طعن ربيع المدخلي في الثوري وشعبة
والأعمش
السؤال:
ما صحة ما ذكره ربيع المدخلي بشأن (الثوري وشعبة
والأعمش)، وهل هم مبتدعة فعلاً، أو وقعوا في بدع؛ كما ذكر المدخلي في رده على
الحداد؟
الجواب:
الحمد لله؛ ننقل أولاً نص كلام المدخلي؛ ثم نعلق بما
نراه مناسباً.
قال المدخلي:
"فهذه المذكرة موجودة؛ لم أطعن في سفيان
الثوري، والعياذ بالله، وهو ولله الحمد من أعظم الأئمة عندي، ويعلم الله حبي له،
وإكرامي له؛ غير أن غلو هؤلاء؛ جعلني أنقل ما قاله الشافعي وغيره؛ في موقف سفيان
من جابر الجعفي .. وأما الآخرون: فنقلت شهادات الأئمة العدول؛ بأنهم وقعوا في بدع؛
منها القدر، ومنها التشيع، ومنها الإرجاء، وتداولها الأئمة العدول في دواوين الجرح
والتعديل، وقد ذكرت في ترجمة كل واحد منهم من نسبه الى البدعة، وذكرت المصادر، أو
المصدر في كل ترجمة؛ فكلامي موثق لا يستطيعون أن يثبتوا عليَّ كلمة رميت فيها
بريئاً"اهـ (مجازفات الحداد ومخالفته لمنهج السلف ص 7)
التعليق:
أولاً: بخصوص كلامه في شعبة، ورميه له بالإرجاء؛ فقد
سبق ونشرت رد (أبي وداعة) عليه؛ فلينظر.
ثانياً: بخصوص كلامه في
الثوري والأعمش، ورميه لهما بالتشيع لتفضيلهما علي على عثمان رضي الله عنهما؛ فقد كان
هذا قديماً؛ قبل أن يستقر الإجماع على تقديم عثمان على علي.
قال الشافعي: "ما
اختلف أحد من الصحابة والتابعين؛ في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع
الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم؛ في علي وعثمان، ونحن لا نخطئ واحداً من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا"اهـ الاعتقاد للبيهقي (ص 396)
وقال الأعمش: "أدركت
أشياخنا: زراً، وأبا وائل؛ فمنهم: مَن عثمان أحب إليه من علي، ومنهم: مَن علي أحب
إليه من عثمان، وكانوا أشد شيء تحاباً، وتواداً"اهـ السير (4/169)
وقال أحمد: "كان يزيد
بن هارون؛ يقول: لا تبالي من قدمت؛ علي على عثمان، أو عثمان على علي. وهذا الآن لا
أدري كيف هو، وكان عامة أهل واسط يتشيعون"اهـ السنة للخلال (2/394)
وقال يزيد بن الهيثم: "قال
يحيى بن معين؛ قال يحيى بن سعيد: كان رأي سفيان الثوري: أبو
بكر، وعمر؛ ثم يقف. قال يحيى بن معين: وهو رأي يحيى بن سعيد"اهـ (السنة
للخلال 512)
وقال حمدان بن علي: "سمعت
أبا عبدالله؛ يقول: كان يحيى بن سعيد؛ يقول: عمر، وقف. وأنا أقف؛ قال أبو عبدالله:
وما سمعت أنا هذا من يحيى؛ حدثني به أبو عبيد عنه، وما سألت أنا عن هذا أحد؛ أو ما
صنع بهذا؟ قال أبو جعفر: فقلت: يا أبا عبدالله: من قال: أبو بكر وعمر؛ هو عندك من
أهل السنة؟ قال: لا توقفني هكذا؛ كيف نصنع بأهل الكوفة؛ قال أبو جعفر: وحدثني عنه
أبو السري عبدوس بن عبدالواحد؛ قال: إخراج الناس من السنة شديد"اهـ (السنة
للخلال 513)
وقال هارون بن سفيان:
"قلت لأحمد بن حنبل: يا أبا عبدالله؛ ما تقول فيمن قال: أبو بكر وعمر وعثمان؟
قال: فقال: هذا قول ابن عمر، وإليه نذهب؛ قلت: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟
قال: صاحب سنة؛ قلت: فمن قال: أبو بكر وعمر؟ قال: قد قاله سفيان وشعبة ومالك؛ قلت:
فمن قال: أبو بكر وعمر وعلي؟ فقال: هذا الآن شديد؛ هذا الآن شديد"اهـ (السنة
للخلال 603)
وقال
ابن تيمية: "وأما تفضيل أبي بكر ثم عمر؛ على عثمان وعلي؛ فهذا متفق عليه بين
أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم،
وهو مذهب مالك، وأهل المدينة، والليث بن سعد، وأهل مصر، والأوزاعي، وأهل الشام،
وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وأمثالهم من أهل العراق.
وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغير هؤلاء من أئمة الإسلام الذين لهم
لسان صدق في الأمة. وحكى مالك إجماع أهل المدينة على ذلك .. إلى أن قال: وأما
عثمان وعلي: فهذه دون تلك؛ فإن هذه كان قد حصل فيها نزاع؛ فإن سفيان الثوري وطائفة
من أهل الكوفة رجحوا علياً على عثمان؛ ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره، وبعض أهل
المدينة توقف في عثمان وعلي، وهي إحدى الروايتين عن مالك؛ لكن الرواية الأخرى عنه؛
تقديم عثمان على علي؛ كما هو مذهب سائر الأئمة؛ كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد
بن حنبل وأصحابه، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام؛ حتى إن هؤلاء تنازعوا فيمن يقدم
علياً على عثمان؛ هل يعد من أهل البدعة؟ على قولين؛ هما روايتان عن أحمد"اهـ بتصرف
من مجموع الفتاوى (4/421-426)
وقال: "قال عبدالله
بن مسعود: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما؛ من السنة؛ أي: من شريعة النبي صلى الله
عليه وسلم التي أمر بها؛ فإنه قال: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)، ولهذا
كان معرفة فضلهما على من بعدهما واجباً؛ لا يجوز التوقف فيه؛ بخلاف عثمان وعلي؛
ففي جواز التوقف فيهما قولان. وكذلك: هل يسوغ الاجتهاد في تفضيل علي على عثمان؟
فيه روايتان: إحداهما: لا يسوغ ذلك؛ فمن فضل علياً على عثمان؛ خرج من السنة إلى
البدعة لمخالفته لإجماع الصحابة .. والثانية: لا يبدع من قدم علياً؛ لتقارب حال
عثمان، وعلي"اهـ بتصرف من مجموع الفتاوى (4/435-436)
ثالثاً: بالنسبة لموقف
الثوري من جابر الجعفي؛ فإن الجعفي كانت عنده أشياء لم يصبر الأئمة عنها؛ فطلبوها
وكتبوها ليعرفوها؛ كما أن الثوري ليس من مذهبه ترك
الرواية عن الضعفاء.
قال وكيع: "قيل
لشعبة: لم طرحت فلاناً وفلاناً، ورويت عن جابر؟ قال: لأنه جاء بأحاديث لم نصبر
عنها"اهـ (الكامل 326)
وقال معلى بن
منصور الرازي: "قال لي أبو معاوية: كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي،
وكنت أدخل عليه؛ فأقول: من كان عندك؟ فيقول: شعبة، وسفيان"اهـ (تهذيب الكمال 879)
وقال محمد بن رافع:
"رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون، ومعه كتاب زهير عن جابر، وهو
يكتبه؛ فقال: يا أبا عبدالله؛ تنهوننا عن حديث جابر، وتكتبونه؛ قال:
نعرفه"اهـ (المجروحون 173)
وقال أحمد: "قد
كنت لا أكتب حديثه؛ ثم كتبت أعتبر به"اهـ (سؤالات الميموني 75)
وقال الميموني:
"سألت خلفاً؛ قلت: قعد أحد عن جابر الجعفي؟ فقال لا أعلمه؛ كان سفيان بن
عيينة من أشدهم قولاً فيه، وقد حدث عنه، وإنما كانت عنده ثلاثة أحاديث؛ قلت: صح
عنه شيء أنه يؤمن بالرجعة؟ قال: لا، ولكنه من شيعة علي، وشعبة، والثوري، والناس
يحدثون عنه؛ إلا أن هؤلاء ليس يحدثون عنه بتلك الأشياء"اهـ (سؤالاته 401)
وقال ابن عدي:
"له حديث صالح، وقد روى عنه الثوري الكثير؛ مقدار خمسين حديثاً، وشعبة أقل
رواية عنه من الثوري، وقد احتمله الناس، ورووا عنه، وعامة ما قذفوه به: أنه كان
يؤمن بالرجعة، ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وهو مع هذا كله، أقرب إلى الضعف منه
إلى الصدق"اهـ (الكامل 326)
وقال ابن عبدالبر: "أجمعوا
على أن يكتب حديثه، واختلفوا في الاحتجاج به"اهـ (الاستذكار 7/468)
والله أعلم، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين