من رسوخ الفوزان: شكه في كفر ابن عربي

من رسوخ الفوزان: شكه في كفر ابن عربي
ليس عيباً أن ينتقل الإنسان من قول إلى قول؛ لأجل ما تبين له من الحق؛ إنما العيب أن يصر على قول لا حجة معه عليه، أو يترك الحق ليتقلد الباطل، وهذا ما يفعله الفوزان؛ فإنه يترك الحق الذي تعلمه، ويتقلد الباطل، أو يتذبذب بين ذلك؛ يفعل هذا في المسائل التي هي فرق بين أهل السنة، وأهل البدع؛ من ذلك: ما قاله جواباً على سؤالين:
الأول:
أحسن الله اليكم: يقول أشكل عليَّ قول الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في رسالته الى أهل القصيم؛ بأنه ﻻ يكفر ابن عربي، وﻻ ابن الفارض؟
فأجاب: "تكفير المعين هذا؛ تكفير المعين فيه خلاف؛ ﻷنك ﻻ تدري ما يختم له؛ ما تدري ما يختم له؛ لكن تقول: هذا ضلال؛ هذا خطأ، أو هذا كفر؛ قل؛ لكن تقول: إنه كافر، وإنه مصيره الي النار؛ ما تدري عن خاتمته؛ هذا وجهة نظر الامام محمد، وهذا وجهة نظر كثير من الأئمة؛ تكفير المعين ﻻ يجوز؛ لأنك ما تدري ما حاله، وما تدري خاتمته، وما يموت عليه؛ لكن مذهب ابن عربي: كفر؛ مذهبه ضلال؛ وحدة الوجود؛ أما شخصه، والحكم عليه بأنه مات على الكفر؛ هذا هو اللي فيه توقف كبير"اهـ
والثاني:
فضيلة الشيخ وفقكم الله؛ أسئلة كثيرة تسأل عن البوصيري؛ هل يحكم بكفره؛ أم ماذا؟
فأجاب: "ما ندري وش مات عليه؛ ما نجزم؛ تكفير المعين ما نحكم به إلا بدليل على أنه مات على الكفر؛ لكن نقول: كلامه هذا كفر، ومن اعتقده هو فهو كافر؛ لكن الشخص: الله أعلم؛ ما ندري وش مات عليه، ولا وش ختم له به، وحنا مالنا شغل بالأشخاص؛ احنا شغلنا بالكلام اللي أضل الناس وأوقع الناس؛ نبطله؛ لا بد نبطله؛ نرد عليه؛ نعم"اهـ
قلت:
شرح الفوزان (الطحاوية) وفيها التصريح بكفر ابن عربي؛ قال ابن أبي العز في ]شرح الطحاوية[ (ص 506): "كفر ابن عربي وأمثاله؛ فوق كفر القائلين: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}، ولكن ابن عربي وأمثاله: منافقون؛ زنادقة؛ اتحادية؛ في الدرك الأسفل من النار"اهـ
وقرأ ولا شك؛ مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وفيها أيضاً التصريح بكفر ابن عربي؛ قال في رسالته لمطوع المجمعة: "ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز؛ فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه، رجل يقال له: عبدالغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه؛ أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون؛ حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي؛ فهو كافر"اهـ (الدرر 10/25)
وقال في رسالته إلى أهل الرياض، ومنفوحه: "والحاصل: أن مسائل التوحيد ليست من المسائل التي هي من فن المطاوعة خاصة؛ بل البحث عنها وتعلمها فرض لازم؛ على العالم والجاهل، والمحرم والمحل، والذكر والأنثى؛ وأنا لا أقول لكم: أطيعوني، ولكن الذي أقول: إذا عرفتم أن الله أنعم عليكم، وتفضل عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعلماء بعده؛ فلا ينبغي لكم معاندة محمد صلى الله عليه وسلم، وقول: تكفرون المسلمين؛ كيف تفعلون كذا؟ كيف تفعلون كذا؟ فإنا لم نكفر المسلمين؛ بل ما كفرنا إلا المشركين، وكذلك أيضاً: من أعظم الناس ضلالاً متصوفة في معكال وغيره؛ مثل ولد موسى بن جوعان، وسلامة بن مانع، وغيرهما؛ يتبعون مذهب ابن عربي وابن الفارض، وقد ذكر أهل العلم: أن ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية، وهم أغلظ كفراً من اليهود والنصارى؛ فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويتبرأ من دين الاتحادية؛ فهو كافر بريء من الإسلام، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا تقبل شهادته، والعجب العجب؛ أن الذي يدعي المعرفة؛ يزعم أنه لا يعرف كلام الله، ولا كلام رسوله؛ بل يدعي أنه عرف كلام المتأخرين؛ مثل (الإقناع) وغيره، وصاحب (الإقناع)، قد ذكر أن من شك في كفر هؤلاء السادة والمشايخ؛ فهو كافر"اهـ (الدرر 10/54-55)
وتصفح ولا شك الدرر السنية، وفيها: "من شك في كفر طائفة ابن عربي؛ فهو كافر"اهـ (9/423) وفيها أيضاً: "والكلام الآن فيما عليه أهل وحدة الوجود: ابن عربي، وابن الفارض، والتلمساني، وإخوانهم؛ لأنه الذي تضمنه السؤال; فنقول: مذهب هذه الطائفة الملعونة: أن الرب تعالى وتقدس؛ هو عين الوجود، ويصرحون في كتبهم: أن وجود الرب؛ هو عين وجود السماوات، والأرض، والجبال، والبحار، وجميع الموجودات؛ هي عين الرب، عندهم؛ فليس عندهم رب وعبد، ولا خالق، ومخلوق"اهـ (3/349)
وطالع ولا شك فتاوى ابن تيمية، وفيها التصريح بكفر ابن عربي؛ بل وكفر من شك في كفره؛ قال: "صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم؛ بأنه (أي الله تعالى) هو الذي يجوع، ويعطش، ويمرض، ويبول، ويَنكح، ويُنكح، وأنه موصوف بكل نقص، وعيب"اهـ (مجموع الفتاوى 2/355)
وقال: "وقد تبين أن في هذا الكلام من الكفر والتنقيص بالرسل، والاستخفاف بهم، والغض منهم؛ بل والكفر بهم، وبما جاءوا به؛ ما لا يخفى على مؤمن"اهـ (مجموع الفتاوى 2/240)
وقال: "ما تضمنه كتاب (فصوص الحكم) وما شاكله من الكلام؛ فإنه كفر باطناً وظاهراً، وباطنه أقبح من ظاهره"اهـ (مجموع الفتاوى 2/364)
وقال: "وجماع أمر صاحب الفصوص، وذويه: هدم أصول الإيمان الثلاثة؛ فإن أصول الإيمان: الإيمان بالله؛ والإيمان برسله؛ والإيمان باليوم الآخر؛ فأما الإيمان بالله: فزعموا أن وجوده وجود العالم؛ ليس للعالم صانع غير العالم، وأما الرسول: فزعموا أنهم أعلم بالله منه، ومن جميع الرسل، ومنهم من يأخذ العلم بالله - الذي هو التعطيل ووحدة الوجود - من مشكاته، وأنهم يساوونه في أخذ العلم بالشريعة عن الله، وأما الإيمان باليوم الآخر: فقد قال: فلم يبق إلا صادق الوعد وحده، وبالوعيد الحق عين تعاين، وإن دخلوا دار الشقاء؛ فإنهم على لذة فيها نعيم يباين. وهذا يُذكر عن بعض أهل الضلال قبله؛ أنه قال: إن النار تصير لأهلها طبيعة نارية يتمتعون بها، وحينئذ فلا خوف، ولا محذور، ولا عذاب؛ لأنه أمر مستعذب. ثم إنه في الأمر والنهي؛ عنده الآمر والناهي والمأمور والمنهي؛ واحد؛ ولهذا كان أول ما قاله في الفتوحات المكية التي هي أكبر كتبه: الرب حق، والعبد حق؛ يا ليت شعري من المكلف؟ إن قلت عبد؛ فذاك رب، أو قلت رب أنى يكلف؟ وفي موضع آخر (فذاك ميت) رأيته بخطه. وهذا مبني على أصله؛ فإن عنده ما ثم عبد، ولا وجود إلا وجود الرب؛ فمن المكلف؟ وعلى أصله: هو المكلف، والمكلف كما يقولون: أرسل من نفسه إلى نفسه رسولاً"اهـ (مجموع الفتاوى 241-243)
وقال: "وأقوال هؤلاء؛ شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة؛ فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه؛ فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء؛ بعد معرفة قولهم، ومعرفة دين الإسلام؛ فهو كافر؛ كمن يشك في كفر اليهود، والنصارى، والمشركين"اهـ (مجموع الفتاوى 2/368)
