بين الحداد والألباني
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
قال ابن مسعود
رضي الله عنه: "ليس العلم عن كثرة الحديث؛ إنما العلم خشية الله"، وقال
مالك رحمه الله: "الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة
المسائل"، وقيل: "من لم ينفعه قليل علمه؛ ضره كثيره"، و"قيمة
المرء بما يحسنه".
وإذ ذلك كذلك؛
فما قيمة امرئ لا يعرف معتقد أهل السنة، ولا منهجهم، وما عرفه؛ أنكره واستخف به؛
بل لا يحسن العلم الذي ينتحله.
قال الخطيب: "لكل
علم طريقة ينبغي لأهله أن يسلكوها، وآلات يجب عليهم أن يأخذوا بها ويستعملوها، وقد
رأيت خلقاً من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويعدون أنفسهم من أهله
المتخصصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدعون، وأقلهم معرفة بما إليه
ينتسبون؛ يرى الواحد منهم إذا كتب عدداً قليلاً من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة
يسيرة من الدهر؛ أنه صاحب حديث على الإطلاق، ولمَّا يجهد نفسه ويتعبها في طِلابه،
ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه، وهم مع قلة كَتبهم له، وعدم معرفتهم به أعظم
الناس كبراً، وأشد الخلق تيهاً وعجباً؛ لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب
ذمة، يخرقون بالراوين، ويعنفون على المتعلمين؛ خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه،
وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه .. والواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً،
وأشد الخلق تواضعاً، وأعظمهم نزاهة وتديناً، وأقلهم طيشاً وغضباً؛ لدوام قرع
أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه,
وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدثين، ومآثر الماضين؛
فيأخذوا بأجملها، وأحسنها، ويصدفوا عن أرذلها، وأدونها"اهـ (بتصرف من شرف
أصحاب الحديث ص 257)
فليس العلم
بالدعاوى، أو بتشقيق العبارات، أو بكثرة المحفوظات، والمؤلفات، أو بكثرة الأتباع
من الهمج الرعاع؛ بل هو نور يقذفه الله في قلب العبد؛ مع الأخذ بأسباب الطلب، وإلا
فكثير من الناس حوى علوماً جمة؛ لكنه لم ينتفع بها؛ لأنها على أصول أهل البدع، أو
لأنه كالحمار يحمل أسفاراً، أو لأنه لم يرد بعلمه الله، والدار الآخرة، أو لغير
ذلك من أسباب تمنعه من معرفة الحق، والاهتداء إليه؛ فإن الصوارف عن الحق كثيرة؛
نسأل الله السلامة منها، والله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله.
وعلى هذا؛ فكل
من تقفر العلم، أو برع فيه، ولم يعرف معتقد أهل السنة، أو عرفه وزاغ عنه؛ لا يكون
سنياً؛ فضلاً عن أن يكون إماماً؛ بل يكون من علماء السوء، والضلالة. والعكس؛ فقد
يكون في العلم ليس بذاك، وفي السنة يكون إماماً.
فالمدار في
ذلك على معرفة السنة، والرسوخ فيها، والعمل بها، والدعوة إليها، والانتصار لها،
والدفاع عنها، والرد على من ناوأها، وعدم الانحراف عنها قيد أنملة، ولا يكون الرجل
كذلك؛ حتى تجتمع فيه خصال السنة بتمامها.
وقد ذكر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد؛ جماعة من
التابعين وأتباعهم؛ ممن حازوا هذه الصفات، وصاروا أئمة يُقتدى بهم؛ لصحة مذهبهم،
واستقامة منهجهم؛ ثم قال: "وكان في وقتهم: علماء لهم تقدم في علوم، واتباع
على مذهبهم؛ لكنهم وقعوا في شيء من البدع: إما القدر، وإما التشيع، أو الإرجاء؛ عُرفوا
بذلك؛ فانحطت منزلتهم عند أهل الحق"اهـ (الرد على من
أنكر الحرف والصوت ص 329)
والألباني من
ذلك الصنف الذي لم يستفد شيئاً من الأحاديث الكثيرة التي اطلع عليها، والسنة التي
ينتسب إليها؛ فلا هو عرف عقيدة أهل السنة كما يجب، ولا عرف منهجهم في التعامل مع
أهل الأهواء والبدع؛ بل خبط خبط عشواء؛ فكثرت زلاته، وانحرافاته؛ وشذوذاته.
والدين مبناه على الاتباع؛ لا
الابتداع؛ قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا،
وببصر نافذ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم:
حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي،
وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا،
وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم"اهـ (مناقب عمر بن
عبدالعزيز لابن الجوزي ص 83-84)
وقال
البربهاري رحمه الله: "فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر، وأصحاب الأثر،
والتقليد؛ فإن الدين إنما هو بالتقليد (أي: الاتباع) ومن قبلنا لم يدعونا من لبس؛
فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر، وأهل الأثر"اهـ (شرح السنة ص 124)
وقال
ابن تيمية رحمه الله: "من خالف قولهم، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم؛ فقد أخطأ
في الدليل، والمدلول جميعًا"اهـ (مجموع الفتاوى 13/362)
وقال
ابن عبدالهادي: ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة؛ لم يكن على عهد السلف، ولا
عرفوه، ولا بينوه للأمة؛
فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض
المستأخر"اهـ (الصارم
المنكي ص 318)
والكلام
عن الألباني يطول؛ لكن يكفي طالب الحق أن يطلع على كلامه في مسمى الإيمان، أو في
الأسماء والصفات، أو في الأسماء والأحكام، أو في مسائل الإسلام والكفر؛ ليعرف
حقيقة هذا الرجل؛ الذي صيره الجهلة والرعاع: شيخاً للإسلام، وإماماً للسنة؛ مغترين
بانتحاله الحديث، ولهجه بالسنة، وكلامه في البدع.
مع أنه ليس كل
من انتسب إلى الحديث يكون من أهله، وإلا فقد وجد في حفاظ الحديث؛ الذين لا يبلغ
الألباني معشارهم، وكانوا ينتحلون السنة، وينافحون عنها؛ من رمي ببدعة، أو بالكذب،
بل والزندقة.
فهذا ابن عقيل
من أذكياء العالم، وبحور العلم؛ فما أفاده ذلك شيئاً، ووقع في الاعتزال، وأين
الألباني من ابن عقيل؛ بل أين هو ممن دون ابن عقيل؛ كالخطابي، وابن العربي، وابن
الجوزي - وغيرهم – ممن وقعوا في أوحال البدعة، والضلالة.
والبيهقي مع
تبحره في الحديث؛ كان أشعرياً، وكذا أبو ذر الهروي، وغير واحد.
وسليمان
الشاذكوني كان أحفظ من أحمد وابن المديني وابن معين وابن أبي شيبة، وكان كذاباً،
وابن الجعابي كان يضرب به المثل في الحفظ، وكان لا يصلي.
وابن حجر كان أشعرياً صوفياً، وعلماء الحديث المعاصرين في
الهند؛ أكثرهم ديوبندية.
وشراح
الكتب الستة؛ جميعهم مبتدعة - أشاعرة ومعتزلة - إلا ما شاء الله.
والأشاعرة
من أكثر الطوائف التي كتبت في البدع، وحذرت منها.
قال
السجزي: "فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله؛ فإن أتى بذلك؛ علم صدقه،
وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف؛ علم أنه محدث زائغ، وأنه لا
يستحق أن يصغى إليه"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 100)
فالألباني
- على قانون السلف - مبتدع؛ بل هو رأس في البدعة؛ أما على قانون الموازنات الذي
يزعم المداخلة محاربته؛ فهو محدث كبير، وعالم نحرير؛ أخطأ فكان ماذا.
بيد أن الله
تعالى أبى إلا أن يفضحهم، وينطقهم بالحق الذي علموه وكتموه؛ ليحفظوا أنفسهم
ورموزهم من النقد، أو التبديع.
فها هو ربيع
المدخلي يُسأل: «فضيلة الشيخ حفظه الله؛ وردت نصوص عن السلف على أهل البدع في
عهدهم؛ فهل نستطيع أن ننزل هذه النصوص على المخالفين في عصرنا، وإن كانوا لا يصلون
في البدعة إلى ما وصل إليه أولئك؟».
فأجاب: "إذا
كنا نؤمن أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان؛ فما فهمه السلف من الإسلام من كتاب الله
وسنة الرسول، وطبقوه على أهل البدع في عهدهم؛ فهذا يصلح في كل زمان ومكان إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها؛ ما دام قائماً على الإسلام، وما دمنا نؤمن بصلاحية
الإسلام؛ فإن أحكامه التي نزلت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في المؤمنين وفي
الكفار وفي المنافقين وفي المخطئين؛ هي صالحة لكل زمان ومكان؛ لأن هذا دين الله
الخالد الصالح لكل زمان ومكان كما نؤمن بذلك، وصالح للتطبيق على اليهود وعلى النصارى
وعلى الشيوعيين وعلى الروافض والخوارج والمعتزلة وكل من يمت إليهم بسبب. السلف
عرفتم منهجهم؛ أنا مثلت بإمام من أئمة السنة: يعقوب بن شيبة؛ صاحب المسند المعلم
الذي لم يكتب مثله؛ كما يشهد الذهبي وغيره؛ هذا الرجل وقع في بدعة، الآن لا تعد
عندنا شيئاً؛ لكن لضعفنا ولهوان الإسلام وعقائده وشرائعه وشعائره على كثير من
الناس؛ الآن يهونون من شأن السنة، ويحامون عن البدع وأهلها؛ مع الأسف وجدت مناهج
من هذا الشكل الرديء والعياذ بالله؛ طرحت بدل الإسلام الحق؛ هذا يعقوب بن شيبة
توقف في القرآن؛ مخلوق أو غير مخلوق؛ ما يدري؛ إيش قيمته عند أحمد وأهل الحديث في
عصره. قال أحمد: مبتدع ضال، ووافقه أهل الحديث"اهـ
قلت: يعقوب بن
شيبة: إمام في العلم والعمل؛ اشتبهت عليه المسألة؛ كونها حادثة؛ فتأول ظناً منه
أنه يسعه أن يقول بقول الناس قبل المحنة، وكانوا يقولون: القرآن كلام الله، ولا
يزيدون. فكان ماذا!
بدعه أحمد
والأئمة - ببدعة واحدة - وهجروه وذموه، ولم يلتفتوا إلى مكانته في العلم، ولا إلى
أصوله السنية، ولا إلى حفظه للحديث، ولا إلى صفاته الشخصية من زهد وورع وغير ذلك، ولا
إلى ردوده على أهل البدع، ولا إلى كون المسألة اشتبهت عليه، ولا إلى كونه كان
متأولاً، ولا إلى غير ذلك من الأعذار البدعية التي افترعتها المداخلة لغلق باب
التبديع إلا على من يريدون إسقاطه؛ لأسباب سياسية، أو مصالح شخصية، أو أمراض
قلبية.
فكيف
بالألباني الذي لا يعد شيئاً بجانبه، وقد تلبس بغير ما بدعة، وفي مسائل إجماعية؛
ليس فيها أدنى خلاف أو شبهة؛ مع إصراره وعناده؛ بل وتهكمه أحياناً.
فطبق عليه -
إذن - يا ربيع: قانون السلف؛ أم أن هذا القانون (الصالح لكل زمان ومكان) يطبق على من
لا ظهر له فحسب؟!
غداً ستُسألون
عما كنتم تعملون، وكذا سيُسأل كل من عرف الحق، وجامل، وداهن على حساب دين الله.
لقد صدقت يا ربيع
- وأنت الكذوب - في قولك: "لكن لضعفنا ولهوان الإسلام وعقائده وشرائعه
وشعائره على كثير من الناس؛ الآن يهونون من شأن السنة، ويحامون عن البدع وأهلها"؛
حتى لقد قلت في نفسي: ويكأنه كلامي.
وعوداً على بدء؛ أقول: كنت قد جمعت - غير مستقص - شيئاً
من بدع الألباني الكثيرة، وأثبتها في غير هذا الموطن.
فرأيت
أن من المصلحة إعادة ذكرها هنا - مع بعض الزيادات - حتى تتضح المسألة التي نتكلم
بصددها، ويكون القارئ ملماً بجميع جوانبها.
قال
الألباني:
1-
"السلفيون:
ما أقول عنهم: إنهم من الفرقة الناجية، ولا منهاج السلف؛ الحكم على الأفراد".
2-
وقال:
"لو نحن فتحنا باب المقاطعة، والهجر، والتبديع؛ لازم نبقى نعيش في
الجبال".
3-
وقال: "هدي
السلف الصالح لا يصلح؛ لأن الزمان اختلف".
4-
وقال:
"مسألة إقعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يجوز أن تتخذ ديناً،
وعقيدة".
5-
وقال:
"لا يجوز اعتقاد أن الله عز وجل يقعد على العرش، ولا نسبة الاستقرار عليه؛
لأنه لم يرد".
6-
وقال: "وفيه
رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق, ولا نص في ذلك عن الرسول صلى الله عليه
وسلم، وإنما يقول به من قال؛ كابن تيمية وغيره؛ استنباطاً واجتهاداً".
7-
وقال: "الله قاعد على العرش، وباقي فراغ مقدار شبر مشان يقعد عليه محمد
عليه الصلاة والسلام، والله هذه مشكلة المشاكل، وأنا أول الكافرين بها، أكيد بدكم
تتصوروا أنه أكيد مثل هذه الضلالة إنه ابن تيمية بيتحملها وتنسب إليه، هذا خطأ لا
يجوز".
8-
وقال: "ما
فوق العرش لا يسمى مكاناً؛ فلا يقال: إن الله في مكان".
9-
وقال: "وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها،
وأنه ما من مخلوق إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى ما لا بداية له؛ بحيث لا يمكن
أن يقال: هذا أول مخلوق؛ فالحديث يبطل هذا القول، ويعين أن القلم هو أول مخلوق؛
فليس قبله قطعاً أي مخلوق، ولقد أطال ابن تيمية الكلام في رده على الفلاسفة؛
محاولاً إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا
تقبله أكثر القلوب؛ فذلك القول منه غير مقبول؛ بل هو مرفوض بهذا الحديث، وكم كنا
نود أن لا يلج ابن تيمية هذا المولج؛ لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة، وعلم الكلام".
10-
وقال:
"من أثبت حديث الصورة؛ فقد وقع في التشبيه".
11-
وقال: "من
قال: (من تأول حديث الصورة فهو جهمي). هذا تشدد، وحماقة".
12-
وقال:
"لقد أساء الشيخ التويجري إلى العقيدة، والسنة الصحيحة معاً؛ بتأليفه
الذي أسماه (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)؛ فإن العقيدة
لا تثبت إلا بالحديث الصحيح".
13-
وقال:
"البيعة الشرعية لا تكون بلدية، ولا إقليمية؛ لا نعهد في الإسلام إلا لخليفة
واحد؛ فكل من شرع لطائفة أن تبايع؛ فقد أحدث حدثاً شراً من المحدثات الصغرى، وحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة)؛ فهذا للخليفة؛ فإذا لم
يوجد؛ فمعناه السعي لإيجاده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع
لخليفتين فاقتلوا الثاني".
14-
وقال:
"من قال لك: إن هناك بيعة اليوم؟ البيعة لا تكون إلا للخليفة الذي يختاره
المسلمون جميعاً".
15-
وقال:
"أؤيد قيام الجماعات الإسلامية، وأؤيد
تخصص كل جماعة منها بدور؛ اقتصادي وسياسي واجتماعي، ولكني اشترطت أن تكون
دائرة الإسلام هي التي تجمع هذه الجماعات كلها؛ كان يحضر دروسي أعضاء من الإخوان،
ومن حزب التحرير، ومن جماعة التبليغ، ومن المذهــبيين".
16-
وقال:
"لا تقوم الدولة الإسلامية إلا على كل هذه الجماعات".
17-
وقال: "ومما لا ريب فيه: أن تحقيق هذين الواجبين؛ يتطلب جهوداً
جبارة متعاونة من الجماعات الإسلامية المخلصة؛ التي يهمها حقاً إقامة المجتمع
الإسلامي المنشود؛ كل في مجاله، واختصاصه".
18-
وقال:
"أنا على يقين؛ لا السلفيون وحدهم يستطيعون، ولا الإخـوان المسلمين وحدهم
يستطيعون، ولا .. ولا .. عد ما شئت من جماعات وأحزاب، ولكن هذه الجماعات إذا توحدت
في دائرة واحدة، وتعاونوا كل منهم في حدود اختصاصه؛ فحينئذ أو فيومئذ يفرح
المؤمنون بنصر الله، وعلى ذلك نحن ماضون؛ لا نعادي طائفة أو جماعة من
الجماعات الإسلامية إطلاقاً؛ لأن كل جماعة - كما صرحت آنفاً - تكمل النقص الذي
يوجد عند الجماعة الأخرى؛ هكذا اعتقد؛ أن تكون علاقة الجماعات الإسلامية بعضها مع
بعض. والذي نراه مع الأسف؛ خلاف هذا الواجب الذي ينبغي أن تجتمع
الجماعات عليه".
19-
وسئل: هل
تعادي الإخوان والبنا وسيد قطب؟ فقال: "نحن دعاة جمع لا فرقة".
20-
وقال:
"نتمنى من الإخوان أن يكونوا معنا فقط على التوحيد؛ حتى نكون معهم".
21-
وقال:
"هجر المبتدع لا يطبق، ولا يحسن أن يطبق؛ لأنهم أكثر، والمثل يقول: أنت مسكر،
وأنا مبطل".
22-
وقال عن
الإخوان: "كنت معهم كأني واحد منهم .. يستحيل عليَّ أن أكون عدواً
للإخوان".
23-
وقال: "ما أعتقد أني قلت: إن الإخوان من الفرق الضالة .. كثيراً ما
سئلت عن الأحزاب، وخاصة الإخوان؛ هل أعتبرهم من الفرق الضالة؟ فأقول: لا لأن هؤلاء
أقل ما يقال فيهم: أنهم تبعاً لرئيسهم الأول حسن البنا رحمه الله، وأنه على الكتاب
والسنة، وعلى منهج السلف الصالح، وإن كانت هذا الدعوة تحتاج الى تطبيقها قولاً،
وتطبيقها عملاً، وهذا ما لا نراه".
24-
وقال: "فيهم أفراد معنا في العقيدة، وليسوا معنا في المنهج؛ لذلك أنا لا أجد
رخصة لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة، وإنما هم يخالفوننا في مواضع .. وأما أن
نلحقهم بالفرق الضالة؛ فلا".
25-
وقال: لي صلات
كتابية مع الأستاذ الشيخ حسن البنا رحمه الله ..كم آسف أن ضاع مني كتابه
إليَّ".
26-
وقال:
"لو لم يكن للشيخ حسن البنا من الفضل على الشباب المسلم؛ سوى أن أخرجه من دور
الملاهي؛ فجمعهم على دعوة الإسلام؛ لكفاه فضلاً وشرفاً".
27-
وقال:
"دعوة حسن البنا قائمة على الكتاب والسنة، والبنا خدم الدعوة السلفية بهذا
الأصل".
28-
وقال:
"إنصافاً أقول في حق الشيخ حسن البنا رحمه الله، وغفر لنا وله: له جهد مشكور؛
في تكتيل الشباب الضايع هناك في مصر؛ حول دعوة الإسلام، وإخراجهم من بعض الظلمات
إلى بعض النور؛ هذا مما لا ينبغي كتمانه لأنه يخالفنا في منهجنا .. ونحن نشكره في
هذا الجانب".
29-
وقال:
"أنا لا أعادي الإخوان؛ بل أعتبرهم الموطدين للدعوة السلفية".
30-
وقال:
"السحر لا حقيقة له".
31-
ونبز القائلين
بوجوب تغطية الوجه؛ بالتشدد، والتعصب، ومخالفة العلماء؛ كما في كتابه: (الرد
المفحم على من خالف العلماء وتشدد و تعصب وألزم المرأة بستر وجهها وكفيها وأوجب
ولم يقتنع بقولهم: إنه سنة ومستحب).
32-
وسئل عمن
يقول: (من دعا إلى السلفية، وأنها واجبة؛ فإنه يستتاب)؛ فقال: أنا منذ خمسين سنة
أدعو بذلك، فليأت، ويستتيبني".
33-
وقال: "ليست المولاة في حد ذاتها كفراً؛ كفر ردة،
ولكنه معصية كبيرة؛ فمن استحلها بقلبه؛ كالذي استحل الربا بقلبه، كلاهما ارتد عن
الإسلام، ومن لم يستحل بقلبه هذه المعصية أو تلك؛ فلا يزال في دائرة الإسلام".
34-
وقال: "فإذا رأينا رجلاً صدر منه كلمة الكفر، ولم
يكن هناك قرينة بالنسبة إلينا؛ تدلنا على أنه معذور في هذا القول؛ فنحن لا نكفره؛
هذه أول مرحلة. ثاني مرحلة: ننظر هل هو معذور بحيث أنه ليس مؤاخذاً بالكلية، أو
حسبه ألا يكون كافراً؛ لأنه لم يقل ذلك معتقداً، وإنما قاله لغواً".
35- وسئل: هل يكفر من قال: أنا يهودي، أو نصراني؟
فأجاب: إذا قاله قاصداً.
36-
وقال: "الإعراض يكون كالكفر؛ إما أن يكون عملاً،
وإما أن يكون عملاً واعتقاداً؛ فإذا كان الإعراض فيه الاعتقاد؛ فهو الكفر
الاعتقادي، وإذا لم يكن فيه الاعتقاد؛ فهو كالكفر العملي".
37-
وقال: "الذي فهمناه من أدلة الكتاب والسنة، ومن أقوال الأئمة من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين: أن ما جاوز العمل القلبي، وتعداه إلى ما يتعلق بالعمل البدني؛ فهو شرط كمال،
وليس شرط صحة".
38-
وقال:
"الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند أهل السنة خلافا
للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار مع تصريح الخوارج
بتكفيرهم".
39-
وقال:
"لا يوجد عندنا في الشريعة أبداً نص يصرح ويدل دلالة
واضحة على أن من آمن بما أنزل الله؛ لكنه لم يفعل شيئاً مما أنزل الله؛ فهذا كافر".
40-
وقال: "يجب نحن أن نضع أمام أعيننا دائماً وأبدا؛ً هذه القسمة الصحيحة: كفر اعتقادي أو قلبي،
وكفر عملي، أو لفظي؛
لأن اللفظ منه العمل".
41-
وقال:
"الدعاوى التي لا أصل لها وهي أن الإيمان يستلزم العمل؛ نحن نقول
الإيمان الكامل يستلزم العمل".
42-
وقال: "ذلك
لأن المسلم حقاً؛ قد يخفى عليه حكم ما؛ فيقع في الكفر المخرج عن الملة؛ لكن هو لا يدري
ولا يشعر، ولذلك: فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينه أنه كفر، ولو كان وقع في الكفر
- كفر ردة - إلا بعد إقامة الحجة عليه".
43-
وقال:
"نحن نبني قاعدة ونستريح: الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب؛ لا يتعلق
باللسان".
44-
وقال: "هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير
تارك الصلاة؛ لكنهم خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية
المسلمين؛ في قولهم بتكفير التارك للعمل".
45-
وسئل: هل صحيح
أن من مات على التوحيد، وإن لم يعمل بمقتضاه؛ هل يكفر ويخلد مع الخالد الكافر في
نار جهنم؛ أم لا؟ فقال: "السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل؛ فجعلوا العمل
شرط كمال، ولم يجعلوه شرط صحة خلافاً للخوارج".
46-
وقال:
"يستحيل أن يكون الكفر العملي خروجاً عن الملة؛ إلا إذا كان الكفر قد انعقد
في القلب".
47-
وقال:
"لا بد من معرفة أن الكفر كالفسق والظلم؛ ينقسم للقسمين: كفر وفسق وظلم يخرج
من الملة، وكل ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي. وآخر لا يخرج من الملة؛ يعود إلى
الاستحلال العملي".
48-
وقال:
"التفريق بين كفر وكفر؛ أن ننظر في القلب؛ فإن كان القلب مؤمناً، والعمل
كافراً؛ فهنا يتغلب الحكم المستقر في القلب؛ على الحكم المستقر في العمل".
49-
وقال:
"إن تكفير الموحد بعمل يصدر منه؛ غير جائز؛ حتى يتبين منه؛ أنه جاحد، ولو
لبعض شرع الله".
50-
وقال: "أنا لا أعلم في حدود ما علمت - وفوق كل ذي علم عليم - أن
العلماء يفرقون بين الإيمان، والتصديق .. إذا أردنا من هذا الجانب أن نرد على
المرجئة، وكنا مخطئين في التفريق بين التصديق، والإيمان؛ ما يكون إلا خربنا بيوتنا
بأيدينا".
