إجرام ربيع
المدخلي
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه ؛؛؛ أما بعد:
فما زال
المدخلي سادراً في غيه؛ ينشر الفساد، ويتطاول على العباد؛
دون رادع من دين، أو وازع من خلق؛ يريد أن يجعل
الأمة كلها مرجئة؛ سلفها وخلفها، ويجعل قول المرجئة قول أهل السنة، ومن أجل ذلك:
لا يرعوي عن الطعن في إجماعات ثابتة؛ لم يطعن فيها أحد قبله؛ حتى أسلافه المرجئة
لم يطعنوا فيها؛ بل تأولوها، ورد المحكمات، والتعلق بالمتشابهات، والكذب على أئمة
السلف، والطعن في أفهامهم، وتخطئتهم بغير حق؛ بل بقلة
علم، وسوء فهم؛ حتى صار رأساً في الشر، ويكفي في ذلك؛ أنه رمى أئمة
السلف بأنهم حدادية؛ حيث قال: "كحال الحدادية الذين يقدمون أثر عبدالله بن
شقيق ونحوه؛ على أحاديث الشفاعة المتواترة، وعلى أحاديث فضل التوحيد الذي يخرج
أهله من النار بسبب فضله، والإخلاص فيه".
هكذا يريد هذا
المجرم؛ فرض دينه الجديد بكل ما أوتي؛ بعد ما تمكنت الشبهة من نفسه، واستولى الهوى على قلبه؛
لكن هيهات هيهات؛ فقد أبصرنا
ديننا، والحمد لله؛ فلا حاجة بنا لترهاته، وضلالاته.
وقد كان
الأولى مع أمثاله من دعاة البدعة والضلالة؛ ألا نجيبه بغير السكوت؛ هكذا كان دأب
سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى.
قال أيوب: "لست
براد عليهم؛ أشد من السكوت"اهـ (الشريعة 1/452)
و(الإبانة الكبرى 2/471)
وقال الأعمش:
"جواب الأحمق السكوت"اهـ (شعب الإيمان
6/347)، و(المعجم لابن المقرئ ص 68)
وقال
أبو بكر الخلال رحمه الله: "ليس ينبغي لأهل العلم، والمعرفة بالله؛ أن يكونوا
كلما تكلم جاهل بجهله؛ أن يجيبوه ويحاجوه ويناظروه؛ فيشركوه في مأثمه، ويخوضوا معه
في بحر خطاياه، ولو شاء عمر بن الخطاب أن يناظر صبيغاً، ويجمع له أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم؛ حتى يناظروه ويحاجوه ويبينوا عليه؛ لفعل، ولكنه قمع جهله،
وأوجع ضربه، ونفاه في جلده، وتركه يتغصص بريقه، وينقطع قلبه حسرة بين ظهراني الناس
مطروداً منفياً مشرداً؛ لا يُكلم ولا يُجالس، ولا يشفى بالحجة، والنظر؛ بل تركه
يختنق على حرته، ولم يبلعه ريقه، ومنع الناس من كلامه، ومجالسته"اهـ (السنة
1/223)
غير
أن الرجل أصبح إمام ضلالة؛ له مذهب سوء؛ يمتحن الناس به، ويدعوهم إليه؛ فمن ثم تعين
الوقوف في وجهه، والعمل على فضحه، ورد كذبه،
وزيفه، وإظهار انحرافه عن سبيل أهل الحق؛ لتندفع شبهة
المغترين به، والمرعوبين منه.
قال المدخلي:
"ثم إنه
سُئل (أي ابن باز) عمن لا يُكفر تارك العمل؛ هل هو مرجئ؟ فقال: لا؛ هو من أهل
السنة".
كذا قال هذا
المجرم، وهو يعلم أن للكلام تتمة؛ لكنه انتزع هذه الجملة من سياقها ولحاقها؛
لينتصر لإرجائه.
وقد سبقه إلى
هذا أحد السلاتيح؛ فاستشهد بنفس الكلام قائلاً: إن من لم يكفر تارك أعمال الجوارح؛
لا يكون مرجئاً، ولا يرمى بالإرجاء.
وقد رددت عليه
مبيناً جهله وتدليسه؛ في مقالة بعنوان: ]هلاك أمتي على أيدي أغليمة سفهاء[، وها نحن نرمي بها المدخلي مرة أخرى؛ بعد ما تقلد قول السفهاء،
وانتصر لملة الإرجاء.
وهذا قولي
بتمامه:
"ثانياً:
نقل المذكور كلاماً للشيخ ابن باز رحمه الله؛ إجابة على السؤال التالي:
فضيلة الشيخ:
هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين، ووجود
أصل الإيمان القلبي؛ هل هم من المرجئة؟
فأجاب: هذا من
أهل السنة والجماعة؛ من قال بعدم كفر تارك الصيام، أو الزكاة، أو
الحج؛ هذا ليس بكافر؛ لكن أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء؛ لكن الصواب:
لا يكفر كفراً أكبر. أما تارك الصلاة؛ فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما
إذا ترك الزكاة والصيام والحج؛ فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة من الكبائر. والدليل
على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن منع الزكاة: يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه
القرآن: }يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ
تَكْنِزُونَ{؛ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعذب بماله؛ بإبله وبقره
وغنمه وذهبه وفضته؛ ثم يرى سبيله بعد ذلك إلى الجنة، أو إلى النار؛ دل على أنه لم يكفر، وأنه يرى سبيله
إما إلى الجنة، وإما إلى النار؛ دل على توعده؛ قد يدخل النار، وقد يُكتفى
بعذاب البرزخ، ولا يدخل النار، وقد يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ"اهـ
أقول: ليتأمل العاقل كلام الشيخ رحمه الله، ويسأل نفسه:
هل قال الشيخ:
(هذا من أهل السنة والجماعة)، واكتفى، أم بين
مراده، فأردف قائلاً:
(من قال بعدم كفر تارك الصيام، أو الزكاة، أو
الحج، هذا ليس بكافر، لكن أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن الصواب
لا يكفر كفراً أكبر، أما تارك الصلاة، فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما
إذا ترك الزكاة والصيام والحج، فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة من الكبائر).
فعرفنا أنه
أراد بذلك: مَن ترك آحاد العمل، كالصيام والزكاة والحج، وغير ذلك، ولم يرد رحمه
الله مطلقاً؛ (جنس العمل).
وعليه فيكون كلامه:
من قال بعدم كفر تارك الصيام، أو الزكاة، أو الحج. هذا من أهل
السنة والجماعة.
فإن قيل: بل
كلامه كان رداً على سؤال واضح، ومحدد، وهو: (من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه
بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي؛ هل هم من المرجئة؟)
قلنا:
أولاً:
قد بين رحمه
الله؛ مراده من قوله هذا، والاحتجاج ببعض كلامه دون بعض؛ من شيم أهل البدع، وقد
سبق ونقلنا عن ابن تيمية رحمه الله قوله: (فإنه يجب أن يُفسَّر كلام المتكلم بعضه
ببعض، ويُؤْخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتُعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا
تكلّم به، وتُعرف المعاني التي عُرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عُرف عُرفُه
وعادتُه في معانيه وألفاظه؛ كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده، وأما إذا
استُعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وتُرك استعماله في المعنى الذي
جرت عادته باستعماله فيه، وحُمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك
اللفظ؛ بجعل كلامه متناقضاً، وترك حمله على ما يناسب سير كلامه؛ كان ذلك تحريفاً
لكلامه عن موضعه، وتبديلاً لمقاصده، وكذباً عليه).
على أنه لو
قدر أن الشيخ رحمه الله؛ لم يزد على قوله: (من أهل السنة والجماعة)؛ فينبغي أن نجمع
كلامه كله في المسألة؛ ثم بعدها نقرر:
إن كان يرى
كفر تارك أعمال الجوارح، أم لا؟
ولا يمكنك
أبداً: أن تظفر بكلام للشيخ يقوي مذهبك المردي، ويؤيده؛ كيف، وهو يقول:
(العمل عند الجميع شرط صحة؛ إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به
منه؛ فقالت الجماعة: إنه الصلاة وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ كما حكاه عبدالله
بن شقيق، وقال آخرون بغيرها؛ إلا أن (جنس العمل) لا بد منه لصحة الإيمان عند السلف
جميعاً؛ لهذا: الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد؛ لا يصح إلا بها مجتمعة"اهـ
(جريدة الرياض: العدد 12506 بتاريخ 13/7/1423هـ)
وفي حواره مع مجلة
المشكاة، سئل عن قول ابن حجر في الفتح: (والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق
والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف
جعلوها شرطاً في كماله).
فأجاب قائلاً:
لا؛ هو جزء؛ ما هو بشرط؛ هو جزء من الإيمان؛ قول وعمل وعقيدة؛ أي: تصديق. والإيمان
يتكون من القول والعمل والتصديق عند أهل السنة والجماعة.
