وصلتني اليوم رسالة عبر الجوال من أحد إخواننا في الجزائر؛ جاء فيها:
"السلام عليكم؛ هل اطلعتم على تعيين عايض القرني إماماً وخطيباً من طرف صالح
آل الشيخ، وكذلك الفوزان لا يحكم على من مات كافراً بالنار، ومثل بالبابا"اهـ
وحيث إنني لم أسمع بهذه الفتوى من قبل؛ فقد بحثت عنها في الشبكة؛ فوجدت ما
يلي:
هذا سائل يقول: توفي إمام الضلالة البابا يوحنا، والسؤال: هل يجوز أن يحكم
عليه بأن مصيره إلى جهنم؛ حيث إنه مات على الكفر؟
فأجاب الفوزان: "ما تدري إنه مات على الكفر؛ ما تجزم؛ ما تجزم إنه مات
على الكفر؛ ما يُشهد لمعين بجنة ولا بنار؛ إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه
وسلم؛ ما تجزم إنه مات على الكفر؛ الله أعلم، ولذلك ما تجزم إنه من أهل النار؛ نعم"اهـ
قلت:
أولاً: لقد تعبدنا
الله بالحكم على الظواهر، وهو سبحانه يتولى السرائر؛ فلو لم نشهد على الكافر بالكفر
ومن ثم بالنار؛ لأصبح الناس في شك من دينهم؛ بل ولخرج علينا من يقول: لا يجوز
الترحم على المسلم المعين؛ لأنا لا
ندري إن كان قد مات على الإسلام؛ أو لا؟ أو يفتي بجواز الترحم على الكافر المعين؛
لاحتمال أن يكون قد مات على الإسلام.
ثانياً: كلام الطحاوي؛ الذي لم يجد الفوزان غيره ليحتج به؛ المقصود به: أهل
الإسلام لا أهل الكفر والطغيان الذين بلغتهم الدعوة ولم يدخلوا في الإسلام، ولا
المرتدين الذين خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم؛ فإنه قال: (ولا ننزل أحداً منهم
جنة ولا ناراً، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق؛ ما لم يظهر منهم شيء من
ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى).
فالكافر الذي عاش ومات على الكفر؛ يحكم عليه بالكفر، وأنه من أهل النار،
وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة.
أما الكتاب: ففي
آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{، وقوله تعالى: }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ
اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارِ{، وقوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَهُمْ{، وقوله تعالى: {النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا{، وقوله تعالى: {إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}،
وقوله: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا
لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا
طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرً{، وقوله تعالى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ
جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ
عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{.
وأما السنة:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أهل النار"،
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أبي وأباك في النار"،
وقال: "الوائدة والموءودة في
النار"، وقال عليه الصلاة والسلام: "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار"، وقال صلى الله عليه وسلم:
"يتجلى لنا الرب عز وجل ضاحكاً، ويقول: أبشروا معاشر المسلمين؛ فإنه ليس منكم
أحد إلا قد جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً"، ووقف على القليب يوم
بدر، فقال: "يا فلان! يا فلان! هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟".
وأما الإجماع: فقد صالح أبو بكر الصديق رضي الله عنه المرتدين؛ على أن
يشهدوا أن قتلاهم في النار، ووافقه على ذلك عمر، وسائر الصحابة.
أما بالنسبة لصالح آل الشيخ؛ فقد قال في شرح لمعة الاعتقاد: "من السنة هجران أهل البدع ومباينتهم، وهذا
هو الذي كان أئمة أهل السنة يوصون به؛ من عدم غشيان المبتدعة في مجالسهم ولا
مخالطتهم، بل هجرانهم بالكلام، وهجران بالأبدان، حتى تخمد بدعهم، وحتى لا ينتشر
شرهم، فالدخول مع المبتدعة ومساكنتهم، سواء كانت البدع صغيرة أو كبيرة، والسكوت عن
ذلك، وعدم هجرانهم، والاستئناس لهم، وعدم رفع الرأس بحالهم مع بدعهم، هذا من حال
أهل الضلال، إذ أهل السنة تميزوا بأنهم لهم الموقف الأعظم الذي فيه القوة والشدة
مع أهل البدع؛ مهما كانت البدع، فيهجرون أهل البدع، هجر المبتدع من أصول الإسلام
.. ونلاحظ اليوم أنه في هذه المسألة فيه ترك لهذا الأصل؛ فكثير من الناس يخالط
المبتدعة ولا يهجرهم بحجج شتى؛ إما دنيوية، وإما تارة تكون دعوية أو دينية، وهذا
مما ينبغي التنبه له والتحذير منه؛ لأن هجران أهل البدع متعين، فلا يجوز مخالطتهم
بدعوى أن ذلك للدعوة، ولا مخالطتهم بدعوى أن ذلك للدنيا، ولا مخالطتهم وعدم
الإنكار عليهم بدعوى أن هذا فيه مصلحة كذا وكذا"اهـ
وعليه: فإذا رأيته يثني على أحد، أو يدنيه، أو يلبي دعوته، أو
يقلده شيئاً من الولايات؛ فاعلم أنه من أهل السنة؛ فمن المحال أن يناقض الشيخ
نفسه، وينقض تأصيله وتفصيله؛ فراجع أيها الأخ موقفك من عائض، وإياك أن تظن أنه مبتدع
أو ضال، وراجع كذلك موقفك من سلمان العودة وأحمد الطيب وغيرهم ممن ترميهم زوراً
وبهتاناً بالبدعة؛ مع أنك ترى الشيخ يغشى مجالسهم، ويؤانسهم، ويحتفي بهم، ويثني
عليهم.