51-
وقال: "الفاسق
لا يخرج من دائرة الإيمان، وليس إلا مؤمن، وكافر، ولا ثالث".
52-
وقال: "لا
فرق بين مسلم وكافر؛ فلا وسط، ولا منزلة بين المنزلتين: إما مسلم: فيعمل معاملة
المسلمين. وإما كافر فيعامل معاملة الكافرين".
53-
وقال: "الكفر
عمل قلبي، وليس عمل بدني".
54-
وقال: "الجماعة كان عندهم شيء من الشدة؛ أخذوها
طبعاً من بعض نصوص محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، واستمر الأتباع إلى هذا العهد
موصومون بهذه الشدة، وكنا نسمع نحن قديماً أن هؤلاء النجديين يكفرون عامة
المسلمين، أو يقولون عنهم خوارج .. إلخ، أنا لما بدأت أسافر إلى تلك البلاد تجلى
لي في أتباعهم شيء من هذه الشدة؛ يكفي في ذلك أنه مجرد ما واحد يتوسل بالتوسل
المبتدع عندنا جميعاً؛ أن هذا كفر وأشرك. ما ينبغي أن نقول رأساً أنه كفر أو أشرك؛
يجب أن نستفصل القول أن هذا الذي يتوسل ماذا يعني، ماذا يريد، وإلا كفرنا وشركنا
إمام من أئمة المسلمين؛ ألا وهو محمد بن علي الشوكاني؛ لأنه يقول بجواز التوسل".
55- وسئل:
هل يعذر بالجهل من كان في بلد يقام فيه الذبح للأولياء، والطواف حول
قبورهم، وهم يدعون الإسلام، وبلادهم الطابع هذا كله في جميع البلاد؛ فهل هذا الرجل
يُعذر بالجهل، ويعتقد أن الأولياء - هذا الذي يطوف حوله - ينفع ويضر، وهذا المعتقد
السائد في هذا البلد؟
فأجاب: "جوابي
على سؤالك بكل صراحة: نعم".
56-
وقال: "ويعجبني
بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في الفتح (12/300) عن الغزالي أنه قال: والذي ينبغي
الاحتراز منه: التكفير ما وجد إليه سبيلاً؛ فإن استباحة دماء المسلمين المقريـن
بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة؛ أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم
واحد".
57-
وقال معلقاً على
حديث حذيفة: "وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله
تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة، ولو كان لا يقوم بشيء من أركان
الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها .. ومثلها بقية الأركان؛ ليس بكافر؛ بل هو
مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا فإنك قد لا تجده في غير هذا
المكان".
58-
وقال: "أنا
أعلم أن البعض يطلق علي أنني مرجئ، ولكن هذا هو
الحق".
59-
وقال:
"ابن القيم سن سنة سيئة في كلامه عن النزول على الركبتين".
60-
وقال:
"علماء السعودية علماء بلاط".
61-
وقال:
"شيخ الإسلام أخطأ وتناقض تناقضاً مكشوفاً عند نقله اتفاق القرون الثلاثة على
صحة الحديث، وأنا الألباني سأخرجه من هذه الورطة؛ وأقول: يقصد أكثر القرون
الثلاثة؛ حتى لا نوقع ابن تيمية في الخطأ والتناقض".
62-
وقال:
"من أدرى ابن تيمية بالإجماع".
63-
وقال: "لا
فرق عندي بين الكفر والبدعة؛ لا سلباً، ولا إيجاباً".
64-
وقال: "من
بدع مسلماً؛ فهو مبتدع".
65-
وسئل عن
الترابي؛ فقال: "نظنه مبتدعاً، ولا نقول: إنه مبتدع".
66-
وقال: "ابن
حزم جهمي جلد، ولكنه اجتهد فأخطأ؛ فله أجر واحد".
67- وقال:
"إذا إنسان ضل، وهو قاصد الهدى؛ هذا مأجور".
68- وقال:
"إذا وجدنا في بعض عبارات السلف؛ الحكم على مَن واقع بدعة بأنه مبتدع؛ فهو من
باب التحذير، وليس من باب الاعتقاد".
69- وسئل:
إذا تمكن أهل السنة من إحضار ذلك الشخص، وإقامة
الحجة عليه فيما خالف فيه من جهل السنة، ومع ذلك أبى الرجوع إلى ما هم عليه من الحق؛ يُبدع،
أو لا؟ فأجاب: "إذا عاند وأصر؛ فيبدع؛ أما إذا قال: لم يظهر لي وجه الصواب فيما
تقولون؛ بل هو يعكس ذلك عليهم، وهو يخطؤهم بدوره؛ فتبقى المسألة خلافية بينهم، وبينه".
70-
وقال:
"بدعة مكفرة، ومفسقة؛ هذا كلام غير صحيح؛ منشؤه من علم الكلام".
71-
وقال: "أنا لا أكفر هؤلاء العامة الذين يطوفون حول
القبور لغلبة الجهل".
72-
وقال في جوابه على
كفر شاتم الله ورسوله: "ما نرى ذلك على الاطلاق؛ فقد يكون السب والشتم ناتجاً
عن الجهل، وعن سوء تربية".
73- وقال: "سب الدين حرام، ومن استحل ذلك
بقلبه؛ فهو كفر".
74-
وسئل:
بعض الناس لما يغضب يعني غضباً شديداً؛ مع
أهله أو مع أي واحد آخر؛ يسب الدين، أو يسب الرب؛ ما يكون الحكم عليه؟
فأجاب: "الحكم عليه: أنه إذا في حاكم
مسلم ومتبني مذهب من المذاهب التي ما يحققون ولا يدققون؛ يقطعون رأسه، وإن كان بعد
التدقيق؛ فيجلدونه ويحبسونه حتى يتربى، وثاني مرة ما يرجع يتكلم بهذه الكلمة، وهذا
يعني أحسن أحواله".
75- وسئل: ما حكم الذي يسب الدين؟
فقال: "إما كافر أو فاسق؛ السائل: طيب مثلاً عصبية؛ فأجاب: فاسق.
السائل: ماذا عليه أن يعمل؟ الشيخ: يتوب إلى الله عز وجل، ويعزم على أن لا يعود،
ولو أن هناك حكم إسلامي قائم؛ يعملوا له كم عصاية؛ يبطل هو، وغيره".
76-
وقال:
"الخطأ في الفروع مغتفر، وفي الأصول غير مغتفر؛ هذا الفهم لا أصل له في
الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح".
77-
وقال: "غير الاجماع المعلوم من الدين بالضرورة؛ فهذا لا يمكن تصوره؛ فضلاً
عن وقوعه".
78-
وقال:
"يحرم إسبال اللحية فوق القبضة؛ كما يحرم إحداث أي بدعة في الدين".
79-
وقال:
"اشتهر بين كثير من العلماء قديماً وحديثاً؛ أن المسلم اذا أخطأ فيما يسمي
عند العلماء بالفروع يعذر؛ أما اذا أخطأ في الأصول - في العقيدة - فلا يعذر.
نحن نعتقد أن هذا التفريق - أولاً - ليس له دليل من الشرع، وثانياً: نعتقد أن المسلم من
الواجب عليه أن يتقصد دائماً وأبداً؛ أن يعرف الحق مما اختلف فيه الناس؛ سواء كان ذلك
متعلقاً في الأصول أو الفروع أو في العقائد أو في الأحكام؛ فاذا أفرغ جهده لمعرفة
الحق فيما اختلفوا فيه؛ فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد".
80-
وقال:
"القائل باللفظ؛ ليس جهمياً".
81-
وقال: "(والشر ليس إليك)؛ أي لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس من
فعله تعالى؛ بل أفعاله عز وجل كلها خير؛ لأنها دائرة بين العدل، والفضل، والحكمة،
وهذا كله خير لا شر فيه. والشر إنما صار شراً؛ لانقطاع نسبته، وإضافته إليه
تعالى".
82-
وقال:
"الكافر لا يحكم له بالنار".
83-
وقال:
"لا تحط عداوة شخصية بينك وبين الناس، ولا سيما إذا أفضوا إلى ما
قدموا".
84-
وقال: "أنا
أجرؤ الناس حينما أقول: أخطأ عمر حين نهى عن المتعة في الحج لأنه خالف السنة! ولا
أحد يجبرني إذا قلت: آمنت بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرت بما نهى
عنه عمر؛ لأنه خالف نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من هو: عمر الفاروق،
ولكن هنا ما كان معصوماً".
85-
وقال: "خروج
عائشة رضي الله عنها - هناك نكتة - لا يهمني صحة السند - أنه بلغها أن خلافاً نشب
بين عبيد لها، وعبيد لشخص آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتهيأت
للخروج، فسألها شخص قريب لها: إلى أين يا أم المؤمنين؟ قالت: للنظر في الخلاف بخصوص بغلة ادعاها كل من
الفريقين! قال لها: يا أم المؤمنين؛ ألا يكفينا وقعة الناقة؛ حتى تثيري لنا وقعة
البغلة".
86-
وسئل: ما رأيك
فيمن يقول: الصحابة عندهم نفاق عملي؛ مثل ماعز، والغامدية؟! فقال: نعم، واحتج بقول
الله تعالى: }مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ{".
87-
وقال: "لكن
أبا ذر لم يكن اشتراكياً؛ إنما يكفر بالمعصية؛ يكفر من زنى، ومن سرق".
88-
وقال: "لا
طاعة لولاة الأمور الحاليين؛ لا طاعة إلا
للإمام الأكبر خليفة المسلمين كلهم".
89-
وقال: "لا
وجود لدولة مسلمة تحكم شرع الله في واقعنا المعاصر".
90- "فهنا وجدت
أن إقبالاً على الدعوة السلفية؛ بسبب هذه الحركة التي نحن ندعوا إليها، ولا نخالف
من الناحية السياسية أحداً لأنه لكل؛ كما قال تعالى: }وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ{. أنا أقول: الإخوان المسلمون لا يستطيعون أن يقوموا بواجب الإسلام
وحدهم؛ السلفيون كذلك؛ حزب التحرير كذلك؛ شباب محمد .. ما أدري فيه جمعيات إسلامية
أخرى؛ هؤلاء جماعات؛ أعتقد وجودهم ضروري".
91-
وقال: "ما
لنا بقى وللوهابية؛ الدعوة يعني ذهبت مع التاريخ (يعني: دعوة الشيخ محمد بن
عبدالوهاب)، وهاي هلا السعوديين جرفتهم الدنيا، وجرفتهم السياسة؛ ما لنا ولها. نحن
الآن أمام دعوة (يعني: دعوته هو) انتشرت في العالم الإسلامي كله؛ من رضي رضي، ومن
لم يرض لم يرض".
92-
وقال:
"فإذا كان عندك بارك الله فيك؛ ملاحظة حول هذه الدعوة، ودعك ودعوة الوهابية؛
لماذا؟ وأنا أقول لك الآن بصراحة: حينما تذكر أنت دعوة الوهابية، وما لها وما
عليها، وقد تقرأ في مجلة أو في أخرى؛ يشعرني ذكرك للوهابية؛ أننا نحن ننتمي إلى
هذه الدعوة؛ نحن أبينا أن ننتمي إلى من كنا ننتمي من قبل؛ أنا كما تعلم؛ ألباني،
والألبان كلهم أحناف؛ لا يعرفون الإسلام إلا من زاوية المذهب الحنفي؛ لذلك لا
تؤاخذني يا أبا أسامة؛ إذا قلت لك حينما ذكرت الوهابية؛ يشعرني - بصواب أو بخطأ -
هذا علمه عند ربي ولا يهمني؛ أنك تتوهم أننا نرتبط بمذهب يسمى بالمذهب الوهابي؛
لا، وأنا أقول لك بصراحة: الذين يقال عنهم وهابية هؤلاء حنابلة ... أما أنا لست
حنبلياً؛ أنا ما رضيت أن أكون حنفياً؛ فبالتالي لا أرضى أن أكون حنبلياً؛ لأنني
فيما انتسبت إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم؛ أغناني عن كل نسبة أخرى .. أما
الوهابية: فما لي ولها؛ فأنا أنقدها؛ ربما أشد من غيري، وربما الحاضرون يعلمون
ذلك".
93-
وفي أثناء تعليقه على بعض الأحاديث:
أ-
حديث: ]الأعرابي الذي
بال في المسجد[؛ قال: "يا قليل الأدب
ما تستحي"؛ "اتركوه حتى يفش
خلقه بشخاخ تبعه".
ب-
حديث: ]إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما
يبرك البعير[؛ قال: "يصير طيزه فوق راسه".
ت-
حديث: ]لا ترد يد
لامس[؛ قال: "لا يعني
الزوج؛ أن زوجته قحبة".
94-
وسئل: أعمل في
التسجيلات الإسلامية (الأشرطة ) وقد عنَّ لي أن أسأل بعض أهل العلم فيما يتعلق
بالمسؤولية عن نشر أشرطة بعض من لا ينهجون منهج السلف؛ ينتمون مثلاً لبعض الجماعات
التي نعرفها في الساحة؛ كجماعة الإخوان المسلمين، أو التبليغ، أو ما إلى ذلك؛
فبعضهم أفتى بأن لا أسجل أو أنشر هذه الأشرطة بالمرة، والبعض الآخر قال: تخير منها
ما ترى فيه الصلاح، ولا يكون فيه تصريح بمخالفة لمنهج السلف؛ فالحيرة ما زالت
تلازمني حتى الآن، وأسأل الله عز وجل أن يزيل هذه الحيرة بما تراه، وتشير به علينا
في هذا المجال جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: لا شك عندي؛ أن الرأي الثاني الذي حكيته
عن بعض أهل العلم؛ هو الصواب .. إلى أن قال: فإذا جاء أو وقفت على مقال أو بحث
علمي لجماعة من تلك الجماعات التي مع الأسف لا تنهج منهج السلف؛ لكن كان فيها تذكير
بآيات الله .. ببعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وليس هناك ما يمنع من نشر هذه
البحوث بطريقة التسجيل؛ ما دام أنه ليس فيها ما يخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف
الصالح".
95-
وسئل: ما
رأيكم في هذه القواعد: من لم يكفر الكافر فهو كافر، ومن لم يبدع المبتدع فهو
مبتدع، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا؟ فأجاب: "ومن أين جاءت هذه القواعد؟ ومن
قعدها؟".
96-
وقال: "وإنما أردت منها أمرين اثنين: الأول: أن تنتبهوا لأمر
خفي على كثير من الشباب المؤمن المثقف اليوم؛ فضلاً عن غيرهم، وهو أنهم في الوقت
الذي علموا فيه - بفضل جهود وكتابات بعض الكتاب الإسلاميين مثل السيد قطب رحمه
الله تعالى، والعلامة المودودي حفظه الله".
97-
وقال: "فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى؛ فإنه بعد أن
قرر تحت عنوان (جيل قرآني فريد) ..".
98-
وقال: "ثم ذكر - رحمه الله – (أي ابن قطب) عاملين آخرين ثم قال (ص 17):
(نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم؛ كل ما حولنا جاهلية
.. وإني لأعجب أشد العجب من بعض الكتاب والدكاترة الذين يؤلفون في معالجة بعض
أمراض النفوس كمؤلف رسالة (باطن الإثم الخطر الأكبر في حياة المسلمين) ثم لا يقنع
بذلك حتى يكشف عن جهل كبير بالخطر الحقيقي الذي يحيط بالمسلمين، وهو ما أشار إليه
الأستاذ سيد قطب - رحمه الله تعالى - في كلامه المتقدم؛ فإن الدكتور المشار إليه
لم تعجبه هذه الحقيقة؛ فأخذ يغمز منها ومن المذكر بها؛ تحت عنوان له في الرسالة
المذكورة".
99-
وقال: "نعم يرد على سيد قطب بهدوء وليس بحماس؛ هذا لا يعني أن نعاديه،
وأن ننسى أن له شيئاً من الحسنات؛ يكفي أنه رجل مسلم، وكاتب إسلامي، وأنه قتل في
سبيل دعوته للإسلام، والذين قتلوه هم أعداء الإسلام .. ليس الرد على المخطئ
محصوراً بشخص أو أشخاص؛ كل من أخطأ في توجيه الإسلام بمفاهيم مبتدَعة، وحديثة ولا
أصول لها في الكتاب ولا في السنة، ولا في سلفنا الصالح، والأئمة الأربعة
المتبَعين؛ فهذا ينبغي أن يُرد عليه؛ لكن هذا لا يعني أن نعاديه، وأن ننسى أن له
شيئاً من الحسنات! أما أنه كان منحرفاً في كثير أو قليل عن الإسلام؛ فأنا في
اعتقادي قبل ما تثور هذه الثورة ضده، أنا الذي قوطعت من جماعة الإخوان المسلمين
هنا؛ بزعم أنني كفرت سيد قطب، وأنا الذي دللت بعض الناس على أنه يقول بوحدة الوجود؛
في بعض كتاباته في نفس التفسير .. لكن في الوقت نفسه؛ أنا لا أُنكر عليه أنه كان
مسلماً، وأنه كان غيوراً على الإسلام، وعلى الشباب المسلم، وأنه يريد إقامة
الإسلام، ودولة الإسلام، لكن الحقيقة؛ أوردها سعد وسعد مشتمل؛ ما هكذا يا سعد تورد
الإبل. قال السائل: هل يُحذَّر من كتبه؟ فقال الألباني: يُحذَّر من كتبه من الذين
لا ثقافة إسلامية صحيحة عندهم".
100-وقال: "إن كنت تطمع أن أكفر سيد قطب؛ فلست من المكفرين؛
يكفي المسلم المنصف المتجرد؛ أن يعطي كل ذي حق حقه؛ الرجل كاتب ومتحمس للإسلام
الذي يفهمه، وليس بعالم، وكتب بعض الكتابات كأنها بقلم سلفي. سؤال: في مقدمة سورة
(النبأ)؛ قال عن القرآن: إنه: (تموجات موسيقية)؛ فقال الألباني: ماذا فهمتَ أنت من
قوله: تموجات؟ هل هو يعني الكلام الصادر من رب العالمين، أم هو من جبريل عليه
السلام ، أم من نبينا الكريم؟ ما تفهم لا هذا ولا هذا ولا هذا، ولذلك أنا بقول:
كلام خطابي شعري؛ لا يُنبي عن رأي الكاتب، وماذا يعنيه.. هكذا الحقيقة؛ أكثر الكتّاب عندما
يكتبون؛ يكتبون عبارات إنشائية خطابية؛ لا تعطي حقائق كونية واقعية .. طيّب كمّل.
السائل: مع قولكم هذا يا شيخ بارك الله فيكم؛ نرى كثير من الكتّاب، أو من طلاب
العلم الذين تأثروا حتى بمنهج المحدثين، أو لهم مثلاً في علم الحديث، أو في علم
بعض الأمور؛ تأثروا بمنهجه. فقال الألباني: وما هو منهجه؟ وهل له منهج؟ فقال
السائل: نعم، وهو التأثر بكتابات أبو الأعلى المودودي؛ في كلماته؛ كثير من الكلمات؛
مثل كتابه (العدالة الاجتماعية)، وكتابه (التصوير الفني في القرآن)؛ فقال الألباني:
هذا أسلوب أدبي؛ ليس أسلوباً علمياً. فقال السائل: لا، هناك منهج خاصة في التكفير؛
تجهيل الأمة، وتكفيرها، وخاصة في كتاب (العدالة الاجتماعية).. وذكر عنه أيضاً صاحب
كتاب: ( الأعلام) للزركلي؛ ذكر عنه هذا، وأنه اتخذ هذا المنهج، وهو تجهيل الأمة
بكاملها؛ تجهيل كل مَن حواليه؛ فتأثر بهذا المنهج كثير من الشباب الآن؛ فأصبحوا يدعون
لكتبه، ويدعون لآرائه، ولجميع ما كتبه، فما رأيكم يا شيخ في هذا؟ فقال الألباني: رأينا
أنه رجل غير عالم، وانتهى الأمر؛ ماذا تريد أكثر من هذا؟! إن كنتَ تطمع أن نكفِّره، فلستُ
من المكفّرين، ولا حتى أنتَ أيضاً من المكفّرين؛ لكن ماذا تريد إذاً؟ يكفي المسلم
المنصف المتجرِّد أن يُعطي كل ذي حق حقه، وكما قال تعالى: (ولا تبخسوا الناس
أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين)؛ الرجل كاتب، ومتحمس للإسلام الذي يفهمه؛ لكن
الرجل أولاً ليس بعالم، وكتاباته (العدالة الاجتماعية) هي من أوائل تآليفه، ولما
ألّف كان محض أديب، وليس بعالم؛ لكن الحقيقة أنه في السجن تطوّر كثيراً، وكتب بعض
الكتابات؛ كأنها بقلم سلفي ليست منه .. لكن أنا أعتقد أن السجن يُربّي بعض النفوس،
ويُوقض بعض الضمائر؛ فكتب كلمات، يعني يكفي عنوانه الذي يقول: (لا إله إلا الله منهج
حياة)؛ لا إله إلا الله منهج حياة. لكن إذا كان هو لا يفرِّق بين توحيد الألوهية،
وبين توحيد الربوبية، هذا لا يعني أنه لا يفهم توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية،
وأنهما يجعلهما شيئاً واحداً .. لكن يعني أنه ليس فقيهاً، وليس عالماً، وأنه لا
يستطيع أن يُعبّر عن المعاني الشرعية التي جاءت في الكتاب وفي السنة، لأنه لم يكن
عالماً".
101-وقال: "قلنا - أكثر من مرة - إن سيد قطب رحمه الله؛ ليس
عالماً، وإنما هو رجل أديب كاتب، وهو لا يُحسن التعبير عن العقائد الشرعية
الإسلامية، وبخاصة منها العقائد السلفية، ولذلك فلا ينبغي أن ندندن حول كلماته
كثيراً؛ لأنه لم يكن عالماً بالمعنى الذي نحن نريده؛ عالماً بالكتاب والسنة، وعلى
منهج السلف الصالح؛ فهو في كثير من تعابيره، يعني تعابير إنشائية بلاغية، وليست
تعابير علمية، وبخاصة تعابير سلفية؛ ليست من هذا الباب؛ فنحن لا نتردد باستنكار
مثل هذا التعبير، وهذا التشبيه؛ أقل ما يُقال فيه: أنه لا يعني أنه كلام الله
حقيقة - كما هو عقيدة أهل السنة والجماعة، أو أنه كلام الله مجازاً؛ كما هو عقيدة
المعتزلة - كلام خطابي شعري؛ لكن أنا لا أرى أن نقف كثيراً عند مثل هذا الكلام؛
إلا أن نُبيِّن أنه كلام غير سائغ شرعاً، وغير معبِّر عن عقيدة الكاتب للقرآن الكريم؛
هل هو كلام الله حقيقة أم لا؛ هذا الذي أعتقده". ([1])
102-وقال: "ومنهم من يشاركنا في النقمة على هؤلاء
المدعين للمهدوية، ولكنه يبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة الواردة في خروج المهدي
في آخر الزمان، ويدعي بكل جرأة أنها موضوعة وخرافة! ويسفه أحلام العلماء الذين قالوا
بصحتها .. كالأستاذ فريد وجدي، والشيخ رشيد رضا ..".
103-وقال: "وقد أورد خلاصة كلامه: العلامة السيد محمد
رشيد رضا في (تفسير المنار) (8/254- 270) ثم رد عليه رداً طيباً قوياً؛ فليراجعه
من شاء أن يتوسع في المسألة".
104-وقال: "محمد عبده المصري الأستاذ الإمام (1323) في
رسالة خاصة له في هذه القصة (أي: في قصة الغرانيق)"، "وأما قول الإمام محمد عبده في تفسيره".
105-وقال: "الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودى
- فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة - الأستاذ
حسن البنا رحمه الله - الشيخ الفاضل والعلامة المحقق السيد جمال الدين القاسمي - الأستاذ
الشيخ يوسف القرضاوي - الأخ الفاضل سلمان العودة - الأخ الفاضل (الأستاذ
الفاضل) سفر الحوالي - الأخ الفاضل الدكتور ناصر العمر .. نعم طالب العلم
هو".
قصة هذه
الرسالة:
نما
إلى علم الألباني - عن طريق بعض طلبة العلم الإماراتيين - أن أبا عبدالله الحداد
يبدع أبا حنيفة، والنووي، وابن حجر، والشوكاني، ورشيد رضا، والبنا، وابن قطب،
وغيرهم من أهل البدع والضلال، وأنه يدعو إلى الاهتمام بهذا الباب الذي غفل - أو
تغافل - عن تطبيقه أكثر العلماء، ومنذ قرون؛ منذ أن خالفوا سلفهم الصالح، وردوا
تبديعهم لأبي حنيفة؛ ألا وهو باب السنة، والاهتمام بها، والشدة فيها، وتبديع
المبتدع؛ سواء كان بدعته أصلية، أو طارئة، ومحاربة الأعذار البدعية التي اخترعها
أهل الجهل والضلال، والتي لو طبقت لما وُجد مبتدع على وجه الأرض؛ كالاجتهاد،
والتأويل، وعدم القصد، وعدم التمحض في البدعة.
والنظر
إلى أصوله، وإلى ما وافق فيه أهل السنة؛ لا إلى ما خالفهم فيه، وغير ذلك مما يهرفون
به لغلق باب التبديع، وحماية أنفسهم، ورموزهم منه. وأن ربيعاً المدخلي يوافقه على
ذلك.
فما
كان منه إلا أن رد عليهما (أي: الحداد وربيع) وطعن فيهما، وذلك في شريط بعنوان (البدعة
والمبتدعة)؛ مفترعاً قواعد باطلة، ومتعللاً بأشياء فاسدة عاطلة؛ كقوله: "من
الظلم تبديعهم، وإهدار حسناتهم".
ويكأن
السلف كانوا ظالمين؟!
فلما
سمع المدخلي بذلك؛ طلب من الحداد أن يرد عليه؛ فلم يجبه الحداد؛ رجاء أن يثوب الألباني
إلى رشده؛ لكنه لم يفعل؛ بل تمادى في غيه حتى آل به الأمر إلى الطعن في أئمة السلف،
وفي منهجهم.
فما كان من
أبي عبدالله إلا أن رد عليه؛ مبيناً منهج أهل السنة الذي يجهله الألباني، ومع هذا:
يتعالم، ويتعاظم، ويطعن فيه، ويسخر منه.
هذا الرد كتبه
الحداد في ألف صحيفة؛ رد فيها بعض أخطاء الألباني العقدية والمنهجية والحديثية؛
بالدليل، وبما لا مزيد عليه.
وقد اجتزأت
منه ما يكفي كل منصف؛ للوقوف على الحق، ومعرفة حقيقة هذه الهالة الكاذبة والمغرضة
التي نسجها المجرم ربيع المدخلي وأتباعه حول الحداد، وأن الرجل لم يأت بشيء جديد؛
بل قال بقول السلف وطبقه على نفسه وعلى غيره؛ دون محاباة أو مجاملة؛ فإن دين الله
لا يعرف المجاملات؛ كما قال الشيخ العلامة المجاهد الدكتور أحمد بن عمر بازمول.
قال الألباني:
البدعة هي
الأمر الحادث على خلاف السنة يريد بها صاحبها التقرب إلى الله؛ فهل أقيمت عليه
الحجة؟ الله أعلم.
قال الحداد:
1-
الألباني له
منزلة ورهبة عند من يناقشه، وقد ذكر صاحب كتاب الواضح - أعني ابن عقيل - أنه لا
ينبغي للمرء أن يناقش في حالة الخوف، أو حيث لا إنصاف، أو حيث لا يُفهم عنك.
فيأتي
الشاب ليناقشه: فإما أن يوافقه ليسلم منه؛ كما فعل صاحب هذا الشريط؛ فكلما قال له
الألباني شيئاً، وسأله: هل تقول بخلاف ذلك؟
فيقول
في رهبة: (قلت كما قلت يا شيخ)!.
ومن
ذلك ما في شريط جدة (4/1/200) عندما سأله شاب عن تفسير حديث؛ فأحاله إلى (كتاب
الأسماء والصفات للبيهقي) فاستنكر الشاب هذه الإحالة، وله الحق كل الحق في هذا؛
فإن الكتاب خطير جد خطير؛ ليس فقط لأن صاحبه أشعري؛ كما قال ابن تيمية رحمه الله
تعالى في درء التعارض، والفتاوى، وغيرها، ولا لأن صاحبه حشاه بهذا المذهب، ولكن
أخطر ما فيه هو أنه على هيئة كتب الحديث بالأسانيد والآثار؛ مثله في ذلك مثل كتاب
(شرح مشكل الآثار) للطحاوي؛ الذي رده البيهقي بكتابه (معرفة السنن والآثار). فكيف إذا كان مع ذلك كله؛ عليه حواشي الكوثري إمام
الجهمية في عصرنا هذا؟!
نعم
أصاب الشاب في الإنكار؛ لأن إحالة مثله؛ بل من هو أعلى منه إلى هذا الكتاب؛ إحالة
إلى غير مليء؛ إلى تغرير، وليس هذا من منهاج أهل السنة.
المهم
أن الشاب استنكر هذه الإحالة، فكان أن رد عليه الألباني بغلظة وقوة صوت: (أيش
فيه)! فرأى الشاب الانهزام؛ فقال: (مسترشد يا شيخ)! وتدخل على الحلبي ليقول: الشيخ
لا يقصد حواشي الكتاب!!
قلت:
لا الكتاب ولا حواشيه؛ كلاهما لا يحيل إليه من يفهم منهاج أهل السنة في الأخذ والترك.
2-
قولك في تعريف
البدعة؛ هو بنفسه قول الشاطبي؛ كما في كتابه الذي سماه بزعمه (الاعتصام) وسوف يمر
بك إن شاء الله؛ بعض ما فيه؛ أما نحن فنتبع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد
قال: (كل محدثة بدعة)، وقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؛ فلا ذكر للقصد
في حد البدعة:
أ-
لأنه قصد أو لم يقصد؛
فهي بدعة.
ب-
لأن الكلام عن
البدعة؛ لا على المبتدع.
ت-
لأن القصد من
أمور القلوب، وأحكام الإسلام - بالإجماع - مبناها على الظاهر.
قولك:
(الله أعلم)!
خطأ؛
فإن أدب هذه المقولة فيما لا يعلمه المرء؛ لقول عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى
عنه: (إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم) ولكن وضعها في باب ما
سماه الألباني في حواره مع سروري بـ (القدقدة)؛ للتهرب بها من البحث: هذا لا يصح.
فمثلاً:
الألباني كما في شريط (606/1/50) عاشر الإخوان مدة طويلة، وكتب في مجلاتهم، وخالطهم
قبل خمسين سنة؛ يعني وهو شاب! ([2])
وندم في شريط آخر. وفي قصة حياته للشيباني؛ ندم على أنه قد ضاعت منه رسالة حسن
البنا إليه في مدح بعض جهوده معهم!
والسؤال
الآن: بعد هذا كله؛ لا تعرف: هل أقيمت عليه الحجة، أو لا؟!
(البنا) ينقل في كتابه - بالتفصيل - المذاهب في الصفات، ويرجح
التفويض؛ بل التأويل!
يدعو
إلى القبورية في أصوله العشرين، ويعمل بها بنفسه في شد الرحال كل جمعة إلى قبر كما
في كتابه: مذكرات الدعوة والداعية بزعمه، وكتب ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ كانت
منتشرة في زمنه. ويقول في كتابه في العقائد في مسألة الإيمان، وأنه قول وعمل: (ترف
عقلي).
ويقول
تبعاً لشيخه محمد رشيد رضا: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما
اختلفنا فيه) وهذه أكبر قواعد الإرجاء مع سابقتها؛ حتى إنها جرته إلى أن يجعل في
قيادة دولته - أعني مكتب الإرشاد - اثنين من النصارى؛ كما قال في المذكرات، وجعلته
عضواً نشيطاً في جمعية الروافض الإيرانيين: (التقريب بين المذاهب)!
ماذا
أقول؟ والكلام يطول جداً. وفي هذا مقنع ، وله مئات المحدثات.
بعد
هذا كله: لماذا وأنت - كما قلت: سلفي من الطفولة - لماذا لم تقم عليه الحجة هو وجماعته
الذين خالطتهم مدة طويلة؟!
وإذا
لم يقمها مثلك؛ فمن؟
أم
هو: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)!
فإذا
لم تُقم عليه الحجة، والعلم بين يديه؛ ينقل ما يشاء، ويدع ما يشاء، ويسفه عقائد
أهل السنة، وعنده رجال من كبار المشتغلين بالحديث؟! فكيف بغيره وهم أهل بلده جميعاً؟!
فمتى تقوم حجه الله تعالى على عباده؟
إن
كلمة (الله أعلم) ها هنا؛ معناها هو الإرجاء؛ إذ هي تصلح في كل مبتدع، فلا يصير
على ظهر الأرض - على فهم المرجئة - (مبتدع)!
ثم
لو فرضنا جدلاً - وبئس الجدل - أن الحجة لم تقم على هؤلاء؛ فثمة سؤالان:
الأول:
هل يصيرون من أهل السنة الذين نتولاهم ونمدحهم ونصفهم بالإمامة، ونبدع من يتكلم
فيهم؟
غايتهم
إذا كانوا - وما كانوا - معذورين؛ أن أعلاهم يصير دون السني العامي.
الثاني:
هل ننقل من كتبهم، ونشيد بذكرهم؟!
أنا
أخاصمك بكلامك:
الأول
في هذا الشريط نفسه؛ ففي (490/2) قلت بعدم جواز الثناء على من قيل: إنه مبتدع؛
لتزيين منهجه، ففيه تضليل لا يجوز.
قلت:
فماذا يفعل من رآك تثني عليهم بترحم، أو غيره؟
تندم
على ضياع رسالة أرسلها لك البنا، وتحرص على تحشية كتبهم؛ ككتاب البنا وغيره في
المرأة، وكتاب الغزالي والقرضاوي؟!
فمن
يراك تفعل هذا، وأنت عنده إمام أهل السنة في بلدك؛ فهل يحذر منهم؟
قد
قمت بشيء جائز على مذهبك، وهو الترحم؛ فأين الواجب المتفق عليه لئلا يكون (تضليل
لا يجوز) وهو التحذير؟
بلى
قد حدث مع التصحيف؛ (التحذير) صار (التخدير).
الثاني:
في شريط آخر لك متأخر؛ قلت: الإخوان ليسوا من أهل السنة؛ هم أعداء السنة منذ زمن!
فهل
كانوا كذلك وقت أن كنت معهم؟ وهل كانوا كذلك؛ بسبب المنهج الذي خطه لهم من أسس
بنيانهم؟
3-
وأما مسألة
الحجة؛ فما فيها حجة - كما سترى - وأما مسألة (من وقع فيه وقع عليه) فنحن نقول بها
قبل أن نرى الألباني، أو نسمع عنه - كما سترى - إن شاء الله تعالى، ولكن على طريقة
أهل السنة.
قال الألباني:
الأصل فيهم:
الإسلام، أو الكفر؟! الإسلام؛ إذن يترحم عليهم؛ انتهت القضية!
قال الحداد:
1-
الحمد لله أنك
لم تصر قاضياً؛ لأن القضاء بهذه الصورة يوقع صاحبه في حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (القضاة ثلاثة)؛ فالقضية ليست (الإسلام، والكفر)، إنما هي (السنة، والبدعة)!
وقد سبق بيانها، والترحم من مسائل الهجر، والهجر للمبتدع والفاسق أجمع عليه أهل
السنة.
2-
وسبق أن
المبتدع والفاسق لهما أحكام خاصة في الإسلام؛ لا ترد بالعموم؛ وأنت قلت: إن
الاحتجاج بالعموم من صنيع أهل البدع! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل
المسلم على المسلم حرام؛ دمه، ماله، وعرضه)؛ فإذا زنا المحصن الثيب؛ فحل دمه؛ هل صار
كافراً؟ هذا كلام الخوارج! حل دمه وهو مسلم؛ فالقضية إذن أيها القاضي؛ ليست إلا
(السنة، والبدعة)، بلا تشويش ولا قدقدة الجدال، والمراء.
قال الألباني:
لا يجوز أن
نتبنى مذهباً يقول: لا يجوز الترحم على فلان وفلان من عامة المسلمين؛ فضلاً عن
علمائهم لأنهم أولاً: مسلمون، وثانياً: لا نعلم أقيمت الحجة عليهم؛ أو لا؟
قال الحداد:
1-
أولاً: قولك (نتبنى)؛
هذا القول من لوازم لسانك تكثره جداً، حتى أدى بك إلى أن تقول في شريط المدينة (1/ب/1/60):
(تبنى الكتاب والسنة)!
والرد
عليك:
أ-
الجواز اللغوي:
فمن
الكلام ما يكون مولداً، ومنه ما يكون عربي الأصل أعجمي المعنى أو التركيب؛ مثل زين
الدين وغيره؛ مما ينسب إلى الدين وأشده ما كان طعاماً؛ قمر الدين! فما الذي جعل
الدين أكلاً في البطن؟ فهذه الكلمة لا أعلمها إلا أعجمية في مثل هذا الموطن.
ب-
الجواز الشرعي:
ليس
كل ما يجوز لغة؛ يجوز شرعاً فمثلاً: (السحر الحلال) لوصف الشعر، لا تجوز شرعاً؛
لأن الشعر منه ما لا يحل فهو كلام؛ حسنه حسن وقبيحه قبيح، ولأن السحر ليس منه حلال
وحرام؛ بل كله حرام، وأكثر أهل العلم على أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إن من البيان لسحراً) هذا في الذم؛ لأن السحر مذموم؛ فوصف بعض البيان
بمذموم؛ يقتضي الذم، ومثال ذلك ها هنا: التبني؛ فقد يقال هي كما في قول الله تعالى:
(يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) وشتان ما بين هذا وذاك؛ فهذه معرفة؛ لا التبني؛
فالتبني هو لغير الابن، والتبني منسوخ، والقياس على منسوخ منسوخ! كمن يقيس على قول
اليهود: (راعنا) وقد نهى الله تعالى عنها: (لا تقولوا راعنا وقولوا: انظرنا).
لا
أعرف هذا اللفظ في مثل هذه المعاني؛ لا عند أهل اللغة، ولا أهل الشرع، ولا السلف
الصالح، ولكنه من لسان الأعاجم الذين أحلوا التبني إلى يومنا هذا. ومخالفة هدي
السلف الصالح توقع في عاقبة قوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، و(من تشبه بقوم فهو
منهم)؛ فمخالفة الهدي الظاهر؛ تؤدي إلى مخالفة الهدي الباطن؛ كما هو واضح عملاً
وعلما.ً
ث-
المحذور
الشرعي.
كان
كثير من السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ يقولون: (نكفر بدين نحن أكبر منه)؛ يعنون
البدع المحدثة؛ كالإرجاء وغيره؛ فالتبني جعل المتبنى أصغر من المتبني! فمن تبنى
الإسلام جعله ابناً له!
هذه
الكلمة: (تبني الكتاب والسنة) كفر؛ أعلم أنه خرج على اللسان دون الجنان؛ نعم، فإن
القرآن ليس ابناً لأحد؛ إنما هو كلام الله تعالى غير مخلوق منه بدأ، وإليه يعود.
لا
تقل: يتبنى إذا، ولكن قل: (يُبنى على كذا) أي: يجعله أساساً له.
ثانيا،
قولك: (عامة المسلمين) (خاصتهم) (علمائهم).
فيه
تناقض؛ فكيف تقول: (لم نعلم: أقيمت الحجة؛ أم لا)، وتقول: (علماءهم)؟ فالعلم يقيم
الحجة على صاحبه؟
هذا
القول واضح في تأثيم من يرى ذلك؛ زيادة في الإثم بزيادة الصفة، فوقوع المعصية أو البدعة
من العامي؛ أقل من الخواص؛ أقل من العلماء، ونحن نقول ذلك حجة على من يخالف. وسوف
ترى عند الكلام على مسألة الهجر؛ أن العقاب بقدر الإثم. فالسكوت عن المخالف للسنة
بالبدعة والفسوق؛ عاقبته الشر الوبيل، والإرجاء الطويل.
أنت
تترحم على هؤلاء، وتثني عليهم بألقاب السيادة والمشيخة والأستاذية والعلم والحفظ؛ فماذا
بينتَ وحذرتَ من مخالفتهم وبدعهم؟
إن
قلت: بينت مرة؛ فقد أثنيت عشرات المرات! فالميزان فيه جور.
فماذا
كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ يصنعون مع أمثال هؤلاء؟ بل من هو خير منهم؛
علماً وعبادة؟
قال الألباني:
من الأخطاء أن
الشباب الملتزم والمتمسك فيما يظن؛ هو يقع في المخالفة من حيث لا يشعر، فيحق لي
على مذهبهم؛ أن أسميهم مبتدعة!
قال الحداد:
1-
هذا عن الشباب،
والشباب مظنة عذر لحداثة عهده بالعلم والفهم، لكن كيف بالشيخ المسن إذا حدث منه
ذلك؟!
2-
(شباب) إذا كان المراد من تلك الكلمة التحقير؛ فإن ابن المبارك
وغيره رحمهم الله تعالى؛ قالوا: (الأصاغر هم أهل البدع)؛ فلا يقال للسني: (صغير)
ولا يقال للمبتدع: (كبير). جاء رجل إلى أحمد رحمه الله تعالى؛ فقال له: إن عندنا
بالري شاباً؛ يقال له: أبو زرعة؛ فقال أحمد شاب شاب! ودعا له فاستنكر ذلك لأنه
تحقير له، وهو ناصر للسنة قامع للبدعة رحمه الله تعالى؛ أما أهل البدع: فالألباني
يقول: (الشيخ الفاضل) و(الأستاذ الكبير)!
ثم
هم شباب، ولكن يقولون بقول شيوخ أهل السنة!
3-
كلمة
(الملتزم) التزام الحجر الأسود، أو الملتزم في الكعبة؛ أم ماذا؟ تقول: هي من قول
الله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى) فهو إذن
(مُلْزَم) لا ملتزم.
هذه
الكلمة لا أعرف لها أصلاً في هذا المعنى بهذه الصورة المتكررة؛ إلا من المذاهب الاشتراكية.
4-
قولك: (فيما
يظن هو) الأمر ليس ظنك وظنهم، نحن نتحاكم إلى هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى،
وننظر لكي لا يكون الإثم (إن بعض الظن إثم).
فالذي
وقع فيه هؤلاء الشباب ليس مخالفة؛ بل هو الموافقة الصريحة لما كان عليه السلف
الصالح رحمهم الله تعالى.
أما
الشباب الذين تساهلوا مع الإخوان؛ فأين شدتك عليهم؟
5-
قولك: (وهم لا
يشعرون) بل ندري ونشعر ونتبع ولا نبتدع، ومن خطأهم؛ فإنما يخطىء السلف الصالح.
6-
قولك: (على
مذهبهم) ليست المسألة: مذهبهم ومذهبك، بل مذهب السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ ثم
هذه فرية قرعاء؛ فمن أين للألباني أن هؤلاء الشباب يقولون بأن كل من يقع في مخالفة،
وهو جاهل بها؛ يصير ضالاً!
هذا
كذب وإفك وزور، وسوف ترى (مذهبهم) لتعرف كيف استنباط الألباني مذاهب النـاس؟
قال الألباني:
الأصل أنهم
مسلمون؛ لا يقصدون البدعة، ولا يكابرون الحجة؛ فيقال: أخطأوا من حيث أرادوا
الصواب.
قال الحداد:
1-
قولك: (الأصل
أنهم مسلمون)! هذه المقولة تذكرني بقول الشوكاني في كتابه الذي سماه: البدر الطالع،
فقد كان سبق له تكفير ابن عربي بكتاب منشور بين أيديكم الآن، تكفيره بمقالات من
كتبه؛ لا بتقول أحد عليه؛ ثم قال الشوكاني في بدره: (والآن يظهر لي أنه ليس بكافر
والأصل فيه الإسلام)!
سبحان
الله! لكأن المرء إذا دخل الإسلام؛ لا يخرج منه أبداً! لا إلى بدعة، ولا إلى كفر! إن
هذا والله؛ لهو الغلو في الإرجاء الذي لم يصل اليه أهل الإرجاء أنفسهم.
2-
قولك: (لا
يقصدون البدعة)! ليس من شرط البدعة؛ عدم القصد؛ بل شرط البدعة عدم القصد، فكل
المبتدعة يقولون: (ما نقصد إلا الحق؛ بل نحن نريد الحق)، وكل الكفار والملاحدة لا
يقصدون إلا الحق حسب زعمهم، وإلا فهل تظن أن عُباد اليهود والنصارى والحلولية
يقصدون الضلال؛ فلماذا إذاً يهلكون أنفسهم في عباداتهم؟!
ثم
أنت تقول: (الله أعلم) في أمور كثيرة كما سبق، فلماذا جزمت ها هنا؟ ومن أدراك أنهم
لا يقصدون البدعة؟ إذن اسكت عن هذه المسألة؛ يقصدون أو لا يقصدون؛ فإنهم غير عدول
حتى نقبل شهادتهم على غيرهم؛ فكيف بشهادتهم على أنفسهم في هذا؟! وقد صرح بعضهم بأن
(الخلف أعلم وأحكم)! ومع ذلك لا يقصدون!
3-
قولك: (لا
يكابرون الحجة)؛كيف، وقد عملوا منها ما لم تعلمه أنت، ولا أهل بلدك كلهم؟ وقد سبق
تعريف البدعة بأنها (الإحداث في الدين)، ولابد من معرفة (أصول البدع) على طريقة
أهل السنة؛ لا على طريقة كتاب صاحبك علي الحلبي.
ولازم
هذا القول الذي لا ينفك عنه:
أ-
الغلوفي الإرجاء: فكلهم مسلمون معذورون
بالقصد؛ فلا فِرَق ولا مبتدعة!
ب-
تضليل السلف
الصالح رحمهم الله تعالى؛ فقد كانوا على خلاف ذلك؛ حيث وصفوا كثيراً من الناس
بالبدعة؛ لا يصفهم الألباني وغيره بها!، والطعن في السلف الصالح زندقة.
وذكر الألباني:
جلساته مع
شباب من التكفير قبل (12) سنة؛ حتى رجعوا للسنة.
قال الحداد:
1-
قولك: (أذنَّا
وصلوا معنا)؛ هذا يحمل على أحد حالين: إما أنكم بعيدون حينذاك عن مساجد المسلمين،
أو قريبون ولم تصلوا معهم، أو أنكم نسيتم، ولم تسمعوا الأذان، ولم تنتبهوا للصلاة؛
لانشغالكم بالكلام! وقد قال رسول الله صلى وعليه وسلم: (أتسمع النداء؟) قال الأعمى
الذي لا قائد له: نعم؛ قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (أجب) (لا أجد لك رخصة)!
والألباني يرى الصلاة وراء كل مسلم، ولو كان قبورياً!! كما في شريط جدة (11/1/2/239)؛
فإن كان هو لكبر سنه ومرضه؛ لا يستطيع إتيان المسجد، ولو بسيارته، ولو كما قال
عبدالله بن مسعود رضى الله تعالى عنه؛ كما في صحيح مسلم: (لا يتخلف عنها إلا منافق
معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل مريضاً يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)؛
كان ينبغي له على الأقل أن يأمر من معه بالانصراف - إن كان له عذر شرعي - ليصلوا
في المسجد؛ ثم يرجعوا إليه ليتم حديثه؛ فلا بركة في شيء يشغل عن الصلاة، ومرضاة
الله لابد أن تكون وسيلتها طيبة؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؛ كما قال صلى
الله عليه وسلم.
وهذا
العمل، وهو التساهل في الصلاة في المسجد؛ يفعله كثير من الدعاة بزعمهم، وكذلك
التساهل في بعض أمور الشرع بدعوى الدعوة. وهو أشد من تساهل العوام الجهال الذي
يفعلونه كسلاً وضلالاً، ولأن هؤلاء الدعاة بزعمهم يفعلونه تديناً وتقرباً!
لماذا
يذكر الألباني هذه القصة في هذا السباق؟!
يذكرها
لبيان أن كثيراً من الشباب؛ ليسوا على بصيرة، وإيماءً إلى أن الذين يبدعون من جنس
هؤلاء الشباب الذين وقعوا في التكفير! (سبحانك هذا بهتان عظيم) إنها التهمة ذاتها
التي يلجأ إليها المرجئة للتنفير من أهل السنة.
2-
إن التكفير
وغيره؛ من ثمار غرس الألباني وغيره! نعم، حينما لم يعلموا الشباب؛ السلفية الصحيحة
الكاملة؛ إنما علموهم سلفية ناقصة؛ تمجد الخلف وتطعن في السلف الصالح رحمهم الله
تعالى؛ سلفية الظاهرية، وسلفية كل مجتهد مصيب، وكل من كتب في العلم صار إماماً
علامة! وسلفية التعاون مع الإخوان وغيرهم؛ حتى كان الألباني بنفسه؛ يكتب في مجلتهم،
ويمجد رأسهم البنا وابن قطب إلى يومنا هذا! وأكثر رؤوس السلفية إخوان كعبدالرحمن
بن عبدالخالق وغيره! فيخرج من هؤلاء السلفيين؛ التكفير بفروعه، فلا عجب! والله
المستعان، فقد – والله - أظلمت الدنيا، وصار الفريقان كأنهما فريق واحد، ولكن كما
قال أبو زرعة رحمه الله تعالى: (إنما يتموه أمرهم سنة أو سنتين)!
أمرتهم
أمري بمنعرج اللوى؛ فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد، ولات حين مندم، ولله الأمر
من قبل ومن بعد.
قال الألباني:
وما هي إلا
شبهات جاءتهم من عدم فقههم في الكتاب والسنة.
قال الحداد:
1-
سمها ما شئت؛
فسوف ترى الشبهات من نصيب من!
2-
كذا تقول بكل
جراءة؛ فهل تعرف ما السبب، ومن السبب؟ إنها مفاجأة! أنت وأمثالك السبب! نعم؛ أنت
وأمثالك الذين لم يعلموا الشباب منهاج أهل السنة في معرفة الحق والباطل، وأهل كل
منهما؛ فلم يكونوا كما قال عظيم الروم: (لا يرتد أحد منهم سخطة لدينه، فإن الإيمان
إذا خالطت بشاشته القلوب كان كذلك).
3-
من أين
يتعلمون منهاج أهل السنة:
أ-
وأنت وغيرك ينصحون بكتب
ابن حزم وغيره، فيتعلمون منها الطعن على السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وأنه لا
وزن لهم ولا لفهمهم ولا لمناهجهم، وأن الاستنباط مباشرةً من الكتاب والسنة، فينتج
من هذا، وعلى يدك ويد غيرك؛ شباب الخوارج الذين يتجرؤون على السلف الصالح رحمهم
الله تعالى، ويتعاظمون في أنفسهم حتى يقال: (هم رجال ونحن رجال)! بل: (هم مقصرون،
ونحن المجتهدون المتبعون للكتاب والسنة)!
ب-
وأنت وغيرك؛
ينصحهم عند دراسة اعتقادهم؛ بكتب أهل الكلام والجوهر والعرض؛ فهل تحفظ عن نفسك أنك
نصحتهم بالشريعة (للآجري) رحمه الله تعالى، وأمثاله؟ اللهم لا؛ بل عملت المختصرات
والمطولات في غير ذلك؛ هذا ومختصر العلو والسنة لابن أبي عاصم؛ كلها عندك، ولك
عليها حواشي! ولكن تنصح في أشرطتك بالطحاوية؛ لا بالسنة، ولا بالعلو! فماذا تريد
ممن تربى على يديك يا صاحب (التصفية والتربية)، فأين التصفية والتربية؟
ت-
وأنت وغيرك؛
تمدح ابن قطب وتصفه بالأستاذ الكبير في مقدمة نقلت عن كتاب له صحيفه كاملة؛ تنقلها
منه يا صاحب (التصفية والتربية)؛ تنقلها منه في كتاب لك اسمه: (مختصر العلو) تختصر
الأحاديث الضعاف، وتصفيها على قدر علمك، وتأتي بالآراء كاملة! نعم التصفية، تذكر
صحيفة في كتاب العلو لمن ينكر العلو، ويقول: كل صفات الله على التأويل! دون أن
تذكر كلمة واحدة؛ أن هذا الأستاذ الكبير؛ لا أقول: إنه جهمي؛ ليس من باب النفي لكن
من باب الإلزام لك؛ إنما أقول: يقول بقول الجهمية والمعتزلة؛ تنقل كلاماً إنشائياً
ليس عليه بهجة العلم، ولا نور السلف الصالح أهل الحديث! فمن قرأ هذا النقل الرائع
الرائق! وأعجبه كما أعجبك؛ فبحث عن كتبه، وقرأها، وصار قائلاً بهاً، فمن الآثم يا
صاحب (التصفية والتربية)؟ ([3])
وكذلك
(الأستاذ الفاضل المودودي) كما تسميه، ولم يسعفك ما عرفته من الحديث؛ أن أول اسمه
ضلال (أبو الأعلى)! وقد صح كما تعلم؛ أن رجلاً كان يكنى بأبي الحكم؛ فغيره رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم)! ولم يسعفك ما
عرفته من العلم؛ حتى تعرف اعتقاده؛ فتقيم عليه حجة الله على خلقه! وما زال عندك
فاضلاً إلى اليوم؛ كما في نشرة كتابك (الجلباب)!
اسأل
أهل الحديث في الهند عنه، وتصفح ما كتبه، وما كتب عنه قبل أن تعجل بمدحه وتلقيبه
بالأستاذ والفاضل؛ ككتاب (المودودي ما له وما عليه) وكتاب (جماعة المودودي وموقفها
من الحديث)
ألا
تعرف أنه من كبار الإخوان الذين كنت معهم!
حتى
متى تكون آخر الناس في معرفة الناس! كما قيل: آخر من يعلم! وقد كان ينبغي أن تكون
أولهم لما أنعم الله به عليك من الدخول في الحديث!
قائمة
طويله سوداء ملأى من الأسماء التي مدحتها وروجت لها وعلقت عليها؛ فجعلت البدعة في
أعلاها، وتخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفلها؛ فهذه أصول (التصفية
والتربية)! فيشتريها أتباعهم، ويرون
اسمك مع أسماء أئمتهم، ويسمعون مدحك لهم؛ فيزداد كل منهم ثباتاً على بدعته.
ويشتريها أعداؤهم، ويرون اسمك مع هذه الأسماء، ويسمعون مدحك لهم؛
فتصيبهم الهلكة.
حتى
من تسبه؛ كالغماري؛ ينصح تلاميذك في مجالسهم بقراءة كتبه للاستفاده منها!
روى
ابن سعد وغيره بإسناد من أصح أسانيد الدنيا عن أبي قلابة رحمه الله تعالى؛ أن مسلم
بن يسار صحبه إلى مكة، فقال لي، وذكر الفتنة: إني أحمد الله إليك أني لم أرم فيها
بسهم، ولم أطعن فيها برمح، ولم أضرب فيها بسيف! قلت له: يا أبا عبدالله فكيف بمن
رآك واقفاً في الصف؛ فقال: هذا مسلم بن يسار، والله ما وقف هذا الموقف إلا وهو على
الحق! فتقدم فقاتل حتى قتل! فبكى وبكى؛ حتى تمنيت أني لم أكن قلت له شيئاً! بكى
مسلم بكاءً طويلاً، ولكن (مسلم) آخر لا يبكي!
وعبدالله
بن المبارك رحمه الله تعالى؛ كان له رأي حسن في أبي حنيفة، ثم تبين له الأمر وعاد
فيه إلى موافقة مشايخه كلهم؛ فكانوا يقولون له: بك راج اسمه وأمره لما رويت عنه،
ولما مدحته فكان يبكي، ولكن (عبدالله) آخر لا يبكي!
تدري
لماذا ذكرت لك بعض هؤلاء الذين مدحتهم؛ لأن من كتبهم يتخرج الشباب إخواناً على
منهاج الإرجاء، والخروج في (البرلمان) والمظاهرات!
4-
ثم الشباب
الذين تعنيهم ها هنا بالسب؛ لم يتخرجوا من هذه المدرسة، ولا الشبهات عندهم؛ إلا إن
كنت تسمي هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى؟!
قال الألباني:
التفقه في
الكتاب والسنة ليس أمراً سهلاً اليوم؛ بعد أن ورثنا عقائد وفرقاً شتى.
قال الحداد:
1-
أما نحن فلم
نرثها! أرأيت الذى يعرض عليه ميراث فيه شبهة؛ فيتركه لله تعالى!
2-
الآن عرفت أن
في المسلمين عقائد وفرق شتى! فأين الكلام السابق: هل قصدوا؟ هل ..؛ هل .. ؟ الله
أعلم؟!
3-
تدرى من وراءهم؟
تدرى من أئمتهم؟ تدرى ما هى كتبهم؟ نعم، ليس أمراً سهلاً؛ طالما أنك ترى أن هؤلاء؛
أئمة لا يبدعون، ولا يحذر منهم!
بلى
والله، إنه لسهل يسير على من يسره الله تعالى عليه؛ كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (كل ميسر لما خلق له).
4-
فالزم أهل
السنة - ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله تعالى عنهم،
ومن تبعهم رحمهم الله تعالى - واقرأ كتبهم وحدهم، وأخلص نيتك لله تعالى، واهجر أهل
البدع ومن يجادل عنهم وينصرهم ويعتذر لهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:
(تركتكم على المحجة البيضاء: ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)، وأنت تنتصر
كثيراً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة بدعة)؛ فما بالك لا تنتصر لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزيغ عنها إلا هالك)!
فكل
من زاغ عنها؛ فهو هالك مبتدع؛ دون إرجاء ولا تكفير! وهذه نصيحته صلى الله عليه
وسلم؛ موعظة مودع: (إنه من يعيش بعدي منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... وإياكم ومحدثات الأمور ...)
قال الألباني:
فلا يستطيع
الطالب الناشئ أن يخوض في هذه الخلافات؛ إلا بعد دراسة الفقه المقارن، وأدلة
المخالفين.
قال الحداد:
فهل درست
مسألة الترحم؛ على ما نصحت به النشء؟
ليست هذه هى
النصيحة التي ينصح بها السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ الشباب!
قد قال سفيان
الثوري ويوسف بن أسباط وأحمد رحمهم الله تعالى: (إن من نعمة الله على الشباب أن
يوفق لصحبة رجل من أهل السنة فيجنبه الأهواء)، و(إذا رأيت الشاب مع أهل البدع
فاعرف فساده)، وقد أجمع أهل السنة على التحذير من المخاصمات، وقراءة كتب الكلام
والبدع، وأنها تفسد القلب، وتورث النفاق، وظلمة الوجه، وفساد الحال، وفي ذلك كتاب
كبير من أجود ما صنف في بابه اسمه: (ذم الكلام).
وقال الشافعي
وأحمد وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم رحمهم الله تعالى: (ما أفلح صاحب كلام قط)؛ فهل
تنصح الطالب الناشئ؛ أن يدرس اعتقاده على هذه الطريقة؛ المقارنة والمخالفين؟ وقد
كان الأئمة الكبار ينهونهم عن سماع البدع؛ بل يمتنعون هم عن سماع آية أو حديث من
مبتدع! فالله المستعان.
إنما النصيحة
الصحيحة - لا الضعيفة - للطالب الناشئ (شاب نشأ في طاعة الله)؛ كما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
أ-
الإقبال على كتب أهل السنة والآثار عن السلف
الصالح رحمهم الله تعالى، وصحبة أهل السنة
الذين لم يتلوثوا ببدعة، ولا بمخالطة المبتدعة.
ب-
هجر أهل البدع
ومشايخهم وكتبهم.
ت-
البعد عن
الكلام والجدال، وكل كتاب ليس فيه أثر؛ فقد حذر الأئمة؛ أحمد وغيره من هذه الكتب رحمهم
الله تعالى؛ نصحوا - جزاهم الله خيراً - خير النصيحة، وما قصروا، ولكن قصر غيرهم!
وأما الفقه؛ أي
فقه الفروع؛ فعليك:
أ-
بفقه أهل الحديث من كتبهم التي صنفوها
لذلك بالآثار كلها؛ البخاري ومسلم وأبي
داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والموطأ ومصنف عبدالرازق وابن أبي شيبة؛
رحمهم الله تعالى، وأمثالها.
ب-
وعليك بأئمة
أهل السنة في كل زمن رحمهم الله تعالى، فإنهم نور الأرض، ومصابيح الظلام، وورثة
النبوة الذين لا يداهنون في الحق؛ أهل البدع.
ت-
ولا تضيع عمرك
في الجدال والمخاصمات، ومجالس القيل والقال، ومجالس الأخبار وغيرها، وأقبل على ما
ينفعك؛ فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وعمرك رأس مالك؛ فلا تضعه فيما
يضيعه!
قال الألباني:
ننصح الشباب
أن يتئدوا وأن يترووا، وألا يصدروا أحكاماً يبنونها على بعض ظواهر الأدلة.
قال الحداد:
1-
نصيحة مقبولة؛
نسأل الله تعالى أن يقبلها، وينفع بها.
2-
وننصح بها
ذاتها الناصح ذاته:
أ-
في فتاويه: فإن الكلمة
إذا خرجت؛ فإعادتها عسيرة؛ بل مستحيلة!
ب-
في تخاريجه:
فليس المهم أن يصل إلى مرتبة؛ كل حديث لم يخرجه الألبانى فليس بحديث! بل المهم هو الإتقان،
وباب هذا طويل، وغلطات المكثر كثيرة، ومن ذلك: المنهج في السلسلتين، ولذلك فكتابه
(إرواء الغليل) أجود منها؛ لأنه يخرج الحديث الواحد في موضع واحد؛ فيمكن معرفة
علله وفقهه، وإلا ففي السلسلتين عجائب؛ بسبب منهج إخراجها، فحديث الحبة السوداء
(859 و863 و1069 1819و1905) ومثله كثير؛ ثم قواعد مهمة كثيرة يترتب عليها التصحيح
والتضعيف لم تحرر، فكل ما انبنى عليها كذلك؛ منها قبول حديث الثقة مطلقاً، ورد
حديث الضعيف والمدلس المعنعن مطلقاً، ومنها رد قول الإمام الحافظ: (غير محفوظ)؛
بسهولة. فيقول المتأخر: (محفوظ): وليذكر هو وكل من يعمل في هذا العلم؛ أنهم سوف
يسألون أمام الله تعالى: لم ضعف، ولم صحح؟!
3-
وأزيد في
النصيحة بياناً، فأقول للشباب، ولغيرهم:
أ-
لا تصدروا أحكاماً أبداً!
بل اجعلوا الأحكام من السلف الصالح - أئمة أهل السنة رحمهم الله تعالى - حاكموا
الجميع على منهاجهم، وما كانوا عليه.
ب-
احذروا البدع
وأهلها، ومن يدافع عنهم.
قال الألباني:
اعتماد أهل
الحديث على رواية المبتدعين؛ بشرط الحفظ والثقة، فلم يحشروهم في زمرة الكافرين،
ولا من لا يترحم عليهم.
قال الحداد:
1-
نرد عليك بك؛
ففي هذا الشريط نفسه (370/2)؛ قلت: (يروون عنهم، ويحكمون بضلالهم).
2-
قولك:
(الكافرين، ومن لا يترحم عليهم) هل هو من عطف المغايرة؛ كما يفهمه من يسمعه؟ فإن
كان قد سقط كلامك السابق كله في مسألة الترحم: مسلم أو كافر: مسلم يترحم عليه،
وكافر لا يترحم عليه! وقد ظهر من كلامك هذا (كافرين ولا ..) أن من لا يترحم عليه؛ غير الكافرين.
3-
عجيب! بعد
خمسين سنة؛ لم ينصف الألباني أهل الحديث، ولم يحرر مذهبهم، وحكاه على هيئة الإجماع؛
دون الاختلاف، وهذا إما:
أ-
لعدم علمه بالخلاف.
ب-
لظنه أن الذين
خالفوا ليس لهم قيمة، ولا يعتد بخلافهم.
وكلا
العلتين بلية؛ فالخلاف مسطور في كل كتب المصطلح، وكل تراجم المبتدعين؛ يختلف فيهم
أهل العلم بين قبول ورد؛ ليس بسبب البدعة فقط؛ بل كذلك بسبب ترخصه في الأجرة على الحديث؛ قال أحمد رحمه الله تعالى؛ فيمن
يأخذ الدراهم على الحديث: (لا تكتب عنهم ولا كرامة)، وقال جعفر الفريابي وغيره من
أئمة أهل السنة؛ رحمهم الله تعالى: (لا أكتب عن أصحاب الرأي)، وقال أحمد رحمه الله
تعالى: (ثقة ولكنه صاحب رأي من أصحاب أبي حنيفة لا ينبغى أن يروى عنه) رواه ابن
أبي حاتم رحمهما الله تعالى في ترجمة أبى يوسف، وترك أحمد وغيره رحمهم الله تعالى
الرواية عمن أجاب في المحنة؛ ثم رجع بعدها، ومع ذلك ترك الرواية عنهم حتى بعد
رجوعهم، وهذا متواتر عنه.
لكن
رجوع الألباني إلى المختصرات في التراجم لا يفيد ما أفاد الرجوع إلى المطولات؛ بلى؛
حتى المختصرات كالتقريب؛ مع أنه معيب حتى بالنسبة لأصله المسمى بالتهذيب؛ ومع ذلك
يذكر كثيراً بدعة الراوي؛ لكن الألباني لا يرى قيمة لهذا التنبيه على بدعة الراوي؛
ففي شريط جدة (31/2/90) (مرجئ .. شيعي .. لا قيمة لها في الجرح) هذا قوله، ونعارضه
بقوله الآخر في هذا الشريط المشهور (490/2): (الثناء عليه بقصد تزيين منهجه فيه
تضليل لا يجوز).
ولا
أدرى ماذا يريد الألباني من محو ذكر بدعة المبتدع من كتب التراجم، وتراجمهم هي
المصدر الأصل في معرفة بدعتهم؟
بلى،
هذا الذكر للبدعة والمبتدع فيه فوائد كثيرة منها:
أ-
الأولى: أنه لا يجوز
ذكر المبتدع بالثناء الضروري وحده (ثقة .. ثبت ..) فإن هذا يوقع في محبته وحسن
الظن به وتزيين منهجه وتوقيره، ومن وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام!
ب-
الثانية:
ولهذا فأهل العلم - وهذا هديهم - كانوا لا يذكرون المبتدع إلا مع مذهبه غالباً؛
للتحذير منه: كأحمد والبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة والجوزجاني وغيرهم رحمهم الله
تعالى. وهذا لا يجهله إلا من لا يقرأ أو من لا يفهم.
ت-
الثالثة: وهذا
مهم جداً في الجرح، عندما يأتي مثل هذا المبتدع فيخرج رجلاً من أهل السنة، أو يتكلم
بكلام له في مسألة أو يدرج شرحاً لحديث يرويه.
4-
قد اختلف أهل
الحديث في رواية المبتدع والأخذ عنه؛ فيمن وصف بعلم وزهد وورع مع الثقة والضبط؛
حتى كان يسمى لحفظه (المصحف والميزان) ومع ذلك تركه لبدعته؛ إمامان من أئمة الجرح
والتعديل: (يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدى) بل وغيرهم؛ رحمهم الله تعالى! وقد
اختلفوا في رواية المبتدع على وجوه كثيرة جداً ألخصها:
أ-
لمن نسيها لطول العهد،
مع أن مثلها لا ينسى؛ لا سيما لمن يعمل في هذا العلم.
ب-
أو لمن لم
يرها لشغله بالمختصرات، مع أن المختصرات لا تصلح إلا لمن أتقن المطولات.
ت-
أو لمن لا
يتذكرها؛ لأنها تخالف مذهبه ورأيه! قال ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ في المنهاج: (الغالب
على أهل الحديث: لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ولا شهادته ... من أظهر
بدعته وجب الإنكار عليه بخلاف من كتمها، وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر
حتى ينتهى عن إظهار بدعته ومن هجرة ألا يؤخذ عنه العلم ولا يستشهد).
وأسوقها
له من كتاب مشهور له هو ما يسمى بتدريب الراوى وصاحبه لا يخفي أشعرية ولا غيرها:
(1) الاختلاف فيمن يكفر ببدعته؛ فلا يحتج به، وأكثر أهل العلم على ذلك. قلت: بل
أجمع أهل السنة على رده إذ لا يحتج برواية كافر! (2) الاختلاف فيمن لا يكفر ببدعته.
فذكر الخطيب عن مالك أنه لا يحتج به مطلقاً؛ لأن في الرواية عنه ترويجاً لأمره،
وتنويهاً بذكره، ولأنه فاسق ببدعته. قلت: هذا كلام متين فأين الألباني منه؟ ويؤيده
قول محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: لما وقعت الفتنة قلنا لهم: سموا رجالكم، فمن
كان من أهل السنة أخذنا حديثه، ومن لم يكن منهم طرحنا حديثه؛ فهذا هوالاختيار، لكن
عند الضرورة فبقدرها. وعلى قول مالك؛ أكثر الكبار كأحمد والبخاري وأبي حاتم وأبي
زرعة وغيرهم؛ ليس فى شيوخهم مبتدع يعلمونه؛ حتى قال البخارى رحمه الله تعالى: (رويت
عن ألف شيخ كلهم يقول: الايمان قول وعمل) (3) الاختلاف فى رواية المبتدعة الذين
يستحلون الكذب؛ ذكره الخطيب عن الشافعى رحمه الله تعالى فى الخطابية؛ لأنهم يرون
شهادة الزور، وكذلك قاله سفيان الثوري وابن أبى ليلى. ومثل الخطابية الرافضة؛ بل
قال الشافعى رحمه الله تعالى: ما رأيت أشهد بالزور منهم. قلت: فاذا ثبت أنه رافضي
سقط منه اسم الثقة؛ لأنهم يتدينون بالتقية! (4) الاختلاف فى رواية المبتدع الداعية
الى بدعته، وأكثر العلماء على أنه لا يكتب عنهم. (5) الاختلاف فى رواية المبتدع
اذا روى ما يقوي بدعته. (6) الاختلاف فى رواية من يسب السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ قال مالك: لا
ترووا عنهم, وبه قال يزيد ابن هارون وابن المبارك وشريك وغيرهم من أهل السنة رحمهم
الله تعالى. (7) الاختلاف فى رواية المبتدع لا مشتغل بالفلسفة والمنطق؛ رد روايته
ابن الصلاح وخلائق من الشافعية، وابن عبدالبر وعدد من المالكية، والقزوينى وعدد من
أصحابه، وابن تيمية وغيره من الحنابلة، ولهج الذهبى بذلك فى جميع تصانيفه. قلت:
فهذا ما فى التدريب بحروفه ملخصاً. ومن يتناول الصفات فهو من أهل المنطق والفلسفة؛
فإنما يتأولها بذلك لا بالآثار عن السلف الصالح رحمهم الله؛ فظهر لك بذلك؛ أن كلمة
الألبانى: (اعتماد أهل الحديث على رواية المبتدع بشرط الحفظ والثقة).
-
كلام غير علمي
في نفسه، وفيه تجهيل لأكثر علماء الحديث الكبار؛ كمالك والشافعي وأحمد، وقبلهم الثوري
وابن المبارك، وغيرهم عشرات من الأئمة رحمهم الله تعالى.
-
كلام غير سليم
في مراده منه؛ فإن المراد منه؛ التساهل مع أهل البدع، والصواب خلاف ذلك؛ فان
الرواية عنهم - حينذاك - ضرورة بشروطها وقدرها؛ فهل من أكل الميتة فى الضرورة؛
يتساهل معها فى غير الضرورة؟ وهل من أكلها في الضرورة؛ يتلذذ بمطعمها؛ أم يأكلها
متأففاً متعففاً؟ فالمحدث السني يقول:(حدثنا فلان وكان قدرياً).
وثمة
فائدة ذكرها ابن عدي في ترجمة ذلك الراوي الصالح: رشدين بن سعد
رحمه الله تعالى؛ ذلك أنه ترخص فى الأخذ عن راو فيه ما فيه؛ فلما فرغ مما
يريده منه؛ قال له: اتق الله يا شيخ، فإنك ما علمت لشيخ سوء! قال: وما حملك على الأخذ مني؟ قال: ألم يبلغك أن العلم يذهب، ويبقى فى
أوعية سوء، وأنت منها! فلم يعظمه لما معه، لأنه يعلم أن ما معه من الحديث؛ السنى
أحق به منه، وما مع المبتدع منه؛ فهو حجة عليه فى ذمه؛ لا حجة له فى مدحه.
تنبيه
أريده كي لا يفوت، وهو الفرق بين:
-
أخذ الرواية،
وأخذ الرأي.
-
أخذ الضرورة،
وأخذ غير الضرورة.
-
زمان الرواية،
وزماننا زمان الوجادة.
قال الألباني:
لا يشك عالم
مسلم بأنه مسلم، وليس هذا فقط بل عالم فاضل؛ هذا كلامه فى أبي حنيفة!