بل هو نفسه رد على البوطي بخصوص هذه المسألة؛ ففي كتابه ]نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية لمحمد سعيد رمضان (البوطي) من الهفوات[؛ قال: "ثم حاول (أي البوطي) الدفاع عن ابن عربي، وما في كتبه؛ من القول بوحدة الوجود؛ ففي هامش صفحة (104-105)؛ قال: «إنه لا يجوز تكفيره بموجب كلامه الذي فيه الإلحاد الصريح؛ حتى يعلم ما في قلبه؛ هل يعتقد ما يقول، أو لا»، ولو صح قول الدكتور هذا؛ ما كفر أحد بأي قول أو فعل؛ مهما بلغ من القبح والشناعة والكفر والإلحاد؛ حتى يشق عن قلبه، ويعلم ما فيه من اعتقاد، وعلى هذا فعمل المسلمين على قتال الكفرة، وقتل المرتدين؛ خطأ على لازم قول الدكتور؛ لأنهم لم يعلموا ما في قلوبهم، وهل هم يعتقدون ما يقولون وما يفعلون من الكفر، أو لا"اهـ (انظر مجلة البحوث الإسلامية 26/209)
وهذا هو الحق الذي لا مراء فيه؛ فإن الله سبحانه؛ لم يجعل أحكام الدنيا على السرائر؛ بل على الظواهر، فالتذرع باحتمال ما يضمره في نفسه، أو ما يعتقده في قلبه؛ لا يمنع من الحكم عليه بما يستحقه، وليس هذا من التألي على الله في شيء؛ لأننا لم نشهد إلا بما علمنا من ظاهره، ولسنا مطالبين بالكشف عن باطنه؛ فإن الله لم يتعبدنا بهذا؛ إنما تعبدنا بالحكم على الظواهر، والسرائر نكلها إليه سبحانه وتعالى.
وابن عربي لا يشك مسلم في كفره وزندقته وانحلاله، ولا نعلم أنه تاب أو تراجع، وإن كان؛ فالتوبة إنما تمنع الحكم عليه بالخلود في النار؛ وما عدا ذلك فلا؛ لذا قال أحمد العراقي مع كونه مرجئاً: "لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه؛ على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية؛ فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر إلى وفاته؛ فهو كافر مخلد في النار بلا شك"اهـ (تنبيه الغبي ص 135)
فلم يستطع الترقيع له، وقال بقول أهل السنة؛ أما من ينتحل السلفية؛ فقد خالفها بتعالم واضح، وجهل فاضح، وخبط خبط عشواء، ورتع في مجهلة ظلماء، وقال مقالة عمياء؛ فإلى الله المشتكى منه، ومن أمثاله.
قال البقاعي الأشعري في خطبة كتابه ]تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي[ مخاطباً الفوزان وأمثاله من المتهوكة: "وبعد: فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي المنسوب إلى التصوف؛ الموسوم عند أهل الحق بالوحدة، ولم أر من شفى القلب في ترجمته، وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره؛ أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهراً؛ حتى يعلم حاله، فيُهجر مقاله، ويُعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآبه، ومآله"اهـ
فتوقف الفوزان في كفر ابن عربي، وتفريقه بين القول والقائل، وزعمه أن التعرض للأشخاص والحكم عليهم؛ لا يجوز، وغير ذلك من بدعه وضلالاته؛ من أكبر الشواهد على أن الرجل أبعد ما يكون عن الرسوخ العلمي، وأن بينه وبين العلم الرجيح مفاوز.
أما كلامه بخصوص الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وزعمه أنه لا يكفر المعين؛ فهذا باطل من القول وزور؛ والصواب أنه قال ذلك قبل أن يتبين له حال ذاك الزنديق؛ فلما عرف حاله، واطلع على أقواله؛ صرح بكفره كما سبق، ونقلنا عنه.



يتم التشغيل بواسطة Blogger.

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة