
وأقول: إن
المخالفين لمن يصحح هذا الحديث؛ كثيرون!! وفيهم أئمة عظماء من فقهاء ومحدثين، ولهم
أدلتهم الكثيرة، وهم مجتهدون؛ فلخلافهم مكانته واعتباره،
ومن هنا لا تجد الطرفين إلا يحترم بعضهم بعضاً، ويوقر بعضهم بعضاً؛ لأن اختلاف
الطرفين قائم على الأدلة من الكتاب والسنة، وليس قائماً على الأهواء؛ كما
هو الشأن في مخالفات أهل البدع لأهل السنة؛ فافهم هذا، وقف
عند حدك.
رابعاً: صح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أنه قال: "الكرسي موضع القدمين، وله
أطيط كأطيط الرحل".
أخرجه
الطبري في تفسيره (5789)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (60) وابن منده في
الرد على الجهمية (9) وعبدالله بن أحمد في السنة (1022،588) وأبو الشيخ في العظمة (245)،
والدارمي في رده على المريسي (1/469)، والبيهقي في الأسماء والصفات (859)، والدشتي
في الحد (41)، والذهبي في العلو (273)، والألباني في مختصر العلو (85)، وقال:
"إسناده موقوف صحيح .. ورجاله كلهم ثقات معروفون"!
فالحديث
صحيح؛ مرفوعاً، وموقوفاً.
خامساً: لا يلزم من إثبات حديث الأطيط؛ محذور عند
أهل السنة والجماعة.
سادساً: ممن احتج بحديث الأطيط من المتأخرين:
1-
عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ؛ في حاشية
كتاب التوحيد (ص 239)
2-
سليمان بن عبدالله آل الشيخ؛ في
تيسير العزيز الحميد (ص 726)
3-
عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ
؛ في عيون المسائل (2/546)
4-
حافظ بن أحمد الحكمي؛ في معارج
القبول (1/151)
فهؤلاء، وغيرهم؛ حدادية عند ربيع
المدخلي؛ يحتفون بالأحاديث الواهية، والمنكرة؛ ليشغبوا بها على جمهور أهل السنة
السابقين واللاحقين؛ بل ليطعنوا فيهم.
سابعاً: لا أدري
السبب الذي جعل المدخلي؛ يظهر قول الذهبي: "لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت -
انتبه لقول الذهبي هذا في لفظ الأطيط - وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح
منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره؛ فأما ما في إسناده مقال، أو اختلف
العلماء في قبوله وتأويله؛ فإننا لا نتعرض له بتقرير؛ بل نرويه في الجملة ونبين
حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله فوق عرشه مما يوافق
آيات الكتاب"، وينبه عليه، ويحتج به، ويخفي قوله الآخر، وهو: "هذا حديث محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته؛
سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين
ومائة؛ تفرد بهذا الحديث عن عبدالله بن خليفة من قدماء التابعين؛ لا نعلم حاله
بجرح، ولا تعديل؛ لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي؛ مقراً له كغيره من
أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري، وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي
بكير، ووكيع؛ عن إسرائيل. وأخرجه أبو عبدالرحمن عبدالله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة
والرد على الجهمية؛ له؛ عن أبيه، عن عبدالرحمن بن مهدي؛ عن سفيان الثوري؛ عن أبي
إسحاق السبيعي؛ عن عبدالله ابن خليفة؛ عن عمر رضي الله عنه، ولفظه: (إذا جلس الرب
على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد)، ورواه أيضاً عن أبيه، حدثنا وكيع
بحديث إسرائيل؛ عن أبي إسحاق؛ عن عبدالله بن خليفة؛ عن عمر: (إذا جلس الرب على
الكرسي)؛ فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع؛ فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش، وسفيان
يحدثون بهذه الأحاديث، ولا ينكرونها. قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين؛
أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان؛ فلا أدري أخرجه
أم لا؟ فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح؛ فإن ذلك إسناد
صحيح. فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل،
وعبدالرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول
ذكرهم، وعددهم الذين هم سرج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول،
وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده؛ فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟!
بل نؤمن به، ونكل علمه إلى الله عز وجل؛ قال الإمام أحمد: لا نزيل عن ربنا صفة من
صفاته لشناعة شنعت وإن نبت عن الأسماع)؛ فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان
الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب
لما رآه قد تلون لهذا الحديث". (العرش 2/119-122)
قال المدخلي: "لا أستبعد أن
المحقق لكتاب الدشتي؛ قد رأى هذا الحديث على الأقل في صحيح مسلم، ولكنه أغفله
انتصاراً لرأيه، وهذا من كتمان الحق الذي ذم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أهله
أشد الذم".