قال الحداد:
ما أدري ما
معنى هذا؛ إلا أحد أمرين:
الأول: جهله
بمن تكلم فيه، وهم يزيدون على المائة! ولا يجهل ذلك! ولا يجهله إلا من لا يقرأ! وإنما
أصابه الحول! كقصة البعير الأحول الذى يرعى جانباً، ويترك آخر! ويأخذ ماله ويدع ما
عليه! وظاهرة الحول متفشية فى الألباني، ومن ذلك صنيعه في (قصة مقتل عمار بن ياسر رضى
الله عنهما) نقل من الاصابة شيئاً، وترك مثله فى الأهمية! وكذلك فى (تخريجه حديث
بم تأخذ يا معاذ) نقل من المصادر؛ المرفوع، وترك بجانبه؛ الموقوف، وهو مثله فى
المعنى!
وها هنا نقل
فى ضعيفته: أقوال الأئمة فى تضعيف رواية أبي حنيفة لسوء حفظه، وأهمل ما معها من
كلامهم؛ في أمره من الإرجاء والخروج والرأي، والتجهم.
الثاني:
تضليله لهؤلاء الذين تكلموا فيه؛ بأنهم ليسوا (علماء مسلمين) ومنهم أيوب والثوري
ومالك وسفيان بن عيينة والأوزاعي وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشعبة وابن المبارك
والشافعي وأحمد وإسحاق! وقضية الكوثري وتنكيل المعلمي به معروفة! فهل هى كوثرية
جديدة من الألباني؛ للطعن فى السلف الصالح؛ بأنهم حسده فجرة لا يخافون الله! ولا
يحسنون جرح رجل واحد! فكيف يؤخذ عنهم؟
لكن حبك الشيء
يعمي ويصم، فأسد الليث يحشر عشرات الأسماء عند الكلام فى تضعيف الرواية، ويترك ما
بجنبها! فهل هذه أمانة! إن اللقاء بين يدي الله تعالى قريب، والله المستعان.
قال الألباني:
ومع ذلك قد خالف
السلف في غير ما مسألة.
قال الحداد:
1-
ما نوع هذه
المخالفات: بدعة، أو خلافات لا ضير على الدين منها؟
2-
ماذا صنع
السلف به في هذه المخالفات؟ لكن حبك الشيء يعمي ويصم، فالألباني يحشر عشرات
الأسماء عند الكلام فى تضعيف الرواية، ويترك ما بجنبها! فهل هذه أمانة؟ إن اللقاء
بين يدي الله تعالى قريب، والله المستعان.
3-
لم يستطع حذف ذلك؛
المزي ولا الذهبي ولا ابن حجر ولا غيرهم؛ أما أنت فسردت عشرات الأسماء فيمن تكلم
فى روايته. وهؤلاء جميعاً مع أضعافهم؛ قد تكلموا مع ضعف الحديث؛ في شيء آخر تركته
عمداً؛ بل الآن تنكره! فهل هذه هى الأمانة التي ائتمنك الله تعالى عليها؟ وإنك
لبين يديه عن قريب؟
4-
ما أسرع
تناقضك، قد قيل: إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً! فبعد لحظات من الكلام السابق؛ قلت في
هذا الشريط ذاته (420/1) محتجاً بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كفر
مسلماً فقد كفر).
فماذا
نقول لو ضممنا كلامك هذا؛ مع قولك في أبي حنيقة: (قد قال: من قال: أنا مؤمن إن شاء
الله؛ فليس مسلماً)؟
أما
أنت فسوف نتركك مع هذا التناقض؛ بين يدي الله تعالى.
وأما
نحن فنقول: لسنا خوارج؛ بل نقول: (من كفر مسلماً) هذا بقيد، وليس على إطلاقه، ولم
يقل أحد من أهل العلم أبداً؛ أن المرجئة الذين ينكرون الاستثناء من باب الشك؛ لم
يقل أحد من أهل العلم: إنهم كفار، ولا شبه كفار؛ بل مبتدعون مرجئة
قال الألباني:
لا شك أن هذا القول
بدعة في الدين.
قال الحداد:
ما اسم هذه
البدعة؟!
هي مزيج من
الإرجاء، والتكفير.
أما الإرجاء
ففي كتاب الشريعة للآجري رحمه الله تعالى بسندين صحيحين: عن إبراهيم النخعي
التابعي الفقيه رحمه الله تعالى: (لفتنة المرجئة أخوف عندي من فتنة الأزارقة) يعني
الخوارج!
وعن سفيان
الثوري رحمه الله تعالى: (دين محدث: دين الإرجاء)!
وانتبه إلى
كلمة: (دين)
فلو قلت
لمبتدع: أنت على دين باطل محدث!
أ-
فليس معناه سب الإسلام؛ فلا تقل كأستاذ
العقيدة في زماننا: (الفرق الإسلامية)!
ب-
وليس معناه
تكفير المبتدع؛كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه
وخلقه) والفاسق المبتدع: دينه غير مرضي؛ أي: تدينه.
قال الألباني:
لكنه ما أراد
البدعه؛ هو أراد الحق؛ فأخطأ.
قال الحداد:
1-
لنا الظاهر
ولله السرائر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم
لادعى أناس دماء أناس وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).
2-
من قصد السنة؛
قصد طريقها!
3-
(ما أراد البدعة) هذا من باب الجهل بما كان عليه السلف الصالح رحمهم
الله تعالى، والكذب عليهم؛ فهم لم يعتبروا في التبديع: قصداً، ولا إرادة؛ وإلا ما
بدع أحد قط؛ فما من مبتدع إلا وهو يقول: لم أرد البدعة، ولم أقصدها.
4-
الذي يريد
الحق؛ يتبع السلف؛ لا يخالفهم؛ فهذه علامة إرادة الحق.
5-
قد حكمت على
نفسك بمخالفة أهل العلم، واستدبار سبيلهم؛ فإنهم جميعاً سموا أبا حنيفة: (مرجئاً)،
ولم يقولوا مقالتك، (أراد، وأخطأ) وقد اطلعتَ على قولهم حينما نقلت من تاريخ
البخاري وغيره؛ أمر تضعيف الرواية. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
6-
أنت تكرر
كثيراً في كتبك وأشرطتك ومجالسك؛ قصة عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه؛ حينما
أتى على قوم يسبحون على الحصى؛ فقال رضي الله تعالى عنه: لأنتم على ملة هي أهدى من
ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لأنتم مفتتحوا باب ضلالة! قالوا: يا أبا
عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير! قال رضي الله تعالى عنه: وكم من مريد للخير لا
يبلغه. ففي بدعة واحدة فقط - بدعة التسبيح بالحصى - يقول الفقيه العالم عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه؛ هذا القول الشديد؛ فكيف ببدع أبي حنيفة؟!
وأنت:
أجبار في بدعة تسبيح الحصى؛ خوار في الإرجاء والخروج والتجهم؟!
قال الألباني:
ففتح هذا
الباب من التشكيك في علماء المسلمين؛ سواء من السلف أو الخلف، ومخالفة لما عليه
المسلمون }وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيراً{.
قال الحداد:
1-
حكم الألباني
على نفسه؛ بالمثال الذي يذكره كثيراً: (رمتني بدائها وانسلت)، ولكن أقول بقول الله
تعالى: }وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوإِثْماً
ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً{
2-
صدق الله،
ولعنة الله على الكاذب؛ فلننظر من الذي يشاقق؟ أيوب والثوري وابن المبارك والأوزاعي
ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وغيرهم؛ ممن سردنا لك بعض أسمائهم قبل قليل؛ حتى قال
ابن أبي داود: هو إجماع.
أليس
هذا سبيل المؤمنين؛ فمن غيرهم تسلك سبيلهم؟ أجبني؟
وماذا
قال هؤلاء؟ كلهم طعنوا في أبي حنيفة! فهل تقول بقولهم؛ فتصير في سبيل المؤمنين؟
3-
ما الفرق بينك
وبين الكوثري الذي طعن في سلف الأمة، وعلمائها؛ ليفعل ما فعلته أنت الآن؟ من أجل
هذه الدعوى بعينها! فقيض الله له المعلمي فأبطله!
4-
تحرف وتزور وتنكر
ما قرأته بعينك، ولكن ما وعاه قلبك المقفل أبداً؛ فلا جرم أن تصنع هذا، وتُعرف به فتسقط،
وقد قيل من هم أن يكذب في الحديث؛ فضحه الله. فكيف بمن لا يؤدي الأمانة؛ فالعلماء
لم يقتصروا في الرواة؛ على حالهم في الرواية؛ بل اهتموا جداً بحالهم في الدين،
والسنة.
قال الألباني:
من بدع مسلماً؛
فإن لم يكن مبتدعاً؛ فهو مبتدع.
قال الحداد:
1-
هذا بشروط يعرفها
كل سني، ويضل عنها كل مرجئ، وخارجي.
2-
ومثل ذلك ما
عرفه أهل السنة رحمهم الله تعالى، وأجمعوا عليه؛ بأن من لم يبدع المبتدع فهو مثله،
ومن مدحه وماشاه؛ فهو مثله. قال الثوري رحمه الله تعالى: ما حال الربيع بن صبيح؟
فذكروا من حاله؛ غير أنه يجالس القدرية، هو قدري.
3-
وأما من اتخذ
أصلاً عدم تبديع أحد؛ فهو مرجئ مغال في الإرجاء؛ يقول: (الأصل الإسلام) و(مسلمون وكفى)،
وهو مكذب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة
كلها في النار إلا واحدة).
4-
صنعت صنيع الكوثري؛
تبدع الأئمة كلهم لينجو لك أبو حنيفة! فكلهم قالوا: مرجئ يرى السيف! وأنت تقول: من
بدعه فهو مبتدع! هنيئاً لك بصحبة الخوثري!
قال الألباني:
شبابنا يبدعون
العلماء، وهم الذين وقعوا في البدعة.
قال الحداد:
1-
أما شبابك
الذين ربيتهم على (التصفية والتربية ) فمقلدون لك: شبراً بشبر. وأما الذين لم
يتربوا على (التصفية والتربية) وهم الذين تقصدهم بهذا الكلام؛ فما عليهم من كلامك؛
وشيوخ أهل السنة؛ كالثوري وأحمد وغيره رحمهم الله تعالى؛ هم الذين بدعوا الحسن بن
صالح وداود بن علي. وشيوخ أهل السنة خير منك، ولست تصلح للدخول في ميزان معهم، فما
وزن الذرة إلي الجرة، والحمل إلى الجمل! فشباب أهل السنة تبع لشيوخ أهل السنة.
2-
الأتباع لا
يفرقون بين متماثلين، ولا يجمعون بين ضدين، ولا يتلاعبون بدينهم، ولا يخالفون
السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
3-
قولك: (العلماء)
كذا على الإطلاق على طريقة التهويل والإرجاف والإرجاء! هلا قلت: (بعض)!
4-
ثم هل شرط
المبتدع عندك؛ ألا يكون من العلماء؛ فالعلماء عندك معصومون من البدعة؟ هذا خلاف ما
عليه أهل العلم جميعاً، بل خلاف القرآن }وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ
آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ
الْغَاوِينَ وَلَوشِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ{ وكأن من قيل فيه عالم؛ لا يقع في بدعة، ولا يسمى مبتدعاً أبداً! وكأن
من قيل فيه عالم؛ قد أخذ شهادة وموثقاً من الله تعالى؛ أنه لا يسمى مبتدعاً أبداً!
هذا
على أصل قول الإرجاء: لا يضر مع الإيمان معصية! فعليه عند المرجئة الجدد: لا يضر
مع العلم بدعة! مع أن هذا ينقض بعضه بعضاً: فالإيمان ضد المعصية، والعلم حجة على
البدعة! وأولى الناس بالتبديع من قيل فيه عالم، وهو قد خالف السلف الصالح رحمهم
الله تعالى، وإلا فلا مبتدع على ظهر الأرض!
5-
الكوثري عالم -
على قولك - فلماذا تبدعه، وهو يفوقك في العلم بكثير؟!
6-
ثم ما معنى
قولك (شبابنا) في مقابل (العلماء) ؟ معناه تحقير الشباب، وتعظيم أهل البدع. كأن
العالم لا يكون شاباً أبداً؟! وكأن الشباب صفة نقص؟! هذا عمر رضي الله تعالى عنه
يستشير الشباب، وهذا عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى؛ يقول: الأصاغر أهل البدع.
وهذا أحمد ينكر من يقول في أبي زرعة رحمهما الله تعالى: (شاب) لأنه لما نصر السنة؛
لم يجز تحقيره.
7-
شبابك لا
يبدعون أحداً إلا العلماء! الذين تكلموا فيك!
8-
شباب أهل
السنة لا يبدعون علماء أهل السنة، بل يوقرونهم فوق ما تظن؛ رحمهم الله تعالى، وجزاهم
عنا خير الجزاء.
قال الألباني:
لا يتطاولون على
من لا يقرونون بهم علماً وفهماً وصلاحاً.
قال الحداد:
1-
هذا الكلام
ذاته موجه إليك؛ حينما رددت كلام ابن تيمية رحمه الله، وحين تكلمت في محمد بن
عبدالوهاب رحمه الله تعالى؛ أنه ليس بعالم في الحديث؛ لحديث ظنه صحيحاً، وقد صححه
من هو عندك الحافظ المقدام الذي لم يأت بعده مثله! (ابن حجر)، وما أكثر ما تقلده
في تقريبه!
2-
فينبغي عليك طالما
أنك لا تقرن بهم؛ أن تسلم لهم، ولا تخالفهم في أي مسألة؛ لأنهم أفهم منك، وأعلم
وأصلح؛ بإجماع أهل العلم. وهذا هو عين التقليد المذموم الذي تنهي عنه وتقع فيه، وتوقع
فيه من يقول بقولك!
3-
ليس شرط
التجريح عند علماء الحديث الذين عاشرتهم أكثر من خمسين سنة؛ يكون الجارح فوق من
جرحه علماً وفهماً وصلاحاً؛ فالعبرة بما قال؛ لا بمن قال. وكذلك ليس من شرط الناصح
أن يكون الناصح خيراً من المنصوح.
4-
العلم والفهم؛
لا يرفع وصف البدعة؛ بل يزيدها، لأنه لو صدق في علمه وفهمه وصلاحه؛ لجنبه الله
تعالى البدعة، والوقوع فيها. والخوارج: قد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لصحابته رضي الله تعالى عنهم؛ خير قرون هذه الأمة: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم)
الحديث؛ ثم قال: (شرار الخلق)
5-
على قولك:
تبطل الحدود والعقوبات، إذ لا ينبغي التطاول على من هو خير منك علماً وفهماً
وصلاحاً؛ حتى لو قام عليه حد أو عقوبة!
6-
التطاول نوعان:
بحق وهو الواجب، ويباطل وهو المذموم؛ فإن كان بحق؛ فالمتطاول بطل عظيم؛ لأنه صبر
على أذى مثلك، وطعنك في عرضه؛ أنه يريد الظهور وأنه يطعن في العلماء.
قال الألباني:
أهل الحديث
يحكمون بضلال المبتدعة، ولا يكفرونهم .. يروون عنهم، ويحكمون بضلالهم.
قال الحداد:
وهذا ما نريده؛
فإن تركت قولك الأول إلى الثاني - وكلاهما في مجلس واحد - فهذا ما نقوله بالحرف!
ونطالبك أنت وغيرك بتطبيقه.
قال الألباني:
فمن مثل
النووي وابن حجر اليوم؟
قال الحداد:
1-
هؤلاء لم
يكونوا اليوم، بل كانوا أمس، وأنا أعطيتك أمس؛ بل أول أمس خيراً منهم؛ بإجماع أهل
العلم: الحسن بن صالح، وداود بن على وغيرهما؛ فانظر قول أهل السنة فيهم.
2-
وهل صاروا
هكذا عندك إلا بالنقل عمن قبلهم؛ فمن قبلهم. فابحث عن قول السلف في أمثالهم؟
3-
ثم الميزان
ليس هو العلم وكثرته؛ بل السنة واتباعها؛ فالعامي السني أفضل من مئات المبتدعة
العلماء بإجماع أهل العلم. مر رجل فقير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما
تقولون في هذا؟ فقيل: هذا حري إن خطب ألا
ينكح، وإن شفع ألا يشفع. فمر رجل غني؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما
تقولون في هذا؟ فقيل: هذا حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع. فقال رسول الله صلى عليه
وسلم: (هذا خير من ملء الأرض من هذا)!
4-
ثم من الذي
ذكر لك ابن حجر والنووي إلا المرجئة المرجفة، الذين يريدون الشناعات ونطح الدين؛
لا نصح الدين.
5-
نحن نسألك أنت
وغيرك؛ مسائل عامة: متى يصير المرء مبتدعاً؟ فإن أحسنت الجواب على هدي السلف
الصالح رحمهم الله تعالى؛ فطبقه، ودعك من الشناعات؛ فالإيمان قول وعمل.
6-
ثم ما هذه
العصبية؟! وأنت لا تتعصب بعضها لمن هو خير منهما؛ كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب
رحمهما الله تعالى؟!
7-
وأخيراً: قد
قلت عنهما (أشاعرة)، وقلت في الأشاعرة: (الأشاعرة ضلاَّل)!!
قال الألباني:
وسيد قطب نحن
نُجله على جهاده.
قال الحداد:
1-
الجهاد ليس هو
مقياس الإجلال، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (تحقرون صلاتكم
مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وجهادكم مع جهادهم) ومع ذلك فهم "يمرقون من
الدين" "شرار الخلق".
2-
وسبق ما ذكر
عنه صلى الله عليه وسلم: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"
والإجلال هو التوقير.
3-
تجله على
جهاده، وأنت لا تقر الخروج على الحكام أياً كانوا، ولا التنظيمات السرية والانقلابات؛
إلا بعد التصفية والتربية! ما هذا التناقض؟
4-
تجله على
جهاده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الجهاد أن تجاهد نفسك
وهواك في ذات الله"؛ فهل جاهد هذا الرجل نفسه، وهواه واتبع السنة؟! بل هل
جاهد نفسه وهواه؛ فأطلق لحيته، وترك التشبه بلباس الكفار من السروال، أو أمر أخته
ومن حولها بحسن التستر؟! عائشة رضي الله عنها؛ تقول في صحابي لما وقع في بيع
العينة: "أبطل جهاده"، والذي غل أبطل جهاده؛ حتى قال صلى الله عليه
وسلم: "هو في النار" لعباءة فقط غلها؛ فكيف بمن غل الدين، وغل منهاج أهل
السنة؟
وقع
في كتاب المفسرون للمغراوي في ذكر تأويلات ابن قطب: (وجاهد في الله حق جهاده) قال
المغراوي: لم أكتب هذا، إنما كتبها الناشر داخل الكتاب! (حق جهاده)! فحسبنا الله
ونعم الوكيل.
5-
أعمال المبتدع
غير مقبولة، ولو كانت مقبولة لهداه الله بها؛ قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا {فمن
لم يهتد لسبيل أهل السنة؛ فاعرف أنه وجهاده؛ ليس في الله تعالى.
6-
لو نجح هو وأمثاله
في جهادهم المزعوم؛ هذا الذي لا تسميه أنت جهاداً؛ بل بدعة الانقلابات! لو نجحوا:
فما مصير دولة يكون هذا، وأمثاله رؤوسها!؟ وربما جعلوك لمحبتهم لك مفتيها! أنت
نفســك تقول في شريط: (الإخوان أعداء أهل السنة). فتراهم ماذا يصنعون؟! لن يكونوا
خيراً من دولة ابن أبي دؤاد! فالله أعلم من ابن أبي دؤادها؟
7-
(نجله على جهاده)! لا والله؛ بل تجله على أشياء أخرى أيضاً؛ فلذلك
نقلت عنه صحيفة كاملة، وزيادة سميته في أولها (الأستاذ الكبير) في كتاب (مختصر
العلو) وهو ينكر العلو! ولطالما أثنيت على كتبه؛ كالمعالم وغيرها! وهي مخرج فرقة
التكفير! ولك شريط في المنع من ذكر المطاعن فيه؛ يا شيخ التصفية! فيبدو أنها تصفية
السنة من السنة!!
8-
لست وحدك على
هذا؛ فهناك شيخ آخر (بكر أبو زيد) جنَّد قلمه للدفاع عنه، وأيضاً يسمي أخاه محمد
قطب (المجاهد الكبير)، ولا يتحرج من اللفظ بذلك! وثالث، ورابع: (المجاهدين). والله
المستعان.
9-
قد قلتَ في
شريط (606/1/50) إن الإخوان أعداء السنة، وابن قطب من كبار رؤوسهم ورموزهم.
قال الألباني:
أشياء قليلة
تخالف المنهج السلفي.
قال الحداد:
1-
كأنها أشياء
قليلة؛ بل هي عظائم!
2-
فما بالك تهون
من المخالفة؛ هذا طريق المرجئة؛ لا يقولون: بدعة أو ضلالة؛ بل يقولون: أخطاء،
وانحرافات، ومؤاخذات!
3-
فسموا الأشياء
بأسمائها، ولا تسمونها بما يهونها؛ كالقوم الذين يستحلون الخمر؛ (يسمونها بغير
اسمها).
4-
وعظموا من أمر
الله تعالى؛ ما عظم (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
5-
لقد وصل بك
الإرجاء مداه؛ حتى اعتذرت له (470/2) عن وحدة الوجود؛ فقلت: هل انعقدت في قلبه؟ هل
أقيمت عليه حجة؟!
وهذا
كله باطل، وقلبه لا سلطان لنا عليه، ولا نعرف ما فيه، ولم نؤمر بشق صدره، وإنما
كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: لنا الظاهر والله يتولى السرائر. قال ابن عبدالبر رحمه الله: أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن السرائر إلى
الله عز وجل. (التمهيد 10/157)
لعلك
تقول: لم يكن فيها كابن عربي؟! ربما؛ لكن كان من أتباعه؛ فهو يتكلم عنها؛ على علم
بها (6/3479)؛ قال: (ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى وهاموا بها
وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى: بعضهم قال: إنه يرى الله في كل شيء. وبعضهم قال:
إنه رأى الله؛ فلم ير شيئاً غيره في الوجود. وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة؛ إذا
تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة فى هذا المجال؛ إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه
الإجمال؛ هو أنهم أهملوا الحياة). هذا ما أخذه عليهم فقط! الكفر الصريح في
الحلولية ووحدة الوجود لا يأخذه عليهم؛ بل ينكر فقط ألفاظاً قاصرة؛ أما المعانى
فصحيحة!
6-
هو أكبر مدرسة
تخرج منها الخوارج فى هذا العصر؛ حتى يصح أن يقال: إنه إمامهم! فالتكفيرون فى مصر
وغيرها؛ ما خرجوا إلا من ظلاله ومعالمه خاصة، ومن مصطلحات المودودي وغيرها. والإخوان
أنفسهم يعترفون بذلك عندما رد صاحبهم الهضيبي والقرضاوي على اتباع ابن قطب.
7-
هو يؤول؛ بل
يعطل جميع صفات الله جل وعلا؛ قال فى تفسيره لسورة الزمر: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) قال:
(وكل وما ورد فى القرآن وفي السنة من مثل هذه؛ إنما هو تقريب للحقيقة، فالله تبارك
وتعالى؛ وضعها في أسلوب يقرب بها ويمثل). وهذا بعينه كلام الزمخشري - من أئمة
المعتزلة - صاحب الكشاف والأساس والفائق، والكتابان الأخيران منقولان بالحرف من
ابن قتيبة وغيره؛ مع تحريف الاعتزال! ويقول (6/3480): (التأويل لا ينبع من مقررات
وتصورات من عند أنفسنا، إنما يستند إلى مقررات القرآن ذاته، وإلى التصور الذي
يعطيه عن ذات الله سبحانه وصفاته). هذا غير تأويل الاستواء بالاستيلاء، وتسمية
الله تعالى بأنه المهندس الأعظم، وأنه صنع أي (خلق) القرآن، وأن الكون بريشة فنان
عظيم والقرآن (سيمفونية) أي معزوفة (موسيقية) رائعة الأنغام! وبعض هذا تجده في
كتاب (المورد الزلال)، ولم يستوعب!
8-
في آخر أوراق
تفسيره؛ قال عن حديث السحر الذى رواه البخاري ومسلم؛ مع إقراره أنه صحيح روياه:
(يخالف القرآن، وأصل العصمة) و(أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها فى الاعتقاد) فى سطرين
فقط يرسي أكبر قواعد الاعتزال فى رد الأحاديث الصحيحة.
9-
هو يطعن في عثمان
ومعاوية رضي الله تعالى عنهما؛ صراحة بالاسم في كتابه الذي أسسه على الطريقة
الاشتراكية (العداله الاجتماعية)؛ فعثمان رضي الله عنه؛ يأخذ من بيت المال ويعطي
أقاربه ويصنع ويصنع ..كلام؛ لو كلفت رافضياً أن يكتب؛ لما كتب أقبح منه، والكتاب
منشور عشرات النشرات! وغير هذا كثير حتى يصدق عليه ما قلته: (فيه ال (72) فرقة،
وليس فيه أهل السنة).
10-
أما أصحاب
الألباني فيجدون فيه لفتات رائعة في منهجه؛ كما قال علي الحلبي! وأما مدرس العقيدة
- إي والله العقيدة - فيقول عنه: (هو أفضل من تكلم في التوحيد) القائل هو: (سفر
الحوالي). قال أئمة أهل السنة: أحمد وقتيبة بن سعيد وأحمد بن عبدالله بن يونس وعبدالرحمن
بن مهدي وأبو بكر بن عياش وغيرهم؛ رحمهم الله تعالى: (إذا رأيت الرجل يحب الجهمي؛
فاعلم أنه جهمي).
11-
وهو يقول:
بقول الجهمية والحلولية والخوارج والـ (72) فرقة!
فإذا
قلت: لا؛ فإما أنك لم تقرأ؛ فهذا جدال بالباطل. وإما أنك قرأت، ولا يعمى عن الحق
إلا من لا يعرفه.
وإن
قلت: نعم؛ فالرجل داعية إلى بدعته بما سطره من كتب فيها. فحينئذ لا يجوز لك تداول
كتبه ولا مدحها، وقد خرج منها الخوارج والجهمية وغيرهم، وقد سبق قريبا أن الداعية
إلى بدعته؛ قد قال كثير من أهل العلم: لا يقبل حديثه؛ فكيف بالداعية، وليس معه
حديث؛ إنما هو الرأي؟ وقد أجمع أهل العلم على عدم جواز بيع كتب الرأي والكلام
والبدع، وانظر الحكمية لابن القيم؛ ففيه نقولات عن الأئمة رحمهم الله تعالى. فمن
قال: يجوز بيعها مع بيان ما فيها!
فقل
له: من بين؟ أنت بينت كل ما فيها، أو حتى عشر ما فيها! أنتم كثرة، ولكم مطابع
ومكتبات وأموال؛ فمن منكم طبع الظلال مع التعليق على ما فيه من الضلال! مع أن
التعليق لا يجوز؛ إذ سيحذفه كله؛ لو صدق!
12-
ما أري هذا
الدفاع والجدال عن ابن قطب وجنسه؛ إلا لسبب واحد: هو الإرجاء أو الإعجاب به؛ بسبب
دعوته للخروج على أهل الأرض أجمعين؛ لأنهم في جاهلية أشد من الجاهلية الأولى؛ غلو عجيب
فيه؛ جعل ابن سرور يوزان في كتابه (المنهج) بين ما عذب به هذا، وعذب به خليل الله
تعالى صلى الله على نبينا وعليه وسلم؛ في طريقة تجعلك تحقر أمر هذا الدخيل! فوالله
لينكشفن الأمر عن عجب عجاب؛ يبهر الألباب، ويعرف فيه السني الخالص؛ من المبتدع
المرتاب. والله المستعان.
قال الألباني:
من الظلم أن
يقال عنهم: إنهم أهل بدعة. يقصد: النووي، وابن حجر.
قال الحداد:
1-
من الظالم؟!
بعد لحظة من هذا الظلم؛ قلت عن ابن حجر والنووى: إنهما من الأشاعرة، وقد ذكرتَ
مراراً حينما رجحت اسم السلفية؛ أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة، وعلى هذا إجماع
أهل السنة في كل عصر، ولكنك داريت؛ ففي كتاب الشيباني عنك من كلامك (1/386) ذكرت: (أهل
السنة من الأشاعرة والمحدثين)!
ما
أوسع دينك؛ حتى وسعك فيه أن تنسب إليه ما ليس منه! وفي هذا العصر خصوصاً حدثت قصة
صابوني الأشاعرة، وهو غير صابوني السنة؛ صاحب الرسالة في عقائد أهل الحديث؛ فصابوني
الأشاعرة؛ كتب مقالاً في فضلهم، ونقل فيه نقلاً عزاه إلى ابن تيمية؛ في أن
الأشاعرة هم أنصار أصول الدين؛ فقام أهل السنة عليه أشد القيام، وفضحوا أمره،
وزيفوا نقله؛ أنه ليس من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإنما هو من نقله عن
أشعري؛ فإن ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ وصف الأشاعرة بأنهم مخانيث المعتزلة، وأن
الأشعري بعد توبته؛ قد بقي عليه من الاعتزال! تعرف معنى مخانيث؟!
قد
نقل ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ في فتاويه (6/358و359) عن غيره أن الجهمية: ذكورهم
المعتزلة، ومخانيثهم الأشاعرة، والمخنث هو ما لا يتميز؛ أذكر هو أم أنثى؛ فالمعتزلة
صريحون في تجهمهم، والأشاعرة يتسترون بالسنة؛ بل سلبوا اسم (أهل السنة) من أهلها،
وخصوا أنفسهم به زيادة في التضليل، وهم معتزلة في كثير من الأصول والفروع، وأكثرهم
يقول بخلق القرآن، وينفي العلو وغيره من الصفات. وأنت نفسكَ قلت هاهنا (370/2):
(أهل الحديث يروون عن المعتزلة والخوارج ويحكمون بضلالهم ولا يكفرونهم)؛ فمن
الظالم أو المتناقض؟
وحينما
وصفت الإخوان (380/1) أنهم ليسوا من أهل السنة؛ لأن الخلاف في الأصول. فكيف يكون
الأشاعرة؛ أهل سنة؟! وإنكارهم صفة واحدة؛ جاء من مخالفة في الأصول!! فأهل السنة:
الأصل عندهم - فيما صح - لا تأويل ولا تفويض، وغيرهم (لا يصححون) ولو صح (فالتواتر
لا الآحاد) ولو صح (فالتفويض أو التأويل)! والأشاعرة وافقوا أهل السنة في صفات،
ووافقوا المعتزلة في صفات! فماذا يصيرون؟ يقول بعضهم: من أهل السنة فيما وافقوا،
ومن المعتزلة فيما وافقوا! نقول: اليهود والنصارى وافقوا المسلمين في أمور،
وخالفوهم في أمور؛ فهل نقول: هم من المسلمين فيما وافقوا؟! ولا نكفر أهل البدع غير
المكفرة، فلينتبه صاحب القلب المريض! إذا ليس هناك مبتدعة؛ ولا كفار، وليس بعد هذا
غلو في الإرجاء.
2-
من الظالم؟
أهل السنة الذين أجمعوا على أن من لم يؤمن بأن الله في السماء فوق العرش بذاته
وينزل بذاته وغير ذلك؛ من أول صفة واحدة؛ فهو جهمي. وقد وصفوا بالبدعة قوماً خيراً
من السلف غير الصالح. فالسلف نوعان: صالح، وهم أهل السنة، وغير صالح، وهم أهل
البدعة. فوصف السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ قوماً فيهم من العلم والعمل والفهم
والصلاح؛ وصفوهم بالبدعة لشيء أقل بكثير من تأويل صفة!
فانظر
كلام أهل السنة في: طلق بن حبيب ومسعر والحسن بن صالح! فأهل السنة ظالمون على
قولك! قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)؛ فأهل
السنة فرقة، وأهل البدع ثنتان وسبعون فرقة؛ فمن لم يكن من أهل السنة؛ كان من
الثنتين والسبعين؛ لكن يبدو أنك تقول بالمنزلة بين المنزلتين! لا أهل سنة، ولا أهل
بدعة!
ربما
تقول - كما قلت من قبل -: ليس كابن عربي! فنقول: ليس فلان؛ كبشر المريسي! فما أوسع
علمك بالفرق! وهل كل الجهمية ؛كبشر، وهل كل المعتزلة؛ مثل واصل بن عطاء؛ بل أهل
السنة؛ كالصحابة رضي الله تعالى عنهم!
إنها
درجات في الخير، أو دركات في الشر، وقد يكون الذي في دركة أدنى؛ أكثر إضراراً ممن
هو فوقه؛ لانكشاف الأخير. فالشيعي الذي يفضل علياً على عثمان دون سب ولا لمز؛ لا
لعثمان ولا لمعاوية رضي الله تعالى عنهما؛ فهذه أدنى درجاته، ثم يزيد يزيد حتى ترى
أعلى فرق الشيعة من الرافضية والباطنية والقرامطة وغيرهم.
فأين
أنت من قول أهل السنة في الإيمان؛ أنه يزيد وينقص! حتى تذهب إلى قول الإرجاء: لا
يصير مبتدعاً جهمياً؛ حتى يقول بكل قول جهم!
ما
قال بهذا من أهل العلم أحد أبداً، ومن قال به خرج من أهل العلم؛ إلى أهل الجنون! فقد
أجمع أهل العلم على أن من قال: القرآن مخلوق، أو إن الله تعالى ليس على العرش
بذاته، ونحو ذلك من الصفات؛ أنه بقول واحد يصير جهمياً! وهذه كتب السنة بين يديك
فهات ما يخالف ذلك.
(من الظلم) إن هذه الكلمات كما فتحت باب الإرجاء؛ فتحت باب (أهل
العدل) القدامى والمعاصرين! فالعدل في الشرع هو التسوية بين المتماثلين؛ كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظالمين: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق
فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) فحد السرقة على من سرق
ليس للشرف فيه ولا للضعف؛ مكان ولا عذر؛ بل الشريف أولى بالعقاب من الضعيف؛ لأنه
ينبغي أن يحجزه شرفه عن هذه الوضاعة! وأهل السنة سموا كثيراً ممن عرف بفهم وعلم
وصلاح بزعمه؛ سموهم مبتدعة؛ فهم أولى بهذه التسمية من العوام الذين لم يعرفوا بفهم
ولا علم ولا صلاح! ماذا ترى القبورية؟ لا شك أنها كفر صريح بالله رب العالمين:
يدعون غيره، ويشركون به؛ فهل ترى علماءهم؛ من الظلم أن يقال: أهل بدعة، وعوامهم
أهل بدعة؟ أو ترى علماءهم مبتدعة، وعوامهم غير مبتدعة؟ أو ترى علماءهم غير مبتدعة،
وعوامهم مثلهم؟ أو ترى علماءهم غير مبتدعة، وعوامهم مبتدعة!
لا
مخرج لك من هذه الأوصاف! وأيها أخترت - غير الأول - سقطت في وهدة ما لها نهضة؛ إلا
أن يشاء الله رب العالمين!
فإذا
اخترت الأول أو الثاني سقط قولك في الظلم! وإذا اخترت غير الأول؛ فهو الإرجاء
الصريح!
3-
من الظلم أن يُسمى
من أهل السنة؛ من يقول عنهم: إنهم ظالمون؛ حينما بدعوا الحسن ابن صالح، وأمثاله.
من
الظلم أن يُسمى من أهل السنة؛ من يوافق فى تبديع المتقدمين، ويخالفهم فيمن هو مثلهم
من المتأخرين!
من
الظلم أن يُسمى من أهل السنة؛ من يريد أن ينجي أهل البدع؛ بظلم أهل السنة.
من
الظلم أن يُسمى من أهل السنة؛ من يسمي عوام الأشاعرة والرافضة مبتدعة، وعلماؤهم
أئمة لأهل السنة.
نضرب
لك مثالاً بك: أنت تتكلم فى الغمارى والكوثري وغيرهما أنهم ضلال؛ مع اعترافك بما
عندهم من علم وفهم، وربما عبادة. وهم يتكلمون فيك؛ أنك مشبه وهابي ضال. فمن قال:
من الظلم أن نقول عنهم: إنهم ضلال؛ فمعناه أن عدوهم هو الضال! والجهمية يقولون
عنا: مشبهة ومجسمة وحشوية! ونحن نقول فيهم: جهمية! فمن قال: من الظلم أن نقول عنهم
جهمية. فقد أقر أن عدوهم مشبه مجسم! والجهمية يقولون عن أهل السنة كما سبق، وأهل
السنة يقولون: من لم يقل: إن الله فوق العرش بذاته؛ فهو جهمي! فمن قال عمن يقول:
لا أعلى ولا أسفل، ولكن علو مكانة لا مكان؛ من قال عنه: إنه من أهل السنة؛ بل من
أئمة أهل السنة؛ فمعناه أن أهل السنة عنده؛ هم الجهمية!
قال الألباني:
إنهما من
الأشاعرة (النووي وابن حجر).
قال الحداد:
1-
الإرجاء على
درجات؛ بل دركات:
الأولى:
عنده أخطاء، وعليه مؤاخذات، وله انحرافات.
الثانية:
فيه أشعرية؛ فيه تجهم؛ قال بقول الأشاعرة؛ ليس بأشعرى ولا جهمي!
الثالثة:
أشعري، وليس بمبتدع! فبعضهم يقول: سني، وبعضهم يقول: ليس بسني ولا بدعي؛ بل إمام!
الرابعة:
جهمي جلد، ولكنه معذور مأجور؛ اجتهد فأخطا فله أجر!
فانظر
ماذا عندك، وعند أصحابك: هل هي واحدة أو كلها؟ بل كلها!
2-
بعض الناس
يقول كقولك في إثبات الأشعرية لهما، ومن أدلته على ذلك:
أ-
وضوح ذلك جداً في شرح
الصحيحين؛ كما قال محمد بن عبدالوهاب وابن عتيق وابن سحمان وغيرهم من أئمة الدعوة
في نجد رحمهم الله تعالى؛ مع ما في الشرحين من غير ذلك؛ حتى التبرك بالآثار وفي
شرح البخاري (3/66) في مسألة شد الرحال قال: (هي من أبشع المسائل عنه) يعني ابن
تيمية؛ رحمه الله تعالى!
ب-
المخالفة
للأشاعرة في مسائل؛ لا تعني أن المخالف ليس بأشعري، وليس من شرط الأشعري أن يقول
بكل قول إمامهم. ومحمد ويعقوب خالفا أبا حنيفة، وهما صاحباه. وأئمة مذهبه بعده. قال
الدبوسي وغيره: (خالفا أبا حنيفة في ثلثي المذهب)! ومع ذلك فقولهما معتبر في
المذهب، ولم يخرجا عنه!
أما
أهل السنة فمن خالف في صفة واحدة مما أجمعوا عليه كالعلو والنزول وغيرها؛ فقد
أجمعوا على أنه ليس من أهل السنة، فكيف إذا خالف في صفات؟!
3-
إذا كان المرء
من أهل السنة بصدق، وله كلمة ومنزلة؛ فإنه يسعى لنشر السنة والجهر بها؛ لا يشتري
بها دنيا ولا منصباً؛ فلو اشترى ذلك لصار من ضلال الناس؛ لا أئمتهم في الهداية؛
فأين الدعوة إلى السنة في أكبر أبوابها، وهو الأسماء والصفات؟
4-
إذا كان المرء
من أهل السنة، وعرف عنه بعض ذلك؛ جفاه أهل البدعة؛ فلا منصب ولا شيء، فهذا ابن
ناصر؛ فقط كتب (الرد الوافر) في أن ابن تيمية رحمه الله تعالى قال عنه كثير من المشاهير؛ أنه
شيخ الإسلام، ولم يقل ابن ناصر: أنا على مثل عقيدته! فأوذي بسبب كتابه هذا حتى
مات!
قد
تقول: إن إقراره أن ابن تيمية رحمه الله تعالى شيخ الإسلام؛ إقرار لعقيدته! هذا
فهم السذج؛ فإنك لو تصفحت أسماء من أقر له بهذا اللقب؛ لوجدت فيهم بعض أعدائه، وما
لنا نذهب بعيدا: السيوطي يمدح ابن عربي، ويمدح ابن تيمية الذي كفر ابن عربي! ففي
القوم من يصلح عندهم هذا وذاك، وهذا فعل المرجئة! لا يضر مع العلم شيء!
5-
إذا اعترف
المرء على نفسه في غير شبهة ضرورة ولا إكراه ولا غفلة ولا جنون؛ فاعترافه مقبول
عند جميع القضاة، وكذلك إذا ذكر قول طائفة؛ فرجحه أو أطنب فيه؛ فلم يذكر مخالفه
إلا بذم. وفي المجموع ط دار الفكر (1/74): (قال أصحابنا المتكلمون)
6-
إذا كان المرء
يسمي أهل السنة (مشبهة ومجسمة)؛ فكيف يكون من أهل السنة؟
قال الألباني:
لكنهم ما
قصدوا مخالفة الكتاب والسنة.
قال الحداد:
1-
بطل الاحتجاج
بالقصد كما مر، وكما سبق مراراً عن عمر رضي الله عنه: لنا الظاهر ولله السرائر،
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء أناس
وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).
2-
ثم الذي ابتدع
وما يقصد؛ هل هو خير من الذي قصد السنة وأصابها، ولو كان عامياً؟
3-
ولو كان القصد
بمعنى النية؛ فلو صدق في القصد؛ فهل السنة ملتبسة إلى هذا الحد الذي يضل معه من
قرأ في كتب العلم! (المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) كما قال
صلى الله عليه وسلم؛ فمن قصد السنة قصد طريقها!
4-
ولو كان القصد
هذا؛ حجة لمن قرأ في العلم؛ لكان حجة للجاهل من باب أولى، ولو كان حجة لهذا؛ فهو حجة
لكل مبتدع في الدنيا؛ كبار الخوارج وغيرهم؛ بل لكل كافر من عباد وعلماء الكفار؛ بل
علماء الملاحدة؛ لأنهم يريدون الحق، ويبحثون عنه؛ بل اسم الفلاسفة معناه (محب
الحكمة)!
5-
من تدافع عنه؛
عرف من سيرة السلف الصالح ومن كتب أهل السنة قراءة وبحثاً؛ ما لم تعرف عشره! فإذا
كانت الحجة قد قامت عليك بما عرفته، وهو أقل من عشر ما عرفوه؛ فهل لم تقم عليهم
حجة؛ حتى يأتي مثلك إليهم ليقيمها؟! وقد كنت مخالطاً للإخوان غير مخالف لهم مدة،
ولم تقم عليهم الحجة! بل كنت وإياهم في لجة! فمتى تقوم حجة الله على عباده؟ وهؤلاء
أتباع أولئك؛ فمن يقيم عليهم الحجة، وأئمتهم أئمة لك!
قال الألباني:
ولكنهم وهموا،
وظنوا شيئين.
قال الحداد:
1-
هم أعلم
بالأشعري وأقواله منك، وزعمك أنهم لم يعلموا بكتاب الإبانة له؛ ينقضه ما لم تحفظه
مما كتبته في مختصر العلو (ص 239)، وهو نفسه من قول ابن تيمية رحمه الله تعالى (3/224):
(النووي نقل الإبانة بخطه)! وابن حجر عنده التبيين لابن عساكر، وفيه الإبانة
للأشعري!
2-
وزعم أن
الأشعري رجع إلى السنة الصريحة؛ زعم بلا علم، وهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى في
مواضع كثيرة ينقض كلامه، وكسبه، والكلام النفسي، ويصرح في المنهاج (2/277): (بقيت
عليه بقية من الاعتزال)! وفيه (8/8-9): (الأشعري كان تلميذاً للجبائي؛ لكنه فارقه،
ورجع عن جمل مذهبه، وإن كان قد بقي عليه شيء من أصول مذهبه .. حتى مال في باب
القدر إلى قول جهم .. ووافق المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية) وفي فتاويه
(6/358-359): (الأشعرية مخانيث المعتزلة) والدرء (7/236)، وانظر رسالة السجزي رحمه
الله تعالى؛ ففيها كفاية، وخاصة (من 140 - 141): (رجع عن الفروع، وثبت على
الأصول)! وهؤلاء أكابر أصحابه؛ كالباقلاني، وغيره؛ جهمية!
3-
ومن قرأ
الإبانة؛ ففيها ما فيها، وليس كل من قرأها، ونسب نفسه أشعرياً؛ يكون لا يعلمها،
وهذا ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري) يرويها وينقل منها صحفاً! ومع ذلك
انظر ماذا صنع في تاريخه في ترجمة أحمد رحمه الله تعالى!
أنت
أيها السني إذا ذكرت أحمد رحمه الله تعالى؛
كان أول ما تذكره؛ المحنة التي رفعه الله بها رفعة! فهي أكبر مناقبه التي لم يشركه
فيها أكثر قرنائه من الأئمة! أما ابن عساكر فلم يذكر عنها حرفاً واحداً! حتى إن
الذهبي في السير والتاريخ عجب من ذلك، وقال: (لعله له في ذلك نية)! بل (لعل) من
أبواب (القدقدة) التي تزعم أنك لا تحبها، فابن عساكر؛ كالأشاعرة يقول بالكلام
النفسي، وهو نفسه معناه خلق القرآن! ولذلك صنف يوسف بن حسن بن عبدالهادى؛ كتاباً -
هو عندك في الظاهرية وذكرته في فهرستك - جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر، وهو في
الرد على كتاب ذم المفتري لابن عساكر، وفيه أحاديث كثيرة وآثار في ذم البدعة
والمبتدعة.
4-
ثم قد قلت عن
الأشعري: (الإمام)، فهو هل إمامك؟!
5-
ثم هذا الكلام
كله؛ مبني على أصل فاسد، وهو: جواز التقليد في العقائد والشرائع؛ لمن لديه القدرة
على الاستدلال، وفي منهاج السنة (2/244) عدم الجواز، وأنه منصوص الشافعي وأحمد رحمهما
الله تعالى، وعليه أصحابهما. وعند شارح مسلم (2/90- 91و210-211) عدم جواز الاجتهاد
في العقائد.
ومن
العجيب - ولا عجيب - أنك تملأ الدنيا صراخاً بذم التقليد، ووجوب الاتباع؛ ثم تعتذر
بالتقليد عن أناس؛ هم أعلم منك أكثر من عشر مرات بكثير كثير! وتمنع التقليد لمن هو
خير من الأشعري في كل شيء بإجماع أهل العلم؛ كمالك والشافعي وأحمد رحمهم الله
تعالى؛ ثم ها أنت ذا؛ تجيزه لهؤلاء، وتجعله حجة لهم أمام الناس، وأمام الله!
6-
أما قولك: توهموه
صواباً، وليس بصواب! فأنت نفسك قلت في أواخر هذا الشريط: (لا يشترط في إقامة الحجة
الفهم، ولا إزاحة الشبهة)؛ فهؤلاء لم تقم عليهم الحجة؟ أم تمهد لنفسك! فإن صلح هذا
عذراً؛ فهو عذر لكل مبتدع في الدنيا يتوهم بدعته صواباً وحقاً ويجتهد فيها، بل
ويقاتل فيها! كالخوارج والروافض والمرجئة! بل هو عذر كذلك لعباد الكفار، فإنهم
يتوهمون ما هم عليه صواباً وحقاً، ويجتهدون فيه، ويقاتلون عنه، ويكفرون المسلمين! فإذا
كان كذلك فقد صح عندك متن الحديث الموضوع: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم
في الجنة إلا واحدة وهم الزنادقة) وعليه فالسلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ الذين بدعوا
وضللوا علماء وعباد الخوارج وغيرهم؛ كانوا على ضلال عن هذا العذر الذي اهتديت إليه؛
(سبحانك هذا بهتان عظيم).
سئل الألباني:
هل صحيح أن
السلف كانوا لا يصفون الرجل بأنه من أهل السنة؛ حتى تكون فيه خصال السنة. ومن قولهم:
من قال: إن الله ليس في السماء؛ فهو جهمي، وهكذا؟
فأجاب: يوجد
شيء من ذلك؟ لكن لا يعني أنه ليس مسلماً.
قال الحداد:
1-
هذا صحيح لا
شك؛ دون القدقدة: (يوجد شيء من ذلك).
2-
لا يوصف الرجل
بأنه من أهل السنة؛ حتى تكون فيه كل خصال السنة، ويوصف بأنه مبتدع؛ إذا وجدت فيه
بدعة واحدة.
3-
قولك: (لكن لا
يعني أنه ليس مسلماً) من الذي قال لك: إن كل مبتدع ليس مسلماً؟ أما نحن فلا نقوله؛
فعلى من ترد؟
أما
إذا كانت البدعة مكفرة؛ كالقول بخلق القرآن؛ فالقائل بها - وهو يعلم - كافر يستتاب
بإجماع أهل السنة الذي حكاه الطبراني واللالكائي وغيرهما، وذكره ابن تيمية، وذكره
ابن القيم في كتبه ونونيته وغيرهما؛ رحمهم الله تعالى.
قال الألباني:
الآثار
السلفية إذا لم تكن متضافرة؛ لا تعطي حكماً. والمسلم لا يخرج من دائرة الإسلام بالبدعة.
قال الحداد:
1-
أما البدعة
المكفرة؛ فتخرجه من دائرة الإسلام بإجماع أهل السنة. وأما البدعة المسفقة؛ فتخرجه
من دائرة السنة إلى البدعة. وهذا كله إجماع أهل السنة.
2-
وكذلك إجماعهم
على تحقير - لا توقير - المبتدع؛ فأين أنت من ذلك كله؟
3-
ثم أنت في أمر
الدوائر؛ لك قول عجيب؛ هو قول المرجئة بعينه؛ ففي شريط لك عندي؛ سئلت عن الفاسق؛
هل يخرج من الإيمان؛ فأنكرت القول، وذكرت أن الإيمان هو التصديق بالقلب! وجادلت
كثيراً في ذلك! فأين إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل؟ وأين يا صاحب
الخميسين سنة في الحديث؛ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن)؟!
قال الألباني:
البخارى: بعض
علماء الحديث تركه؛ لأنه فرق بين من قال: (لفظي بالقرآن مخلوق) و(القرآن مخلوق). الجهمية
لا يقولون فقط: لفظي بالقرآن مخلوق. فماذا تقول في البخاري؟ قال: لفظي بالقرآن
مخلوق. وأحمد الذي قال: من قال ذلك؛ فهو جهمي. لا يمكن تصحيح الأمرين بتأويل صحيح؛
بعض علماء الحديث تركه.
قال الحداد:
1-
يعني محمد بن
يحيى الذهلي، وأبا حاتم وأبا زرعة رحمهم الله تعالى.
2-
ولو كان تركهم
إياه؛ من باب قول أحمد رحمه الله تعالى - في اللفظية - لكانوا كفروه. ولم يفعلوا
ذلك، ولا عشره! ولا فعلوا به ما فعلوه ببشر المريسي، ولا اللفظية!
3-
إنما كرهوا
منه الكلام في هذه المسألة؛ كما كرهها أحمد رحمهم الله تعالى؛ فنهى أن يقول المرء:
اللفظ بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق. للاشتباه فيها، وخشية فهم العامة لها على غير
معناها الصحيح؛ خاصة والناس حديثوا عهد بفتنة؛ لذلك لم يتركوا مسلم بن الحجاج مع
أنه كان يقول بقوله، ولكن لم يظهره مثله!
4-
وإنما أقدموا
على ذلك لعلمهم من هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ أن المرء مهما كانت مكانته
من العلم والحفظ؛ لو خالف تُرِك. وقد نقل لهم ناقل ظنوه ثقة؛ أنه قال باللفظ؛
فأصابوا في الأصل، وهو ترك الرجل مهما كانت منزلته إذا أحدث. وأخطأوا في الفرع،
وهو تطبيق هذه الحالة على البخاري رحمهم الله تعالى؛ بسبب ناقل غير أمين؛ إما من
سوء نيته، أو من سوء فهمه.
5-
وأما أبو عبدالله
البخاري رحمه الله تعالى؛ فقد كره ما أحدثه بعض
الجهلاء من أن لفظه بالقرآن غير مخلوق، وهذا الذي كرهه، وجعله يصنف كتابه
الجيد: (خلق أفعال العباد)؛ هذا نفسه؛ الذي كرهه أحمد رحمه الله تعالى، ونهى عنه.
6-
البخاري قال:
لفظي بالقرآن مخلوق. (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)؛ الألبانى بعد خمسين
سنة من طلب الحديث؛ لا يتثبت فيما يقول، ويخوض في أعراض العلماء على غير بينة،
عنده الكتب تحت يده؛ يخرَج منها، وعنده ترجمه البخارى رحمه الله تعالى في أي كتاب
شاء، وفي مقدمة الكتاب الذي ينصح الناس به، وهو شرح الصحيح!
7-
إذا كان كذلك؛
فكيف يوثق به في نقوله في الجرح والتعديل، وفهمه لمصطلحاته؟ لو أن رجلاً لم يتثبت
في كلمة عنه؛ لبالغ هو وأصحابه في الحط عليه! وألفوا كتباً في الرد على من تكلم في
الشيخ؛ لا في الرد على من طعن في السنة! ولكن البخاري رحمه الله تعالى؛ يقول فيه
الألباني ما يقول، وأصحاب الألباني لا يعلمون مثله!
8-
أين وجد صاحب
السلسلة الصحيحة والضعيفة؛ هذا القول صحيحاً أو ضعيفاً عن البخاري؛ رحمه الله
تعالى؟! رواه مجهول للذهلي، والمجهول كذبه البخاري رحمه الله تعالى، والبخاري مع
جراءته في الحق؛ ليست هذه الكلمة في تصانيفه التي بين أيدينا، ولا في تصنيفه
المفرد: (خلق أفعال العباد).
9-
قد ثبت عن
البخاري رحمه الله تعالى؛ أنه كَذب كل من نقل ذلك عنه؛ فهل منهم الألباني؟ ففى
تاريخ الخطيب (2/32) واللالكائي (611) وطبقات الحنابلة (1/277) وتاريخ دمشق
(22/30/المختصر) والسير (12/354) ومقدمة شرح الصحيح (ص 491) وغيرها: قال غنجار في
تاريخ بخارى: حدثنا خلف بن محمد قال: سمعت أبا عَمْرو أحمد ابن نصر النيسابوري
الخَفُاف؛ يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى
ذكر محمد بن إسماعيل؛ فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن
مخلوق فهو كذاب؛ فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبدالله، قد خاض الناس في هذا
فأكثروا؛ فقال: ليس إلا ما أقول لك. قال أبو عمرو: فأتيت البخاري فذاكرته بشيء من
الحديث حتى طابت نفسه؛ فقلت: يا أبا عبدالله هاهنا من يحكي عنك أنك تقول: لفظي
بالقرآن مخلوق. فقال: يا أبا عمرو، احفظ عني: من زعم من أهل نيسايور وقومس والري
وهمدان وحُلْون وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق
فهو كذاب، فإني لم أقله، إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة. وخلف فيه مقال لا يضر
إلا في طول الإسناد، وتعدد المتون.
وقال
ابن تيمية رحمه الله تعالى (12/572): (ثبت عنه بالإسناد الَمرْضَي، وتراجمه في آخر
صحيحه تبين ذلك) ولراويته شواهد كثيرة عند غنجار وغيره. ومحمد بن نصر المروزي له
كتاب في الانتصار للبخاري في هذه المسألة رحمهما الله تعالى.
قد
تقول: صحح هذه المقولة عنه أئمة؛ كالذهلي! أقول: هو ثقة إمام، وقد قيل لمحمد بن سيرين
رحمه الله تعالى؛ أبو قلابة؟ فقال: ثقة، ولكن عمن؟! فالناقل إليه كذبه البخاري،
والجرح مقدم على التعديل حينئذ، وهو إما
كذب واختلق، أو ساء فهمه؛ فنقل بما فهم.
قد
تقول: قد قال الذهلي: ليقم من قام باللفظ!؟ فقام مسلم! أقول: ليس معناه كما فهمتَ،
وإنما معناه: من تكلم في هذه المسألة. ولذلك لم يذكر ابن أبي حاتم مسلماً، ولا
أحمد بن سلمة بهذه المسألة، وذكر البخاري رحمه الله تعالى؛ فظهر بهذا: كذب
أو سوء فهم الراوي المجهول. خطأ من صَدق ذلك، وقد مر كون السؤال وقت فتنة،
والمسألة دقيقة. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (12/572): (ولم يُنْسَبْ أحد من
الأئمة إلى خلاف ذلك، إلا بعض أهل الغرض نسب البخاري إلى أنه قال ذلك، وقد ثبت عنه
بالإسناد المرضي أنه قال: من قال عني أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب،
وتراجمه في آخر صحيحه تبين ذلك) والبخاري رحمه الله تعالى أضبط وأحفظ وأجرأ على
الحق، وقد امْتُحِن فيه فلو كان يقول باللفظ؛ لصرح به في كتبه وخاصة (خلق أفعال
العباد)؛ إنما قال لما سئل على اللفظ: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد
مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا. فينبغي للناقل أن يكون ضابطاً؛ كما كان المتكلم
ضابطاً. قال ابن جرير رحمه الله تعالى في عقيدته: فمن روى عنا أو حكى عنا أو تقول
علينا أو ادعى علينا؛ أنا قلنا غير ذلك؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
والعلماء
أهل السنة لهم ألفاظ دقيقة يرويها بعض الناس بالمعنى أو اللازم؛ فتكون المصائب
والمحن والآثام والفتن، وليس كل شيء معنا؛ يجوز روايته بالمعنى، وليس كل لازم لشيء؛
لازماً لكل شيء.
10-
البخاري نفسه
يصوَب ما قاله أحمد رحمهما الله تعالى؛ قال في كتابه خلق أفعال العباد (ص 216) (المعروف
عن أحمد وأهل العلم أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق وأنهم كرهوا
البحث والتنقيب عن الأسماء الغامضة وتجنبوا أهل الكلام) و(هو كلام الله في الصدور
والسطور) وتبرأ - كما سبق - من القول باللفظ المذموم، ونقل عن أحمد رحمهما الله
تعالى؛ قوله (لا تعجبني قراءة حمزة)، وانظر المختار لابن البنا رحمه الله تعالى (ص
110) وما قاله البخاري في التفصيل؛ قاله أحمد فيه رحمهما الله تعالى؛ قال (من قال:
لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع) فاشتبه ذلك على من لا يفهم؛
كالكرابيسي وغيره.
وهذا
نفسه قول البخاري رحمه الله تعالى، فقد تبرأ من اللفظ، وصنف كتاب (خلق أفعال
العباد) للرد على المبتدعة الذين ذكرهم أحمد رحمه الله تعالى في كلمته هذه، وأمثال
الأشاعرة الذي قالوا تبعاً للأشعري بالكسب، فأفعال العباد عندهم؛ فعل الله تعالى؛
كالحلولية، وإنما هي كسب للعبد! ومن جنس هذه الكلمة؛ بلغه أن رجلاً قال: إن الله
لم يجبر العباد؛ فرد عليه آخر: بل الله جبر العباد! فقال رحمه الله تعالى: بئس ما
قالا (الخلال 925) يعني الصواب: الجبل لا الجبر؛ كما في الحديث الصحيح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (جبلت عليهما)، ولأن كليهما فيه فتنة وبدعة، وقد نهى
الله تعالى عن الأغاليط والألفاظ الموهمة إلى البيان الصريح: (لا تقولوا راعنا
وقولوا انظرنا). وفي رواية عبدالله (الأسماء والصفات /593 والاعتقاد ص 67): (من
قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر) وفي رواية أحمد بن الحسن الترمذي
ومحمد بن سليمان الجوهري (الإبانة 142/1/ق واللالكائي /451) عنه: (أنت مخلوق،
فكلامك مخلوق والقرآن كلام الله، فلا يكون من الله شيء مخلوق) وهذا بحروفه قول
مالك (الحلية 6/325) وغيره من أئمة أهل السنة رحمهم الله تعالى. وفي رواية حنبل
عند الخلال: (أفاعيل العباد مخلوقة مقضية بقضاء وقدر) وفي رواية أبي أحمد الأسدي
عند ابن بطة (138/2/ق) (يوجه القرآن على خمس جهات: حفظ بالقلب، وتلاوة باللسان،
وسمع بالآذان، وبصر بالعين وخط بيد فالقلب مخلوق، والمحفوظ به غير مخلوق، واللسان
مخلوق، والمتلوبه غير مخلوق والأذن مخلوق، والمسموع إليه غير مخلوق العين مخلوق،
والمنظور إليه غير مخلوق؛ قلت: العين تنظر إلى السواد في الورق! فقال لي: مه، أصح
شيء في هذا خبر نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تسافروا بالقرآن) وهذه الجهات يمكن سردها بسجع للحفظ، وإلا فما تكلفه أحمد رحمه
الله تعالى: حفظ الجنان، وتلاوة اللسان، وسمع الآذان، وبصر العيان، وخط البنان! والحجة
بحديثه صلى الله عليه وسلم؛ احتج به البخاري رحمه الله تعالى في كتابه: (خلق أفعال
العباد) على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن كتب أو قرئ أو سمع، وهي كلها حجج
متداولة عند أهل السنة؛ فقد كان مالك وعلماء المدينة في عصره يقولون: (القرآن من
الله وليس من الله شيء مخلوق) رواه عبدالله بن أحمد (25) واللالكائي (410و478)
رحمهم الله تعالى؛ فلما أحدث الجهمية مسألة اللفظ تذرعاً بها إلى القرآن؛ فكانت
اللفظية شراً من الجهمية، وكان مخنث الجهمية أخطر من مذكرها. قال أحمد رحمه الله
تعالى: (هذا كلام الجهمية) قالت عائشة رضي الله تعالى عنها في قول الله تعالى:
(فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه) قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم) فرد
أحمد رحمه الله تعالى على اللفظية، ورد البخاري رحمه الله تعالى على الجهمية. قال
ابن تيمية رحمه الله تعالى في المنهاج (2/296): (جهم ومن وافقه كالأشعري يقولون:
إن أفعال العباد هي أفعال الله وكسب للعباد)! وهذا كلام الحلولية، وللأسف البالغ
يقع من لسان أحد مدرسي العقيدة (سفر الحوالي) ممن يرد على الأشاعرة؛ فقال في
محاضرة له سمعتها عَرْضاً: (قال الله على لسان فلان)!
11-
فأهل السنة لم
يختلفوا في (مسألة اللفظ) ولا (مسألة خلق أفعال العباد) ولا (مسألة الإيمان: هل هو
مخلوق أم لا) كما في الإبانة (173-174/ق9) فلماذا يثير الألباني هذه المسألة بهذه
الصورة الكريهة الموافقة؛ لما فعله أهل البدع طعناً في أهل السنة وعقائدهم وأئمتهم،
وخاصة أحمد رحمهم الله تعالى؟ وهذا بعض أصحاب الألباني يرمي أحمد رحمه الله تعالى بالتشدد،
ويقول: ابن تيمية رحمه الله تعالى أعلم منه! يعني في الكلام على أبي حنيفة!
12-
لقد صرتم في
جانب واحد مع هؤلاء: الغماري في صبحه السافر (ص 41) يقول: (والإمام أحمد كان ضيق
العطن في التأويل والجمع بين مختلف الأحاديث يستنكر الحديث لأدنى شبهة تعرض له في
فهمه)!! فدل على فهمه ودينه، والحمد لله على السنة. والمقبلي قال سميه وبلديه مقبل
الوادعي بقوله. ووصفه الألباني في جنائزه بالعلامة المحقق، وكذلك وصفه الشوكاني في
بدره الآفل، وأطال في مدحه وقال (1/289): أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير
أهل السنة مطلقاً. هذا مع زيديته! فانظر ماذا يقول ذلك العلامة المحقق لتعرف منزلة
من وصفه بذلك الوصف! قال في ذلك الكتاب الخبيث كله؛ قال (ص 178): وانظر إلى الإمام
أحمد كيف جعل القرآن كأنه عديل التوحيد، مع أنه جمود منه على غير تحقيق .. وتراهم
يتحاملون على الواقف فضلاً عن القائل بخلق القرآن تحاملاً شديداً؛ بحيث لا يقبلهم
المنصف عليه. وفي (ص 198): هذا الإمام أحمد .. لما تكلم في مسألة خلق القرآن .. جعلها
عديل التوحيد، أو زاد .. غفر الله لأحمد؛ لقد بلغ في هذه المسألة ما أمكنه من
التعصب .. وفي (ص 199): الذي يقول: .. كلام الله حقيقة، ولا أكيفه .. هذا المحق؛
لكن طبق جمهور المحدثين على مثل قول أحمد، واستحكمت المفسدة في ثلبهم لمن لم
يوافقهم المخالف. ثم في (ص 200) يطعن في قولة المحدثين: الصحابة رضي الله تعالى
عنهم كلهم عدول. والشوكاني الذي لا يمل الألباني من مدحه، وتوصية طلبته وأصحابه
بكتبه؛ حتى سمعته في شريط؛ سئل عن أحسن التفاسير لطلبة العلم؛ فذكر تفسيره وقال: "مع
أن فيه تأويلاً"، وتفسيره نسخة ممسوخة منسوخة من الدر المنثور للسيوطي، وكتاب
البحر المحيط، وتفسير القرطبي! وينصح بكتبه في الفروع، ولا ينبت منها إلا
الظاهرية! هي نسخة من شرح البخاري والتلخيص الحبير وفروع ابن حزم، والكلام فيه
يطول وشهرته طبول! غالى فيه حتى قال في شريط جدة (32/1/635): الإمام الشوكاني من
الخلف الصالح!، ونصح في موطن آخر بكتابه في أصول الرأى، والكلام المذموم؛ المسمى:
(إرشاد الفحول) فانظر فيه ط دار الفكر: (ص 12) قال: مسألة الخلاف في كلام الله
سبحانه وإن طالت ذيولها، وتفرق الناس فيها فرقاً، وامتحن بها من امتحن من أهل
العلم، وظن من ظن أنها من أعظم مسائل أصول الدين؛ ليس لها كبير فائدة، بل هي من
فضول العلم؛ لذلك صان الله سلف هذه الأمة من التكلم فيها! وفي (ص 32) قال: وقد
بسطنا: الكلام على هذا في تفسيرنا. يعني أن كتابه هذا بعد تفسيره. وقال في (ص 176):
صفات الباري: مذهب أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تُجْرَى على ظاهرها ولا يؤول شيء
منها، وهذا مذهب المشبهة. والثاني: أن لها تأويلاً نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن
التشبيه والتعطيل، وهذا هو الطريقة الواضحة .. والثالث: أنها مؤولة. ومحمد عبده في
كتابه المزعوم (رسالة التوحيد)، وهو إمام المعتزلة في عصرنا، ومن عجيب أن بعض
أدعياء السلفية (ربيع المدخلي) يستحي أن يسيمه مبتدعاً فيقول: (عليه مؤاخذات)!) وأما
الألباني؛ فمدحه لصاحبه المسمى: رشيد رضا معروف؛ حتى يسميه بل يلقبه (السيد)،
وينصح بتفسيره ويقلل ما فيه، مع أنه بناه على الاعتزال! وما من اعتزالية ظهرت بعده
في أدعياء السلفية، إلا وكان له الفضل في بيانها! كما ظهر عند شلتوت والفقي
وغيرهما؛ في الدجال والسحر وغيره! وأبو غدة: له رسالة مفردة في (أثر مسألة القرآن)
رد عليها حمود التويجري عفا الله عنه. والبوطي في (كبري يقينياته) ص (136) وغيرها.
كلهم يقولون بالوقف ذريعة للخلف ويطعنون في أهل السنة؛ كما رأيت بعضه؛ فلماذا يضع
الألباني اسمه مع هؤلاء، ويتورط في ذكر هذه المسألة بهذا السياق، ويتورط قبل هذا -
بخبرته الفائقة في الرجال والعقائد - فيمدح أمثال هؤلاء؟
قال الألباني:
حقيقة جهمي؛
لا.
قال الحداد:
1-
كلا بل القائل
باللفظ جهمي حقيقة؛ كما صرح به أكثر من خمسين إماماً من أئمة أهل السنة رحمهم الله
تعالى، وتبرأ منه البخاري رحمه الله تعالى؛ فهات لي أيها الألباني إماماً واحداً
يقول بقولك!
2-
والقول نفسه
ضلال صريح، ولو كان صواباً ما جاز؛ لأنه ذريعة إلى الكفر، وهو القول بخلق القرآن،
والقرآن حيثما تصرف بلسان أو كتابة في مسجل أو شريط أو حاسب آلي؛ هو كلام الله
تعالى؛ لا كما ادعى الجهمية؛ خلقه، ولا الأشاعرة؛ أنه كلام نفسي؛ إذا صار إلى
الناس صار (عبارة وحكاية) عن كلام الله، فهذا هو عين القول بأنه مخلوق.
3-
وورث عنك ذلك
أصحابك؛ فالحويني يقول فيما سماء: (جنة المرتاب ص 54) بتسفيه الذين يقررون مسألة
القرآن على طريقة أهل السنة، (صبية) وأنه رد عليهم أنها (مسألة اندثرت)! فلما حاجَه
بعض الطلبة في المدينة؛ بأن الأشاعرة - وهم هم في الكثرة - يقولون بها؛ بُهِت!
لقد
قلت لعلي الحلبي: ماذا تلقيتم عن شيخكم في عقائد أهل السنة؛ إلا توقير المتدعة،
والأخذ عن كتبهم!
4-
إن إثارة
الألباني وغيره لهذه المسألة وأشباهها بهذا السياق؛ فيه طعن خفي على أهل السنة،
وإثارة سوء الظن بهم، ولذلك نهى أهل العلم عن النظر فيما وقع في الجمل وصفين؛
ليبقى الصدر سليماً للسلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ عملاً بقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا ذُكِر الصحابة فامسكوا". وفي كتاب السَنٌة للخلال رحمه
الله تعالى باب جيد للغاية في ذلك. وفي السنة للآلكائي (1/169) من عقيدة علي بن
المديني رحمه الله تعالى: "من تَنَقٌص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو ذكر مساوئه فهو مبتدع. وهذا أجمع عليه أهل السنة، ولا تجد فرقة
مبتدعة إلا فعلت ذلك!
وتورط
الألباني فقال في شريط الإماراتي (606/1/آخره) ما نصه: خروج عائشة رضي الله عنها
(هناك نكتة لا يهمني صحة السند؛ أنه بلغها أن خلافاً نشب بين عبيد لها وعبيد لشخص
آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها قريب لها فتهيأت للخروج،
فسألها شخص قريب لها: إلى أين يا أم المؤمنين؟ قالت: للنظر في الخلاف بخصوص بغلة
ادعاها كل من الفريقين! قال لها: يا أم المؤمنين، ألا يكفينا وقعة الناقة حتى
تثيري لنا وقعة البغلة! وضحك الألباني وضحك أصحابه المساكين؛ لهذه النكتة السخيفة.
فماذا
نفعتك خمسون سنة من طلب الحديث؛ حتى تقول: لا يهمنا الإسناد! قال الأعمش وغيره:
لولا الحديث لكنا بقالين! وأنت لولا الحديث لما عرفك إلا هل أهل حارتك بالساعاتي!
فأين منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع
وقوله: ويل للذى يكذب ليضحك القوم!
ماذا
نفعتك خمسون سنة من طلب الأسانيد؛ أن المتن موضوع وضعه الرافضة لا يخفى على من
تشرب السنة! وآثار الصنعة فيه واضحة لحبك التكتكة (بلغة مقابل الجمل) و(خروجها
للحكم) وهى أسمى من ذلك! وماذا نفعتك خمسون سنة من طلب الأسانيد حتى تحول مجلس
العلم - إن كان مجلس علم - إلى (نكتة) و(ضحك استهزاء بأم المؤمنين عائشة رضي الله
تعالى عنها) ووالله الذي لا إله إلا هو؛ لو أراد الروافض السخرية بأم المؤمنين رضى
الله تعالى عنها ما صنعوا! وأقل منه صنعة الروافض (انظر المنهاج لابن تيمية - رحمه
الله تعالى 6/363) عائشة رضي الله تعالى عنها؛ جعلتَها من الخوارج!
انظر
إلى كلام أئمة العلم رحمهم الله تعالى وتوقيرهم للعلم والسنة: أحمد رحمه الله
تعالى؛ لما حُمِل إليه كتاب الكرابيسي في التدليس، فنظر فيه اعتذاره عن الحسن بن
صالح بأنه خرج، وقد خرج ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما؛ صنع بالكرابيسي ما ربما
لم تعرفه أنت وأصحابك! لأنه لن يصنعه بكم أحد، بل الإمام وأصحابه؛ كما قال أحدهم:
أنت كابن تيمية، ونحن حولك كأصحابه ابن القيم. وقال الآخر: إنك قلت: أئمة الحديث بعدي،
ذاك الحلبي، وذاك الحويني! كأنها تركة! أين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي
صححته: "إذا ذُكِر الصحابة فأمسكوا" وأين أنت من نفسك عندما تقول في
صحيحك (2006) بالجزم بأن صحابياً في
النار: ذكر الحديث واسكت وأمسك كما اُمِرْتَ. اقرأ كلام أهل العلم وكن تلميذاً لهم،
ولا تغال في نفسك فتزاحمهم؛ فارجع إلى ابن تيمية
رحمه الله تعالى في المنهاج (6/205و7/55-56)، بل ارجع إلى الجزء ذاته من
صحيحك (2463) في حديث (من وعده عقاباً)! ما أسرع ما نسبتَ! والإصابة تنقل منها
تفسير الحديث، وترده! ولا تحسن تنقل منها بقية تخريج الحديث! وقد قال غير واحد من
الأئمة رحمهم الله تعالى (اللآلكائي 1/169): "من تنقص أحداَ من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو ذكر مساوئه فهو مبتدع". وانظر السنة للخلال رحمه
الله تعالى؛ في آداب التحديث بمثل ذلك صدقاً؛ لا افتراء، ونكتة ضحك!
