بدع وضلالات بقية السلف
أخي:
دعني أولاً
أذكر لك تصوري عن تلك الطائفة التي تراها تمثل السلفية الحقة، وليس كذلك مطلقاً؛
لأنهم وإن كانوا يرمون المدخلي بالإرجاء أو حتى يبدعونه؛ فهم لا يفعلون ذلك مع
الألباني مع أنه شيخه في ذلك؛ بل له كلمات في تقرير الإرجاء؛ أصرح مما كتبه
المدخلي، وليتهم اكتفوا بهذا؛ بل تراهم يصفونه بالإمامة في العلم والدين.
وهم قبل هذا
يشيخون كل أحد، وينقلون عن كل أحد، ويتولون جماعة من المبتدعة، وذلك كي يظهروا
للعامة وطلبة العلم؛ أنهم لا يطعنون في العلماء؛ إنما يطعنون في المدخلي وأزلامه
فحسب، وهم في هذا كاذبون متناقضون؛ فالسبب الذي دعاهم لتبديع المدخلي أو الرد
عليه؛ يوجب عليهم أن يردوا على هؤلاء أيضاً؛ إلا إذا كانوا يحصرون السلفية في
مسائل بعينها، وإلا فالجربوع لا يبدع أحداً حتى المدخلي؛ فإنه يراه من العلماء
الذين يستفاد منهم، وبدر العتيبي يتولى المبتدعة الخلص ويدافع عنهم ويفتخر بأنهم
أشياخه كزهير الشاويش، والراجحي تعرف منه وتنكر ويخالف السلف في مسائل فارقة؛ لا
يبدع أحداً، ويفرق بين القول والقائل؛ سئل: يا شيخ؛ يقول رجل في كتابه (من ترك
الأعمال بالجوارح ليس بكافر) وهو يستدل بأحاديث الشفاعة؛ هل أقواله صحيحة؛ أم لا؟
فقال الراجحي: من هو هذا؟ فقال السائل: ربيع المدخلي من مكة؛ فبين الراجحي الحق في
المسألة، وقول أهل السنة فيها؛ فسأله السائل: يا شيخنا؛ هل هذا عقيدة الإرجاء؟
فقال الراجحي: أي نعم؛ هذا عقيدة الإرجاء؛ فسأله السائل: يا شيخنا؛ إذا كان عنده
إرجاء؛ هل يجوز أن نقول بأنه مرجئ، أو ضال؟ فقال الراجحي: ما نتكلم في الأشخاص؛
لكن نقول: هذا عقيدة أهل السنة، أو هذا عقيدة المرجئة؛ أما الأشخاص ما نتحدث فيهم؛
الأشخاص ما نتحدث عن شخص بعينه. والحازمي لا يبدع أحداً، والشثري كذلك، وقد ذكرت
لك من قبل موقفه من ابن قطب، والعباد كذلك لا يبدع أحداً، وما زال يثني على الحلبي
وأضرابه، وغيرهم ممن لا أذكرهم الآن، وبالجملة فلا يخلو واحد منهم من بدعة، أو
أكثر، وكلها واضحة لا تخطؤها عين.
أما بخصوص
الفوزان؛ فهو عندهم الإمام الراسخ بقية السلف؛ مع كونه لا يُعرف عنه رسوخ؛ لا في
العلم ولا في السلفية، وإلا فأين يذهبون بكلامه في النوازل، وفي مسمى الإيمان، وفي
مسألة العذر بالجهل، وفي الحاكمية، وفي موقفه من مرجئة الفقهاء، ومن النووي وابن
حجر، ومن الألباني، ومن المرجئة المعاصرين، ومن بابا الفاتيكان، وغير ذلك مما هو
معروف عنه، ومنشور على الشبكة.
وما ذكرتَه
عنه؛ يصدق ما قلته لك؛ من أن الرجل لم يعرف الرسوخ العلمي بعد، ولم يعرف من
السلفية إلا أشياء بعينها كمسألة الإمامة والسمع والطاعة.