المحاور: هناك
من يقول بأنه داخل في الإيمان؛ لكنه شرط كمال؟
الشيخ: لا؛ لا؛ ما هو بشرط كمال؛ جزء؛
جزء من الإيمان. هذا قول المرجئة: يرون الإيمان قول وتصديق فقط، والآخرون يقولون:
المعرفة، وبعضهم يقول: التصديق. وكل هذا
غلط. الصواب عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل وعقيدة؛ كما في الواسطية يزيد
بالطاعة، وينقص بالمعصية"اهـ (مجلة المشكاة: المجلد الثاني: الجزء الثاني: ص
279-280)
وسئل: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. هل هذا حديث، وما
معناه؟ وهل يكتفي الإنسان بقول: لا إله إلا الله؛ دون العمل بمقتضاها؟
فأجاب:
"جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ تدل على أن من قال:
لا إله إلا الله صدقاً من قلبه دخل الجنة، وفي بعضها خالصاً من قلبه، وفي بعضها: أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله؛ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، وفي بعضها يقول عليه الصلاة والسلام: أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا
الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق
الإسلام، وحسابهم على الله. والأحاديث كلها يفسر بعضها بعضاً، والمعنى أن من قال:
لا إله إلا الله صادقاً من قلبه؛ مخلصاً لله وحده، وأدى حقها بفعل ما أمر الله،
وترك ما حرم الله، ومات على ذلك؛ دخل الجنة، وعصم دمه وماله حال حياته، إلا بحق
الإسلام"اهـ (فتاوى ابن باز 28/204-205)
ففي هذه
النقولات عنه - وغيرها كثير - دليل واضح؛ لا يحتمل التأويل بحال؛ على أن الشيخ
رحمه الله يكفر تارك أعمال الجوارح.
ثانياً:
سئل رحمه الله:
من شهد أن لا إله إلا الله، واعتقد بقلبه، ولكن ترك جميع الأعمال؛ هل يكون مسلماً؟
فأجاب: لا، ما
يكون مسلماً؛ حتى يوحد الله بعمله؛ يوحد الله بخوفه، ورجائه، ومحبته،
والصلاة"اهـ (من تعليقه على فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، الشريط الثاني: أول
الوجه الثاني)
فهذا السؤال
على نمط السؤال الذي احتج به (المتعالم)، وقد نص في إجابته على وجوب عمل القلب من
خوف، ورجاء، ومحبة، وعمل الجوارح من صلاة.
هذا كله على
فرض أنه لم يشترط الأعمال؛ إلا في إجابة هذا السؤال؛ فكيف وهو قد نص عليها في
إجابة السؤال السابق.
ثالثاً:
الشيخ ممن
يقول بكفر تارك الصلاة؛ فما قولك؟
فإما أن تكون فضلت
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً، أو جئت ببدعة ظلماً؛ فارفق بنفسك، واعرف قدرك،
واستمسك بغرز سلفك تفلح، ودعك مما يزري بك، وينادي عليك بالجهل، ويهتك سترك، ولتنته
عما أنت فيه؛ فإن ذلك أقوم لك في الدنيا، وأرجى لك عند الله تبارك وتعالى؛ فوالله
لا زلت في سعة من أمرك؛ فَلِم تورد نفسك المهالك؛ فلتتق الله في نفسك، وفي
المؤمنين، ولتعض بالنواجذ على وصية شيوخك الذين أوصوا أمثالك من المرجئة بـ "الرجوع
إلى كتب السلف الصالح، وأئمة الدين، وعدم اقتحام القول في هذا الأصل العظيم من
أصول الاعتقاد، وترك التلبيس على الناس بالنقول المبتورة عن العلماء، وبمتشابه
القول، وعدم رده إلى المحكم من كلامهم، وألا يصدع الصف بهذا المذهب الضال"انتهى
بتصرف يسير
وأخيراً فإنني أقول
للمدخلي:
أرأيت قولك هذا؛ الذي تدعو الناس إليه!
أشيء
علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم؛ أو جهلوه؟
فإن
قلت: علموه، وسكتوا عنه.
وسعنا
وإياك؛ ما وسع القوم من السكوت.
وإن
قلت: جهلوه، وعلمته أنا.
فيا
لكع؛ يجهل النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، والصحابة
رضوان الله عليهم، وبقية السلف رحمهم الله؛ شيئاً تعلمه أنت!
قال أبو داود
رحمه الله: "لما جيء بعبدالله بن عبدالله الخراساني، وأحضر للمحنة، وأحمد بن
حنبل محبوس؛ قال الخراساني: هذا الذي تدعوني إليه؛ أعرضوه علي؛ قال: تقول: القرآن
مخلوق؟ قال: هذا الذي تدعون إليه؛ علمه الله، ورسوله، وجميع المؤمنين؟ قالوا: نعم؛
قال: فوسعهم السكوت عنه؟ فأطرق المعتصم ملياً؛ ثم رفع رأسه؛ فقال: نعم؛ قال: فما
وسعكم ما وسع القوم؟! فطرح المعتصم نفسه على قفاه، ورفع رجليه مع الحائط، وقال:
علمه الله، وعلمه رسوله، والمؤمنون، ووسعهم السكوت عنه؛ فليسعنا ما وسع القوم؛ صدق
الخراساني"اهـ (بتصرف من الإبانة 6/282)