قال الألباني:
عبارات السلف
في الحكم على من واقع بدعة أنه مبتدع؛ فهو من باب التحذير؛ لا الاعتقاد!
قال الحداد:
1-
هذا كذب وطعن
على السلف الصالح والأئمة رحمهم الله تعالى؛ بالتلاعب بالشرع!، ولا يعجز عنه أحد؛ فإذا
قال مثل ابن خزيمة رحمه الله تعالى: من قال بأن الله ليس في السماء يستتاب وإلا قُتِل
ورمي على مزبلة. ونحو كلام ابن مهدي، واجماع أهل العلم فيمن قال بخلق القرآن أنه
كافر بالله العظيم. وتكفير الشافعى رحمه الله تعالى لحفص الفرد. وتكفير الأئمة رحمهم
الله تعالى لبشر المريسي، وهكذا حتى سعوا إلى قتله لكفره؛ فهذا كله ليس على ظاهره،
ولا أنهم أرادوا حقيقته؛ بل هو على سبيل المجاز.
2-
وإذا فرضنا
جدلاً صحة هذا الزعم؛ أنهم سموه مبتدعاً تحذيراً فقط؛ لا على الحقيقة، فنحن على
هديهم: نسميه مبتدعاً كذلك وتحذره ونحذر منه، ولمَّا وسع السلف أن يخفوا مسألة
الحقيقة وسعنا ما وسعهم.
3-
وإذا كان
التبديع من باب التحذير؛ لا الحقيقة، فمتى يكون من سمَوْه مبتدعاً؛ مبتدعاً حقيقةً؛
لا مجازاً؟!
4-
هذا المجاز
يستحق أن يوقع عمر رضى الله تعالى عنه؛ بصبيغ ويدمي رأسه، ويأمر بهجره! فيهجر سنة!
5-
هذا المجاز
يستحق أن يصنع عبدالله بن مسعود رضى الله تعالى عنه؛ بهؤلاء الذين كانوا يسبحون
بالحصى؛ ما صنع!
6-
هذا المجاز
يستحق أن يصنع عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما؛ أن يهجر ابنه حتى مات، ويسبه
أقبح السب لحديث واحد!
7-
هذا المجاز يستحق
أن يصنع عبدالله بن مغفل رضي الله تعالى عنه؛ أن يهجر ابن أخيه لا يكلمه أبداً
لحديث واحد، وترك العمل به لشهوة له؛ لا لتكذيب!
8-
تراهم ظلموا
هذا المبتدع المجازى؟ اللهم لا! قال عمر رضى الله تعالى عنه: من عَرُض نفسه
للتهمه، فلا يلومن من أساء الظن به. ولو فتحنا الباب المعاكس؛ لبطل وصف أحد من
الناس بأنه مبتدع! وهذا غاية الإرجاء!
قال الألباني:
مالك جاءه رجل؛
قال: يا مالك ما الاستواء؛ فقال: .. مبتدع. ما صار مبتدعاً بمجرد أن سأل عن
الاستواء.
قال الحداد:
1-
لم يحسن
الألباني سياقة القصة، وساق ما ساق منها بطريقة منفرة؛ تسيء إلى مالك رحمه الله
تعالى. والقصة كما هى من كتابه هو: (مختصر العلو ص 141) ويحفظها صغار طلبة العلم: (عن
ابن وهب قال: كنت عند مالك، فدخل رجل، فقال: يا أبا عبدالرحمن (الرحمن على العرش
استوى) كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه، فقال: الرحمن على
العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة،
أخرجوه) ورواه البيهقي الأشعري (ص 408) وقال في شرح الصحيح (13/406-407): (إسناده
جيد) وفي رواية (الحلية 6/325 - 326 وغيرها): (الكيف غير معقول، والاستواء منه غير
مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً فالرجل سأل: (كيف
استوى)؛ لا فى رواية الألباني معني الاستواء.
2-
وقد ذكر
الوليد بن مسلم أنه سأل الأوزاعي ومالكاً والثوري وليث بن سعد رحمهم الله تعالى؛ في
الصفات، فقالوا جميعا: أمِرٌوها بلا كيف.
3-
وذكر البربهاري
(وهو عند الألباني في مختصر العلو ص 244) عن السلف رحمهم الله تعالى (الكلام في
الرب محدثة وبدعة وضلالة، فلا تتكلم في الله إلا بما وصف به نفسه، ولا تقول في
صفاته: لم ولا كيف)
فلم
ينفرد مالك رحمه الله تعالى بتبديع السائل
عن: كيف استوى؟
4-
وهذا كله
مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذُكِر الله فأمسكوا) فذلك رد على
الجهمية وأشباههم. (وإذا ذكِر القدر فأمسكوا) فذلك رد على القدرية وأشباههم (وإذا
ذُكِر الصحابة فأمسكوا) فذلك رد على الروافض والمرجئة والخوارج والجهمية.
5-
وهذا السؤال:
(كيف استوى)، وكذلك: (أمؤمن أنت) و(الاسم والمسمى): صرح الأوزاعي وغيره من أئمة
أهل السنة رحمهم الله تعالى؛ أنه بدعة؛ كما في كتاب الشريعة والإبانة واللالكائي
وغيرها. وسئل يحيى بن سعيد القطان رحمه الله تعالى عن مسألة في السحر، فقال: (ليست
هذه من مسائل المسلمين) والاستدلال على دين الرجل وعقله من لسانه ومسائله؛ هذا
يفهمه العلماء لا الجهلاء!
6-
والألباني
يستعظم على مالك رحمه الله تعالى؛ أن يبدع هذا الرجل المسكين عنده؛ بمجرد سؤاله
هذا: (كيف استوى)؛ فيقال للألباني: لا نقول: لا يضر مع الإيمان شيء، بل نقول: قد
اتفق أئمة أهل السنة على أن هذه المسائل بدعة، وأن من يتداولها مبتدع.
وقال
أحمد في رسالة عبدوس رحمها الله تعالى (من السنة اللازمة التي من ترك خصلة منها لم
يكن من أهلها .. لا يقال: لم ولا كيف)، وقد فسر الآجري رحمه الله تعالى (ص 234 -
235) نحو ذلك: (إن جاء مسترشداً اُرْشِد على سبيل النصيحة، فإن رجع فالحمد لله، وإن
عاد إلى باب الجدل والمراء؛ لم يلتفت إليه وطرِد وحُذَر منه ولم يُكَلم ولم يُسَلم
عليه).
قلت:
السؤال بكيف يدل على الجدل؛ فالمسترشد لا يسأل كذلك أبداً، والمهتدي يسأل مسائل
الصالحين، والضال يسأل مسائل الضُلال، وقد أنكرت عائشة الصديقة بنت الصديق رضي
الله تعالى عنهما؛ مسألة؛ فقالت للمرأة (أحرورية أنت)!
وقد
صنع عمر رضى الله تعالى عنه؛ بصبيغ أشد مما صنع مالك رحمه الله تعالى بالسائل - بدع
وطرد فقط - أما عمر رضي الله تعالى عنه؛ فقد ضربه حتى أدمى رأسه، وأمر بهجره،
فهُجِر سنة، حتى صدقت توبته! وماذا صنع صبيغ!؟ إنما كان يسأل عن تفسير آي من
القرآن! وعمر هو الخليفة الراشد الفاروق رضي الله تعالى عنه، وبقوله قال أئمة أهل
السنة.
وقال
الشافعى وأحمد رحمهم الله تعالى: (الحكم في أهل الكلام؛ كحكم عمررضي الله تعالى
عنه في صبيغ) وهذا حذيفة رضي الله تعالى عنه؛ يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيصير بها من المنافقين! وغيره رضى الله
تعالى عنهم: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات!
بل
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى
عليه لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض) انظر: (لا
يلقي لها بالاً) قد قال الله تعالى: (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم).
قال الألباني:
انظر الآن؛
كيف الوسائل تختلف.
قال الحداد:
1-
يعني: الوسائل
التي كانت يومئذ مقبولة، فهي الآن غير مقبولة؛
تضر أكثر مما تنفع!
2-
ما هذه
السخرية والاستهزاء بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى، فنطقك لأقوالهم؛ كأنهم كانوا
متشددين؛ لا عقل عندهم ولا حلم؛ أخرجوا الرجل فإنه مبتدع؛ هكذا نطقتها بهذه
الطريقة! والتأدب مع السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ لا تناسبه هذه اللهجة في
النطق؛ الكلمة هي هي، لكن طريقة النطق؛ تحدد الأدب من غيره!
3-
وقد قال مالك
رحمه الله تعالى نفسه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
4-
وأنت في شريط
جُدة (35/1/190-238) تحتج بقوله رحمه الله تعالى: (ما لم يكن يومئذ ديناً فليس
اليوم بدين)! وتقول في شريط جدة (37/2/375) في شرح حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "حتى ترجعوا إلى دينكم"، وتكرر كثيراً:
وكل
خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع
من خلف!
فأما
من سلف؛ فمثل مالك رحمه الله تعالى، وأما الخلف؛ فمن تراه يكون غير المعترض عليهم
ولا سلف له؟ وقلت في شريط جدة (65/1/30): (وهذا أحسن زمان للإصلاح)! وأنكرت بشدة؛ كلام الإخوان؛ أن تكون المظاهرات
وسيلة من وسائل الدعوة! فما بالك تبدل الكلام! للوسائل أحكام المقاصد، ومن زعم أنه
يريد نصرة السُنّة؛ فبالسنة. فلو ذهب رجل ليقبَل الحجر الأسود - تقبيله سُنة - فضرب
الناس وزاحم النساء، وقبله! هل تستطيع أن تقول أنه فعل سَنّةً؟ اللهم لا! وأين
الألباني وأمثاله؛ من المثل المشهور: ليتها لم تَزن ولم تتصدق. في امرأة لم تجد ما
تتصدق به على فقير؛ فذهبت تزني وتأخذ أجرة زناها؛ لتتصدق بها على ذاك الفقير! (إن
الله طيب لا يقبل إلا طيباً)؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5-
ومن علامة
البدعة والمبتدع؛ أن يزعم نصرة السنة من طريق البدعة من الكلام وغيره؛ مما لم يكن
من هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ قال أحمد في رسالة عبدوس رحمهما الله تعالى
(ولا يكون صاحب الكلام وإن أصاب السنة من أهل السنة؛ حتى يدع الجدل ويسلُم)، وسئل
ابن تيمية رحمه الله تعالى (11/620) عن جماعة يجتمعون على الكبائر، وقصد شيخُ
منعهم من ذلك، فلم يستطع منعهم إلا بجمعهم على دف وغناء، فتابوا من الكبائر؛ فلم
يمكنه دعوتهم إلا بهذا. فتكلم رحمه الله تعالى؛ بكلام نفيس طويل في ذم هذه المسائل
المبتدعة، وأن هذا الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها يتوب العصاة، وما أشبه
هؤلاء الآن بالإخوان والتبليغ. ولنفاسة كلامه رحمه الله تعالى؛ أذكره وإن طال
بإيجاز مني، وفي بعضه بحث ليس محله هاهنا:
6-
قال رحمه
الله: (الحمد لله رب العالمين) أصل جواب هذه المسألة وما أشبهها أن يعلم قول الله
تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوإِلَى اللَّهِ
عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه
من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين من بعدي، عَضٌوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة
ضلالة) و(ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد نهيتكم عنه) و(تركتكم على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من
الكتاب والسنة كثيرة، وترجم عليه أهل العلم في الكتب: (كتاب الاعتصام بالكتاب
والسنة) كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما وكان السلف كمالك وغيره يقولون: السُنٌة
سفينة نوح: من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. وقال الزهري: كان من مضى من علمائنا
يقول: الاعتصام بالسنة نجاة. إذا عُرِف هذا؛ فمعلوم أنما يهدي الله به الضالين،
ويرشد به الغاوين، ويتوب به على العاصين: لا بد أن يكون فيما بعث الله به رسوله صلى
الله عليه وسلم، وإلا فإنه لو كان ما بعث به الله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لا
يكفي في ذلك؛ لكان الدين ناقصاً محتاجاً تتمة! وما يراه الناس من الأعمال مقرباً
إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لابد أن يكون ضرره أكثر
من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم غالباً على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه صلى الله
عليه وسلم حكيم لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوُت المؤمنين ما يقربهم إلى رب
العالمين. إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوَب المجتمعين
على الكبائر؛ فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي؛ و(هذا) يدل على أن
الشيخ: جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها؛ فإن الرسول صلى
الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر
والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البديعة؛ فلا يجوز
أن يقال: إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ما
يتوب به العصاة، فإنه قد عُلمِ بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق
والعصيان من لا يُحْصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التي ليس منها ما ذكر
من الاجتماع البدعي؛ بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان، وهم خير أولياء الله المتقين من هذه الأمة: تابوا إلى الله تعالى بالطرق
الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية فلا يمكن أن يقال: إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا
بهذه الطرق الشرعية .. فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل، أو عجز،
أو غرض فاسد. ولم يكن في السلف الأول سماع يجتمع عليه أهل الخير إلا هذا (القرآن)،
وقد مدح الله هذا السماع المقبلين عليه، وذم المعرضين عنه، وإنما حدث سماع الأبيات
بعد هذه القرون، فأنكر الأئمة حتى قال الشافعي رحمه الله (تعالى): خلفت ببغداد
شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير، يزعمون أنه يرقق القلوب، يصدون به الناس عن
القرآن، وسئل أحمد (رحمه الله تعالى) عنه، فقال: محدث، فقيل له: أنجلس معهم فيه؟!
فقال: لا يجلس معهم فمن فعله على أنه طرق إلى الله تعالى ديناً .. فهؤلاء ضُلأل
باتفاق علماء المسلمين، ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه، ولم ينظر إلى فعل
العامل ونيته كان متكلماً في الدين بلا علم .. لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون
هذا السماع المحدث طريقاً يقدمونه على سماع القرآن، وربما قدموه عليه اعتقاداً .. فهؤلاء
جند الشيطان وأعداء الرحمن، وهم يظنون أنهم من أولياء الله المتقين، وحالهم أشبه
بحال أعداء الله المنافقين؛ فإن المؤمن يحب ما أحبه الله تعالى، ويبغض الله تعالى ويوالي
أولياء الله، ويعادي أعداء الله، وكلما بعدوا عن الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)
وطريق المؤمنين، قربوا من أعداء الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وجند الشيطان). وفي
المنهاج (6/386) تبعية الوسائل للمقاصد؛ فمن صلح مقصده؛ اتبع الوسائل.
7-
فقول الألباني
(الزمن اختلف) و(غير مقبولة) و(تضر)! وقد أخذه عنه تلاميذه؛ فالحويني وهو من
أعلمهم - فكيف بغيره! - الحويني يدور في مصر والجزيرة: المدينة وجدة والرياض
والدمام يعقد مجالس في نشر هذه الفكرة (النصوص في أهل البدع لا تنزل على زماننا)!
وهذا قول عظيم جداً:
أ-
فهو قول الملاحدة
العلمانيين: إن الشرع لا يصلح لهذا الزمان!
ب-
وهو قول
الصوفية في أن العبرة بالنيات والمقاصد؛ لا الظواهر، وأن الطرق لله بعدد أنفاس
الخلق!
ت-
وهو قول
الزنادقة: الدين قشر ولباب، وظاهر وباطن، فالعبرة باللب والبطن!
ث-
وقول
المبتدعة: الخلف أعلم وأحكم.
وأما
نحن فنقول: إن فساد الظاهر يدل على فساد الباطن، وفساد الوسيلة يدل على فساد
الغاية (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله)، فلو أنهم رضوا بالإسلام
ديناً ما ابتدعوا فيه.
وأما
الألباني فقد دخلت عليه هذه المفاهيم من كلمة قالها متابعة؛ لما يسمى زوراً بعلم
الكلام الذي ينكره هو كما سيأتي؛ ففي شريطه في المدينة (7/1/414) ذكر مسألة (تغير
الأحكام بالزمان والمكان)! وهذه الكلمة ليس معناها تبديل الشرع، ولارد ما ثبت عن
السلف الصالح والأئمة رحمهم الله تعالى، ولكن العمل بالشرع، وهدي السلف الصالح رحمهم
الله تعالى؛ فإنهم كانوا في أزمنة وأمكنة
مختلفة، ومع ذلك لم يبدلوا. ومثل من يستدل بهذه المسألة؛ مثل من يستدل بالمصالح
المرسلة والاستحسان؛ على جواز البدع وجواز إبطال الشرع أو تأجيله، ولذلك قال
الشافعى رحمه الله تعالى: من استحسن فقد شرع. والألباني يستدل بكلمة الشافعي رحمه
الله تعالى، وينكر مسألة الإخوان في تأجيل العمل بالدين، وينفي كما في شريط (جده
66/2/632) الاحتجاج باختلاف الزمن على اختلاف العمل؛ فنأخذ من كلامه الذي يوافق
السنة، وندعوه إلى أن يدع ذلك الكلام الذي يخالفها، ونذكره بحديث هو أصل من أصول
الإسلام؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن ما عند الله لا ينال
إلا بطاعته؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". ونذكره بحديث كان يستدل به
استدلالاً طيباً في الرد على الإخوان والمبتدعة في طريقة الدعوة، وهو حديثه صلى
الله عليه وسلم: "يأتي النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه اثنان، والنبي وليس معه
احد"؛ فهؤلاء أنبياء لم يقصروا في الدعوة إلى الله تعالى لحظة واحدة، فلا يهم
كم استجاب لك، وإنما المهم هل دعوت على بصيرة أو لا!؟ فإن الدعوة على بصيرة؛ هذا
عملك الواجب عليك، والهداية من الله تعالى وحده؛ ليست منك.
[1] - جاء في فتوى ما يسمى بـ (مركز الألباني) ما نصه: الرقم: 239/ف/138
- التـــاريـخ: 18/2/1426هـ - 29/3/ 2005م المنهج: الرجال: ]نقد وتقويم[ وردَتْنا أسئلةٌ متعددةٌ تتعلّق بالرأي
الذي انتهى إليه شيخُنا الإمام الألباني رحمه الله في حكمهِ على ما نُقل عن
(سيّد قطب) مِن أقوالٍ وآراءٍ جعلت بعضَ الناس مضطربين فيه! فنقول: إنّ القولَ
البيِّنَ الصريحَ الذي نعرفُهُ عن شيخِنا الإمام الألباني رحمه الله؛ من قبل
ومِن بعد؛ في الحُكم على (سيّد قطب)، وأقوالهِ وآرائهِ: هو ما سَطَره بيدهِ، وَخَطّه
بيمينهِ - ومنه ننقلُ -؛ مِن أنه: (لم يكن على معرفةٍ بالإسلام أصولهِ وفروعه ... جهله، وانحرافهِ عن الإسلام) ناهيك
عمّا انتقد شيخُنا – فيه - (سيّد قطب) في مسألةِ الاستواء، ووحدة الوجود، والحكم
بغير ما أنزل الله،وغيرها. أمّا ما (قد) يتعلّق به بعضهم مِن كلامٍ لشيخنا في بعض
كلامِ (سيّد قطب)؛ فهو متعلّق بوجهة نظرٍ في جملةٍ ما، أو مسألة ما، أو
كلمة ما - ردّاً على غالٍ، أو تحقيقاً لحقٍّ - وهذا مِن فضل شيخنا رحمه الله
وإنصافه؛ بل إنّه رحمه الله كان يعتذر عن كثيرٍ من تلك المخالفات الشرعيّة؛ بأنّ
(سيّد قطب) ليس عالماً بالشرع، وإنّما هو مجردُ أديبٍ وكاتبٍ. وهذا – بداهةً -
لا يُعارضُ – البتّةَ - الحكمَ الكليَّ عليه بما سبق نقله، وتقدّم بيانه. وما تقدّم
– كلّه - إنّما هو نقدٌ لفكر (سيّد قطب)، وكتبهِ، وآرائهِ، وأقوالهِ، وليس فيه
أيُّ حكمٍ على مآل الرجل عند ربه تعالى؛ فنسألُ اللهَ سبحانه؛ أن يعفو عنه،
ويتجاوز عمّا قدّمه. عمان البلقاء - 18/صفر/1426هـ - لجنة الفتوى: محمد بن موسى آل
نصـر/ سليـم ابن عيـد الهـلالي/ علـي بن حسن الحـلبي/ مشهور بن حسن آل سلمان".
قلت: وأبو غدة
- مرشد الإخوان في سوريا - أيضاً؛ خطأ ابن قطب؛ بل لقد كتب في مجلة (الأمة) القطرية
أن لابن قطب كلمات؛ هي كفر. وذكر القرضاوي - الإخواني - أن التكفير خرج بسبب فكر
ابن قطب؛ فكان ماذا!
فكل الناس
يخطئون؛ لكن أين التبديع؟ أين التضليل؟ ذهب أدراج الرياح مع قانون السلفية
المعاصرة؛ حيث لا تبديع ولا تضليل؛ بل موازنة بين الصواب والخطأ، وبين الحسنات
والسيئات، وهو من أهل السنة فيما وافق فيه، وليس من أهلها فيما خالف فيه، وهلم جرا
من ضلالاتهم وجهالاتهم؛ التي أضاعوا بها السنة، وهدموا عقيدة الولاء والبراء،
وضيعوا الشباب السلفي.
[2] - نشرت له مجلة )المجتمع( الكويتية العدد (512) الصادرة في 4 جمادى
الأولى 1401ه 10 مارس 1981 مقالة بعنوان
]كنت من الإخوان المسلمين[؛ جاء فيها: " كنت معهم في أسفارهم
ورحلاتهم؛ كأني واحد منهم"، وفي موضع آخر: "الإخوان المسلمون جمهوري".
[3] - وقد استدل بفعله هذا؛ أهل البدع والضلال؛ فها هو أحدهم يقولما وقع فيه سيد من خطأ ـ قد تقدمت الإشارة إليه ـ لم يمنع
الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ من أن يثني خيراً على سيد،
وأن يستدل بكلام سيد كما في مقدمة كتابه " مختصر العلو " حيث استدل
بكلام لسيد قطب ـ بصيغة المدح والتأييد ـ ما يعادل ثلاث صفحات، وابتدأ كلامه: فها
هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله .. وبدأ بسرد كلامه ..! والسؤال: إذا كان
الشيخ الألباني يصف سيد قطب بالأستاذ الكبير ويترحم عليه .. ويستدل بكلامه في أكثر
من ثلاث صفحات متتاليات في مقدمة الكتاب فقط .. فكيف بربيع المدخلي ومن تابعه من
المقلدة الجهال يشتمون سيداً ويرمونه بالضلال وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة ..
ويحذرون منه ومن كتبه ..؟! فأيهما: على حق وصواب الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!!
وأيهما أدرى بمادئ وقواعد الجرح والتعديل .. الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!! وأيهما
أولى بالاتباع والتقليد ـ إن جاز التقليد في مثل هذه المواضع ـ الشيخ ناصر أم
المدخلي ..؟! وأيهما السلفي ويمثل الرأي السلفي المعاصر الشيخ ناصر أم المدخلي
..؟! قلتم: أن الشيخ بكر أبو زيد قد أخطأ وخرج عن السلفية .. ونصر أهل البدع ..
عندما لم يوافق المدخلي على إطلاقاته الجائرة بحق سيد رحمه الله .. فهل تجرؤون أن
تقولوا في الشيخ ناصر ما قلتموه في الشيخ بكر ..؟! 8- ومما استدل به الشيخ ناصر من
كلام سيد بصيغة المدح والتأييد .. هو نفسه مما ينكره المدخلي على سيد أشد الإنكار،
ويعتبر ـ بسبب جهله لقواعد التكفير ـ أن سيداً قد كفر الناس والمجتمعات بهذه
الكلمات ..!! وإليك الكلمات التي استدل بها الشيخ ناصر من كلام سيد رحمهما الله
تعالى، فقال الشيخ ناصر: ثم ذكر ـ أي سيد ـ رحمه الله عاملين آخرين، ثم قال:"
نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ما حولنا جاهلية
.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم،
شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة
إسلامية، وتفكيراً إسلامياً .. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .. فلا بد إذن في منهج
الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل المؤثرات الجاهلية التي
نعيش فيها ونستمد منه ..". هذا الكلام يستدل به الشيخ الألباني بصيغة المدح
والتأييد كما في مقدمته لكتابه مختصر العلو .