وإلا فهل يكون
راسخاً؛ فضلاً عن أن يكون سلفياً؛ من يقول: الألباني صاحب عقيدة سليمة! وأنه لا
يجوز أن ننشر أخطاء العلماء، وأن تكفير من يفعل الشرك الأكبر، ومن يسب الله؛ خاص
بالعلماء، وأن دعاء غير الله والذبح لغير الله والاستغاثة بغير الله والاستهزاء
بالدين ومسبة الدين؛ كفر بالإجماع؛ لكن الشخص الذي يصدر منه هذا؛ إن كان جاهلاً أو
متأولاً أو مقلداً؛ فيدرأ عنه الكفر حتى يبين له؛ فإذا أقيمت عليه الحجة واستمر على
ما هو عليه؛ فيحكم عليه بالكفر لأنه ليس له عذر! كما في شرحه لرسالة ]الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك[ لسليمان بن عبدالوهاب ص (212).
أما ما سألت عنه بخصوص قوله: "ما كلفكم الله بتبديع الناس، والحكم
عليهم .. مبتدع .. ما كلفكم الله بهذا؛ اطلبوا العلم الآن؛ اذا طلبتم العلم عرفتم
البدعة، والمبتدع؛ أما أنكم تطلقون ألسنتكم على كل من خالف، وكل من فعل شيئاً
تنتقدونه؛ هذا مبتدع. هذا يرجع عليكم إثمه؛ يرجع إثمه عليكم. فالواجب: أن الانسان
يكف لسانه عن هذه الأمور، وأن يطلب العلم؛ يشتغل بطلب العلم؛ ما كلفه الله إنه
يتتبع الناس، ويقول: هذا مبتدع، وهذا فاسق، وهذا فيه، وهذا فيه؛ نعم يمكن هو عنده
أشد من المنتقَد؛ علينا أن نتقي الله في أنفسنا؛ نعم"اهـ
وقوله: "ما
عندهم إلا الكلام في الناس، وتجريح الناس، وفلان
كذا، وفلان كذا؛ هذه غيبة؛ هذه هي الغيبة؛ ما تجوز! ولا هو هذا بالجرح والتعديل؛
الجرح والتعديل من علم الإسناد؛ إسناد الحديث؛ أما تجلس، وتقول: فلان فيه كذا،
وفلان فيه كذا، وتمدح، وتذم؛ هذا ما هو بجرح وتعديل؛ هذا
جرح فقط؛ ما فيه تعديل؛ جرح، وغيبة، ونميمة"اهـ
وأيد هذا بما نشره
في موقعه؛ حيث قال: "حذر معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء؛ من الانشغال في التكفير، والتبديع، وتتبع
زلات العلماء والدعاة؛ محذراً بأنه لا يجوز الانشغال بها، ولا متابعة من يعمل بها؛
حاثاً طلاب العلم والمسلمين؛ أن الواجب التناصح بين المسلمين، والتعاون على البر
والتقوى، والعمل بالعلم، وأن لا ننشغل بالغيبة، لأن الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب،
ولا تصلح شيء، لما يترتب عليه تفريق المسلمين؛ مؤكداً معاليه من رأينا عليه خطأً
أو نقصاً؛ نناصحه إما بالكتابة له، وإما بالمشافهة"اهـ
فهو خطأ محض،
وباطل صرف؛ فقد كلفنا الله
بهذا، وأمرنا بتبديع المبتدع، والبراءة منه، ومن بدعته، وبيان أمره للناس، وإنه
لمن العلم والتقى السؤال عن البدعة والمبتدعة؛ قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛
مخافة أن يدركني"، وإلا فكيف يُعرف السني من المبتدع، وكيف يطلب الإنسان العلم
على رجل لا يعرف عقيدته ومنهجه؛ فالسؤال قبل طلب العلم لا بد منه؛ حتى لا يطلب
العلم عند مبتدع؛ قال محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون
دينكم».
قال عبدالله بن أحمد في العلل (2291): "سمعت أبي يقول: حدثنا أبو جعفر
الحذاء؛ قال: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر - أعني إبراهيم بن أبي
يحيى - قال: «عرفوا الناس بدعته، وسلوا ربكم العافية»"اهـ
وقال مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه (5): "باب في أن الإسناد من الدين،
وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز؛ بل واجب،
وأنه ليس من الغيبة المحرمة؛ بل من الذب عن الشريعة المكرمة .. عن محمد بن سيرين؛
قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم»"اهـ
وقال (6): "باب الكشف عن معايب رواة الحديث ونقلة الأخبار وقول الأئمة
في ذلك. وقال محمد: سمعت علي بن شقيق، يقول: سمعت عبدالله بن المبارك، يقول على
رؤوس الناس: «دعوا حديث عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف»".. وحدثنا عبيدالله بن سعيد؛ قال: سمعت النضر؛ يقول:
سئل ابن عون، عن حديث لشهر، وهو قائم على أسكفة الباب؛ فقال: «إن شهراً نزكوه، إن
شهراً نزكوه»؛ قال مسلم رحمه الله: يقول: أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه .. وحدثني
عبيدالله بن سعيد؛ حدثنا عبدالرحمن؛ يعني ابن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن
عون، قال: قال لنا إبراهيم: «إياكم والمغيرة بن سعيد، وأبا عبدالرحيم؛ فإنهما
كذابان». حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا حماد، وهو ابن زيد، قال: حدثنا عاصم، قال:
كنا نأتي أبا عبدالرحمن السلمي، ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: «لا تجالسوا
القصاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيقاً»، قال: «وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج،
وليس بأبي وائل» .. وحدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، حدثنا حماد بن زيد، قال:
كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه، ففقده أيوب، فقالوا: يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن
عبيد. قال حماد: فبينا أنا يوماً مع أيوب، وقد بكرنا إلى السوق، فاستقبله الرجل،
فسلم عليه أيوب، وسأله، ثم قال له أيوب: «بلغني أنك لزمت ذاك الرجل»، قال حماد:
سماه يعني عمراً، قال: نعم يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب، قال: يقول له
أيوب: «إنما نفر، أو نفرق من تلك الغرائب»"اهـ
وقال
البربهاري في شرح السنة (7): "وآخر عاند الحق، وخالف من كان قبله من المتقين؛ فهو ضال مضل؛ شيطان مريد في
هذه الأمة؛ حقيق على من يعرفه؛ أن يحذر الناس منه، ويبين لهم قصته؛ لئلا يقع أحد
في بدعته فيهلك"اهـ
وقال
اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1372): ".. ثنا عاصم الأحول؛ قال: جلست إلى قتادة؛ فذكر عمرو بن عبيد فيه؛ فقلت: يا
أبا الخطاب؛ ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؛ قال: «يا أحول، ولا تدري أن الرجل
إذا ابتدع بدعة؛ فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم». فجئت من عند قتادة، وأنا مغتم
لقوله في عمرو بن عبيد، وما رأيت من نسك عمرو بن عبيد، وهديه؛ فوضعت رأسي بنصف
النهار؛ فإذا أنا بعمرو بن عبيد في النوم، والمصحف في حجره، وهو يحك آية من كتاب
الله؛ قلت: سبحان الله؛ تحك آية من كتاب الله؛ قال: إني سأعيدها؛ فتركته حتى حكها؛
فقلت له: أعدها، فقال: إني لا أستطيع"اهـ
قلت: قتادة قدري.
وقال ابن بطة
في الإبانة (6/133): "وإنما ذكرت
هذه الأقوال من مذاهبهم؛ ليعلم إخواننا ما قد اشتملت عليه مذاهب الجهمية المقبوحة
المنبوحة؛ من ألوان الضلال، وصنوف الشرك، وقبائح الأقوال؛ ليجتنب الحدث ممن لا علم
له؛ مجالستهم؛ وصحبتهم؛ وألفتهم، ولا يصغي إلى شيء من أقوالهم وكلامهم"اهـ
وقال الدارمي
في رده على المريسي (ص 506-507): "ولولا أنه يشير إليك بعض الناس ببعض النضرة في العلم؛ ما اشتغلنا بالرد على
مثلك؛ لسخافة كلامك، ورثاثة حججك، ولكنا تخوفنا من جهالتك ضرراً على الضعفاء الذين
بين ظهريك؛ فأحببنا أن نبين لهم عورة كلامك، وضعف احتجاجك؛ كي يحذروا مثلها من
رأيك، وقد فضحناك في ذلك"اهـ
وقال العقيلي
في الضعفاء (278): "قال
أبو نصر: كان زائدة يجلس في المسجد؛ يحذر الناس من ابن حي، وأصحابه. قال: وكانوا
يرون السيف. حدثنا محمد بن إسماعيل؛ قال: حدثنا الحسن بن علي؛ قال: حدثنا أبو صالح
الضراء؛ قال: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن؛ فقال: ذاك يشبه أستاذه
- يعني الحسن بن حي - قلت: قلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا
أحمق؛ أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم؛ أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا؛
فتبعتهم أوزارهم"اهـ
وقال السجزي في رسالته إلى أهل زبيد (ص 295): "الفصل التاسع: في ذكر
شيء من أقوالهم؛ ليقف العامة عليها، فينفروا عنهم، ولا يقعوا في شباكهم"اهـ
وقال ابن حبان في المجروحين (205): "الحسن بن عمارة .. كان عابداً ..
ثنا حجاج بن محمد؛ سمعت شعبة يقول: ما أبالي حدثت عن الحسن بن عمارة بحديث، أو
زنيت زنية في الإسلام .. ثنا عصام بن داود بن الجراح؛ سمعت أبي يقول: سمعت الحسن
بن عمارة؛ يقول: الناس كلهم مني في حل خلا شعبة؛ فإني لا أجعله في حل؛ حتى أقف أنا
وهو بين يدي الله عز وجل؛ فيحكم بيني وبينه. قال أبو حاتم: كان بلية الحسن بن
عمارة؛ أنه كان يدلس عن الثقات ما وضع عليهم الضعفاء؛ كان يسمع من موسى بن مطير،
وأبي العطوف، وأبان بن أبي عياش، وأضرابهم؛ ثم يسقط أسماءهم، ويرويها عن مشايخهم
الثقات؛ فلما رأى شعبة تلك الأحاديث الموضوعة التي يرويها عن أقوام ثقات؛ أنكرها
عليه، وأطلق عليه الجرح، ولم يعلم أن بينه وبينهم؛ هؤلاء الكذابين؛ فكان الحسن بن
عمارة هو الجاني على نفسه .. وأرجو أن الله عز وجل؛ يرفع لشعبة في الجنان
درجات"اهـ
وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص 78): "ولم يزل أهل السنة يعيبون
أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا
يرون ذلك غيبة لهم، ولا طعناً عليهم"اهـ
وفي الكفاية للخطيب (ص 42-45): "قال الحسن البصري: «ليس لأهل البدعة
غيبة».
وقال الصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلن بفجوره؛ ذكري له بما
فيه؛ غيبة له؟ قال: «لا، ولا كرامة».
وقال يحيى بن سعيد: سألت شعبة، وسفيان، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة؛ عن
الرجل يتهم في الحديث، أو لا يحفظ؛ قالوا: «بين أمره للناس».
وقال عبدالرحمن بن مهدي: مررت مع شعبة برجل - يعني يحدث - فقال: «كذب
والله؛ لولا أنه لا يحل لي أن أسكت عنه؛ لسكت».
وقال حماد بن زيد: كلمنا شعبة بن الحجاج؛ أنا وعباد بن عباد, وجرير بن
حازم؛ في رجل؛ قلنا: لو كففت عن ذكره؛ فكأنه لان، وأجابنا؛ ثم مضيت يوماً أريد
الجمعة؛ فإذا شعبة يناديني من خلفي؛ فقال: «ذاك الذي قلت لكم فيه؛ لا أراه يسعني».