وأقول: لا أستبعد أن المدخلي قد
رأى كلام الذهبي السابق، ولكنه أغفله انتصاراً لرأيه، وهذا من كتمان الحق الذي ذم
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أهله أشد الذم.
ثامناً: قال ابن
عطايا في تحقيقه لنفس الكتاب (كتاب الحد للدشتي): "المسألة الثانية: تخريج
حديث الأطيط، وما اشتملت عليه بعض رواياته من إثبات قعود الرب، وجلوسه على عرشه؛
مع ذكر شواهد لهذا الحديث من السنة والأثر، وما يتضمن ذلك من إثبات الحد لله؛ وهذا
حق، وذكرت ما تيسر من كلام أهل السنة؛ تأييداً لما ذكره الإمام الدشتي رحمه
الله". (إثبات الحد لله ص 17)
وقال: "وقول
الإمام الدشتي: إن إسناده على شرط البخاري ومسلم؛ أي أن رجاله يحتج بأمثالهم
البخاري ومسلم؛ فهذا صحيح عند من تبينت له ثقة عبدالله بن خليفة، وهو الأظهر.
والحديث صحيح موقوفاً على عمر رضي الله عنه، وقد جوده الثوري وشعبة؛ حيث روياه عن
أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه به، وله حكم الرفع، وهذا لا
يعارض الإرسال؛ فقد ينشط الراوي فيوصله، وتارة يرسله". (ص 189)
ومع هذا
لم يشغب عليه المدخلي، ويهول - كعادته - ويقول: "ابن عطايا الحدادي؛ يحتفي
بالأحاديث الواهية، والمنكرة؛ ليشغب بها على جمهور أهل السنة السابقين واللاحقين؛
بل ليطعن فيهم".
أو يقول: "ومما يلفت أنظار
أهل السنة؛ أن ابن عطايا يحتفي بهذه الآثار الإسرائيلية الباطلة، ويستشهد بها فيما
يتعلق بصفات الله، وهذا انطلاق منه من ذلك المنهج الحدادي؛ القائم على الجهل،
والهوى".
تاسعاً: فلو كان ربيع سنياً سلفياً؛ لوسعه ما وسع
أئمة السلف من السابقين واللاحقين؛ قال البربهاري: "مَن قَبلنا لم يدعونا في
لبس؛ فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر، وأهل الأثر". (شرح السنة ص 154)
لكن الله تعالى "أضله وأغواه،
وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوأه من الافتراء والكذب؛ ما يعقبه - إن لم يسارع
بالتوبة - الهوان، ويوجب له الحرمان".
وكان قد قال في حديث ضعفه؛ لأنه
لم يوافق هواه: "ولو ادعى العشرات أنه صحيح، وهذا حاله؛ فلا تقبل دعواهم".
فيسعنا، والحال كذلك؛ أن نقول: المنهج
المدخلي يطعن في الأحاديث الثابتة؛ ليشغب بها على جمهور أهل السنة السابقين
واللاحقين، ويطعن فيهم.
وأخيراً: فلو كان المدخلي
صادقاً؛ لوجه اللوم والنقد إلي أئمة السلف الذين صححوا هذا الحديث، واحتجوا به؛ ولما
شغب وهوَّل على المسكين عادل الذي غايته أنه نقل كلامهم.
كعب الأحبار:
قال ربيع:
"وكعب مع حسن إسلامه يروي
البلايا .. وإذا عرف المسلم أن كعب الأحبار، وهو أفضل مسلمة أهل الكتاب؛ قد بثَّ
كثيراً من الإسرائيليات العجيبة والمنكرة والغريبة، ولا يبعد أن يكون الحديث
المنسوب إلى قتادة بن النعمان من هذه الإسرائيليات المأخوذة عن كعب؛ فيجب الحذر
أشد الحذر من رواياته، ولا سيما ما يرويه فيما يتعلق بصفات الله - جل وعلا -
وأفعاله المقدسة".
قلت:
أولاً: من سبقك يا
ربيع؛ في الطعن في التابعي الجليل كعب الأحبار؟ ألست القائل بأن الطعن في أهل
العلم؛ من أبرز سمات الحدادية؟!
ثانياً: الإسرائيليات العجيبة، والمنكرة، والغريبة؛ التي يبثها كعب - على حد
قولك -؛ لم يزعم أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسندها إليه، ولم يكذب فيها على أحد من المسلمين، وإنما يرويها على أنها
من الإسرائيليات الموجودة في كتبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حدثوا
عن بني إسرائيل ولا حرج".
ثالثاً: نال كعب ثناء أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم، ورضاهم، وثقتهم، ومنهم من كان يروي عنه؛ كابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبي
هريرة، ومعاوية؛ رضي الله عنهم.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه:
"إن عند ابن الحميرية لعلماً كثيراً"؛ يعني: كعباً.
وقال معاوية رضي الله عنه: ألا إن
كعب الأحبار أحد العلماء؛ إن كان عنده لعلم كالثمار، وإن كنا فيه لمفرطين". (تهذيب
الكمال 5569)
أما قوله
الآخر الذي احتج به المدخلي: "إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن
الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب".
فأراد
به؛ أنه كان يخطئ أحياناً فيما يخبر به؛ لم يرد أنه كان كذاباً.
قال ابن
حجر - وهو إمام عندك -: "قوله: (لنبلو) بنون ثم موحدة؛ أي: نختبر. وقوله: (عليه
الكذب) أي: يقع بعض ما يخبرنا عنه؛ بخلاف ما يخبرنا به. قال ابن التين: وهذا نحو
قول ابن عباس في حق كعب المذكور؛ بدل من قبله؛ فوقع في الكذب. قال: والمراد
بالمحدثين أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم؛ فكان يحدث عنهم، وكذا من نظر في
كتبهم؛ فحدث عما فيها. قال: ولعلهم كانوا مثل كعب؛ إلا أن كعباً كان أشد منهم
بصيرة وأعرف بما يتوقاه. وقال ابن حبان في كتاب الثقات: أراد معاوية أنه يخطئ
أحياناً فيما يخبر به، ولم يرد أنه كان كذاباً. وقال غيره: الضمير في قوله (لنبلو
عليه) للكتاب؛ لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه. وقال عياض:
يصح عوده على الكتاب، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده؛
إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد؛ بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس
فيه تجريح لكعب بالكذب. وقال ابن الجوزي: المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل
الكتاب يكون كذباً؛ لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار".
(فتح الباري 13/474-475)
قلت: قال ابن حبان: "أهل الحجاز يسمون الخطأ؛ كذباً"اهـ (الثقات 9626)
رابعاً: فكعب متفق
على توثيقه؛ قال ابن عبدالبر: "من كبار التابعين وعلمائهم وثقاتهم، وكان من أعلم
الناس بأخبار التوراة، وكان حبراً من أحبار اليهود ثم أسلم فحسن إسلامه، وكان له فهم
ودين، وكان عمر يرضى عنه، وربما سأله". (التمهيد 4/61) وقال النووي: "اتفقوا
على كثرة علمه، وتوثيقه .. ويقال له: كعب الأحبار، وكعب الحبر، بكسر الحاء وفتحها؛
لكثرة علمه. ومناقبه وأحواله وحكمه؛ كثيرة مشهورة". (تهذيب الأسماء واللغات
529) وقال الذهبي: "كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحميري؛ من أوعية العلم، ومن
كبار علماء أهل الكتاب .. كان حسن الإسلام؛ متين الديانة؛ من نبلاء العلماء".
(تذكرة الحفاظ 1/42-43)، و(السير 3/489-490)
حديث الاستلقاء:
قال ربيع:
"فهذه هي
الحلقة الثانية من الرد على عادل آل حمدان؛ في تعلقه بالحديث المنكر المنسوب إلى
قتادة بن النعمان رضي الله عنه، والذي فيه: (إن الله عزَّ وجل لما قضى خلقه
استلقى، فوضع إحدى رجليه على الأخرى".
وسبقه إلى ذلك
شيخه الألباني؛ فقال: "وجملة القول: إن هذا الحديث منكر جداً عندي، ولقد
قف شعري منه حين وقفت عليه، ولم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد؛ غير أن
الحافظ الذهبي أورده في ترجمة "فليح"، كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر
عليه كما هي عادته في "ميزانه". والله أعلم. ثم وجدت في بعض الآثار ما
يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات؛ فروى الطحاوي في "شرح المعاني" (2/361)
بسند حسن أنه قيل للحسن، وهو البصري: قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على
الأخرى؟ فقال: ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود. ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على
الحديث بنحو ما ظهر لي". (الضعيفة 755)
قلت:
هذان سلف
المدخلي: البيهقي والألباني! مع أن الألباني سبق واحتج به في (مختصر العلو)، وقال: "وذكر
ابن القيم في الجيوش الإسلامية ص (34) أن إسناده
صحيح على شرط البخاري". (ص 98) وتأمل قوله: "ولم أجد
الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد".
قال ابن القيم: "والدرجات الثلاث قد استعملها المعطلة النفاة؛ فأما الأولى: فاستعملوها في
الأحاديث المخالفة لأقوالهم وقواعدهم، ونسبوا رواتها إلى الكذب والغلط والخطأ في
السمع، واعتقاد أن كثيراً منها من كلام الكفار والمشركين؛ كان النبي يحكيه عنهم؛
فربما أدركه الواحد في أثناء كلامه بعد تصديره بالحكاية فيسمع المحكي؛ فيعتقده
قائلاً له لا حاكياً؛ فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما قاله بعضهم في
حديث قتادة بن النعمان في الاستلقاء؛ قال: يحتمل أن يكون النبي حدث به عن بعض أهل
الكتاب على طريق الإنكار عليهم؛ فلم يفهم عنه قتادة بن النعمان إنكاره؛ فقال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعضد هذا الاحتمال بما رواه من حديث ابن أبي أويس؛
حدثني ابن أبي الزناد؛ عن هشام بن عروة عن عبدالله بن عروة بن الزبير؛ أن الزبير
بن العوام سمع رجلاً يحدث؛ حدثنا عن النبي؛ فاستمع الزبير له حتى إذا قضى الرجل
حديثه؛ قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له
الرجل: نعم. قال: هذا وأشباهه مما يمنعنا أن نتحدث عن النبي؛ قد لعمري سمعت هذا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابتدأ هذا الحديث؛ فحدثنا عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه؛ فجئت أنت يومئذ بعد أن
قضى صدر الحديث، وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب؛ فظننت أنه من حديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم. قالوا: فلهذا الاحتمال تركنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله
عز وجل. فتأمل ما في هذا الوجه من الأمر العظيم؛ أن يشتبه على أعلم الناس بالله
وصفاته وكلامه وكلام رسوله كلام الرسول الحق الذي قاله مدحاً وثناء على الله؛
بكلام الكفار المشركين الذي هو تنقص وعيب؛ فلا تميز بين هذا وهذا، ويقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما يكون من كلام ذلك المشرك الكافر؛ فأي نسبة جهل
واستجهال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا؛ أنه لا يميز أحدهم بين
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الكفار والمشركين، ويميز بينهما أفراخ
الجهمية والمعطلة! وكيف يستجيز من للصحابة في قلبه وقار وحرمة أن ينسب إليهم مثل
ذلك؟! ويا لله العجب! هل بلغ بهم الجهل المفرط؛ إلى أن لا يفرقوا بين الكلام الذي
يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا! عن المشركين والكفار، والذي يقوله
حاكيا! له عن جبريل عن رب العالمين، ولا بين الوصف بما هو مدح وثناء وتمجيد لله
ووصفه بما هو ضد ذلك؛ فتأمل جناية هذه المعرفة على النصوص. ومن تأمل أحاديث الصفات
وطرقها وتعدد مخارجها ومن رواها من الصحابة؛ علم بالضرورة بطلان هذا الاحتمال،
وأنه من أبين الكذب والمحال؛ فوالله لو قاله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من
عند نفسه؛ لكان أولى بقبوله واعتقاده من قول الجهمي المعطل النافي؛ فكيف إذا نسبه
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". (الصواعق المرسلة 4/1524-1529)
قال ربيع:
"ولا أستبعد أن عادلاً يعرف
هذا في فليح، وابنه".
قلت:
اكتفى بتقوية البخاري لهما؛ فإنه
قد روى عنهما!
قال ربيع:
"لماذا تأخذ ما ترى أنه لك،
وتهمل ما ترى أنه عليك؛ شأن أهل الأهواء؟".
قلت:
فعل ما فعلته أنت مع كلام الذهبي!
فقد ذكرت ما لك، وأهملت ما عليك!
قال ربيع:
"لا يوجد هذا الحديث في
السنة للخلال، وأظن أن الذي عزا إليه هذا الحديث واهم".
قلت:
عزاه للخلال: أبو يعلى في إبطال
التأويلات (183)، والذهبي في (العلو 119).
قال ربيع:
"وللسلف الصالح مؤلفات كثيرة
في العقائد عموماً، وفي إثبات علو الله واستوائه على عرشه على وجه الخصوص، ومنها
مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله".
قلت:
السلف في كلام
العلماء - لا ربيع - هم: طبقة الصحابة؛ ثم طبقة التابعين؛ ثم طبقة تابعي التابعين،
وعلى هذا؛ فابن تيمية ليس منهم بحال.
قال ربيع:
"وقال المعلق
على سنن أبي داود: (قال الشيخ (يعني الخطابي) يشبه أن يكون إنما نهى عن ذلك من أجل
انكشاف العورة؛ إذ كان لباسهم الأزر دون السراويلات، والغالب: أن أزرهم غير سابغة،
والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار؛ لم يسلم أن ينكشف شيء من
فخذه، والفخذ عورة؛ فأما إذا كان الإزار سابغاً، أو كان لابسه عن التكشف متوقياً؛
فلا بأس به، وهو وجه الجمع بين الخبرين، والله أعلم). انظر سنن أبي داود (5/187)
الحاشية على حديث (4865)".
قلت:
هذا مبلغ علم
المدخلي؟!
1-
يعتمد على
مجهول لا يُدرى من هو؟!
2-
يحتج بكلام
الخطابي؟!