وقال عثمان بن حميد: قيل لشعبة بن الحجاج: يا أبا بسطام؛ كيف تركت علم
رجال، وفضحتهم؛ فلو كففت. فقال: «أجلوني حتى أنظر الليلة فيما بيني، وبين خالقي؛
هل يسعني ذلك؟»؛ فلما كان من الغد؛ خرج علينا على حمار له؛ فقال: «قد نظرت فيما
بيني، وبين خالقي؛ فلا يسعني دون أن أبين أمورهم للناس. والسلام».
وقال أحمد بن محمد المكي: سمعت سفيان بن عيينة؛ يقول: كان شعبة؛ يقول:
«تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل».
وقال أبو زيد الأنصاري النحوي: أتينا شعبة يوم مطر؛ فقال: «ليس هذا يوم
حديث؛ اليوم يوم غيبة؛ تعالوا حتى نغتاب الكذابين».
وقال مكي بن إبراهيم: كان شعبة يأتي عمران بن حدير؛ يقول: «يا عمران؛ تعال
حتى نغتاب ساعة في الله عز وجل»؛ يذكرون مساوئ أصحاب الحديث.
وقال محمد بن بندار: قلت لأحمد بن حنبل: إنه ليشتد علي أن أقول: فلان ضعيف؛
فلان كذاب. فقال أحمد: «إذا سكت أنت، وسكت أنا؛ فمتى يعرف الجاهل الصحيح من
السقيم؟»"اهـ
وقال عقبة بن علقمة: "كنت عند أرطأة بن المنذر؛ فقال بعض أهل المجلس:
ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة، ويخالطهم؛ فإذا ذكر أهل البدع؛ قال: دعونا من
ذكرهم؛ لا تذكروهم. فقال أرطأة: هو منهم لا يلبس عليكم أمره. فأنكرت ذلك، وقدمت
على الأوزاعي، وكان كشافاً لهذه الأشياء إذا بلغته؛ فقال: صدق أرطأة، والقول ما
قال؛ هذا ينهي عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشاد بذكرهم"اهـ (بتصرف من تاريخ
دمشق 8/15)
وقال الشافعي: "إذا علم رجل من محدث الكذب؛ ما يسعه السكوت عنه، ولا
يكون ذلك غيبة؛ لأن العلماء كالنقاد، ولا يسع الناقد في دينه أن لا يبين الزيوف،
وغيرها"اهـ (الموضوعات 1/50)
وقال ابن الجوزي: "كان الإمام أحمد بن حنبل؛ لشدة تمسكه بالسنة، ونهيه عن
البدعة؛ يتكلم في جماعة من الأخيار؛ إذا صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك
محمول على النصيحة للدين"اهـ (مناقب الإمام أحمد ص 253)
قلت: هذا في خيار أهل السنة؛ فكيف بأهل البدع، والأهواء؟
وقال الهروي:
"فنأتي الآن بأقاويل الفقهاء، والخيار من طبقات الأئمة؛
في كشف عورات هذه الطائفة الزائغة عن النهج؛ الناكبة عنه، وإن رغمت أنوف الجهلة
الذين يطعنون في أهل السنة؛ في قدحهم في رؤوس أهل الضلالة"اهـ
(ذم الكلام وأهله 676)
وقال ابن
تيمية في مجموع الفتاوى (28/231): "ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو
العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم، وتحذير الأمة منهم؛ واجب باتفاق
المسلمين؛ حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في
أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف؛ فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع؛
فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل"اهـ
وقال (15/286): "ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة؛ كما روي
ذلك عن الحسن البصري وغيره؛ لأنه لما أعلن ذلك؛ استحق عقوبة المسلمين، له وأدنى
ذلك أن يذم عليه؛ لينزجر، ويكف الناس عنه، وعن مخالطته، ولو لم يذم ويذكر بما فيه
من الفجور والمعصية أو البدعة؛ لاغتر به الناس، وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما
هو عليه، ويزداد أيضاً هو جرأة وفجوراً ومعاصي؛ فإذا ذكر بما فيه انكف وانكف غيره
عن ذلك، وعن صحبته، ومخالطته"اهـ
وقال في درء
التعارض (2/96-98): "قال الشيخ أبو
الحسن: (وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب
الكلام). قال: (ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري،
ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه،
على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة - منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي
- يقولون: سمعنا جماعة من المشايخ الثقات، قالوا: كان الشيخ أبو حامد أحمد ابن أبي
طاهر الإسفرايني إمام الأئمة، الذي طبق الأرض علماً وأصحاباً؛ إذا سعى إلى الجمعة
من قطعية الكرج إلى جامع المنصور، يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع،
ويقبل على من حضر، ويقول: اشهدوا علي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق؛ كما قاله
الإمام ابن حنبل؛ لا كما يقوله الباقلاني، وتكرر لك منه جمعات؛ فقيل له في ذلك،
فقال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلح، ويشيع الخبر في أهل البلاد: أني بريء مما
هم عليه - يعني الأشعرية - وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني، فإن جماعة من
المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية، ويقرؤون عليه؛ فيفتنون بمذهبه؛ فإذا
رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظان أنهم مني تعلموه قبل، وأنا ما
قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته). قال الشيخ أبو الحسن الكرجي: (وسمعت
شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني؛ يقول: سمعت شيخنا الإمام أبا بكر
الزاذقاني؛ يقول: كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرايني، وكان ينهي أصحابه عن
الكلام، وعن الدخول على الباقلاني، فبلغه أن نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية
لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم، وذكر قصة قال في آخرها: إن الشيخ أبا حامد قال
لي: يا بني، قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل - يعني الباقلاني - فإياك وإياه،
فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة، وإلا فلا تحضر مجلسي؛ فقلت: أنا عائذ بالله
مما قيل، وتائب إليه، وأشهدوا على أني لا أدخل إليه). قال الشيخ أبو الحسن: (وسمعت
الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي؛ يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة
ببغداد - أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم - قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج
إلى الحمام متبرقعاً؛ خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسفرايني). قال أبو الحسن:
(ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام؛ حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول
الأشعري"اهـ
وقال ابن
القيم: " فلو رأيت ما يصرف إليه المحرفون أحسن الكلام وأبينه
وأفصحه وأحقه بكل هدى وبيان وعلم من المعاني الباطلة والتأويلات الفاسدة لكدت تقضي
من ذلك عجبا وتتخذ في بطن الأرض سربا فتارة تعجب وتارة تغضب
وتارة تبكي وتارة تضحك وتارة تتوجع لما نزل بالإسلام وحل بساحة الوحي ممن هم أضل
من الأنعام؛ فكشف عورات هؤلاء وبيان فضائحهم وفساد قواعدهم من أفضل الجهاد في سبيل
الله
"اهـ
(الصواعق المرسلة 1/300-301)
وقال
عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ - الدرر (12/366) -: "وأما كون شيخنا الوالد صرح باسمك في الرياض؛ فهو منه
اهتمام بالواجب الشرعي؛ فإن الرجل إذا خيف أن يفتن به الجهال، ومن لا تمييز عندهم
في نقد أقاويل الرجال؛ فحينئذ يتعين الإعلان بالإنكار، والدعوة إلى الله في السر
والجهار، ليعرف الباطل فيجتنب، وتهجر مواقع التهم والريب، ولو طالعت كتب الجرح
والتعديل، وما قاله أئمة التحقيق، والتأصيل؛ فيمن اتهم بشيء يقدح فيه، أو يحط من
رتبة ما يحدث به، ويرويه؛ لرأيت من ذلك عجباً، ولعرفت أن سعي الشيخ محمود قولاً،
وسبباً"اهـ